فكر وآراء

ما هي الفوضوية…؟

مروة بفيس

1 – الفوضوية نظريةٌ سياسية:

رغم ما قد تحمله الفوضوية من معان تحيل على غياب نسق يحكمها ويجعلها تعبر عن الفوضى كما يتصورها الذهن في تبسيطه للأمور، فهي مع ذلك نظرية تجد لها موقعها على المستوى السياسي، الفكري، الإيديولوجي والتنظيمي.

هذه المستويات الأربعة مرتبطة ومتشابكة فيما بينها، فالقول بأن الفوضوية نظرية سياسية، هو تعبير عن كونها تخوض صراعا مع نقيض لها، وهذا الصراع يفسر أيديولوجيا، أي بنسق الأفكار التي تعبر عن ممارسات مادية تحدد فهم الفوضوية للعالم وذلك عبر مجموع أدوات التحليل التي هي مفاهيم فكرها، كفهمها لمضمون السلطة والعنف، وهو ما نجده ممارسة تتخذ تنظيما معينا، قد يكون إطار فرديا أو جماعيا للوصول إلى أهداف الفوضوية، أو كما تسمى بشكل آخر الأنا ركية.

الأنا ركية أنار كيات، منها ما يتخذ طابعا فردانيا، أو جماعيا، أو حتى اجتماعيا. وتعتبر السلطة مفهوما محوريا وأساسيا لفهم أسسها وتعددها، فالسلطة، بالنسبة للأناركيين، القدامى منهم أو الجدد، يجب، بقدر الإمكان، اجتثاثها وإلغاؤها. والأناركيون الاجتماعيون، بشكل خاص، حاربوا السلطة، حيث تجد تركيزها الأكبر، أي في الدولة، ومنه فالأناركية الاجتماعية شكل يسعى لمجتمع لا توجد فيه الدولة. نجد كذلك توجها آخر داخل الأناركية وهو التوجه البنيوي، الذي يرى أن السلطة لا يجب اختزالها في الدولة، بل يجب مجابهتها في جميع الميادين، سواء الاقتصادية، الثقافية، أو حتى الأكاديمية، والتي تتخذ طابعا بنيويا. وهو ما يجعل هذا التوجه يرى السلطة مجموعة علاقات تشكل مجموعة شبكات داخل بنية مترابطة، ومنه فمقاومة السلطة يجب أن تتم على مستويات مختلفة.

والسلطة مفهوم محوري في النظرية الفوضوية / الأناركية، فهي تعني القدرة على تغيير نطاق الاختيارات للممكنة للأشخاص، بحيث يمكن اعتبار التهديدات والمكافآت نوعا من أنواع السلطة، وهي في تحديد أخر، تلك القوة التي تتخذ شكل إصدار النواهي والأوامر بحيث تنجح في جعل الأخرين يلتزمون بها. وفي التحديدين معا تظهر السلطة قوة تغير الاختيارات الممكنة لفئات مجتمع من طرف فئات أخرى عبر إلزامها باختيارات محددة.

إن الأناركية بجميع أطيافها تعتبر أن علاقات السلطة تشغل حيزا كبيرا في كل الشبكات داخل المجتمع مما يدفع لمقاومتها، وعليه فهي تسعى لمقاومة السلطة أينما وجدت، واجتثاثها كلما كان الأمر ممكنا. ومنه، فالأناركية في المستوى السياسي تخوض صراعا يقود لإلغاء السلطة، وذلك عبر مواجهة من يمتلكها ويتملكها. لهذا فالمبدأ الأيديولوجي للأناركية هو بالضبط اعتبار السلطة وأشكالها أساسا ضروريا في فهم كيفية تخريبها للطبيعة البشرية التي هي ذات جوهر حميد، وهو ما يجعلها، أي الأناركية، تعمل على تحليل المجتمع والعلاقات داخله على أساس وجود وغياب السلطة، مما يترتب عليه ممارسات وتكتيكات تعتمد أساسا على فكرة الفعل المباشر العفوي، أي الفعل الذي ينطلق من الأفراد في غياب أي شكل من أشكال السلطة، كالهرمية مثلا، وهو ما يجعل الأناركية تميل إلى ممارسة يتسم فيها شكلها التنظيمي بغياب أي مظهر للسلطة، وهذا الشكل التنظيمي يكون في الغالب حركات عفوية احتجاجية أو مواجهات مباشرة مع الجهات التي تتملك السلطة.

2 – في فهم أعمق للأناركية:

تظهر الأناركية كتوجه يسعى لاجتثاث السلطة عبر الفعل المباشر العفوي الذي لا يحكمه تنظيم سياسي محدد، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار شروط المجتمع التاريخية أو الأفق الذي تطمح له مختلف مكوناته. لهذا يجب البحث في ما يمكن أن تترتب عنه النظرية الأناركية على المستويات الأربعة السابقة.

في المستوى السياسي، لا تفهم الأناركية الصراع السياسي على أنه وحدة لصراع المتناقضات، بمعنى أنه لا تفهمه كمستوى تخوض فيه فئات مختلفة صراعا مع بعضها البعض انطلاقا من دفاعها عن مصالحها الخاصة التي تفضي لضمان استمرار شكل المجتمع أو تغييره، وعليه فالأناركية حين تخوض صراعها ضد السلطة فهي لا تحدد جهات الصراع، ولا تحدد مواقعها في سلسلة الإنتاج وتقسيم العمل، وهو ما قد يجعلها في خدمة تناقضات ثانوية لتحالف فئات محددة داخل هذا المجتمع، أي أن صراعها لاجتثاث السلطة هو صراع ضد فئة من أجل فئة أخرى. والأناركية وإن امتد بحثها عن نقاط السلطة في المجتمع، فهي تظل حبيسة نظرة تختزل العلاقات في المجتمع على أنها علاقة سلطة تتمظهر في مجالات مختلفة، فتتسطح بذلك الرؤية ليظهر الفعل المباشر العفوي وسيلة لمواجهة السلطة.

لهذا فالأناركية لا تتبنى تنظيما محددا، فهو بالنسبة لها هرمية بيروقراطية، وهو شكل من أشكال السلطة، وعليه فالتكتيك أو البراكسيس المناسب بالنسبة لها، يقوم أساسا على الفعل المباشر العفوي، وذلك انطلاقا من رؤية تعتبر الأفراد يمتلكون القدرة على خلق أشكال مقاومة للسلطة دون الحاجة لسلطة تتخذ شكل بيروقراطية هرمية، والتي يمكن أن تكون في نظرها حزبا سياسيا. وعليه فغياب التنظيم الواضح في آفاقه ومكوناته يجعل تكتيكات الأناركية تفتقر للتمرحل وتلك العلاقة الجدلية بين التكتيك المرحلي والأفق الاستراتيجي مما قد يؤدي في النهاية إلى المغامرة بمطالب فئات عريضة في المجتمع.

ولأن الأناركية تنطلق من فهم العالم على أساس علاقات السلطة، فتحليلها يغيب عنه فهم الواقع فهما صحيحا، إن لم نقل أن هذا الفهم يظهر مشوها ولا يرسم لنا حركة المجتمع وتطوره وفق قوانين تفسره. وهكذا تصبح العلاقة في أبسط تجلياتها بين من يمتلك السلطة ومن لا يمتلكها، وهو ما يجعلها غير قادرة على فهم مكونات المجتمع التي تدخل في صراع من أجل السلطة أو تشارك فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى