في المرآة....

دمقرطة التعبيرات الثقافية بالمغرب

بعد‭ ‬تأخر‭ ‬دام‭ ‬حوالي‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬04‭.‬16‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬بدأ‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الدراسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬فقد‭ ‬صدقت‭ ‬لجنة‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والاتصال‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬3‭ ‬يونيو‭ ‬2019‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كان،‭ ‬بعد‭ ‬إيداعه‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والاتصال،‭ ‬موضوعا‭ ‬للنقاش‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬المناقشة‭ ‬التفصيلية‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يناير‭ ‬2018،‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬مدارسته‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬13‭ ‬فبراير‭ ‬2018،‭ ‬وهو‭ ‬قانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬يراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬إطارا‭ ‬مرجعيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السياسات‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬وقوة‭ ‬اقتراحية‭ ‬للنهوض‭ ‬باللغات‭ ‬وبالثقافة‭ ‬المغربية‭.‬

إننا‭ – ‬ونحن‭ ‬نتابع‭ ‬الولادة‭ ‬التشريعية‭ ‬لهذا‭ ‬القانون‭ – ‬لن‭ ‬نأتي‭ ‬بجديد‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬التصديق‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬سوى‭ ‬مدخل‭ ‬لمهمات‭ ‬ورهانات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬وشمولية،‭ ‬تتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بالتنفيذ‭ ‬العملي‭ ‬لمقتضياته،‭ ‬فالوقائع‭ ‬تظهر‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬تبقى‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬وتحتاج‭ ‬لإرادات‭ ‬وشروط‭ ‬وحيثيات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطبيقها‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬سيواجهه‭ ‬التنفيذ‭ ‬العملي‭ ‬لهذا‭ ‬القانون‭ ‬يرتبط‭ ‬بمدى‭ ‬نضج‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬الثقافية‭ ‬والمؤسساتية،‭ ‬لبلورة‭ ‬أجواء‭ ‬تسمح‭ ‬بالتوزيع‭ ‬العادل‭ ‬لفرص‭ ‬التعبيرات‭ ‬الثقافية‭ ‬بمختلف‭ ‬مرجعياتها،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنه‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬بعضا‭ ‬منها‭ ‬لن‭ ” ‬يُهضم‭ ” ‬بسهولة،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬مثلا‭ ‬الإجراء‭ ‬القاضي‭ ‬بحل‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وإلحاقه‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬قانوني‭ ‬ودستوري‭ ‬يخول‭ ‬لها‭ ‬استقلالية‭ ‬تامة‭ ‬في‭ ‬التدبير‭ ‬و‭ “‬القرار‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬الامتياز‭ ‬الذي‭ ‬ستفتقده،‭ ‬بقوة‭ ‬الواقع‭ ‬والقانون،‭ ‬فور‭ ‬تغيير‭ ‬بنيتها‭ ‬التنظيمية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬بالضبط‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬أصوات‭ ‬وكتابات‭ ‬ومواقف‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافات،‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مناورة‭ ‬تستهدف‭ ‬لجم‭ ‬الاندفاعة‭ ‬القوية‭ ‬للمعهد‭ ‬ومحاصرتها،‭ ‬والعودة‭ ‬بملف‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭ ‬والعصف‭ ‬بكل‭ ‬المكتسبات‭ ‬التربوية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسة‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للثقافة‭ ‬الأمازيغية‭.‬

إن‭ ‬بلورة‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬تتطلب،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تتطلب،‭ ‬شيوع‭ ‬ثقافة‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتسامح‭ ‬والإيمان‭ ‬بحقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬وهواجسهم‭ ‬وانتظاراتهم‭ ‬بكل‭ ‬حرية،‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬يضمن‭ ‬الكرامة‭ ‬وللجميع‭..‬

أمام‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬تطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭: ‬هل‭ ‬فعلا‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬حقيقية‭ ‬وشروط‭ ‬مؤسساتية‭ ‬ناضجة‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬لكسب‭ ‬رهان‭ ‬دمقرطة‭ ‬مختلف‭ ‬التعبيرات‭ ‬الثقافية‭ ‬ببلادنا‭ ‬وفق‭ ‬آليات‭ ‬تسمح‭ ‬بحماية‭ ‬التعددية‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬؟‭.. ‬هل‭ ‬يكفي‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬مؤسسة‭ ‬دستورية‭ ‬وطنية‭ ‬مرجعية‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭  ‬لنجاح‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬احتضان‭ ‬خلاق‭ ‬لمختلف‭ ‬روافد‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافة‭ ‬للمجتمع‭ ‬المغربي‭..‬؟‭ . ‬

إنها‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ / ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تحتاج،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحصين‭ ‬تداعياتها،‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬مساحات‭ ‬أوسع‭ ‬للنقاش‭ ‬والتداول‭ ‬بشأنها،‭ ‬وإشراك‭ ‬كافة‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بقضايا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بمجرد‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬وقوانين‭ ‬بعينها،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقضايا‭ ‬مصيرية‭ ‬كبرى‭ ‬تستوجب‭ ‬تعميق‭ ‬القناعات‭ ‬المجتمعية‭ ‬المتقاطعة‭ ‬والعميقة‭ ‬بشأنها،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬إكسابها‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬المناعة‭ ‬الممكنة‭ ‬لتكون‭ ‬آلية‭ ‬فعلية‭ ‬لحماية‭ ‬مختلف‭ ‬التعبيرات‭ ‬الثقافية‭ ‬والنهوض‭ ‬بمقوماتها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإعلام‭ ‬والتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬والفنون‭ ‬والإدارة،‭ ‬وجعلها‭ ‬أداة‭  ‬لتغذية‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬الوطني‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭  ‬التجانس‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الثقافة‭  ‬المغربية،‭ ‬لغة‭ ‬وإبداعا‭ ‬ومجالا‭… 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى