الدولية

الجيش في الجزائر والسودان: أنا الدولة ولي السيادة

◆ يزيد البركة

ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يستعصي‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬والجزائر،‭ ‬فلو‭ ‬انتفض‭ ‬الشعبان‭ ‬في‭ ‬البلدين‭- ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬فعلوا‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬السابق‭- ‬في‭ ‬زمن‭ ‬آخر،‭ ‬وفي‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬والظروف‭ ‬الدولية‭ ‬والمحلية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬لحصل‭ ‬الحل‭ ‬بسرعة‭ ‬بنفس‭ ‬الأسلوب‭ ‬البلطجي‭ ‬العنيف‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬تاريخهما‭ ‬العسكري‭. ‬لكن‭ ‬الإصرار‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬والجزائر‭ ‬على‭ ‬مطالبه‭ ‬وبروز‭ ‬وعي‭ ‬سياسي‭ ‬عال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ألأوساط‭ ‬الشعبية،‭ ‬ووحدة‭ ‬كل‭ ‬التناقضات‭ ‬الثانوية‭ ‬ضد‭ ‬التناقض‭ ‬الرئيسي،‭ ‬وسط‭ ‬شروط‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬فاجأ‭ ‬قادة‭ ‬الدولتين‭ ‬العسكريين‭ ‬والسياسيين،‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬التريث‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬للحسم‭.‬

السودان‭ ‬يحكمها‭ ‬العسكر‭ ‬مباشرة،‭ ‬وله‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬الجزائر‭ ‬هو‭ ‬الحاكم‭ ‬والحكم‭ ‬والمدبر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الستار‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬هناك‭ ‬تلاقي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الجوهر‭ ‬وهو‭ ‬سيطرة‭ ‬العسكر‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬السيادة‭ ‬التي‭ ‬ينص‭ ‬الدستوران‭ ‬معا‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬للشعب‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلى‭ ‬أبعد‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬وفرض‭ ‬الجيش‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬وتدبير‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬انقلابية‭ ‬ليحافظ‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬موقعه،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بالالتفاف‭ ‬على‭ ‬مطالب‭ ‬الشعبين‭ ‬التي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬تغييرا‭ ‬جذريا،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬تتضح‭ ‬الخطط‭ ‬التكتيكية‭ ‬التي‭ ‬بموجبها‭ ‬تسعى‭ ‬قيادة‭ ‬الجيشين‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي،‭ ‬ففي‭ ‬الجزائر‭ ‬تصر‭ ‬رآسة‭ ‬الأركان‭ ‬على‭ ‬الحلول‭ ” ‬الممكنة‭ ‬والمتاحة‭” ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرآسية‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬يوليوز‭ ‬بنفس‭ ‬الإدارة‭ ‬السابقة‭ ‬وبنفس‭ ‬رموز‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬الذين‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬وصفهم‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬بالعصابة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اتبع‭ ‬تكتيك‭ ‬التقرب‭ ‬من‭ ‬الشارع‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كسب‭ ‬الجيش‭ ‬تأييد‭ ‬جزئي‭ ‬منه‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬كل‭ ‬قلوب‭ ‬الجنود‭ ‬والضباط‭ ‬الحانقين‭ ‬على‭ ‬السياسيين‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الفساد‭ ‬بأن‭ ‬ضرب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يسمون‭ ‬وسط‭ ‬الشعب‭ ‬بأبناء‭ ‬فرنسا‭ ‬بانتقاء‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬مصالح‭ ‬فرنسا‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬قبايلية‭  ‬ومعهم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السلة‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬تفننوا‭ ‬في‭ ‬حبك‭ ‬تلاقي‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬يقيادة‭ ‬بوتفليقة‭ ‬لتأبيد‭ ‬النهب‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وشن‭ ‬عليهم‭ ‬حربا‭ ‬سياسية‭ ‬وإعلامية‭ ‬قوية‭. ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬لجعل‭ ‬الجيش‭ ‬قوة‭ ‬موحدة‭ ‬مستعدة‭ ‬لكل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬العد‭ ‬العكسي‭ ‬لوصول‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مطالبه‭ ‬بأن‭ ‬يعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬تحارب‭ ‬الفساد‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬ضدها‭ ‬هو‭ ‬يقف‭ ‬مع‭ ‬الفساد‭. ‬

خلق‭ ‬اعتقال‭ ‬لويزة‭ ‬حنون‭ ‬وإيداعها‭ ‬السحن‭ ‬المؤقت‭ ‬هزة‭ ‬وسط‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬المؤيدة‭ ‬لانتفاضة‭ ‬الشعب‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬ندد‭ ‬بها‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬صرح‭ ‬ألا‭ ‬أحد‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والسرية‭ ‬الذي‭ ‬تلف‭ ‬به‭ ‬المحكمة‭ ‬العسكرية‭ ‬دائما‭ ‬اعتقالاتها‭.‬لكن‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شعارات‭ ‬الجمعة‭ ‬12‭ ‬واضحا‭ ‬وطالب‭ ‬برحيل‭ ‬قايد‭ ‬صالح‭ ‬وبرفض‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬يقدمها،‭ ‬وكانت‭ ‬إشاعات،‭ ‬وتصريحات‭ ‬من‭ ‬قايد‭ ‬صالح‭ ‬بالذات،‭ ‬توجه‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬بأنها‭ ‬مع‭ ‬الثلاثي‭ ‬سعيد‭ ‬بوتفليقة‭ ‬وطرطاق‭ ‬وتوفيق‭ ‬وقد‭ ‬كذبته‭ ‬قبل‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬إيداعها‭ ‬السجن‭ ‬وقالت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬وسط‭ ‬النظام‭ ‬بين‭ ‬جناح‭ ‬الجنرال‭ ‬توفيق‭ ‬ورئيس‭ ‬الأركان‭ ‬قايد‭ ‬صالح‭. 

في‭ ‬السودان‭ ‬سلكت‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بالبشير‭ ‬تكتيكا‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاء‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬خط‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬بعد‭ ‬شغور‭ ‬مقعد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بأن‭ ‬تحولت‭ ‬أمام‭ ‬قوى‭ ‬التغيير‭ ‬محاورا‭ ‬باسم‭ ‬الدولة،‭ ‬وتسلمت‭ ‬منها‭ ‬وثيقة‭ ‬دستورية،‭ ‬وعقدت‭ ‬حوارات‭ ‬سرية‭ ‬وعلنية،‭ ‬وقد‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬انتشاء‭ ‬وشعور‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬يعترف‭ ‬بموقعها‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬البشير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بكل‭ ‬الصلاحيات‭.‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لأن‭ ‬تفرض‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬نقاشا‭ ‬بيزنطيا‭ ‬حول‭ ‬مصدر‭ ‬السيادة‭ ‬بحيث‭ ‬تصرعلى‭ ‬أن‭ ‬المصدر‭ ‬هو‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعرف‭ ‬والتقاليد،‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬فطن‭ ‬لهذا‭ ‬التكتيك‭ ‬الجديد‭ ‬وصرح‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الوثيقة‭ ‬المقدمة‭ ‬ليست‭ ‬مشروعا‭ ‬للدستور‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجيش‭ ‬سابق‭ ‬لأوانه‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬اختصاصه‭ ‬وأن‭ ‬المطروح‭ ‬هو‭ ‬تسليم‭ ‬السلطة‭ ‬للمدنيين‭ ‬وعودة‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬موقعه‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬سلكت‭ ‬إزاء‭ ‬الانتفاضة‭ ‬سلوكا‭ ‬متعاطفا‭ ‬نظرا‭ ‬لانجذاب‭ ‬قلوب‭ ‬الجنود‭ ‬والضباط‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬الشعب،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬أظهرت‭ ‬القيادة‭ ‬صرامة‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬كل‭ ‬جسم‭ ‬الجيش‭ ‬وكل‭ ‬الأجسام‭ ‬الأخرى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسلمت‭ ‬بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬ببوتفليقة‭ ‬بالتراضي‭ ‬الأمن‭ ‬والدرك‭ ‬والاستخبارات‭ ‬وفرضت‭ ‬عدائية‭ ‬إزاء‭ ‬الانتفاضة‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬إدارات‭ ‬الدولة،‭ ‬ففي‭ ‬الجمعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وضعت‭ ‬الحواجز‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬لمنع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المدن‭ ‬ومن‭ ‬الأحياء‭ ‬المحيطة‭ ‬بمراكزها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬قايد‭ ‬صالح‭ ‬لا‭ ‬يفوت‭ ‬أبدا‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬المطالب‭ ‬بعد‭ ‬الجمعة‭ ‬بلغة‭ ‬شديدة‭ ‬وأبوية‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬لشقها‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى