الإقتصاد

بالمديونية المغرب يفقد سيادته الاقتصادية

قصة المغرب مع الاستدانة، ليست وليدة اليوم؛ لقد كان سلاطين المغرب ، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، يسمحون للاستعمارين الفرنسي والاسباني من بسط سيطرتهم من باب المديونية الخارجية، وبعد مرور قرن ونيف من الزمن، مازال المغرب يتأرجح داخل دوامة المديونية.

اليوم، تغيرالفاعلون، وتغيرت التسميات، وبقيت أداة المديونية تلعب نفس الدور الجهنمي وهو سلب السيادة السياسية والاقتصادية من الشعوب، وتحويلها لصالح مراكز القرار المالية الإمبريالية وخدامهم من النخب محلية التي تستفيد من منظومة الدين العمومي. وبهذا الدور الخطير نعتبر أن المديونية نظام متكامل من العلاقات المتشعبة لتجعل من العلاقة بين الدائن والمدين علاقة استغلالية فظيعة تمتد إلى الشعوب لتمتص خيراتها من ثروات وفوائض.

فرنسا والبنك الدولي أكبر الدائنين

 

تصل المديونية العمومية بالمغرب إلى 900 مليار درهم؛ رقم مخيف ، ويضم في طياته العديد من الخبايا حول التدبير الاقتصادي والمالي بالمغرب ، وما لها من أثار مباشرة على الاختيارات الاجتماعية للدولة.

وتتوزع هذه المديونية بين دين داخلي يمثل 63 في المائة من إجمالي الدين، و مديونية خارجية تستحوذ على 37 في المائة الباقية. الصنف الأول من الدائنين ، هم الأبناك المتواجدة بالمغرب، وكذا الصناديق الائتمانية وصناديق التقاعد. ويعتبر الاستثمار في أصول الدين المغربي ، عملية مربحة ومضمونة، لكون هاته المؤسسات المالية هي على يقين تام من كون الخزينة العامة ستسدد ما بذمتها على رأس كل شهر. الصنف الثاني، يضمن الدائنين المتعددي الأطراف كالأبناك الخاصة، وأبناك “التنمية (البنك الأفريقي، البنك الإسلامي، البنك الأوروبي، الخ.) وأبرزال دائنين في هذا الصنف هو البنك الدولي الذي يمثل لوحده 34 في المائة من إجمالي الدين الخارجي المتعدد الأطراف.ويقترض المغرب أيضا من عند دول الجوار، وأكبر دائن للمغرب، هو فرنسا وذلك لا يشكل أي مفاجأة، فهو تأكيد على استمرار العلاقة الاستعمارية بين الطرفين. للإشارة عرفت المديونية الخارجية ارتفاعا مضطردا خلال الخمس السنوات الأخيرة جراء المشاريع الضخمة المقررة من طرف الاستبداد ، و التي تنجزها الشركات العمومية بدون أي قرار ديمقراطي. فمثلا، مديونية المكتب الوطني للسكك الحديدية وصلت مستويات قياسية بسبب مشروع القطار الفائق السرعة؛ ولهذا كله فإن وزن المديونية الخارجي والداخلي المتزايد يؤثر على القرارات الاقتصادية منذ عقود.

مخطط التقويم الهيكلي الدائم

ضمان تسديد الديون أولوية الأوليات ،عند كل الحكومات المتعاقبة بالمغرب، على حساب أي اختيارات اجتماعية. وأمام العجز البنيوي في الميزانية بالمغرب، فكل الحكومات كانت مهووسة بسداد الديون. منظومة المديونية  ليست أرقام و تحويلات مالية فحسب، فهي في جوهرها حاملة لمشروع رأسمالي عنيف يستفيد منه الرأسمال الكبير بالمغرب. فانطلاقا من الوازع الليبرالي التقشفي، تعتمد الدولة منذ الثمانينات على برنامج تقويم هيكلي دائم سماته الأساسية هي كالتالي:تقليص  الميزانيات الاجتماعية، حذف مناصب الشغل في الوظيفة العمومية، فرض العمل بالعقدة ، تجميد الأجور، خفض التقاعد، خصخصة المقاولات والمؤسسات العمومية المربحة للرأسمال الكبير المحلي والأجنبي، ضرب الطابع العمومي للخدمات العمومية ومنحها للمقاولات الأجنبية والمحلية الكبرى عبر ما يسمى بالتدبير المفوض والشراكة بين القطاعين العام والخاص، تسهيل استحواذ الرأسمال الكبير على ثرواتنا الطبيعية في البحر وفوق الأرض وباطنها (المناجم والماء) والسماء (محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح)، توجيه الإنتاج الى التصدير ودعم التجمعات الصناعية والفلاحية وتدمير الزراعة المعاشية وربط غذائنا الرئيسي بمضاربات حفنة من المحتكرين والمقامرين بقوت ملايين البشر.

حصيلة أربع عقود من هاته السياسات المستندة الى المديونية (اقتراضا وتسديدا) و المملاة من طرف المؤسسات المالية الدولية حصيلة كارثية. تقييم يمكن أن نلخصه بسرعة في أربع نقاط :

  1. اغتناء فاحش لأقلية من العائلات المعروفة تاريخيا باستحواذها على الثروات، ودخول عدد منها لنادي أثرياء العالم ؛
  2. ارتفاع في الفوارق الاجتماعية والمجالية ، وانحسار، وضعف الدخل الفردي السنوي لغالبية الشرائح العمالية والشعبية ؛
  3. فقدان المغرب لسيادته السياسية والاقتصادية والمالية والغذائية والبيئية والثقافية (مثال الخط الائتماني للسيولة مع صندوق النقد منذ 6 سنوات)؛
  4. احتداد المديونية البنكية للأسر اتجاه البنوك ومؤسسات القروض الصغرى التي تقوم بممارسات فظيعة في حق الفقراء ، خصوصا النساء منهم.

 نحو فحص المديونية

هذا التقييم السلبي ” للنموذج التنموي” المغربي، أصبح يلتقي حتى مع الخطاب الرسمي الذي ينتقد عطاء الاقتصاد الوطني إلتقاء ليس من نفس المنطلقات، لكنه يصل – تقريبا لنفس الحصيلة السلبية. أمام كل هذه المعطيات، نعتبر داخل جمعية أطاك أن ” نظام المديونية ” ليس إذن مجرد قروض وجب استردادها، بل هي نظام استعباد وقهر وإخضاع لشعبنا ولشعوب العالم في الدول النامية، ونهب واسع لثرواته من قبل الرأسمال الكبير المحلي والأجنبي. وكأعضاء في الشبكة الدولية من أجل إلغاء الديون، نؤكد على أن مطلب إلغاء الديون العمومية الداخلية والخارجية يعني بالأساس استعادة السيادة الاقتصادية  والغذائية وفك الارتباط بمراكز القرار الأجنبية من مؤسسات مالية وتجارية دولية وقوى امبريالية.

يتيح إلغاء الديون العمومية، توفير موارد مالية ضرورية لتنمية مبنية على تلبية الحاجيات الأساسية للشرائح الشعبية الواسعة ، وسن سياسات عمومية، تقوم على ضمان العيش الكريم ودعم مواد الاستهلاك الرئيسية وربط الأجور بضرورات الحياة، وتوفير السكن اللائق، والخدمات العمومية مجانا ، مع ضمان جودتها،  وصون حقوق النساء، وفرض ضريبة تصاعدية على الثروات، واحترام البيئة، إلخ. ولابد من إرساء مؤسسات ديمقراطية حقيقية تكون مستقلة في قرارها وتضمن رقابة شعبية فعلية على تنفيذ برامجها. وأول خطوة لكل ذلك، يمكن أن تكون من خلال عملية فحص وتدقيق شعبي للمديونية العمومية المغربية. خطوة ستفيد في الإجابة عن أسئلة جوهرية، نادرا ما تطرح في النقاش العمومي: من اقترض هذه الديون باسمنا؟ مع من استشار؟ من أقرضه؟ بأية شروط وفي أية ظروف؟ أين صرفت هذه الديون وكيف؟ ماذا استفدنا أو بالأحرى ماذا خسرنا؟ أسئلة ملحة ، سيكون الجواب عنها في صدر هذه الصفحة على فترات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى