بصوت مرتفع

فيدرالية اليسار الديمقراطي: الانتصار لمنطق الوحدة…

محمد امباركي

بحلول 23 مارس 2019  تكون قد مرت خمس سنوات على الإعلان الرسمي عن ولادة فيدرالية اليسار الديمقراطي كصيغة متقدمة لتجاوز المعيقات التي اعترت تجربة تحالف اليسار الديمقراطي  الذي تم العمل به منذ 2007، بمعنى آخر أن زمن التقارب بين مكونات الفدرالية في اتجاه مراكمة شروط الوحدة الاندماجية استغرق حوالي 12 سنة….من هنا، من المهم جدا التساؤل بروح نقدية بناءة عن حصيلة هذه الفترة الزمنية غير القصيرة….غير قصيرة بالمنطق السياسي حيث مياه كثيرة جرت تحت الجسر خلال هذه المدة انطلاقا من انتخابات 2007، 2009، 2011 ، 2015، 2016، صعود جزء من حركة الإسلام السياسي الى الحكومة خلال ولايتين في ظل دينامية احتجاجية متحولة وغير مسبوقة من حركة  20 فبراير الى الاحتجاجات الفئوية ( المعطلين، الأساتذة المتدربين، الأطباء، الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد…) ثم الحراكات الشعبية المحلية في الريف، زاكورة، جرادة…و الاعتراف الرسمي بفشل أطروحة هيكلة الحقل السياسي من فوق بالموازاة مع فشل « النموذج التنموي « و مباشرة إصلاحات اقتصادية و اجتماعية لا شعبية ( صندوق المقاصة، التقاعد، مجانية التعليم، جمود الحوار الاجتماعي…)، مما جعل من الخيار القمعي في قلب الاستراتيجية الوقائية للدولة في مواجهة الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة، و هي استراتيجية ظلت وفية لطبيعتها المزدوجة من خلال خطة تجمع بين القمع المباشر عبر تجريم الحق في التظاهر السلمي واعتقال نشطاء وقيادات الحراك ومباشرة مسلسل من المتابعات والمحاكمات الانتقامية والقاسية، ثم القمع غير المباشر من خلال التشويه، والتعبئة المجتمعية المضادة وتعميق التناقضات الداخلية. وتعتبر حملات التضامن والدعم أرضية نضالية مهمة لتوحيد المجهود لكنها تبقي غير كافية، بل إنها قد تعرض السقف المطلبي للحراك للتقزيم في ظل غياب أو ضعف البديل السياسي والاجتماعي القادر على ضمان مخزون التعبئة والمناعة وشروط تدبير الصمود والاستمرارية.
من البديهي التأكيد على أن انتقال هذا المشروع الوحدوي اليساري من صيغة التحالف الى مستوى فدرالي مسألة إيجابية ومهمة في اتجاه الغاية الكبرى أي تحقيق قوة سياسية يسارية قادرة على إعادة بناء اليسار المغربي على أسس فكرية وسياسية وبرنامجية واضحة وبالتالي التموقع في قلب الصراع الاجتماعي بمختلف مستوياته
ومجالاته تفكيرا وتأطيرا واستشرافا…ولكن الانتقال من صيغة التحالف الى الفدرالية، مطالب بان تواكبه خطة وآليات سياسية وتنظيمية تعبوية محكمة ومنتديات حوارية في القضايا التي تستوجب النقاش وتقريب المقاربات
ووجهات النظر  حتى لا يكون انتقالا معاقا وحبيس شروط الولادة، أي الشرط الانتخابي بضغوطاته وإكراهات تدبيره والمجهودات التي يتم استثمارها خلاله، وحتى تكون مردوديته سياسية تساعد على تحقيق النقلة النوعية المنتظرة، وفي هذا السياق كان من المفروض العمل على استثمار الإشعاع المهم للفيدرالية خلال انتخابات 16 أكتوبر 2016 بطريقة جماعية منتجة والتعاطف الواسع الذي حظيت به والتموقع الانتخابي كقوة سياسية رابعة في أغلب المدن الكبرى رغم كل أشكال الدعم لأحزاب الريع السياسي والديني، حيث لم تعد الفدرالية كفكرة ومشروع في ملكية مكوناتها الثلاث، بل أصبحت محط اهتمام وتعاطف فئات اجتماعية عديدة تتطلع الى ممارسة سياسية ملتصقة بهموم الناس وقادرة على توسيع وعاء الفدرالية ليتسع لجميع الحالمين بمغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية و المساواة، وهذا تعبير على قدرة الفدرالية – برنامجا وخطابا – على تقديم عرض سياسي قمين بتعبئة مختلف الفئات الاجتماعية خاصة الفئات الوسطى التي ظلت تتأرجح بين مقاطعة اللعبة أو التصويت لصالح أحزاب بعينها، و بالتالي تأطير كل الفئات الاجتماعية  ذات المصلحة في التغيير الديمقراطي الحقيقي والقطع مع المنظومة السياسية المخزنية القائمة على احتكار السلطة والثروة والتسويق لديمقراطية مبتورة.
اليسار المغربي يسار مناضل معطاء قدم الكثير من التضحيات، لكن تاريخه هو تاريخ انشقاقاته وانقساماته بل
وحروبه الصغيرة في معظم الأحيان والتي تؤدي به الى إنتاج بعض التصورات والبرامج تتجاوز مستلزمات المرحلة وإمكاناته الذاتية ويحكمها فقط منطق التميز والانتصار على بعضه البعض. من هنا لم يعد مقبولا هدر الزمن السياسي في ظل زمن اجتماعي احتجاجي بامتياز وغير مؤطر تنظيميا وسياسيا أمام الاستراتيجيات المضادة القائمة على  العزل السياسي والاجتماعي وتعميم خطاب العداء المجاني للقوى التقدمية، وبالتالي رغم الإكراهات سيكون من الضروري، سياسيا وأخلاقيا ونضاليا، التجاوز الفعلي لزمن ما قبل فيدرالية اليسار الديمقراطي والاشتغال وفق بوصلة  أفق وحدوي قادر على إنتاج الإجابة السياسية المطلوبة في المرحلة والتي تتطلب من جهة أولى وعي الإكراهات المطروحة والعمل على تجاوزها في وقتها وبكل الوضوح الرفاقي المطلوب، و من جهة ثانية تحيين القراءة للوضع العام وشجاعة الموقف السياسي وإنتاج مبادرات سياسية تعيد المسألة الدستورية والاجتماعية الى قلب برنامج النضال الديمقراطي في بعديه المؤسساتي والجماهيري. ولن نعبر المسالك الوعرة لهذه الطريق الشاقة، طريق بناء يسار موحد، قوي ومكافح إلا بالانتصار لمنطق الوحدة بصوت مرتفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى