الثقافة

جدار برلين (سردي / شعري)

◆ زكرياء قانت

◆ زكرياء قانت

تركت‭ ‬القصيدة‭ ‬نائمة‭ ‬تشخر‭ ‬وخرجت‭ ‬متسللا‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعي،‭ ‬كإوز‭ ‬الحديقة‭  ‬وهو‭ ‬يلاعب‭ ‬الأطفال‭ ‬قرب‭ ‬البركة‭ .‬ذاهبا‭ ‬لأرض‭ ‬السرد‭ ‬دون‭ ‬تأشيرة‭ ‬دخول‭ ‬التجريب‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬داخل‭ ‬متن‭ ‬النص،‭ ‬أكتب‭ ‬أشياء‭ ‬غريبة‭ ‬الأطوار‭ ‬كتبت‭ ‬قصة‭ ‬نصف‭ ‬شخصياتها‭ ‬نمل‭ ‬و‭ ‬عناكب‭. ‬كما‭ ‬قررت‭ ‬طرد‭ ‬شباب‭ ‬’’إيمو’’‭ ‬تسللوا‭ ‬لروحي‭ ‬بقصات‭ ‬شعر‭ ‬طويلة،‭ ‬تترك‭ ‬أعينهم‭ ‬دائما‭ ‬مغلقة‭ ‬و‭ ‬سواعدهم‭ ‬ملأتها‭ ‬الندوب‭.‬

أخبرني‭ ‬أصغرهم‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬عمومة‭ ‬القصيدة،‭ ‬وقد‭ ‬أرسلتهم‭ ‬لجعلي‭ ‬حزينا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬لأعود‭ ‬لبيتها‭ ‬صاغرا‭ ‬وهي‭ ‬تنتظرني‭ ‬كزوجة‭ ‬ثانية‭ ‬عند‭ ‬مدخل‭ ‬الخيال،‭ ‬وتوبخني‭ ‬عن‭ ‬تأخري‭ ‬في‭ ‬جلب‭ ‬الموز‭ ‬وهي‭ ‬بمرحلة‭ ‬الوحم‭.‬

سيؤلمها‭ ‬خبر‭ ‬طردي‭ ‬لأبناء‭ ‬عمومتها‭ ‬من‭ ‬الانتحاريين‭ ‬من‭ ‬بهو‭ ‬روحي،‭ ‬لا‭ ‬يدفعون‭ ‬الايجار‭ ‬في‭ ‬الوقت،‭ ‬يحدثون‭ ‬جلبة،‭ ‬ينامون‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭… ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬أنهم‭ ‬يسقون‭ ‬الكلمات‭ ‬بالقهوة‭ ‬بدل‭ ‬المطر‭. ‬فهم‭ ‬فلاحون‭ ‬كسالى‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬يعادل‭  ‬الذهب‭ ‬المشري‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون‭.‬

بدأت‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬أخبرتك‭ ‬عنها‭ ‬سابقا‭ ‬أكتب‭ ‬بمعدل‭ ‬خمس‭ ‬صفحات‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أخط‭ ‬’’بنوسطالجيا’’‭ ‬أجواء‭ ‬مزاب‭. ‬مقتبسا‭ ‬مقولات‭ ‬فلسفية‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬فالشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬طالب‭ ‬فلسفة‭. ‬أتبع‭ ‬جنونه‭ ‬بالحبر،‭ ‬لأفهم‭ ‬سر‭ ‬النهاية‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬ورطته‭ ‬دروب‭ ‬الحياة‭ ‬بها‭.‬

عبد‭ ‬الله‭ ‬ازريقة‭ ‬و‭ ‬اللعبي‭ ‬ممتعضان‭ ‬من‭ ‬خيانتي‭ ‬لهما،‭ ‬وقد‭ ‬تزوجت‭ ‬زوجة‭ ‬ثانية‭ (‬الحكاية‭) ‬دون‭ ‬أخذ‭ ‬مشورة‭ ‬الأولى‭ (‬القصيدة‭). ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الزواج‭ ‬عرفيا‭ ‬دون‭ ‬عقد،‭ ‬أكتب‭ ‬في‭ ‬’’أجوندا’’‭ ‬بغلاف‭ ‬أحمر‭. ‬دعوت‭ ‬بعد‭ ‬مغنيي‭ ‬’’البلوز’’‭ ‬للعزف‭ ‬على‭ ‬’’الوتار’’،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬الحل‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬البياض‭ ‬المتبقي‭ ‬لأملأه‭ ‬بالسرد‭ ‬والسرد‭. ‬و‭ ‬ربما‭ ‬بخروف‭ ‬سردي،‭ ‬أجعله‭ ‬يعلف‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬العيد‭.‬

اشتريت‭ ‬قمصانا‭ ‬وردية‭ ‬احتفالا‭ ‬بالصيف،‭ ‬لرشوته‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أرحم‭ ‬من‭ ‬الفصول‭ ‬السابقة‭. ‬و‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬بحرا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬عندكم‭ ‬في‭ ‬الجديدة،‭ ‬أفكر‭ ‬بجدية‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬بعض‭ ‬دلاح‭ ‬دكالة‭ ‬و‭ ‬الذهاب‭ ‬للتمرغ‭ ‬في‭ ‬التراب‭. ‬كحمار‭ ‬سعيد‭ ‬لاعنا‭ ‬القصيدة،‭ ‬و‭ ‬كل‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬أدخلتني‭ ‬فيه‭. ‬وأنا‭ ‬أحمل‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬محفظة‭ ‬سوداء،‭ ‬منتقلا‭ ‬بين‭ ‬سقيفة‭ ‬مقهى‭ ‬’’موليير’’‭ ‬و‭ ‬’’كازابلونكا’’‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬إشراقة‭ ‬دهشة‭. ‬بينما‭ ‬كوم‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬المجانية‭ ‬يتحرك‭ ‬بالأزقة،‭ ‬و‭ ‬بالذاكرة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬

الألم‭ ‬ضريبة‭ ‬القصيدة،‭ ‬بينما‭ ‬الكذب‭ ‬الأبيض‭ ‬ذخيرة‭ ‬السرد‭. ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬نجاح‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬الشعر،‭ ‬ناطقو‭ ‬العربية‭ ‬اعتادوا‭ ‬سماع‭ ‬الأكاذيب‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬المذياع‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭. ‬بينما‭ ‬الأجساد‭ ‬المتلاصقة‭ ‬تحول‭ ‬العرق‭ ‬بقدر‭ ‬قادر‭ ‬لبحيرة،‭ ‬في‭ ‬’’طاكسيات’’‭ ‬النقل‭ ‬الكبيرة‭ ‬البيضاء‭ ‬والسائق‭ ‬يحدث‭ ‬نفسه‭ ‬بصوت‭ ‬مسموع‭ :‬

‭- ‬’’و‭ ‬الله‭ ‬الى‭ ‬هاد‭ ‬المذيع‭ ‬عفريت’’‭.‬‭ ‬

‭ ‬أتمنى‭ ‬فعلا‭ ‬أن‭ ‬أستطيع‭ ‬إكمال‭ ‬الحكي‭ ‬،دون‭ ‬أن‭ ‬تأخذني‭ ‬مناديل‭ ‬ورقية‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أصفاد‭ ‬خيبات‭ ‬مشوهة‭  ‬لأرض‭ ‬الشعر‭ ‬مجددا‭. ‬لأحزن‭ ‬كثيرا‭ ‬و‭ ‬أكثف‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬طويل‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬شذرة‭. ‬

لكنني‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬حيلة‭ ‬جيدة‭ ‬،سأحاول‭ ‬إسعاد‭ ‬القصيدة‭  ‬هي‭ ‬الأخرى‭. ‬سأشتري‭ ‬لها‭ ‬الموز‭ ‬الذي‭ ‬طلبته‭ ‬،و‭ ‬سأدعو‭ ‬أبناء‭ ‬عمومتها‭ ‬لجولة‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬الزورق‭ ‬،الذي‭ ‬تركته‭ ‬في‭ ‬الحضانة‭ ‬يلاعب‭ ‬أسماك‭ ‬القرش‭ ‬وبعض‭ ‬الدلافين‭ ‬سيئة‭ ‬السمعة‭.‬

توقفت‭ ‬عن‭ ‬التسكع‭ ‬في‭ ‬الحانات‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أزول‭ ‬صعلوكا‭ ‬سأجد‭ ‬حيلة‭ ‬لأعدل‭ ‬بينهما‭.‬

أرجو‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬لي‭ ‬بعض‭ ‬الإسمنت‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬حوزتك‭ ‬،سأبني‭ ‬حائطا‭ ‬طويلا‭ ‬بغية‭ ‬التفرقة‭ ‬بينهما‭ ‬كألمانيا‭ ‬شرقية‭ ‬و‭ ‬غربية‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ .‬الشعر‭ ‬سيكون‭ ‬’’خروتشوف’’‭ ‬و‭ ‬كل‭ ‬الزعماء‭ ‬الحالمين‭ ‬بالتحرر،‭ ‬بينما‭ ‬السرد‭ ‬سيكون‭ ‬أمريكا‭ .‬سيحتج‭ ‬الشعراء‭ ‬أمام‭ ‬سفارتها‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يسعفهم‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬لن‭ ‬تتواصل‭ ‬معهم‭ ‬دور‭ ‬النشر،‭ ‬لن‭ ‬ينالوا‭ ‬جوائز‭. ‬بينما‭ ‬الليبراليون‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬السرد‭ ‬لن‭ ‬يتوقفوا‭ ‬عن‭ ‬جني‭ ‬الأرباح،‭ ‬والظهور‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز‭ ‬بينما‭ ‬الشعراء‭ ‬لن‭ ‬يتذكرهم‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وفاتهم‭.‬

نفس‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬تجاهلوهم‭ ‬بالأمس‭ ‬القريب‭ ‬،سينشرون‭ ‬صورا‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬ملتقيات‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬غابر‭. ‬خبأوها‭ ‬بعناية‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الموت،‭ ‬ليقولوا‭ ‬أن‭ ‬الاسم‭ ‬الشعري‭ ‬الفلاني‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬الاعتراف‭ ‬بمشروعه‭. ‬

                                                              صديقك‭ ‬زكرياء

                                            ‬يحييك‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬السحاب

‭ ‬

تنبيه‭ ‬هام‭ :‬‭ ‬أرجو‭ ‬منك‭  ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭  ‬إرسال‭ ‬الإسمنت،‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭ ‬لأفرض‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬و‭ ‬أجعل‭ ‬منه‭ ‬شخصا‭ ‬أكثر‭ ‬انضباطا‭. ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬مناطيد‭ ‬الهواء،‭ ‬لأطرد‭ ‬الميليشيات‭ ‬الشعرية‭ ‬المختبئة‭ ‬في‭ ‬الجبال‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى