المجتمع

ماذا بعد فاتح ماي…؟

◆ يونس فيراشين

عيد‭ ‬الشغل‭ ‬لهذه‭ ‬السنة‭ ‬كان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل‭ ‬لحظة‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬أوضاع‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬و‭ ‬عموم‭ ‬الفئات‭ ‬المهمشة‭ ‬نتيجة‭ ‬الاختيارات‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬و‭ ‬حكوماتها‭ ‬المتعاقبة‭ ‬التي‭ ‬عمقت‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬و‭ ‬المجالية،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬التقرير‭ ‬الأخير‭ ‬لمنظمة‭ ‬أوكسفام‭ ‬الذي‭ ‬صنف‭ ‬المغرب‭ ‬ضمن‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تسودها‭ ‬اللامساواة‭ ‬و‭ ‬اللاعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭. ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬أسبابه‭ ‬و‭ ‬مسبباته‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الدولة‭ ‬المخزنية‭ ‬الاستبدادية‭ ‬و‭ ‬سيادة‭ ‬الفساد‭ ‬و‭ ‬الرأسمال‭ ‬الريعي‭ ‬و‭ ‬الانبطاح‭ ‬التام‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭. ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل،‭ ‬وانسجاما‭ ‬مع‭ ‬تاريخها‭ ‬و‭ ‬مرجعيتها‭ ‬و‭ ‬هويتها‭ ‬الكفاحية‭ ‬و‭ ‬ربطها‭ ‬الجدلي‭ ‬بين‭ ‬مطلب‭ ‬التغيير‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والمطلب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭ ‬الذي‭ ‬جسدته‭ ‬في‭ ‬شعار‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السادس‭ ” ‬نضال‭ ‬متواصل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬الحرية‭ ‬و‭ ‬التنمية‭ ‬و‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ” ‬،‭ ‬جعلها‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬نضالي‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬يونيو‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬التواريخ‭ ‬و‭ ‬طبيعة‭ ‬المعارك‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬و‭ ‬حمولة‭ ‬نضالية،‭ ‬خاصة‭ ‬أمام‭ ‬التجميد‭ ‬العملي‭ ‬للحوار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬منذ‭ ‬2012‭ ‬و‭ ‬محاولة‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬و‭ ‬سابقتها‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬جلسات‭ ‬للإنصات‭ ‬و‭ ‬التشاور‭. ‬و‭ ‬بعد‭ ‬مساعي‭ ‬تحريك‭ ‬عجلة‭ ‬الحوار‭ ‬عبرت‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬عن‭ ‬شروطها‭ ‬لتوقيع‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬اجتماعي‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬تتلخص‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬لما‭ ‬رفعته‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬في‭ ‬مذكرتها‭ ‬المطلبية‭. ‬لكن‭ ‬اتفاق‭ ‬25‭ ‬أبريل‭ ‬جاء‭ ‬مخيبا‭ ‬للآمال‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الاستجابة‭ ‬للمطالب‭ ‬العادلة‭ ‬و‭ ‬المشروعة‭ ‬للطبقة‭ ‬العاملة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬تضمن‭ ‬مقتضيات‭ ‬تراجعية‭ ‬خطيرة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ضرب‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحوار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬للتشاور،‭ ‬و‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬لتمرير‭ ‬القانون‭ ‬التكبيلي‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬الاضراب‭ ‬و‭ ‬مراجعة‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل‭ ‬للاجهاز‭ ‬على‭ ‬المكتسبات‭ ‬و‭ ‬اصدار‭ ‬مرسوم‭ ‬يحدد‭ ‬حالات‭ ‬ابرام‭ ‬العقود‭ ‬المحددة‭ ‬المدة‭ ‬بما‭ ‬سيجعلها‭ ‬قاعدة‭ ‬عوض‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬الاستثناء،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإتفاق‭ ‬لا‭ ‬يلزم‭ ‬الحكومة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬26‭ ‬أبريل‭ ‬و‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدرجة‭ ‬الجديدة‭ ‬و‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بالمناطق‭ ‬النائية‭ ‬و‭ ‬توحيد‭ ‬SMIG‭  ‬و‭  ‬SMAG‭ ‬و‭ ‬حذف‭ ‬الصل‭ ‬288‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الذي‭ ‬يجرم‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬و‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬رقم‭ ‬87‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحريات‭ ‬النقابية‭ ‬و‭ ‬حق‭ ‬التنظيم‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬للأسف‭ ‬يعتبر‭ ‬المغرب‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصادق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬المنطقة‭ ‬المغاربية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬رفضت‭ ‬الالتزام‭ ‬بتخفيض‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل‭ ‬للأجراء‭ ‬و‭ ‬إعفاء‭ ‬معاشات‭ ‬المتقاعدين‭ ‬من‭ ‬الاقتطاعات‭ ‬الضريبية‭. ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬اتخذت‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل،‭ ‬و‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬قرارات‭ ‬مجلسها‭ ‬الوطني‭ ‬الأخير،‭ ‬قرار‭ ‬عدم‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬المهزلة‭ ‬و‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬جلسة‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬و‭ ‬ممثلي‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭. 

هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الشجاع‭ ‬التاريخي‭ ‬للكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭ ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬عدم‭ ‬التوقيع؟‭ ‬خاصة‭ ‬و‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬خلف‭ ‬ارتياحا‭ ‬واسعا‭ ‬لدى‭ ‬فئات‭ ‬عريضة‭ ‬و‭ ‬حضي‭ ‬باحتضان‭ ‬كبير‭ ‬للشغيلة‭ ‬المغربية‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬بالحضور‭ ‬الكمي‭ ‬و‭ ‬النوعي‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ ‬فاتح‭ ‬ماي‭ ‬الكونفدرالي‭ ‬وطبيعة‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬المتظاهرون‭.‬

لقد‭ ‬قرر‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬للكونفدرالية‭ ‬استدعاء‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬كأعلى‭ ‬هيئة‭ ‬تقريرية‭ ‬للتداول‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬و‭ ‬الصيغ‭ ‬النضالية‭ ‬الواجب‭ ‬خوضها‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬الاستهتار‭ ‬الحكومي‭ ‬بمطالب‭ ‬العاملات‭ ‬و‭ ‬العمال،‭ ‬وذلك‭ ‬استكمالا‭ ‬للبرنامج‭ ‬النضالي‭ ‬المتواصل‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬يونيو،‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬الأخ‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الزاير‭ ‬الكاتب‭ ‬العام‭ ‬للكونفدرالية‭ ‬أننا‭ ‬مستعدون‭ ‬لإعادة‭ ‬المسار‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬و‭ ‬سنسجل‭ ‬تواريخ‭ ‬نضالية‭ ‬جديدة‭ ‬تنضاف‭ ‬للملاحم‭ ‬النضالية‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬و‭ ‬وشمت‭ ‬التاريخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لبلادنا‭. ‬

خطوة‭ ‬أخرى‭ ‬نعتبرها‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬اللينيني‭ ‬ما‭ ‬العمل،‭ ‬هي‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إعلانه‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬فاتح‭ ‬ماي‭ ‬و‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تفعيل‭ ‬إحدى‭ ‬مخرجات‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السادس‭ ‬لمنظمتنا‭ ‬و‭ ‬القاضي‭ ‬بتأسيس‭ ‬جبهة‭ ‬اجتماعية‭ ‬موسعة‭ ‬و‭ ‬موحدة‭ ‬للنضالات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬و‭ ‬تنظيمات‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ (‬أحزاب‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬و‭ ‬حزب‭ ‬النهج‭) ‬و‭ ‬تنظيمات‭ ‬حقوقية‭ ‬ومدنية‭ ‬مناضلة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيشكل‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬خلق‭ ‬دينامية‭ ‬نضالية‭ ‬فاعلة‭ ‬و‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الفئات‭ ‬المهمشة‭ ‬ضحية‭ ‬الاستغلال‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى