السياسة

موقف الحركة الاتحادية الأصيلة من غلاة “القومجية” وغلاة الأمازيغية

◆ يزيد البركة

◆ يزيد البركة

تجددت الاتهامات مرة أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي ضد العرب، وضد “القومجية” الصفة القدحية التي تفضلها عادة أصناف الإثنية، بمناسبة التطبيع الذي تم بين الإمارات و”إسرائيل”، وفي الحقيقة، فإن القضية الفلسطينية سواء تم الغدر بها أو انتصرت في معارك جزئية، تجر دائما وراءها الاتهامات من أوساط الإثنية في تناغم مع الصهيونية أساسا، وأبواق الإمبريالية، واليوم تتحرك في تناغم معها الأبواق الإعلامية الرجعية العربية.

 

1-  ‬شتان‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم

نحن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الصهيونية‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬الاستعمار‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬وطوال‭ ‬مسيرتها،‭ ‬في‭ ‬موجته‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬الامبريالية‭ ‬وبناء‭ ‬الرأسمال‭ ‬المالي‭ ‬الضخم‭ ‬والشركات‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬ومن‭ ‬أخطاء‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أنها‭ ‬وافقت‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬حذف‭ ‬صفة‭ ‬العنصرية‭ ‬عنها،‭ ‬لأنها‭ ‬بقت‭ ‬كذلك،‭ ‬ولم‭ ‬تتغير،‭ ‬ولو‭ ‬تلونت‭ ‬في‭ ‬تحركاتها‭ ‬بألوان‭ ‬وأشكال‭ ‬مثلما‭ ‬يتلون‭ ‬السحرة‭.‬

حاليا‭ ‬وبمساعدة‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬رأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬التحركات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُدفع‭ ‬إليها‭ ‬دفعا‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬بالتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية،‭ ‬هدفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬وكانت‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬دفعها‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬السادات‭ ‬ومن‭ ‬خَلَفَه،‭ ‬ومع‭ ‬الملك‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬سما‭ ‬زعافا‭ ‬يجب‭ ‬أخذه‭ ‬وإلا‭ ‬غضبت‭ ‬أمريكا‭. ‬ماذا‭ ‬تبدل؟‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬التقى‭ ‬مع‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬تقصر‭ ‬الزمن‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬هيمنة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الانجليكانية‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وأتيحت‭ ‬لهما‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬في‭ ‬تقلد‭ ‬حكام‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬أبلد‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭.‬

ما‭ ‬مدلول‭ ‬اتفاق‭ ‬الطائف‭ ‬الذي‭ ‬أبرم‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1989،‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بين‭ ‬نفس‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تتصارع‭ ‬فيه‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬؟‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬تسمى‭ ‬وهما،‭ ‬حربا‭ ‬أهلية،‭ ‬لكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭ ‬والرجعية‭ ‬العربية‭ ‬وفرنسا‭ ‬موجودة‭ ‬فيها‭ ‬بقوة،‭ ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬سوريا‭ ‬وإيران‭ ‬وجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬المناهض‭ ‬للصهيونية‭ ‬والامبريالية‭ ‬والرجعية‭ ‬تنامى‭ ‬وتمدد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬قلقا‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬لدى‭ ‬دوائر‭ ‬الامبريالية،‭ ‬وهو‭ ‬حس‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬لنضال‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والامبريالية‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الثروات‭ ‬الوطنية‭.‬

تحركت‭ ‬السعودية،‭ ‬وخلف‭ ‬الستار‭ ‬كانت‭ ‬أمريكا‭ ‬تحرك‭ ‬الخيوط،‭ ‬والكل‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬هذا‭ ‬وجاء‭ ‬اتفاق‭ ‬الطائف‭ ‬ليؤجل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬توفر‭ ‬شروط‭ ‬جديدة،‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بها‭ ‬فرنسا‭ ‬باستقلال‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬لفصله‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬المغاربي‭ ‬وإجهاض‭ ‬تطور‭ ‬مقاومة‭ ‬الاستعمار‭. ‬وما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬غليان‭ ‬وطني‭ ‬وما‭ ‬عليه‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬المناهض‭ ‬لأي‭ ‬حس‭ ‬وطني،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬لإرهاصات‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬وقانونية‭ ‬لما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الطائف‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬مؤامرات‭ ‬وما‭ ‬أحدثه‭ ‬من‭ ‬محو‭ ‬للدولة‭ ‬وبروز‭ ‬نزوعات‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬البحار‭.‬

استجاب‭ ‬حافظ‭ ‬الأسد‭ ‬لتحركات‭ ‬السعودية‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية‭ ‬وحقق‭ ‬مكاسب،‭ ‬وتنازل‭ ‬تنازلات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ومن‭ ‬المكاسب‭: ‬النص‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬المليشيات‭ ‬إلا‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬يقاوم‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وكذلك‭ ‬عدم‭ ‬جعل‭ ‬لبنان‭ ‬ممرا‭ ‬لمرور‭ ‬مخططات‭ ‬الإضرار‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي‭ ‬لسوريا،‭ ‬ومن‭ ‬التنازلات‭/‬الأخطاء‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬تحالف‭ ‬دولي‭ ‬ضد‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬وسوريا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وكان‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬يؤلب‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬ضد‭ ‬حافظ‭ ‬الأسد‭ ‬ويدعمه‭ ‬للعب‭ ‬ورقة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬واستعماله‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ودفع‭ ‬بأبي‭ ‬الزعيم‭ ‬ليخلط‭ ‬كل‭ ‬الأوراق‭ ‬وسط‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬به‭ ‬الطرفان‭ ‬التقاط‭ ‬الأنفاس،‭ ‬لتحضير‭ ‬شروط‭ ‬جديدة‭ ‬للصراع‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بخلفيات‭ ‬التطبيع‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬السابقون‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬رجعيين‭ ‬أو‭ ‬وطنيين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بحنكة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬الصراع‭ ‬الدولي‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وفهم‭ ‬أهدافه،‭ ‬حاليا‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬يركضون‭ ‬ركضا‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬لا‭ ‬بالفهم‭ ‬ولا‭ ‬بالحنكة،‭ ‬لقد‭ ‬استسلموا‭ ‬لعقل‭ ‬الآخر‭ ‬لكي‭ ‬يرسم‭ ‬لهم‭ ‬المستقبل‭ ‬ويحدده‭ ‬لهم‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬المبعوثين‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬كوشنير‭ ‬الحالي‭ ‬يترددون‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لتسويق‭ ‬البضاعة‭ ‬الفكرية‭ ‬لشرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬ولا‭ ‬يفلحون‭: ‬القادة‭ ‬الوطنيون‭ ‬يقولون‭ ‬لا‭ ‬والقادة‭ ‬الرجعيون‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬نعم‭ ‬ولكن‭.. ‬

محمد بن عبد الكريم الخطابي، أمازيغي حر، على عكس توجهات غلاة الأمازبغية المتصهينين.

2- ‬التطبيع‭ ‬وغلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ “‬القومجية‭”‬

جاء‭ ‬التطبيع‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬سياسية‭ ‬وإيديولوجية‭ ‬واقتصادية‭ ‬جديدة،‭ ‬على‭ ‬خطوات‭ ‬التطبيع‭ ‬السابق،‭ ‬وإذا‭ ‬تجاوزنا‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬خاضتا‭ ‬حروبا‭ ‬مع‭ “‬إسرائيل‭”‬،‭ ‬وتجاوزنا‭ ‬أنهما‭ ‬تفاوضتا‭ ‬وأخذتا‭ ‬وتنازلتا،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬ميزان‭ ‬التنازل‭ ‬مال‭ ‬إلى‭ ‬التفريط،‭ ‬فإن‭ ‬التطبيع‭ ‬الحالي‭ ‬واللاحق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ “‬سلام‭” ‬تقدمه‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ل‭”‬إسرائيل‭” ‬يجري‭ ‬مع‭ ‬دول،‭ ‬لم‭ ‬تخض‭ ‬حربا‭ ‬أصلا،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تتفاوض‭ ‬التفاوض‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬عالميا،‭ ‬بل‭ ‬تنفذ‭ ‬أوامر‭ ‬لشرط‭ ‬جديد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬هو‭ ‬بروز‭ ‬متنمر‭ ‬سياسي،‭ ‬يحلو‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬الأوامر‭ ‬دوليا‭ ‬لتنفذ‭ ‬فورا،‭ ‬وترامب‭ ‬هذا‭ ‬يتنمر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬حلفاءه‭ ‬الأوروبيين‭ ‬ويتنمر‭ ‬داخل‭ ‬بلده‭ ‬،‭ ‬ويتنمر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬حزبه،‭ ‬وعلى‭ ‬طاقمه‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬فأحرى‭ ‬الشخصيات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تحتقرها‭ ‬الأنجليكانية،‭ ‬وهذا‭ ‬الاحتقار‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬ترامب‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭.‬

التطبيع‭ ‬الحالي،‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭ ‬على‭ ‬السابق،‭ ‬يحضر‭ ‬بسرعة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬التصور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتحضير‭ ‬للخطوات‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬العقل‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بالثروات‭ ‬والمال‭ ‬العربي‭.‬

لم‭ ‬يخسر‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولا‭ ‬مجموع‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التطبيع،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬كانت‭ ‬أصلا‭ ‬طابورا‭ ‬خامسا‭ ‬للامبريالية‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الواقف‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬وضد‭ ‬أطماعه،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬تياران‭ ‬سياسيان‭ ‬خسرا‭ ‬خسارة‭ ‬ليست‭ ‬هينة‭ ‬وهما‭ ‬أولا‭ ‬تيار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يستمد‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬أما‭ ‬جزء‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬تحتضنه‭ ‬تركيا‭ ‬فهي‭ ‬أصلا‭ ‬مطبعة‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬وفي‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وهو‭ ‬متجه‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الحائط‭. ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬تيار‭ ‬الإثنية‭ ‬والعصبية‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬في‭ “‬إسرائيل‭” ‬نموذجا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وحليفا‭ ‬ضد‭ “‬العرب‭” ‬وضد‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ “‬القومجية‭ ‬والعروبية‭” ‬وهذه‭ ‬الخسارة‭ ‬تعتبر‭ ‬عاملا‭ ‬إيجابيا‭ ‬للطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وبالتالي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولليسار‭ ‬في‭ ‬عمومه‭. ‬لماذا؟

‭ ‬

لم‭ ‬تفلح‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬والرجعية‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬واليسار‭ ‬العالميين‭ ‬بالانقلابات‭ ‬والاغتيالات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬البطش،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬صلابة‭ ‬وتجذر‭ ‬الحركة،‭ ‬لذا‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬وسقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬استعملت‭ ‬الامبريالية‭ ‬نفس‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استعملته‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬لخوض‭ ‬المعارك‭ ‬ضد‭ ‬اليسار‭ ‬العالمي‭ ‬وخاصة‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وكانت‭ ‬الآليات‭ ‬القديمة‭: ‬استعمال‭ ‬الكنيسة،‭ ‬بث‭ ‬التهم‭ ‬الملفقة،‭ ‬إنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬بحث‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تدعي‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وهي‭ ‬تحرفها،‭ ‬تمويل‭ ‬المنشقين‭ ‬ودعمهم،‭ ‬زرع‭ ‬الإثنية‭ ‬وبث‭ ‬القوميات‭ ‬المتعصبة‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬قديم‭ ‬للصهيونية‭ ‬والامبريالية،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬الممثل‭ ‬الوحيد‭ ‬للطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬بورجوازية‭ ‬صاعدة‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هيمنة‭ ‬الأنظمة‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬وشؤونه‭. ‬وكل‭ ‬من‭ ‬تابع‭ ‬تطور‭ ‬خطط‭ ‬المؤامرات‭ ‬ضد‭ ‬اليسار‭ ‬سيجد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التناغم‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحضير‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالصحوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الإثنية‭ ‬والقبلية‭ ‬والتعصب‭ ‬المذهبي‭. ‬

كل‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬سارعت‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬مخطط‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬دينامية‭ ‬الدين‭ ‬بحلته‭ ‬الجديدة‭ “‬الإسلام‭ ‬السياسي‭” ‬وسط‭ ‬الجماهير‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬وفي‭ ‬الجامعة‭ ‬والمدارس‭ ‬إلا‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬والقذافي،‭ ‬وكلهم‭ ‬تنافسوا‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يرضي‭ ‬الجهات‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬بدأ‭ ‬الأمر‭ ‬بالشحن‭ ‬ثم‭ ‬اغتيالات‭ ‬المفكرين‭ ‬السياسيين‭ ‬المنتمين‭ ‬لليسار‭ ‬ولم‭ ‬يفلح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جلب‭ ‬تعاطف‭ ‬الجماهير‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بد‭ ‬غير‭ ‬السماح‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الانتقاد‭ ‬للدولة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬انتقاد‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬ظهرت‭ ‬جماعات‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬انفضح‭ ‬أمرها‭ ‬بأنها‭ ‬مسيرة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المقررة‭ ‬لها‭ ‬عندما‭ ‬وجه‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المجتمع‭ ‬وليس‭ ‬للأنظمة،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬مقهى‭ ‬وسوق‭ ‬ودور‭ ‬تفجرت‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬تمكنت‭ ‬الامبريالية‭ ‬من‭ ‬شق‭ ‬جسم‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬بالإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬وفي‭ ‬الغرب‭ ‬توجه‭ ‬العنف‭ ‬إلى‭ ‬الكنائس‭ ‬ومعابد‭ ‬اليهود‭ ‬لشحن‭ ‬صراع‭ ‬الديانات،‭ ‬وللمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬وضد‭ ‬الأفراد‭ ‬المدنيين‭. ‬في‭ ‬فترة‭ ‬أوباما‭ ‬خطا‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬خطوة‭ ‬جديدة‭ ‬غيرت‭ ‬تكتيكيا‭ ‬من‭ ‬خطابه‭ ‬لينتقد‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬ويتبني‭ ‬صندوق‭ ‬الانتخابات‭ ‬ولو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتبن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬فقد‭ ‬أسند‭ ‬الصندوق‭ ‬ببعض‭ ‬الشعارات‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الجماهير‭ ‬مثل‭ ‬مواجهة‭ ‬الفساد‭ ‬جعلت‭ ‬له‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬لاستقطاب‭ ‬آمال‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬جماهير‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬له،‭ ‬بمساعدة‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬أن‭ ‬أغلق‭ ‬كل‭ ‬الروافد‭ ‬التقليدية‭ ‬لليسار‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬جماهير‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الجامعة‭ ‬والمدرسة‭. ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يبرز‭ ‬قيادات‭ ‬عمالية‭ ‬ورؤية‭ ‬منسجمة‭ ‬للعمل‭ ‬النقابي‭ ‬والعمالي‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يغزو‭ ‬أوساط‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسجد،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬فقد‭ ‬انضاف‭ ‬عامل‭ ‬الزوايا‭.‬

كان‭ ‬للإثنية‭ ‬أيضا‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬المخطط‭ ‬وأعني‭ ‬بها‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬فكرها‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العرقي،‭ ‬حيث‭ ‬يدفعها‭ ‬هذا‭ ‬التمييز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قطع‭ ‬غيار‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬والامبريالية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وقد‭ ‬تغنت‭ ‬هذه‭ ‬الأوساط‭ ‬بإسرائيل‭ ‬وبالويل‭ ‬والثبور‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬باستقواء‭ ‬بها،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأوساط‭ ‬توحي‭ ‬بالنية‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭”‬الهاجانا‭” ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬طرد‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بالعرب‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ولعمري‭ ‬فإن‭ ‬الحمق‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يؤخذ‭ ‬كأنه‭ ‬حمق‭ ‬فردي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حمق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬مخاطره‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬القمقم‭ ‬إلى‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬استطاعت‭ ‬الأيادي‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬ورقته‭ ‬وسط‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭.‬

بدأت‭ ‬الأمازيغية‭ ‬بمطالب‭ ‬لغوية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬الشروط‭ ‬السياسية‭ ‬والإيديولوجية‭ ‬الدولية‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬تصورات‭ ‬مغالية‭ ‬عنصرية‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬للشعب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬العرق‭ ‬والأصل‭ ‬التاريخي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬ينادي‭ ‬بالحقوق‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الشعب‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬التمييز‭ ‬العرقي،‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأخيرين،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬ضبابية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموضوع‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬اليسار‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الأمازيغيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتجاوزون‭ ‬الوطن‭ ‬ولا‭ ‬الشعب،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬وسط‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وخاصة‭ ‬الشباب‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحيرة‭ ‬والتذبذب‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬التطبيع‭ ‬الحالي‭ ‬مع‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬يبين‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬لدى‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬ب‭ “‬القومجية‭” ‬أو‭ ‬العروبية‭ ‬لا‭ ‬يوجدان‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الصهيونية‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬الامبريالية‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬عدوا‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الآمال‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬لشعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والهيمنة‭. ‬إذن‭ ‬فمن‭ ‬مهام‭ ‬اليسار‭ ‬أولا‭ ‬الحسم‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬والغموض‭ ‬وثانيا‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬المطالب‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وثالثا‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أمازيغي‭.‬

‭ ‬اليسار‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬ومع‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬لأنهما‭ ‬ملك‭ ‬للشعب‭ ‬المغربي‭ ‬بأكمله‭ ‬وبالدستور‭ ‬نفسه،‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬عادة‭ ‬جعل‭ ‬اللغة‭ ‬رسمية‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتقاضى‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬أو‭ ‬يتقدم‭ ‬للإدارات‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬لا‭ ‬الدارجة‭ ‬ولا‭ ‬العربية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬نِعْم‭ ‬الهدف،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لليسار‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لهذا‭ ‬التيار‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬نيرا‭ ‬إيديولوجيا‭ ‬على‭ ‬عنق‭ ‬هذا‭ ‬الفرد‭ ‬ليقف‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬إدارة‭ ‬وهو‭ ‬بقفازات‭ ‬الملاكمة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬التمييز‭ ‬العرقي‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ “‬العرب‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬اليسار‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬بلغة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬كمواطن‭ ‬مغربي‭ ‬يطالب‭ ‬بحقوقه‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬هضمها‭.‬

الأصوليتان‭ ‬معا،‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬يقسم‭ ‬الشعب‭ ‬تقسيما‭ ‬دينيا‭ ‬تمييزيا‭ ‬بطرف‭ ‬مؤمن‭ ‬وطرف‭ ‬كافر،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬يتخطى‭ ‬الوطن،‭ ‬وغلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬يقسمون‭ ‬أيضا‭ ‬الشعب‭ ‬تقسيما‭ ‬عرقيا‭ ‬إلى‭ ‬أمازيغ‭ ‬ودخلاء‭ ‬بل‭ ‬واستعماريين،‭ ‬وتتخطى‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬الوطن‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الأوطان‭ ‬المتاخمة‭ ‬للصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬ورغم‭ ‬اختلاف‭ ‬الحمولة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬فهما‭ ‬معا‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬رجعية‭ ‬واحدة‭ ‬تلعب‭ ‬بها‭ ‬الامبريالية‭ ‬لتأبيد‭ ‬سيطرتها‭ ‬واستغلالها‭ ‬لخيرات‭ ‬الشعوب‭.‬

3-  ‬الشهيدان‭ : ‬المهدي‭ ‬وعمر‭ ‬والحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬الأصيلة‭ ‬

قيل‭ ‬عن‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬أن‭ ‬المهدي‭ “‬قومجي‭” ‬عروبي‭ ‬وكلمة‭ “‬القومجي‭” ‬كلمة‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬التنقيص‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬القومية،‭ ‬وهذه‭ ‬التهمة‭ ‬توجه‭ ‬لليسار‭ ‬وأساسا‭ ‬لحزب‭ ‬الطليعة‭ ‬وللمهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬وعمر‭ ‬بنجلون‭ ‬أيضا،‭ ‬أوردتها‭ ‬بذلك‭ ‬المعنى‭ ‬قصدا‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬لأصحاب‭ ‬الهجاء‭ ‬أن‭ ‬يقصدوه‭ ‬لأزن‭ ‬وأقيم‭ ‬هذا‭ ‬التنقيص،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أتناول‭ ‬القومية‭ ‬بموضوعية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬النزعة‭ ‬التحقيرية،‭ ‬وبعيدا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬النزعة‭ ‬التقديسية‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهجاء‭ ‬بسوء‭ ‬نية‭ ‬لأن‭ ‬أصحابه‭ ‬مـأمورون،‭ ‬فإن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬غير‭ ‬ملمين‭ ‬بالفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬حتى‭ ‬يفهموا‭ ‬نظرة‭ ‬اليسار‭ ‬للقومية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬كيفما‭ ‬كانت،‭ ‬وهي‭ ‬قوميات‭ ‬ذات‭ ‬مضامين‭ ‬وأشكال‭ ‬كثيرة،‭ ‬وحتى‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬قومية‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬وحدة‭ ‬مطلقة‭. ‬القومية‭ ‬الألمانية‭ ‬الصاعدة‭ ‬مع‭ ‬هتلر‭ ‬قومية‭ ‬عدوانية‭ ‬استعمارية‭ ‬وعنصرية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحشر‭ ‬داخلها‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬الألمان،‭ ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقومية‭ ‬الإيطالية‭ ‬مع‭ ‬موسيليني،‭ ‬وحتى‭ ‬روسيا‭ ‬أيام‭ ‬القيصر‭ ‬هي‭ ‬قومية‭ ‬استعمارية‭ ‬لعدة‭ ‬قوميات‭ ‬وشعوب،‭ ‬وهكذا‭..‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭.‬‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حشر‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬في‭ ‬تصورات‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭.‬

كيف‭ ‬كانت‭ ‬القومية‭ ‬والتوجهات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين؟

  كانت‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬توجهات‭ ‬كبرى‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬وقدمت‭ ‬تصورات‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وكلها‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬مقاومتها‭ ‬للتتريك‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وللاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬والايطالي‭ ‬والفرنسي‭ ‬والاسباني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ :‬

ـ‭ ‬التوجه‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬الأكبر،‭ ‬توجه‭ ‬إسلامي‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬وحدة‭ ‬إسلامية‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الدين‭ ‬أساسا‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية،‭ ‬ويرفع‭ ‬شعار‭ “‬أمة‭ ‬إسلامية‭ ‬واحدة‭”‬،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬يحاول‭ ‬الحصول‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬إصلاحات‭ ‬فقط‭ ‬والبقاء‭ ‬ضمن‭ ‬الخلافة‭ ‬العثمانية،‭ ‬ويرى‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬قضية‭ ‬إسلامية‭ ‬ماعدا‭ ‬الوهابية‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتجنب‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬وتتجاهلها‭ ‬وتتآمر‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭.‬

ـ‭ ‬التوجه‭ ‬الثاني‭ ‬ليبرالي‭ ‬مختلط‭ ‬ببعض‭ ‬الأوساط‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬تجمعت‭ ‬شخصيات‭ ‬مسيحية‭ ‬علمانية،‭ ‬وإسلامية‭ ‬متنورة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬ويرى‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أن‭ ‬ضرورة‭ ‬الوحدة‭ ‬تفرضه‭ ‬اللغة‭ ‬أساسا‭ ‬ثم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار،‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬إصلاحية،‭ ‬وكان‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬قضية‭ ‬عربية‭.‬

ـ‭ ‬التوجه‭ ‬الثالث‭ : ‬الفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الذي‭ ‬جسدته‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬الأولى‭ ‬والأنوية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬المختلفة،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬تلاقي‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭ ‬بالفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬أقدم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيس‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الفرنسي‭ ‬أو‭ ‬الاسباني‭. ‬ويرى‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الاستعمار‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬تحررية‭ ‬منه،‭ ‬ولم‭ ‬يعلن‭ ‬عداءه‭ ‬لأي‭ ‬من‭ ‬الاتجاهين‭ ‬السابقين‭ ‬ويرى‭ ‬فيهما‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الشروط‭ ‬الموضوعية‭ ‬والذاتية‭ ‬القائمة‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الاستعمار‭. ‬

في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الاتجاهات‭ ‬موجودة‭ ‬وسط‭ ‬النخب،‭ ‬لكن‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وبعدها‭ ‬ظهرت‭ ‬أحزاب‭ ‬تصف‭ ‬نفسها‭ ‬بالأحزاب‭ ‬الوطنية‭ ‬وتسمي‭ ‬حركتها‭ ‬بالحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬تمييزا‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتعدى‭ ‬التنظيم‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬فروع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ولهذا‭ ‬هناك‭ ‬حزب‭ ‬قُطري‭ ‬بقيادة‭ ‬قُطرية،‭ ‬وحزب‭ ‬قومي‭ ‬بقيادة‭ ‬قومية‭ ‬في‭ ‬المركز‭. ‬وهناك‭ ‬اختلافات‭ ‬كثيرة‭ ‬أساسية‭ ‬مثل‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الأهداف‭ ‬وأولويتها‭ ‬أو‭ ‬ثانويتها،‭ ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬لذكرها،‭ ‬وسأشير‭ ‬إلى‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭.‬

كانت‭ ‬هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي،‭ ‬وأول‭ ‬اختلاف‭ ‬أن‭ ‬المهدي‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬جريدة‭ ‬العلم،‭ ‬ووضع‭ ‬لها‭ ‬ورقة‭ ‬حول‭ ‬الخط‭ ‬السياسي‭ ‬ضُمَّت‭ ‬إلى‭ ‬الخط‭ ‬التحريري،‭ ‬وبذلك‭ ‬كان‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬التوجه‭ ‬السياسي،‭ ‬وكان‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ “‬المغرب‭ ‬الكبير‭” ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬رأيان‭ ‬آخران‭ ‬باستعمال‭ “‬المغرب‭ ‬العربي‭” ‬و‭ “‬المغرب‭ ‬الإسلامي‭”‬،‭ ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬المهدي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحافيين‭ ‬في‭ ‬الطليعة‭ ‬المغربية‭ ‬باستعمال‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير،‭ ‬ولما‭ ‬وقع‭ ‬الانفصال‭ ‬وجلب‭ ‬المهدي‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الصحافيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬العلم،‭ ‬مثل‭ ‬عابد‭ ‬الجابري‭ ‬ومحمد‭ ‬باهي‭.. ‬إلى‭ ‬جريدة‭ ‬التحرير‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الجريدة‭ ‬تستعمل‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭ ‬وبالمانشيت‭ ‬حتى‭.‬

لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬خلاف‭ ‬فقط‭ ‬حول‭ ‬التسمية‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الاختلاف‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك؟

كان‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الخلاف‭ ‬حول‭ ‬استراتيجية‭ ‬الثورة‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأولويات‭ ‬في‭ ‬الأهداف‭ ‬وحول‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الاستعمار‭ ‬والرجعية‭ ‬والصهيونية،‭ ‬كان‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬بشقيه‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬الوحدة،‭ ‬الحرية،‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬هي‭ ” ‬أمة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬ذات‭ ‬رسالة‭ ‬خالدة‭”. ‬والاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬وبعده‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وفي‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬حصروا‭ ‬الثورة‭ ‬والتغيير‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يعادوا‭ ‬لا‭ ‬العروبة‭ ‬ولا‭ ‬الدين،‭ ‬وبنوا‭ ‬استراتيجية‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬التحرير‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والاشتراكية،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬تفرض‭ ‬الشمولية‭ ‬وتنبذ‭ ‬التعددية‭ ‬ولا‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتؤخر‭ ‬الاشتراكية‭ ‬والحرية،‭ ‬كانت‭ ‬استراتيجية‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬الأصيلة‭ ‬لا‭ ‬تنبذ‭ ‬التعددية،‭ ‬وتقلب‭ ‬الأولويات‭ ‬لتصبح‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬في‭ ‬ترابط‭ ‬جدلي‭ ‬مع‭ ‬التحرير،‭ ‬ولا‭ ‬ينفصل‭ ‬عندها‭ ‬التحرير‭ ‬عن‭ ‬هذين‭ ‬العاملين،‭ ‬لذا‭ ‬عندما‭ ‬فرضت‭ ‬المواطنة‭ ‬نفسها‭ ‬كإحدى‭ ‬مبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬أن‭ ‬يتبناها‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬وفكر‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحاديةالأصيلة،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬تعادي‭ ‬التمييز‭ ‬العرقي‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬بالأمم‭ ‬والشعوب‭. ‬ولفهم‭ ‬نبذ‭ ‬التعددية‭ ‬والشمولية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬المصري‭ ‬كمثال‭ ‬فقط‭  ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ “‬تقيم‭ ‬للاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬العربي‭ ‬ليكون‭ ‬السلطة‭ ‬الممثلة‭ ‬للشعب‭ ‬والدافعة‭ ‬لإمكانيات‭ ‬الثورة‭ ‬والحارسة‭ ‬لقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السليمة‭”. ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬بتعبيرات‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭. ‬ويختلف‭ ‬المهدي‭ ‬مع‭ ‬توجه‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬القيادات‭ ‬تتبع‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بضرورة‭ ‬السماح‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالقرار‭ ‬المستقل‭ ‬للشعب‭ ‬وبأن‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭ ‬بقراره‭ ‬وحده،‭ ‬وفعلا‭ ‬تم‭ ‬الأمر‭ ‬وتخلى‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬الوصاية‭ ‬القومية‭ ‬ولكن‭ ‬البعص‭ ‬بشقيه‭ ‬ظل‭ ‬متمسكا‭ ‬بإلحاق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالقرار‭ ‬السوري‭ ‬والعراقي‭.‬

لكن‭ ‬المهدي‭ ‬ببعد‭ ‬نظره،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يناضل‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والصهيونية‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أخذ‭ ‬ورد،‭ ‬وئام‭ ‬وصد‭ ‬مع‭ ‬الرجعية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية،‭ ‬حاول‭  ‬تلقيمه‭ ‬ومثاقفته‭ ‬بالأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬والثورية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬منظمة‭ ‬القارات‭ ‬الثلاث،‭ ‬التي‭ ‬أرادها‭ ‬المهدي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أداة‭ ‬للثورة‭ ‬ضد‭ ‬الامبريالية‭ ‬والصهيونية،‭ ‬لأن‭ ‬المهدي‭ ‬يعطي‭ ‬للتناقض‭ ‬الرئيسي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬الامبريالية‭ ‬والصهيونية‭ ‬دروا‭ ‬مهما،‭ ‬لذا‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬تحرر‭ ‬وليس‭ ‬حركة‭ ‬اشتراكية‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬واعيا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬اشتراكيا‭.‬والجامعة‭ ‬العربية‭ ‬ليست‭ ‬آلية‭ ‬للوحدة‭ ‬القومية‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬أي‭ ‬عاقل،‭ ‬والمهدي‭ ‬من‭ ‬زمان‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬أولوية‭ ‬الوحدة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬وأحيانا‭ ‬العرق‭ ‬لن‭ ‬تخلق‭ ‬آلية‭ ‬لها‭ ‬أبدا‭. ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬غير‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬1961‭ ‬يسمى‭ ‬الاتحاد‭ ‬القومي‭ ‬وهو‭ ‬تأسس‭ ‬في‭ ‬1957،‭ ‬والمهدي‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يسمى‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬1959بالوطني‭ ‬وليس‭ ‬القومي،‭ ‬ومعروف‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أطلقه‭ ‬على‭ ‬النقابة‭ ‬في‭ ‬1955‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬المغربي‭ ‬وليس‭ ‬القومي‭. ‬وإذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬كتابات‭ ‬المهدي‭ ‬وخاصة‭ ‬الاختيار‭ ‬الثوري‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬لدى‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية،‭ ‬لا‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬العرق‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬اللغة،‭ ‬وكان‭ ‬مشغولا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬والإستراتيجية‭ ‬بالتغيير‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وفي‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬ترزح‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الرجعية‭ ‬أو‭ ‬الديكتاتورية‭.‬ولفهم‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬فإن‭ ‬الشهيد‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬العربية‭ ‬وقادتها‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬صديقه‭ ‬هنري‭ ‬كوريل‭ ‬مؤسس‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬المصري،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬منظمة‭ ‬يسارية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬قدمت‭ ‬خدمات‭ ‬كبرى‭ ‬لكل‭ ‬حركات‭ ‬التحرر،‭ ‬وكان‭ ‬هنري‭ ‬هذا‭ ‬يلح‭ ‬على‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬اختطافه‭ ‬واغتياله‭ ‬بأن‭ ‬يوفر‭ ‬له‭ ‬الحماية‭ ‬وأبلغه‭ ‬أنه‭ ‬يحس‭ ‬بالخطر‭ ‬يحدق‭ ‬به،‭ ‬وقد‭ ‬قبلها‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬ورفضها‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬ذلك‭ ‬لقد‭ ‬وعدني‭ ‬دوغول‭ ‬بنفسه‭ ‬بالحماية‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬ثقتي‭ ‬بوعده‭. ‬وما‭ ‬سهل‭ ‬ركوب‭ ‬المهدي‭ ‬لسيارة‭ ‬المختطفين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬أوراقا‭ ‬ثبوتية‭ ‬بأنهم‭ ‬أمن‭ ‬فرنسي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬لقاءا‭ ‬مع‭ ‬دوغول،‭ ‬وكان‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬معه‭ ‬قد‭ ‬سافر‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬إلى‭ ‬السنغال‭.‬

الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬ولكونه‭ ‬أصدر‭ ‬جريدة‭ ‬فلسطين‭ ‬اعتبره‭ ‬البعض‭ ‬عروبيا‭ ‬قوميا‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬كبير،‭ ‬ويكفي‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬محاضرات‭ ‬الشهيد‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬فلسطين‭ ‬وإلى‭ ‬افتتاحيات‭ ‬الجريدة‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬للاطلاع‭ ‬عليها‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬يصر‭ ‬مثل‭ ‬المهدي‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قضية‭ ‬استعمار‭ ‬لشعب‭ ‬يخوض‭ ‬حربا‭ ‬وطنية،‭ ‬وكتاباته‭ ‬الحزبية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مشغول‭ ‬بالتغيير‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬وشعبه‭.‬

كنت‭ ‬قد‭ ‬قرأت‭ ‬كراسا‭ ‬مطبوعا،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬إحدى‭ ‬القيادات‭ ‬الأمازيغية‭ ‬من‭ ‬الغلاة‭ ‬عدد‭ ‬فيه‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬التي‭ ‬بزغ‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬ويفتخر‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬أوفقير‭ ‬وفعل‭ ‬ذلك‭ ‬نكاية‭ ‬بالشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬وبحزبه‭ ‬وبتاريخه‭.‬

وللتاريخ‭ ‬فقد‭ ‬أُلحق‭ ‬أوفقير‭ ‬لما‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬حروبه‭ ‬ضمن‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬بمكتب‭ ‬الجنرال‭ ‬ديفال‭ ‬في‭ ‬1950،‭ ‬مسؤولا‭ ‬على‭ ‬الوحدات‭ ‬العسكرية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬المحتل‭ ‬للمغرب،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تكلف‭ ‬بالاستعلامات‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬ديفال‭ ‬للتجسس‭ ‬على‭ ‬الوطنيين‭. ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬المهدي‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬أن‭ ‬أوفقير‭ ‬كان‭ ‬يتباهى‭ ‬بأوسمته‭ ‬بمناسبة‭ ‬حفل،‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭ ‬زيه‭ ‬الرسمي‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يرمق‭ ‬المهدي،‭ ‬فأجاب‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬قائلا‭: “‬تلك‭ ‬خردة‭ ‬مرتزق‭ ‬لا‭ ‬يرضاها‭ ‬أي‭ ‬ضابط‭ ‬مغربي‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬أورد‭ ‬جيل‭ ‬بيرو‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬وكذلك‭ ‬رد‭ ‬المهدي‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬صديقنا‭ ‬الملك‭”. ‬هذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الغلاة‭ ‬يسقطون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تمجيد‭ ‬لمن‭ ‬يعادي‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬ويعادي‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬والتاريخ‭ ‬نظرة‭ ‬طبقية‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬الواقعي،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ “‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬الآخر‭”‬،‭ ‬وهذه‭ ‬النظرة‭ ‬تخفي‭ ‬عادة‭ ‬سلبيات‭ “‬الأنا‭” ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬سلبيات‭ ‬الآخر،‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬ضد‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬حليف‭ ‬للأنا‭ ‬وبذلك‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومع‭ ‬الاستعمار‭ ‬وأذنابه‭.‬

والأمثلة‭ ‬ليست‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الحاضر‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الماضي‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لأمازيغي‭ ‬يدعي‭ ‬ارتباطه‭ ‬بتاريخ‭ ‬مقاومة‭ ‬الأمازيغ‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وبكفاحه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية،‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القديس‭ ‬أوغسطين‭ ‬رمزا‭ ‬له‭ ‬ويفتخر‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مشرفا‭ ‬على‭ ‬فرقة‭ ‬عسكرية‭ ‬رومانية‭ ‬وقوة‭ ‬بوليسية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬ثورة‭ ‬اجتماعية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬هي‭ ‬الثانية‭ ‬عالميا‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة،‭ ‬وكليهما‭ ‬دعتا‭ ‬إلى‭ ‬المساواة‭ ‬والأرض‭ ‬للفلاح‭. ‬وكيف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يحذف‭ ‬القديس‭ ‬دونات‭ ‬والأساقفة‭ ‬الذين‭ ‬خلفوه‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬في‭ ‬السجن؟

لقد‭ ‬واجه‭ ‬أوغسطين‭ ‬الدوناتية‭ ‬وحلفاءها‭ ‬من‭ ‬الثوار‭ ‬بالقتل‭ ‬والحرق‭ ‬والتقديم‭ ‬للأسود‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬العمومية‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء،‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بالمواجهة‭ ‬الفكرية‭ ‬والدينية‭ ‬بل‭ ‬أصدر‭ ‬عدة‭ ‬أوامر‭ ‬دينية‭ ‬باستعمال‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬الثوار‭. ‬والدوناتية‭ ‬كانت‭ ‬مؤمنة‭ ‬بالتوحيد‭ ‬ضد‭ ‬التثليث‭ ‬وجمعت‭ ‬الأمازيغ‭ ‬والعبيد‭ ‬والمعمرين‭ ‬الرومان‭ ‬الفقراء‭ ‬الذين‭ ‬سلبت‭ ‬منهم‭ ‬الأراضي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين،‭ ‬واليهود‭ ‬وذوي‭ ‬الأصول‭ ‬الفينيقية،‭ ‬والبونيقيين،‭ ‬أي‭ ‬المولود‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أمازيغي‭ ‬وأصل‭ ‬فينيقي،‭ ‬والجنود‭ ‬من‭ ‬أعراق‭ ‬أخرى‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الصقالبة،‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬ثورية‭ ‬موحدة‭ ‬هي‭ ‬بروفة‭ ‬أولية‭ ‬للشعب‭ ‬المغربي‭ ‬الحالي‭. ‬لماذا‭ ‬تجاهل‭ ‬هذا‭ ‬المغالي‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬وفضل‭ ‬التنويه‭ ‬بمن‭ ‬نكل‭ ‬بالأمازيغ،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬والكنيسة‭ ‬الأنجيليكانية‭ ‬تفتخران‭ ‬وتنوهان‭ ‬بأوغسطين‭ ‬وترفعه‭ ‬إلى‭ ‬سماء‭ ‬عالية،‭ ‬وتشوه‭ ‬دونات‭ ‬والحركة‭ ‬الدوناتية‭ ‬وكل‭ ‬الأساقفة‭ ‬الذين‭ ‬ناهضوا‭ ‬الرومان‭ ‬والكنيسة‭ ‬الرسمية‭ ‬وتعتبرهم‭ ‬مؤيدين‭ ‬للسرقة‭ ‬والخطف‭ ‬وقطع‭ ‬الطرق،‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬للتاريخ‭ ‬الأمازيغي،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الكنيستين‭ ‬تؤيدان‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬فإن‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يعتبروا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬الحلفاء‭ ‬لذيذا‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬سما‭ ‬قاتلا‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى