...

الزواج الكاثوليكي بين الدولة والزاوية

استراتيجية الإحياء والاحتواء

◆‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬مصدق


الزوايا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أنواعها‭ ‬وأدوارها‭ ‬ووظائفها

أهم‭ ‬الزوايا‭ ‬المشهورة‭ ‬بالمغرب‭ ‬هي‭: ‬الزاوية‭ ‬التيجانية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الدلائية،‭ ‬والزاوية‭ ‬البوتشيشية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الشادلية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الوزانية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الناصرية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الدرقاوية،‭ ‬والزاوية‭ ‬العيساوية‭ ‬والزاوية‭ ‬الجزولية‭..‬

الزاوية‭ ‬الدلائية

لا‭ ‬يعرف‭ ‬بالضبط‭ ‬متى‭ ‬وجدت‭ ‬زاوية‭ ‬الدلاء،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬تأسيسها‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجري،‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬974‭ ‬هـ‭/‬1566‭ ‬م،‭ ‬أسسها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬المجاطي‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬الدلائي‭ ‬بإشارة‭ ‬من‭ ‬شيخه‭ ‬أبي‭ ‬عمر‭ ‬القسطلي‭ ‬دفين‭ ‬روض‭ ‬العروس‭ ‬بمراكش‭.‬

وكانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬دينية‭ ‬علمية‭ ‬ثم‭ ‬حركة‭ ‬سياسية،‭ ‬جمعت‭ ‬بقايا‭ ‬قبائل‭ ‬صنهاجة‭ ‬وبالضبط‭ ‬أيت‭ ‬مجاط،‭ ‬وكان‭ ‬موطنهم‭ ‬ملوية،‭ ‬وانتقلوا‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الهجري‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬أيت‭ ‬إديلا‭ ‬الواقعة‭ ‬غرب‭ ‬الأطلس‭ ‬المتوسط،‭ ‬حيث‭ ‬أسسها‭ ‬أحد‭ ‬أحفادهم،‭ ‬وهو‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬المجاطي،‭ ‬وانقطع‭ ‬فيها‭ ‬للعبادة‭ ‬و‭ ‬الوعظ‭ ‬والإرشاد،‭ ‬فنمت‭ ‬الزاوية‭ ‬وتطورت‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ابنه‭ ‬محمد‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬قيادة‭ ‬الزاوية‭ ‬سنة‭ ‬1612م‭. ‬واقتصر‭ ‬اهتمام‭  ‬الدلائيين‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي‭ ‬والديني‭ ‬وحافظوا‭ ‬على‭ ‬ولائهم‭ ‬للدولة،‭ ‬ثم‭ ‬دخلوا‭ ‬المجال‭ ‬السياسي،‭ ‬حيث‭ ‬عارضوا‭ ‬الدولة‭ ‬العلوية،‭ ‬فقام‭ ‬المولى‭ ‬الرشيد‭ ‬بهدمها‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬بطن‭ ‬الرمان‭ ‬سنة‭ (‬1079‭ ‬هـ‭/ ‬1668م‭ )‬،‭ ‬ليقوم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بنفي‭ ‬الدلائيين‭ ‬عن‭ ‬زاويتهم‭ ‬إلى‭ ‬فاس‭ ‬وتلمسان‭ ‬وتشتيت‭ ‬علمائهم‭.‬

كان‭ ‬غياب‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬مع‭ ‬سقوط‭ ‬آخر‭ ‬سلاطين‭ ‬الدولة‭ ‬السعدية،‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬سيدفع‭ ‬الدلائية‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬المغامرة‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى،‭ ‬إن‭ ‬الطموح‭ ‬“الدلائي”‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ (‬المخزن‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتحول‭ ‬مع‭ ‬“محمد‭ ‬الحاج”‭ ‬سيقتضي‭ ‬تحولا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭: ‬هو‭ ‬تكسير‭ ‬بنية‭ ‬“الزاوية”‭ ‬وبلورة‭ ‬بنية‭ ‬“الطريقة”،‭ ‬وهكذا‭ ‬سيتم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬التملص‭ ‬من‭ ‬الخصوصيات‭ ‬المحلية‭ (=‬القبيلة‭) ‬لاختراق‭ ‬المجتمع‭ ‬بأكمله،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬فسيتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العلم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الدلائية‭ ‬ستفشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فشلها‭ ‬أمام‭ ‬العلويين‭. ‬ترجع‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الإخفاق‭ ‬إلى‭ ‬عاملين‭: ‬عامل‭ ‬مادي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدلائية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬كسب‭ ‬العنصر‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬وعامل‭ ‬أيديولوجي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬الدلائية‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬ولم‭ ‬تهتم‭ ‬بعنصر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وهو‭ ‬الشرفاوية،‭ ‬أعمل‭ ‬السلطان‭ ‬الرشيد‭ ‬معاول‭ ‬الهدم‭ ‬في‭ ‬الزاويتين‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬فظلت‭ ‬مهمشة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الآثار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬الآن‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الجماعة‭ ‬القروية‭ ‬أيت‭ ‬إسحاق‭ ‬بإقليم‭ ‬خنيفرة‭.‬

الزاوية‭ ‬البودشيشية

تنتسب‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجيلالي،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭ ‬أما‭ ‬لقب‭ ‬البودشيشية‭ ‬فقد‭ ‬اكتسبه‭ ‬بواسطة‭ ‬الشيخ‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬لقب‭ ‬”‭ ‬سيدي‭ ‬علي‭ ‬بودشيش”،‭ ‬لكونه‭ ‬كان‭ ‬يطعم‭ ‬الناس‭ ‬أيام‭ ‬المجاعة‭ ‬طعام‭ ‬”‭ ‬الدشيشة”‭ ‬بزاويته،‭ ‬وتتالى‭ ‬عدة‭ ‬شيوخ‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ويوجد‭ ‬مقر‭ ‬الطريقة‭ ‬الرئيسي‭ ‬ببلدة‭ ‬“مداغ‭ ‬”،‭ ‬التي‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬بركان‭ ‬بحوالي‭ ‬15‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وفيها‭ ‬يعيش‭ ‬شيخ‭ ‬الطريقة‭ ‬الحالي‭ ‬حمزة‭ ‬بلعباس‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬الصغيرة‭ ‬إلى‭ ‬محج‭ ‬لأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المريدين‭ ‬مغاربة‭ ‬وأجانب‭.‬

ومن‭ ‬ضمن‭ ‬مميزاتها‭ ‬حسب‭ ‬اعتقاد‭ ‬وادعاء‭ ‬المريدين‭ ‬فإن‭ ‬الأمراض‭ ‬الباطنية‭ ‬يعالجها‭ ‬الشيخ‭ ‬حسب‭ ‬الطريقة‭ ‬والأذكار‭ ‬الفردية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬يوميا‭ ‬عند‭ ‬الاختلاء‭ ‬بالنفس‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الاجتماع‭ ‬بالجماعة‭ ‬بين‭ ‬العشاءين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالوظيفة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬ترديده‭ ‬من‭ ‬أذكار‭ ‬خاصة‭ ‬حيث‭ ‬تنفعل‭ ‬الروح‭ ‬مع‭ ‬الأحوال‭ ‬الربانية‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬طبيعة‭ ‬لذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وفيضان‭ ‬محبته‭ ‬على‭ ‬القلب‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادهم،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬الصوفية‭ ‬وأتباع‭ ‬الطريقة‭ ‬البودشيشية‭ ‬خاصة‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أنهم‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬النفس‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الروح،‭ ‬والذي‭ ‬بدونه‭ ‬يختل‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬حسب‭ ‬ظنهم‭.‬

زاوية‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية

مؤسسها‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬العباس‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬المختار‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬سالم‭ ‬التيجاني،‭ ‬ولد‭ ‬بقرية‭ “‬عين‭ ‬ماضي‭” ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬عام‭ ‬1737م،‭ ‬وتوفي‭ ‬بفاس‭ ‬عام‭ ‬1815‭ ‬م،‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مشايخ‭ ‬عدة‭ ‬طرق‭ ‬صوفية‭ ‬منها‭ ‬الزاوية‭ ‬الوزانية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الدرقاوية،‭ ‬عرف‭ ‬الشيخ‭ ‬التيجاني‭ ‬بطريقته‭ ‬المترفة‭ ‬في‭ ‬العيش،‭ ‬فكان‭ ‬يعد‭ ‬أتباعه‭ ‬بالغنى‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والجنة‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬مما‭ ‬شجع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأثرياء‭ ‬والتجار‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها‭. ‬بعد‭ ‬فراره‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬الأتراك‭ ‬عام‭ ‬1798م،‭ ‬فحل‭ ‬بفاس،‭ ‬أحاطه‭ ‬السلطان‭ ‬مولاي‭ ‬سليمان‭ ‬بعناية‭ ‬خاصة،‭ ‬حيث‭ ‬منحه‭ ‬دار‭ ‬كبيرة‭ ‬تسمى‭ “‬دار‭ ‬المرآة‭”‬،‭ ‬وأنعم‭ ‬عليه‭ ‬بصلة‭.‬

فيما‭ ‬يخص‭ ‬طقوس‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية،‭ ‬فمن‭ ‬خاصية‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬صلاة‭ ‬العصر،‭ ‬تبدأ‭ ‬الأذكار‭ ‬والأوراد‭ ‬وتبدأ‭ ‬الوظيفة‭ ‬التيجانية‭ ‬بتلاوة‭ ‬الفاتحة‭ ‬ثم‭ ‬صلاة‭ ‬الفاتح،‭ ‬وجوهر‭ ‬الكمال،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬مميزات‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭.‬

ومراتب‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬أربعة‭ : ‬المريد،‭ ‬المقدم،‭ ‬الخليفة،‭ ‬القطب‭.‬

والتيجانية‭ ‬زاوية‭ ‬بلا‭ ‬زعامة‭ ‬وبلا‭ ‬سماع،‭ ‬بخلاف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الزوايا‭ ‬الصوفية،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬للطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬شيخا‭ ‬معاصرا‭ ‬يتزعم‭ ‬المريدين،‭ ‬إذ‭ ‬لها‭ ‬شيخ‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬مؤسسها،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬طريقة‭ ‬مغلقة‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إدخال‭ ‬أي‭ ‬جديد‭ ‬فيها‭.‬

الزاوية‭ ‬الناصرية

تأسست‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشيخ‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الأنصاري‭ ‬سنة‭ ‬1575م،‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬تمكروت‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬18‭ ‬كيلومترا‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬زاكورة،‭ ‬جنوب‭ ‬شرقي‭ ‬المغرب،‭ ‬وارتبط‭ ‬اسم‭ ‬الزاوية‭ ‬باسمه،‭ ‬ثم‭ ‬دعيت‭ ‬بالزاوية‭ ‬الحسينية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬حسين‭ ‬الرقي،‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬الشيخ‭ ‬المؤسس،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تسمى‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بالناصرية‭ ‬بتولية‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬ناصر‭. ‬وبعد‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬العز‭ ‬انتقلت‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬الفقر‭ ‬والعوز،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الزاوية‭ ‬ملاذا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬1200‭ ‬طالب‭ ‬علم،‭ ‬يحجون‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ملجأ‭ ‬لعشرات‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين،‭ ‬الذين‭ ‬يختار‭ ‬بعضهم‭ ‬المكوث‭ ‬فيها‭ ‬لشهور‭ ‬طويلة،‭ ‬يصفها‭ ‬المؤرخون‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬أم‭ ‬الزوايا‮»‬‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬تخرّج‭ ‬منها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العلماء،‭ ‬وكان‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬مخطوطة،‭ ‬بقي‭ ‬منها‭ ‬الآن‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬آلاف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نقل‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الخزانة‭ ‬الحسنية‭ ‬والمكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الرباط‭.‬

الزاوية‭ ‬الوزانية‭ “‬دار‭ ‬الضمانة‭”‬

تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشيخ‭ ‬الصوفي‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الشريف‭ ‬الوزاني،‭ ‬خلال‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬الهجري‭/‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭. ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬المتتبعون‭ ‬للزاوية‭ ‬الوزانية‭ ‬معطيات‭ ‬مهمة‭ ‬تفيد‭ ‬بكون‭ ‬من‭ ‬مميزات‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬أن‭ ‬تربية‭ ‬المريدين‭ ‬عند‭ ‬شيوخ‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬بالنظر‭ ‬والهمة،‭ ‬لأن‭ ‬التربية‭ ‬بالاصطلاح‭ ‬اندثرت‭ ‬لضعف‭ ‬حال‭ ‬المريدين‭ ‬وقلة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وكثرة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الدنيا،‭ ‬وإعراض‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الآخرة،‭ ‬كما‭ ‬يعتقدون‭. ‬والتربية‭ ‬بالنظر‭ ‬والهمة‭ ‬والتي‭ ‬تدعى‭ ‬أيضاً‭ ‬بطريقة‭ ‬التبرك‭ ‬والتلقين،‭ ‬أو‭ ‬بطريقة‭ ‬الإفادة‭ ‬بالهمة‭ ‬والحال،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬طريق‭ ‬الزاوية‭ ‬الشاذلية‭ ‬نفسها،‭ ‬وتتلخص‭ ‬تعاليمها‭ ‬في‭ ‬‮«‬تلاوة‭ ‬الأوراد‭ ‬والأذكار‭ ‬والأحزاب،‭ ‬وتلاوة‭ ‬القرآن،‭ ‬والصلاة‭ ‬على‭ ‬النبي،‭ ‬كما‭ ‬تتميز‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬بوسطيتها‭ ‬واعتدالها،‭ ‬وتمسكها‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬وبمراعاتها‭ ‬للمقاصد‭ ‬السامية‭ ‬للتصوف‭ ‬الإسلامي‭ ‬السُّني‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬بمفهومي‭ ‬‮«‬التحلية‮»‬‭ ‬و‮«‬التخلية‮»‬‭ : ‬تحلية‭ ‬النفس‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬والفضائل‭ ‬وبذلك‭ ‬أمكن‭ ‬لها‭ ‬البقاء‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الشيخ‭ ‬أبي‭ ‬الحسن‭ ‬الشاذلي‭ (‬ت‭.‬656هـ‭/‬1268م‭) ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬ويماثل‭ ‬شيوخ‭ ‬الطريقة‭ ‬الوزانية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬التربوي،‭ ‬معظم‭ ‬شيوخ‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬الشاذلية‭ ‬بالمغرب‭ ‬وغيره،‭ ‬ممن‭ ‬اقتفوا‭ ‬أثر‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬والتزموا‭ ‬بمبادئ‭ ‬الإمام‭ ‬أبي‭ ‬الحسن‭ ‬الشاذلي،‭ ‬التي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬التصوف‭ ‬والحياة‭ ‬صنوان‭ ‬لا‭ ‬تعارض‭ ‬بينهما‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للحاج‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الوزاني‭ ‬سنة‭ ‬1884،‭ ‬كما‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬لفائدة‭ ‬الحاج‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬المصلوحي‭ ‬سنة‭ ‬1893،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬تداخل‭ ‬الاستعمار‭ ‬والزاويتين‭ ‬الوزانية‭ ‬والمصلوحية‭.‬

الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭ “‬الحسنية‭”‬

تعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الزوايا‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس،‭ ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬وكانت‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطان‭ ‬مولاي‭ ‬الحسن،‭ ‬وهكذا‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬الدرقاوية‭ ‬جاءت‭ ‬بأسس‭ ‬وشعارات‭ ‬جديدة،‭ ‬تتلخص‭ ‬الأولى‭ ‬في‭: ‬إتباع‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة‭ ‬ومجانبة‭ ‬البدع،‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬الذكر‭ ‬والاشتغال‭ ‬بالمذاكرة،‭ ‬وترك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعني،‭ ‬وإسقاط‭ ‬التدبير‭ ‬والاختيار‭ ‬مع‭ ‬التبري‭ ‬من‭ ‬الدعوى‭ ‬والاقتدار،‭ ‬وكسر‭ ‬النفس‭ ‬مع‭ ‬قطع‭ ‬الطمع‭ ‬من‭ ‬المخلوقين،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬الصحبة‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطاع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬التفقه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أما‭ ‬شعاراتها‭ ‬فأهمها‭: ‬لبس‭ ‬الدرابيل‭ ‬والمرقعات‭ ‬والشواشي،‭ ‬والسؤال‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬وغيرها،‭ ‬ووضع‭ ‬السبحة‭ ‬في‭ ‬العنق،‭ ‬والمشي‭ ‬بالحفا،‭ ‬وحمل‭ ‬قرب‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬واتخاذ‭ ‬العصا‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولأجل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬معتنقها‭ ‬يبدو‭ ‬رجلا‭ ‬متقشفا‭ ‬يرتدي‭ ‬مرقعة،‭ ‬ويتقلد‭ ‬سبحة‭ ‬ذات‭ ‬حبات‭ ‬كبيرة‭ ‬ملتفة‭ ‬حول‭ ‬عنقه،‭ ‬ويحمل‭ ‬عكازه،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬عمامته‭ ‬الخضراء‭ ‬الضخمة‭ ‬وهو‭ ‬يطوف‭ ‬متسولا‭.‬

وقد‭ ‬اشتهر‭ ‬درقاوة‭ ‬بنوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬التجريد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ “‬العمارة‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬حلقة‭ ‬الذكر‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬والتي‭ ‬شكلت‭ ‬المدار‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬عليه‭ ‬المذهب‭ ‬الدرقاوي،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرها‭ ‬شيخ‭ ‬الطريقة‭ ‬أسمى‭ ‬الوسائل‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬المبتدئ‭ ‬والمتوسط‭ ‬والمنتهي‭ ‬وطالب‭ ‬التبرك،‭ ‬وذو‭ ‬المحبة،‭ ‬كلهم‭ ‬عنده‭ (‬الدرقاوي‭) ‬فيها‭ ‬سواء،‭ ‬أكانوا‭ ‬رجالا‭ ‬أم‭ ‬نساء‭ ‬شريطة‭ ‬تجنب‭ ‬الاختلاط‭.‬

وينحصر‭ ‬التجريد‭ ‬عند‭ ‬مولاي‭ ‬العربي‭ ‬الدرقاوي‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬مسائل‭ ‬وهي‭: ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬الدنيا،‭ ‬والفرار‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وإهمال‭ ‬الجسد،‭ ‬وإهمال‭ ‬البطن،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الطريقة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الانزواء‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬والخلق‭ ‬كما‭ ‬يبدو،

فسلوكيات‭ ‬درقاوة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬شعبيا‭ “‬هداوة‭” ‬جلبت‭ ‬الانتقاد‭ ‬للطريقة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الفقهاء‭ ‬والمتصوفة،‭ ‬بل‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬محاكمة‭ ‬درقاوة‭ ‬محاكمة‭ ‬جماعية‭ ‬بتطوان‭ ‬سنة‭ ‬1209هـ‭/ ‬1794م،‭ ‬وزج‭ ‬بالعديد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتخل‭ ‬الدرقاويون‭ ‬عن‭ ‬مبدأ‭ ‬التجريد،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬حسب‭ ‬شيوخ‭ ‬الطريقة‭ ‬هو‭ ‬تصفية‭ ‬الروح‭ ‬وهضم‭ ‬النفس‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬العادة‭ ‬والطبع،‭ ‬فإن‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬وتخلص‭ ‬الفقير‭ ‬من‭ ‬توهم‭ ‬وجود‭ ‬السوى،‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬يأخذ‭ ‬ولا‭ ‬يؤخذ،‭ ‬ونظرا‭ ‬لهذه‭ ‬البساطة،‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬التصوف‭ ‬الدرقاوي‭ ‬استهوى‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭.‬

الزاوية‭ ‬العيساوية

أسسها‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬بمدينة‭ ‬مكناس‭ ‬المغربية‭ ‬سنة‭ ‬1524‭ ‬ميلادي‭ ‬ودفن‭ ‬في‭ ‬مكناس،‭ ‬وأصل‭ ‬هذه‭ ‬الفرقة‭ ‬الصوفية‭ ‬يعود‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سليمان‭ ‬الجازولي،‭ ‬وتشتهر‭ ‬الطريقة‭ ‬العيساوية‭ ‬حاليًا‭ ‬باستعمالها‭ ‬للأمداح‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬واستخدام‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬التنوير‭ ‬الروحاني‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬وزن‭ ‬كبير‭.‬

الزاوية‭ ‬الشاذلية

تنسب‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬الحسن‭ ‬الشاذلي،‭ ‬يؤمن‭ ‬أصحابها‭ ‬بجملة‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الصوفية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تختلف‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬المريد‭ ‬وطريقة‭ ‬تربيته،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اشتهارها‭ ‬بالذكر‭ ‬المفرد‭ “‬الله‭” ‬أو‭ ‬المضمر‭ “‬هو‭”‬،،‭ ‬يتسم‭ ‬أتباعها‭ ‬بالحماس‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬طريقتهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬حيث‭ ‬يمتلكون‭ ‬جمعية‭ ‬رسمية،‭ ‬ومجلة‭ ‬تصدر‭ ‬كل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وموقعًا‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وعددًا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والنشرات‭.‬

وظائف‭ ‬الزوايا‭ ‬وأدوارها

بتتبع‭ ‬هاته‭ ‬الأدوار‭ ‬جميعها،‭ ‬لعبت‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬أدوارا‭ ‬دينية‭ ‬وثقافية‭ ‬وتأطيرية‭ ‬وسياسية،‭ ‬اختلف‭ ‬عمقها‭ ‬باختلاف‭ ‬الظروف‭ ‬المعطيات‭.‬

‭ ‬1ـ‭ ‬الوظيفة‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية

الوظيفة‭ ‬الدينية‭ ‬والعلمية‭ ‬للزاوية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تحفيظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والقراءات،‭ ‬وتحفيظ‭ ‬الحديث‭ ‬وتدريس‭ ‬الفقه‭ ‬وأصوله،‭ ‬وإنشاء‭ ‬المكتبات،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الشواهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬خلفته‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العصور،‭ ‬من‭ ‬مكتبات‭ ‬زاخرة‭ ‬بتراث‭ ‬نفيس،‭ ‬أما‭ ‬أهم‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬للزوايا‭ ‬فهي‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بنظام‭ ‬الإيواء‭ ‬والإطعام‭ ‬المرتبط‭ ‬بجهاز‭ ‬التصوف،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬تطوعي‭ ‬تكافلي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬بالمثل‭ ‬بكيفية‭ ‬توفر‭ ‬لكل‭ ‬مسافر‭ ‬من‭ ‬الصوفية‭ ‬إمكانية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬استقبال‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬ذهب‭ ‬إليه،‭ ‬فانطلاق‭ ‬الزويا‭ ‬والتصوف‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تحددت‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬سني‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬تعاليم‭ ‬المدرسة‭ ‬الجنيدية‭ ‬في‭ ‬صيغتها‭ ‬الغزالية،‭ ‬وبهذه‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬الدينية‭ ‬العتيدة،‭ ‬وبواسطة‭ ‬رجال‭ ‬الزوايا‭ ‬انتشر‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

مرحلة‭ ‬التنظيم‭ ‬ودعم‭ ‬الشرفاوية

بدأت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬نجم‭ ‬الشرفاء‭ ‬بتحالف‭ ‬القوة‭ ‬الروحية‭ ‬للشرفانية‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للزاوية،‭ ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬فترة‭ ‬المرور‭ ‬من‭ ‬طور‭ ‬التنظيم‭ ‬الهيكلي‭ ‬للزاوية‭ ‬والطريقة،‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬للزاوية‭ ‬باستثمار‭ ‬قوتها‭ ‬الروحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية،‭ ‬ويبرز‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬عند‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬التقلبات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬السعديين‭ ‬والعلويين‭.‬

ويشكل‭ ‬النسب‭ ‬الشريف،‭ ‬العنصر‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭  ‬وحضورا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬الزوايا‭ ‬والأولياء‭ ‬أكثر‭ ‬استئثارا‭ ‬بهذه‭ ‬الشريفية‭. ‬فنافسوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬السلاطين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭. ‬ويسجل‭ ‬المؤرخون‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تنافسا‭ ‬قويا‭ ‬بين‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬الكتانية‭ ‬وبين‭ ‬السلطان‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬رهانه‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬مرورا‭ ‬بكسب‭ ‬رمز‭ ‬الشريفية‭ ‬كقيمة‭ ‬رمزية‭ ‬ودينية‭ ‬عظيمة‭. ‬إنها‭ ‬علاقة‭ ‬البيعة‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬لمفهوم‭ ‬الشرعية‭ ‬الدينية‭ ‬عند‭ ‬السلطة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المواجهة‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بقتل‭ ‬الزعيم‭ ‬الكتاني‭ ‬سنة‭ ‬1909‭.‬

سلطة‭ ‬الكرامة‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬الفعل‭ ‬الصوفي

مثلت‭ ‬الكرامة‭ ‬سلطة‭ ‬الولي‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬وحجة‭ ‬مبينة‭ ‬لتزكية‭ ‬ولايته‭ ‬وصلاحه،‭ ‬وبفعل‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬الجماعة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬تصديقها،‭ ‬تنسب‭ ‬الكرامة‭ ‬واقعيتها‭ ‬المكتسبة‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬الصوفي‭ ‬المحققة،‭ ‬حسب‭ ‬اعتقاد‭ ‬المريدين،‭ ‬وبسبب‭ ‬حاجة‭ ‬الناس‭ ‬لتجاوز‭ ‬أزماتهم‭ ‬الذاتية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المتصلة‭ ‬بأوضاعهم‭ ‬المجتمعية‭. ‬لذلك‭ ‬ظلت‭ ‬الكرامة‭ ‬الصورة‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬مظاهر‭ ‬الأزمة‭ ‬وتطلعا‭ “‬افتراضيا‭” ‬لتجاوزها‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬أوجه‭ ‬الكرامة‭ ‬وفعل‭ ‬أصحابها،‭ ‬تظل‭ ‬انعكاسا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لأوضاع‭ ‬مجتمعية‭ ‬محققة،‭ ‬وإن‭ ‬عبر‭ ‬تعلق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬مستحيلة‭ ‬الوقوع‭ ‬وبتواتر‭ ‬اعتقادي‭ ‬جعلها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭.‬

2ـ‭ ‬الوظيفة‭ ‬السياسية‭ ‬تاريخيا

دور‭ ‬الجهاد

فالزاوية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كونها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مدارس‭ ‬تربوية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬وتثقيفية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬حصون‭ ‬عسكرية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التسلح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكذلك‭ ‬تسليح‭ ‬المجاهد‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية‭ ‬بتصحيح‭ ‬حقيقة‭ ‬الإيمان‭ ‬وتقوية‭ ‬اليقين‭ ‬في‭ ‬الله‭.‬

دور‭ ‬الصلح‭ ‬والتحكيم

إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الوظائف‭ ‬الزاوية‭ ‬قيامها‭ ‬بدور‭ ‬الصلح‭ ‬والتحكيم‭ ‬للفصل‭ ‬في‭ ‬مشاكل‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يرمز‭ ‬إليه‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬من‭ ‬تجسيد‭ ‬للحقيقة‭ ‬والحق‭ ‬والعدالة‭ ‬الدنيوية‭ ‬والأخروية‭. ‬ويتدرج‭ ‬عمل‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬التوسط‭ ‬لتحقيق‭ ‬الصلح‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬التوسط‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬لحل‭ ‬مشاكلهم‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬بعضهم‭ ‬مع‭ ‬ممثلي‭ ‬السلطة‭.‬

بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬الانتروبولوجيين،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬التحكيم‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬استوقفت‭ ‬نظرهم‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬الزاوية،‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬تشخيصها‭ ‬وضبط‭ ‬آلياتها،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اعتبارها‭ ‬الوظيفة‭ ‬الأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬الزاوية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أثرها‭ ‬السياسي‭ ‬والمكاسب‭ ‬المترتبة‭ ‬عليه‭ ‬لفائدة‭ ‬الزاوية‭. ‬فظاهريا،‭ ‬يبدو‭ ‬تحكيم‭ ‬المرابط‭ ‬شيئا‭ ‬مألوفا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬التمايز‭ ‬القبلي،‭ ‬بسبب‭ ‬مكانة‭ ‬المرابط‭ ‬ضمن‭ ‬الهرم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬العام‭ ‬وعدم‭ ‬ارتباطها‭ ‬الفعلي‭ ‬نظريا‭ ‬بأية‭ ‬مجموعة‭ ‬قبلية‭ ‬بعينها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دوره‭ ‬كان‭ ‬مرغوبا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭. ‬وتقوم‭ ‬وظيفة‭ ‬التحكيم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬المسالمة،‭ ‬الذي‭ ‬ميز‭ ‬نشاط‭ ‬الولي‭ ‬وقناعة‭ ‬المتنازعين‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬له‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة،‭ ‬وهي‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬منحته‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬السلطة‭.‬

من‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬تمثل‭ ‬الزاوية‭ ‬للسلطة‭ ‬الرمزية،‭ ‬وظيفة‭ ‬الحرم‭ ‬أو‭ ‬المأمن‭ ‬المقدس‭. ‬فقد‭ ‬مارست‭ ‬الزوايا‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬الحساسة،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬الشعبي‭ ‬سلطة‭ ‬لا‭ ‬تنازعها‭ ‬في‭ ‬ممارستها‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬أخرى‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬وزنها‭ ‬أو‭ ‬تأثيرها‭. ‬وأثبتت‭ ‬الممارسة‭ ‬أن‭ ‬مجال‭ ‬الزاوية،‭ ‬وبالخصوص‭ ‬ضريح‭ ‬وليها‭ ‬وكيفما‭ ‬كان‭ ‬حجمها،‭ ‬ظل‭ ‬مجالا‭ ‬حرما‭ ‬وملاذا‭ ‬لكل‭ ‬معتصم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬دواعي‭ ‬التجائه‭ ‬أو‭ ‬اعتصامه‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬جانيا‭ ‬أو‭ ‬مجنيا‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬آوت‭ ‬الزاوية‭ ‬بحرمها‭ ‬أمن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الطبقات‭.‬

مرحلة‭ ‬التنافس‭ ‬والتصادم‭ ‬مع‭ ‬السلطة

أهم‭ ‬عنصر‭ ‬أو‭ ‬عامل‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬التنافس،‭ ‬اكتسابها‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬المادي‭ ‬ومن‭ ‬الإشعاع‭ ‬الروحي‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تنتصب‭ ‬كدولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬بفضل‭ ‬استنادها‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عريضة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬أراض‭ ‬فلاحيه‭ ‬وعقارات‭ ‬تجارية‭ ‬ومنشآت‭ ‬سكنية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬الزوار‭ ‬من‭ ‬هدايا‭ ‬وقرابين،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬تهدد‭ ‬بفعل‭ ‬وزنها‭ ‬المتنامي‭ ‬وانتشار‭ ‬طقوسها‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالاضطهاد‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬المتصوفة‭ ‬المغاربة‭ ‬والأندلسيون‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطة‭ ‬الموحدية،‭ ‬بسبب‭ ‬تخوفها‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬رمزية‭ ‬مؤسس‭ ‬الفكرة‭ ‬الموحدية‭ ‬أي‭ ‬المهدي،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬نموذجا‭ ‬للمزج‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬المتصوفة‭ ‬بين‭ ‬التصوف‭ ‬والعلم‭.‬

هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الزوايا‭ ‬تجاه‭ ‬السلطة،‭ ‬بسبب‭ ‬تنامي‭ ‬قوتهم‭ ‬الرمزية‭ ‬وتزايد‭ ‬قوتهم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فشكلت‭ ‬أكبر‭ ‬تهديد‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬وذلك‭ ‬راجع‭ ‬لطبيعة‭ ‬تحركها‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬المجتمع‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬جبهة‭ ‬قوية‭ ‬معارضة‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬استقطبت‭ ‬عددا‭ ‬هائلا‭ ‬من‭ ‬الأتباع،‭ ‬وهو‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬تعكسه‭ ‬الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬لها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬الأتباع‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬وجيز‭ (‬1728-1785‭)‬،‭ ‬ودخلت‭ ‬بذلك‭ ‬لعبة‭ ‬الاصطدامات‭ ‬السياسية،‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬المقدس‭ ‬والرأسمال‭ ‬الرمزي،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬تمرداتها‭ ‬واصطداماتها‭ ‬حين‭ ‬هزم‭ ‬مولاي‭ ‬العربي‭ ‬الدرقاوي‭ (‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭) ‬المخزن‭ ‬سنة‭ ‬1818،‭ ‬وقتل‭ ‬ابن‭ ‬السلطان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭ ‬وتغلغلها‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬مخاوف‭ ‬السلطة،‭ ‬لاسيما‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬تحتكر‭ ‬السلطة‭ ‬الدينية‭ ‬وتبرز‭ ‬كهيئة‭ ‬مدافعة‭ ‬عن‭ ‬التصوف‭ ‬والشرع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬المخزن‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬التضييق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدخلها‭ ‬في‭ ‬مشاحنات‭ ‬ظرفية‭ ‬معه،‭ ‬بلغت‭ ‬أوجها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬المولى‭ ‬سليمان‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬تعصف‭ ‬بهذا‭ ‬الأخير،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬العربي‭ ‬الدرقاوي‭ ‬وأتباعه‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬به‭ ‬ومبايعة‭ ‬المولى‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭ ‬مكانه،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الاختلافات‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلاشت‭ ‬مع‭ ‬خلفه‭ ‬المولى‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬هشام،‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬استمالة‭ ‬الدرقاويين‭ ‬إلى‭ ‬جانبه،‭ ‬بل‭ ‬يظهر‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬أصبح‭ ‬درقاويا‭.‬

الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬حصل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزاوية‭ ‬الشرادية‭ ‬التي‭ ‬ألحقت‭ ‬بالمولى‭ ‬سليمان‭ ‬هزيمة‭ ‬نكراء،‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬مناصرته‭ ‬لقبائل‭ ‬الرحامنة‭ ‬ضد‭ ‬قبائل‭ ‬الشراردة‭.‬

أما‭ ‬الزاوية‭ ‬الناصرية‭ ‬مثلا‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬تهتم‭ ‬بالمجال‭ ‬السياسي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬علاقتها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬مع‭ ‬العلويين،‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬موقفا‭ ‬معاديا‭ ‬للدولة‭ ‬العلوية‭ ‬الفتية،‭ ‬حينما‭ ‬رفض‭ ‬شيوخها‭ ‬للخطبة‭ ‬بمبايعة‭ ‬الملوك‭ ‬العلويين‭ ‬على‭ ‬المنابر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬اعتبار‭ ‬سياسي‭ ‬بل‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬شيوخ‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬البدعة،‭ ‬فالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬الدعاء‭ ‬من‭ ‬المنبر‭ ‬بدعة،‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أزم‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما،‭ ‬واستعمل‭ ‬معهم‭ ‬المولى‭ ‬الرشيد‭ ‬سياسة‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الأخير‭ ‬تركهم‭ ‬على‭ ‬حالهم‭.‬

الزوايا‭ ‬بين‭ ‬محاربة‭ ‬الاستعمار‭ ‬والعمالة‭ ‬له

كل‭ ‬المصادر‭ ‬المكتوبة‭ ‬والرواية‭ ‬الشفوية‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬والزوايا‭ ‬لتسهيل‭ ‬عمليات‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬ثم‭ ‬صارت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬وسيلة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬المستعمر‭ ‬بهدف‭ ‬استعباد‭ ‬المغاربة،‭ ‬وكانت‭ ‬الزاوية‭ ‬الكتانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتزعم‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬زعيمها‭ ‬عبد‭ ‬الحي‭ ‬الكتاني‭. ‬وقد‭ ‬أدرك‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬لمنطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومنها‭ ‬المغرب،‭ ‬هذه‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلعبها‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬القبلي،‭ ‬وفهم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬مفتاح‭ ‬الاستقرار‭ ‬أو‭ ‬الفوضى،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬الزاوية‭ ‬والقبيلة‭. ‬لذلك‭ ‬سعى‭ ‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬نسج‭ ‬تحالفات‭ ‬معها‭ ‬بوصفها‭ ‬الأداة‭ ‬الأكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬لضمان‭ ‬استقرار‭ ‬الوضع‭ ‬لصالحه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الانقسام‭ ‬داخل‭ ‬خريطة‭ ‬الزوايا‭ ‬بين‭ ‬الموالين‭ ‬للاحتلال‭ ‬وبين‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حوزة‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭.‬

لقد‭ ‬اهتمت‭ ‬الأنتروبولوجيا‭ ‬و‭ ‬الإثنوغرافيا‭ ‬الممهدة‭ ‬للاستعمار‭ ‬بجمع‭ ‬كل‭ ‬التفاصيل‭ ‬عن‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فلا‭ ‬يفوت‭ ‬الباحث‭ ‬الإثنوغرافي‭  ‬المرور‭ ‬بمكان‭ ‬لزاوية‭ ‬أو‭ ‬ضريح‭ ‬دون‭ ‬تسجيل‭ ‬ما‭ ‬يلاحظه،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ادموند‭ ‬دوتي‭ ‬عن‭ ‬ضريح‭ ‬سيدي‭ ‬بليوط‭”‬،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬ضريحه‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬بائس‭ ‬يقوم‭ ‬بحراسته‭ ‬رجل‭ ‬يدعى‭  ‬بالمكناسي‭.”‬

اهتم‭ ‬الإثنوغرافيون‭ ‬الاستعماريون‭ ‬بدراسة‭ ‬ذهنيات‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬ودراسة‭  ‬أنماط‭ ‬التفكير‭ ‬السائدة‭ ‬لديهم،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الكرامات،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يتحدث‭ ‬دوتي‭ ‬عن‭  ‬كرامات‭ “‬سيدي‭ ‬بليوط‭”‬،‭ ‬ويقال‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬لسيدي‭ ‬بليوط‭ ‬بركة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الحيوان،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬مشى‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬الأسود،‭ ‬ومنها‭ ‬جاء‭ ‬اسمه‭ ‬سيدي‭ ‬بليوط،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تحريفا‭ ‬للاسم‭ ‬الفصيح‭ (‬أبو‭ ‬الليوث‭). ‬وتنسب‭ ‬إليه‭ ‬الخرافة‭ “‬بركة‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬واعيا‭ ‬بأهمية‭ ‬الزوايا‭ ‬ودورها‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬الأهالي،‭ ‬ويتبين‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاهتمام‭ ‬المبكر‭ ‬للإثنوغرافيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬بهذه‭ ‬الوظيفة،‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬ادموند‭ ‬دوتي‭.‬

لقد‭ ‬اعتبروا‭ ‬الزوايا‭ ‬قوات‭ ‬اجتماعية‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬تسخيرها‭ ‬لصالح‭ ‬تغلغلهم‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وكانت‭ ‬وسائل‭ ‬الإغراء‭ ‬والاجتذاب‭ ‬المستعملة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الغزاة،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إعانات‭ ‬مالية‭ ‬وامتيازات‭ ‬أخرى‭ ‬مادية‭ ‬يذوب‭ ‬تحت‭ ‬تأثيرها‭ ‬الشعور‭ ‬الوطني‭ ‬للمستفيدين‭.‬

إن‭ ‬الأرضية‭ ‬والظروف‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬مناسبة‭ ‬لاكتساح‭ ‬عالم‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب‭ ‬وجعله‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬فرنسا،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬عشرات‭ ‬الزوايا‭ ‬النشيطة‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المستعمر‭ ‬سوى‭ ‬اثنتين،‭ ‬وهما‭ ‬زاوية‭ ‬ماء‭ ‬العينين‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬والزاوية‭ ‬البوعزاوية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬انتفاضة‭ ‬الشاوية‭ ‬عند‭ ‬دخول‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬سنة‭ ‬1907م‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬جورج‭ ‬سبيلمان‭: “‬وفعلا‭ ‬لزمت‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية‭ ‬الأخرى‭ ‬حيادا‭ ‬حذرا،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬البعض‭ ‬منها،‭ ‬احتراما‭ ‬للقرارات‭ ‬الشريفة،‭ ‬وضعت‭ ‬نفوذها‭ ‬سرا‭ ‬رهن‭ ‬إشارتنا،‭ ‬وأذكر‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬شرفاء‭ ‬وزان،‭ ‬وشيخ‭ ‬الدرقاويين،‭ ‬وزاوية‭ ‬أبي‭ ‬الجعد،‭ ‬والزاوية‭ ‬الكتانية‭ ‬التي‭ ‬أعيد‭ ‬فتحها‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬شيخها‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬الحي‭ ‬الكتاني‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬الكبير‭.”‬

لقد‭ ‬استعان‭ ‬الفرنسيون‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬المغرب‭ ‬ببعض‭ ‬شيوخ‭ ‬الزوايا‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬كالدعم‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬الشيخ‭ ‬الحاج‭ ‬العربي‭ ‬الوزاني،‭ ‬والزاوية‭ ‬التيجانية،‭ ‬والزاوية‭ ‬الوزانية‭ ‬والدرقاوية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاستثناءات،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬لتعلن‭ ‬عن‭ ‬قطيعتها‭ ‬مع‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وتأييدها‭ ‬للمخزن‭ ‬مجددا،‭ ‬وتحارب‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬جانبه،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬تكتسي‭ ‬طابعا‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والثنائية‭ ‬الصارخة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الخطر‭ ‬الأجنبي‭ ‬والتهديدات‭ ‬الخارجية‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬والزوايا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والسلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬وليد‭ ‬معاهدة‭ ‬الحماية‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬نتائجها،‭ ‬فقبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬زعماء‭ ‬بعض‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬الارتماء‭ ‬بين‭ ‬أحضان‭ ‬الحمايات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬متملصين‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬المخزن‭ ‬ومعززين‭ ‬النفوذ‭ ‬الأجنبي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وأبرز‭ ‬نموذجين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬هما‭ ‬الحاج‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الوزاني‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬الوزانية،‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬تحت‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية‭ ‬سنة‭ ‬1884‭ ‬ومن‭ ‬بعد،‭ ‬والحاج‭ ‬بنسعيد‭ ‬المصلوحي‭ ‬شيخ‭ ‬زاوية‭ ‬تمصلوحت‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬تحت‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬سنة‭ ‬1893‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬يقول‭ ‬بول‭ ‬أودينو‭: “‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لفرنسا‭ ‬إلا‭ ‬الثناء‭ ‬تجاه‭ ‬الخدمات‭ ‬الجليلة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬لنا‭ ‬شرفاء‭ ‬وزان‭”. ‬ونتجت‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬منتظرا،‭ ‬تفاعلات‭ ‬عمت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الزاوية‭ ‬المعنية،‭ ‬الذين‭ ‬بدورهم‭ ‬طلبوا‭ ‬ومنحوا‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية‭.‬‭ ‬ومن‭ ‬جراء‭ ‬ذلك‭ ‬بدأت‭ ‬سمعة‭ ‬الزاوية‭ ‬الوزانية‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المغربي‭.‬

فقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬للمفوضية‭ ‬الفرنسية‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬بتاريخ‭ ‬23‭ ‬نونبر‭ ‬1896م‭ ‬ما‭ ‬نصه‭: “‬إن‭ ‬الحماية‭ ‬الأجنبية‭ ‬الممنوحة‭ ‬لشرفاء‭ ‬وزان‭ ‬من‭ ‬سلالة‭ ‬المؤسسين‭ ‬لهذا‭ ‬التنظيم،‭ ‬والسلطة‭ ‬التي‭ ‬يمارسونها‭ ‬على‭ ‬أتباعهم،‭ ‬ساعدتا‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المنتمين‭ ‬لهذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬الذين‭ ‬بواسطتها‭ ‬يبتغون‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬ابتزازات‭ ‬المخزن،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أقاليم‭ ‬الرباط‭ ‬والغرب‭.‬

مرحلة‭ ‬الهدنة‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة

في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬كان‭ ‬المخزن‭ ‬يراهن‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬مدخل‭ ‬اقتطاع‭ ‬الأرض‭ ‬كآلية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروعه‭ ‬المخزني‭ ‬الرامي‭ ‬لضبط‭ ‬المجال‭ ‬وبسط‭ ‬السيطرة،‭ ‬وذلك‭ ‬للقيمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والرمزية‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬الأراضي‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬وللقبائل،‭ ‬فاستعان‭ ‬بالزوايا،‭ ‬وهي‭ ‬استعانة‭ ‬بالمقدس‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬قوة‭ ‬التأثير‭ ‬والتوقير،‭ ‬وذلك‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬الوساطة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬القبائل،‭ ‬ولتدبير‭ ‬الصراعات‭ ‬والقيام‭ ‬بدور‭ ‬التحكيم‭ ‬بخصوص‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬حول‭ ‬حدود‭ ‬الأراضي‭ ‬أو‭ ‬المراعي،‭ ‬وهذا‭ ‬لسد‭ ‬الخصاص‭ ‬الذي‭ ‬يتركه‭ ‬ضعف‭ ‬تمثيل‭ ‬السلطة‭ ‬المخزنية‭ ‬أو‭ ‬غيابها‭. ‬الاستعانة‭ ‬هاته‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يقابلها‭ ‬اعتراف‭ ‬رسمي‭ ‬بنفوذها‭ ‬وتكليفها‭ ‬بالقيام‭ ‬بوظائف‭ ‬رسمية‭ ‬لصالحه،‭ ‬وهنا‭ ‬يتم‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الزاوية‭ ‬والمخزن‭ ‬بمنحها‭ ‬ظهائر‭ ‬التوقير‭ ‬والاحترام‭ ‬وإهدائها‭ ‬الأراضي،‭ ‬وإعفائها‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬الضرائب،‭ ‬وأراضي‭ ‬الشرفاء‭ ‬والزوايا‭ ‬تشكل‭ ‬حاليا‭ ‬حضورا‭ ‬وازنا‭ ‬في‭ ‬التركيبة‭ ‬العقارية‭ ‬الفلاحية،‭ ‬وتحمل‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب‭ ‬رمزية‭ ‬دينية‭ ‬قوية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالنسب‭ ‬الشريف،‭ ‬ودعمت‭ ‬الحكم‭ ‬العلوي‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬ترويجهم‭ ‬لتشاركهم‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الأصول‭ ‬الشريفة‭ ‬نفسها،‭ ‬واستنادهم‭ ‬إلى‭ ‬الانتساب‭ ‬إلى‭ ‬آل‭ ‬البيت،‭ ‬وبقي‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬الضمني‭ ‬مستمرا‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تستند‭ ‬في‭ ‬حكمها‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬دينية‭ ‬أيضا‭. ‬وهكذا‭ ‬أمكن‭ ‬للمخزن‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬ينسج‭ ‬تحالفات‭ ‬دائمة‭ ‬أو‭ ‬مؤقتة‭ ‬مع‭ ‬زوايا‭ ‬بعينها‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬مختلفة،‭ ‬بهدف‭ ‬ضمان‭ ‬ولاء‭ ‬القبائل‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬لها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬وبين‭ ‬المخزن‭ ‬نزاعات‭ ‬موازية‭ ‬مع‭ ‬الزوايا‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها‭ ‬تلك‭ ‬القبائل‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬المخزن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الزاوية‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أوسع‭ ‬نطاق‭ ‬من‭ ‬القبائل،‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬يختار‭ ‬جيشه‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬لضمان‭ ‬الولاء‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬التحالف‭ ‬يوفر‭ ‬للطرفين‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬يسعيان‭ ‬إليها،‭ ‬فالدولة‭ ‬تجد‭ ‬فيه‭ ‬سندا‭ ‬لمشروعيتها‭ ‬ووسيلة‭ ‬لفرض‭ ‬شوكتها،‭ ‬والزاوية‭ ‬تجد‭ ‬فيه‭ ‬وسيلة‭ ‬لبسط‭ ‬نفوذها‭ ‬على‭ ‬القبائل‭ ‬الأخرى‭ ‬والاستقواء‭ ‬عليها‭ ‬بالمخزن،‭ ‬وإطلاق‭ ‬يدها‭ ‬في‭ ‬الغصب‭.‬

الطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬كأداة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الاقليمي‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر

كشف‭ ‬تصريح‭ ‬للخليفة‭ ‬العام‭ ‬للزاوية‭ ‬التيجانية،‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬التيجاني،‭ ‬حول‭ ‬رفض‭ ‬الزاوية‭ ‬محاولة‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬استغلال‭ ‬الزاوية‭ ‬ومحاولة‭ ‬إلغاء‭ ‬المركز‭ ‬الروحي‭ ‬للزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬سرية‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬والمغربية‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الحركة‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

تصدرت‭ ‬الطريقة‭ ‬الصوفية‭ ‬التيجانية‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬التنافس‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الثقل‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬والعالم،‭ ‬حيث‭ ‬ولد‭ ‬مؤسسها‭ ‬وشيخها‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬التيجاني‭ ‬بالجزائر‭ ‬ثم‭ ‬تعلم‭ ‬واستقر‭ ‬وتوفي‭ ‬بالمغرب‭. ‬في‭ ‬البداية‭ ‬دعا‭ ‬المغرب‭ ‬المنتسبين‭ ‬للتيجانية‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬ملتقى‭ ‬دولي‭ ‬لهم‭ ‬بفاس‭ ‬عام‭ ‬1986‭. ‬واعترف‭ ‬زعماء‭ ‬الطائفة‭ ‬التيجانية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الملتقى‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وأدانوا‭ ‬موقف‭ ‬الجزائر‭ ‬منها‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬سيتطور‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الجارة‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬فطنت‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الزوايا‭ ‬كورقة‭ ‬روحية‭ ‬ودينية‭ ‬أولا‭ ‬لمواجهة‭ ‬مد‭ ‬حركة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬داخليا،‭ ‬وثانيا‭ ‬كورقة‭ ‬وأداة‭ ‬لصراع‭ ‬النفوذ‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬إقليميا‭ ‬وفي‭ ‬العمق‭ ‬الغربي‭ ‬لإفريقيا،‭ ‬وكذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لجالية‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬ملف‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬رماده‭ ‬ليحلق‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

لذلك‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬محط‭ ‬رهان‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬وظهرت‭ ‬الخلافات‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2006،‭ ‬ففي‭ ‬نونبر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬نظمت‭ ‬الجزائر‭ ‬أول‭ ‬ملتقى‭ ‬دولي‭ ‬للطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬بمنطقة‭ ‬الأغواط‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬ماضي،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬أحمد‭ ‬التيجاني،‭ ‬مؤسس‭ ‬الطريقة،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لمزاحمة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الديني‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬النزاع‭ ‬الترابي‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭. ‬وتعد‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬أكثر‭ ‬الزوايا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النفوذ‭ ‬السياسي،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬حضورها‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬باهتا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بقي‭ ‬مجرد‭ ‬جسر‭ ‬لتقوية‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬لأن‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬لديها‭ ‬نفوذ‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬السينغال‭. ‬ويعود‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬أهم‭ ‬محطات‭ ‬انتشار‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬والسينغال،‭ ‬بفضل‭ ‬حركة‭ ‬التنقل‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬علماء‭ ‬ومريدو‭ ‬الطريقة‭ ‬وشيوخها‭ ‬بين‭ ‬السينغال‭ ‬والمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬زاوية‭ ‬فاس‭ ‬المقر‭ ‬الرسمي‭.‬

تتمتع‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬والزوايا‭ ‬المغربية‭ ‬بامتداد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬شكّل‭ ‬بمعية‭ ‬باقي‭ ‬الطرق‭ ‬والزوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬لوبيا‭ ‬ضاغطا‭ ‬لفائدة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬الكبرى،‭ ‬لاسيما‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭. ‬فكلما‭ ‬تغير‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬لفائدة‭ ‬الجزائر‭ ‬أو‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬كانت‭ ‬الجماعات‭ ‬الصوفية‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬حكوماتها‭ ‬لمراجعة‭ ‬موقفها‭ ‬ومناصرة‭ ‬المغرب‭. ‬واستمرارا‭ ‬لهذا‭ ‬الصراع‭ ‬تلعب‭ ‬الزوايا‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬وسط‭ ‬جالية‭ ‬البلدين‭ ‬وخصوصا‭ ‬بفرنسا،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬التأطير‭ ‬الديني‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬المقيمة‭ ‬بالخارج‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المد‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬للجماعات‭.‬

الدور‭ ‬السياسي‭ ‬للزاوية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي

دور‭ ‬مواجهة‭ ‬تنامي‭ ‬اليسار

انتهت‭ ‬الزاوية‭ ‬المغربية،‭ ‬عبر‭ ‬تطور‭ ‬وظائفها‭ ‬المختلفة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬مكونا‭ ‬ضروريا‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬حقب‭ ‬تاريخية‭ ‬طويلة،‭ ‬فقد‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ينشده‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أمان‭ ‬وحاجيات‭ ‬العيش،‭ ‬وما‭ ‬تنشده‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬سياسي‭ ‬واجتماعي‭.‬

وهناك‭ ‬ملاحظة‭ ‬أساسية‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬الزوايا‭ ‬ارتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬بالتاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للمغرب،‭ ‬على‭ ‬أساس‭  ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬ضاغطة‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم،‭ ‬ونافسته‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬شرعيته‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية،‭ ‬تدعمها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قاعدة‭ ‬شعبية‭ ‬عريضة‭ ‬وتنظيمات‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولها‭ ‬امتياز‭ ‬رمزي‭ ‬كانت‭  ‬تستلهمه‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬والنسب‭ ‬الشريف،‭ ‬لذلك‭ ‬عملت‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬احتوائها‭ ‬وتقزيمها،‭ ‬عبر‭ ‬مدها‭ ‬بالامتيازات‭ ‬المادية‭ ‬واستعمالها‭ ‬كأداة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الاستبداد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬ووجدت‭ ‬نفسها‭ ‬بين‭ ‬أنياب‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭. ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬أغلب‭ ‬الزوايا‭ ‬لا‭ ‬تخفي‭ ‬ولائها‭ ‬للسلطة،‭ ‬وتقدم‭ ‬نفسها‭ ‬ومريديها‭ ‬كحلفاء‭ ‬للسلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التيارات‭ ‬اليسارية‭ ‬والعلمانية‭.‬

ففي‭ ‬سنوات‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الوطنية‭ ‬والتيارات‭ ‬اليسارية‭ ‬الراديكالية،‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وثمانينياته،‭ ‬وفي‭ ‬عز‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص،‭ ‬شجعت‭ ‬السلطة‭ ‬الإسلام‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الذي‭ ‬حمله‭ ‬معهم‭ ‬معارضون‭ ‬اسلاميون‭ ‬هاربون‭ ‬من‭ ‬أنظمتهم،‭ ‬ومولتهم‭ ‬السلطة،‭ ‬بتغاض‭ ‬عن‭ ‬إرهابهم‭ ‬وبتشجيع‭ ‬وتواطؤ‭ ‬معهم،‭ ‬وشجعت‭ ‬توزيع‭ ‬وانتشار‭ ‬وسائط‭ ‬الدعوة‭ ‬السلفية‭ ‬الوهابية،‭ ‬باستعمال‭ ‬أتباع‭ ‬الزوايا‭ ‬لمواجهة‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬وللوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المد‭ ‬التحرري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقوده‭ ‬شباب‭ ‬الجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬العليا‭ ‬اليساري‭.‬

إن‭ ‬الزوايا‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬ظروف‭ ‬سياسية‭ ‬حديثة،‭ ‬وإنما‭ ‬لها‭ ‬جذور‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬فقد‭ ‬استمدت‭ ‬أغلب‭ ‬الأسر‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬المغرب‭ ‬شرعيتها‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬لها،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يبرز‭ ‬اعتماد‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الأزمات،‭ ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬أثناء‭ ‬مواجهة‭ ‬السلطة‭ ‬احتجاجات‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬عندما‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬زاوية‭ ‬صوفية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لحشد‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬للسلطة‭ ‬لاحتواء‭ ‬غضب‭ ‬الشارع‭.‬

الزاوية‭ ‬وحركة‭ ‬20‭ ‬فبراير

لقد‭ ‬نظم‭ ‬أتباع‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬الصوفية‭ ‬مسيرات‭ ‬مؤيدة‭ ‬للدستور‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬وتصدت‭ ‬للأصوات‭ ‬الداعية‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬ومقاطعة‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬الدستور،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬المعارضة،‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬مريدوها‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬حاشدة‭ ‬معلنة‭ ‬دعمها‭ ‬لتوجهات‭ ‬الحٌكم،‭ ‬هذا‭ ‬الإنزال‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬الأساسي‭ ‬دعم‭ ‬السلطة‭ ‬وتمرير‭ ‬الدستور‭ ‬الممنوح‭. ‬حيث‭ ‬دعت‭ ‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬الشيخ‭ ‬حمزة‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬ليلة‭ ‬دعاء‭ ‬وذكر‭ ‬بمناسبة‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه‭. ‬ويطرح‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬تساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬حول‭ ‬تحول‭ ‬الطريقة‭ ‬البوتشيشية‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬العلني،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬رموز‭ ‬الطريقة‭ ‬ينفون‭ ‬ممارستهم‭ ‬للسياسة،‭ ‬فالناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسمها‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الطريقة‭ ‬عبرت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬وطني‭. ‬لكن‭ ‬الاستنتاج‭ ‬العام‭ ‬والسوابق‭ ‬التاريخية‭ ‬والمواقف‭ ‬السابقة‭ ‬واللاحقة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬قام‭ ‬بتسييس‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الروحية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خفت‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وفق‭ ‬مصالحه‭ ‬وأهدافه،‭ ‬ودفع‭ ‬بها‭ ‬لمواجهة‭ ‬المعارضة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬خطيرة‭ ‬غامر‭ ‬بها‭ ‬نظام‭ ‬الحكم،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الزاوية‭ ‬البوتشيشية‭ ‬يصل‭ ‬أتباعها‭ ‬إلى‭ ‬الملايين،‭ ‬وهي‭ ‬تعكس‭ ‬موقفا‭ ‬متناقضا‭ ‬في‭ ‬خطاباتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭.‬‭ ‬فهي‭ ‬تعزل‭ ‬نفسها‭ ‬عن‭ ‬السياسية‭ ‬شكليا،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬روحي‭ ‬كلما‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬مناهض‭ ‬للدولة،‭ ‬وتسارع‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬الفعالة‭ ‬بالبيانات‭ ‬والتصريحات‭ ‬والمسيرات‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتصفيق‭ ‬على‭ ‬أفعالها‭. ‬وبهذا‭ ‬الانحياز‭ ‬الواضح‭ ‬يصعب‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الطريقة‭ ‬البودشيشية‭ ‬طريقة‭ ‬مستقلة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬أداة‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬اختارتها‭ ‬الدولة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التيار‭ ‬السلفي‭ ‬بالتيار‭ ‬الصوفي‭ ‬وكل‭ ‬أشكال‭ ‬معارضة‭ ‬الحُكم‭ ‬اليسارية‭ ‬والديمقراطية‭. ‬ولا‭ ‬يعد‭ ‬دعم‭ ‬الزاوية‭ ‬للدستور‭ ‬أول‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬فقد‭ ‬ندد‭ ‬شيخ‭ ‬الطريقة‭ ‬البوتشيشية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬بأعداء‭ ‬الملكية‭. ‬لقد‭ ‬وضعتها‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬كقوة‭ ‬احتياطية‭ ‬قابلة‭ ‬للعب‭ ‬كل‭ ‬الأدوار‭ ‬والدسائس‭ ‬المعادية‭ ‬لتطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭.‬

ومن‭ ‬أشهر‭ ‬المواقف‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬السجل‭ ‬السياسي‭ ‬لهذه‭ ‬الزواية،‭ ‬مشاركة‭ ‬البودشيشيين‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ ‬مناوئة‭ ‬للمطالب‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير،‭ ‬ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬البودشيشية‭ ‬فتحت‭ ‬أبوابها‭ ‬لاستقطاب‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬داخل‭ ‬التيار‭ ‬السلفي،‭ ‬حيث‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تبرز‭ ‬لهم‭ ‬محاسن‭ ‬التصوف،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬عملا‭ ‬ذا‭ ‬طبيعة‭ ‬سياسية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬العام‭ ‬للدولة‭ ‬بتشجيع‭ ‬التيار‭ ‬الصوفي‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمج‭ ‬الزاوية‭ ‬ضمن‭ ‬سياسته‭ ‬الدينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنه‭ ‬يحاول‭ ‬بذلك‭ ‬احتواء‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭.‬

ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الاحتواء‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬مريدو‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬حاشدة‭ ‬مؤيدة‭ ‬لسلطة‭ ‬الحُكم‭ ‬وداعمة‭ ‬للإصلاحات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬والذي‭ ‬شكلت‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬وجهه‭ ‬المغربي‭. ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مسموح‭ ‬للزوايا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بمزاولة‭ ‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬سياسي‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تعتبر‭ ‬حركات‭ ‬دينية‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصوف‭ ‬والروحيات‭.‬

فخلاصة‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬اليومية‭ ‬لغليان‭ ‬الشارع‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬مدينة،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬مواجهة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬ومكوناتها‭ ‬المتعددة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الدفع‭ ‬بخروج‭ ‬مريدي‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البوتشيشية‭ ‬جاء‭ ‬لإحداث‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬التظاهر‭ ‬بالشارع‭ ‬العام،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أراد‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬بعث‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الدينية‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬مناهضة‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الملكية،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تقزيم‭ ‬بعض‭ ‬الزوايا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬نفوذ‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وإشعاع‭ ‬ديني‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة،‭ ‬ساهمت‭ ‬أيضا‭ ‬بالمقابل‭ ‬في‭ ‬تضخيم‭ ‬مكانة‭ ‬زوايا‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬دور،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خلق‭ ‬توازنات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬خريطة‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬والهدف‭ ‬هو‭ ‬تحكم‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬وجودها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬منها‭.‬

ضرب‭ ‬السلفية‭ ‬بالزاوية

‭ ‬بعد‭ ‬تغول‭ ‬تفرعات‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والتكفيرية،‭ ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬انخراط‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬السلفية‭ ‬الجهادية،‭ ‬تبنت‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬مشروع‭ ‬‭”‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭” ‬القائم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬تشجيع‭ ‬الإسلام‭: ‬التقليدي‭ ‬والصوفي،‭ ‬لمحاربة‭ “‬الغلو‭ ‬الديني‭”‬،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬المتطرف‭. ‬وتجلى‭ ‬اتجاه‭ ‬السلطة‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬متصوف‭ ‬وزيراً‭ ‬للأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والباقي‭ ‬في‭ ‬موقعه‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬وكذا‭ ‬الإغداق‭ ‬بالهبات‭ ‬المالية‭ ‬على‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الصوفية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬حضور‭ ‬أنشطتها‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي،‭ ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬العام،‭ ‬بتشجيع‭ ‬وتمويل‭ ‬مواسمها‭ ‬واحتفالاتها‭ ‬وطقوسها‭ ‬وندواتها‭ ‬ومؤتمراتها‭. ‬تلتقي‭ ‬إذن‭ ‬سياسة‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ “‬التحكم‭ ‬والتسلط‭”‬،‭ ‬مع‭ ‬تقاليد‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ “‬السمع‭ ‬والطاعة‭” ‬الواجبين‭ ‬على‭ ‬المريد‭ ‬تجاه‭ ‬شيخه،‭ ‬وهي‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬السلطة‭ ‬تكريسها‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السياسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ “‬طاعة‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭”. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصلحة‭ ‬السلطة،‭ ‬فتقدم‭ ‬الدولة‭ ‬دعماً‭ ‬رسمياً‭ ‬للزوايا‭ ‬الصوفية،‭ ‬لتكريس‭ ‬الصوفية‭ ‬توجهاً‭ ‬دينياً‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬توازن‭ ‬سياسي‭ ‬داخل‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬لوقف‭ ‬تمدد‭ ‬التيارات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المحسوبة‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬وتطورها‭. ‬وبمحاولة‭ ‬السلطة‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬دور‭ ‬الزوايا‭ ‬كمن‭ ‬ينفخ‭ ‬روحا‭ ‬في‭ ‬جثة،‭ ‬لأن‭ ‬دورها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬تراجع‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬درجة‭ ‬وعي‭ ‬فئات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬وصلتها‭ ‬بالواقع‭ ‬شبه‭ ‬منقطعة،‭ ‬ووجودها‭ ‬أصبح‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬الطابع‭ ‬الاحتفالي‭ ‬والطقوسي،‭ ‬وأغلب‭ ‬روادها‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬الميسورة‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬طقوس‭ ‬التصوف،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الرياضة‭ ‬الروحية،‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬التطهير‭ ‬الروحي‭. ‬وربما‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬غاية‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬تشجيع‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإسلام،‭ ‬الذي‭ ‬يشجع‭ ‬رواده‭ ‬على‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬روحي‭. ‬لكن،‭ ‬الهدف‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ “‬الإسلام‭ ‬السياسي‭” ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والسياسة،‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬قوانين‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لأي‭ ‬تيار‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بينهما،‭ ‬مع‭ ‬استثناء‭ ‬سلطة‭ ‬الملك‭ ‬الذي‭ ‬يمنحه‭ ‬الدستور‭ ‬الممنوح‭ ‬حق‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬السلطتين،‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ “‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭”.‬

تعد‭ ‬أدوار‭ ‬زوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬كثيرة،‭ ‬فمنها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والديني،‭ ‬لكن‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬يبقى‭ ‬الدور‭ ‬السياسي‭ ‬للزوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬أساسيًا،‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تسعى‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬والنظام‭ ‬الحاكم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬دعم‭ ‬ومساعدات‭ ‬الدولة‭ ‬للزوايا‭.‬

الزواج‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والزاوية‭.. ‬استراتيجية‭ ‬الإحياء‭ ‬والاحتواء

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الانحرافات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬حظيت‭ ‬الزوايا‭ -‬خاصة‭ ‬الكبرى‭ ‬منها‭- ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل،‭ ‬بالرعاية‭ ‬والدعم‭ ‬الماليين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الامتيازات‭ ‬والهبات‭ ‬والإقطاعيات،‭ ‬ونال‭ ‬شيوخها‭ ‬وأتباعها‭ ‬امتيازات‭ ‬ضريبية‭ ‬وإقطاعات‭ ‬أرضية‭ ‬بظهائر‭ ‬ملكية،‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد،‭ ‬مثل‭ ‬ظهير‭ ‬السلطان‭ ‬السعدي‭ ‬سنة‭ ‬1586،‭ ‬الذي‭ ‬خص‭ ‬رؤساء‭ ‬تلك‭ ‬الزوايا‭ ‬بعائدات‭ ‬الضرائب‭ ‬الدينية‭ (‬الزكاة‭ ‬والعشور‭)‬،‭ ‬وبـ‭ (‬حكرة‭ ‬المنتوج‭ ‬الفلاحي‭ ‬للأرض‭)‬،‭ ‬واحترام‭ ‬طرق‭ ‬الزاوية‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬جدد‭ ‬ظهير‭ ‬المولى‭ ‬إسماعيل‭ ‬سنة‭ ‬1673‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬النهج‭ ‬وإن‭ ‬بوسائل‭ ‬وصور‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تثبيت‭ ‬أركان‭ ‬السلطان‭ ‬الحاكمة،‭ ‬ثم‭ ‬اعتماد‭ ‬التصوّف‭ ‬كمحدد‭ ‬مركزي‭ ‬لإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭. ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬تحولت‭ ‬الزوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬إدارية‭ ‬تابعة‭ ‬لنظام‭ ‬الحكم‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬وتدافع‭ ‬عنها‭ ‬وتبررها‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬وسياساتها،‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬أداة‭ ‬ووسيلة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الحُكم‭ ‬وتكريس‭ ‬شرعيته‭.‬

ولا‭ ‬يرى‭ ‬المنتسبون‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬الصوفية،‭ ‬أي‭ ‬تعارض‭ ‬بين‭ ‬معتقداتهم‭ ‬الدينية‭ ‬وولائهم‭ ‬للنظام‭ ‬المغربي‭ ‬وقوانينه،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬النظام‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬مشايخ‭ ‬الصوفية‭ ‬ومريديهم‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬طرقهم،‭ ‬ومكّنهم‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يقومون‭ ‬بدور‭ ‬مركزي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دواليبها‭.‬

ورغم‭ ‬انخفاض‭ ‬وزنها،‭ ‬تحولت‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ “‬المخزن‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬يمدها‭ ‬بالمال‭ ‬كأوكسجين‭ ‬لاستمرارها،‭ ‬ويعتمد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الفكر‭ ‬الخرافي‭ ‬والاتكالي،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬إيديولوجيا‭ ‬النظام

وتحظى‭ ‬برعايته‭ ‬خاصة،‭ ‬إذ‭ ‬تشرف‭ ‬لجنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬الهبات‭ ‬على‭ ‬شيوخها‭ ‬والقائمين‭ ‬عليها،‭ ‬إذ‭ ‬تتلقى‭ ‬دعما‭ ‬مالياً‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المخزن،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬حزباً‭ ‬أو‭ ‬نقابة‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭ ‬قانونية‭. ‬وعندما‭ ‬احتج‭ ‬السلفيون‭ ‬والحقوقيون‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬المخزن‭ ‬للزاوية،‭ ‬أوصت‭ ‬النخبة‭ ‬المخزنية‭ ‬الزاوية‭ ‬وأتباعها‭ ‬بتأسيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬ذات‭ ‬المنفعة‭ ‬العامة‭ ‬لتلقي‭ ‬الدعم‭ ‬بطرق‭ ‬شرعية‭.‬

ولمكانتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المجتمع‭ ‬القروي،‭ ‬عملت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تطويعها‭ ‬خدمة‭ ‬لأغراضها‭ ‬السياسية،‭ ‬فمن‭ ‬خلالها‭ ‬تمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬ثقة‭ ‬كبير‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الريفي‭ ‬مع‭ ‬طغيان‭ ‬الجهل‭.‬

فالزاوية‭ ‬عنصر‭ ‬ضمن‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬بها‭ ‬الملكية‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬الدينية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬اليد‭ ‬الطويلة‭ ‬للدولة،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬سلطتها،‭ ‬وتشكل‭ ‬أحد‭ ‬الروافد‭ ‬الأساسية‭ ‬لجلب‭ ‬التأييد‭ ‬وإحياء‭ ‬الولاء‭ ‬الديني‭ ‬والروحي‭ ‬لـ‭ “‬أمير‭ ‬المؤمنين‭” ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وهي‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة،‭ ‬بدأ‭ ‬الإعداد‭ ‬لها‭ ‬عقب‭ ‬اعتداءات‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬2001،‭ ‬لقد‭ ‬عملت‭ ‬سلطة‭ ‬الحٌكم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬لإدماج‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬بهدف‭ ‬مواجهة‭ ‬ومحاربة‭ ‬ظاهرة‭ ‬إرهاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تقوى‭ ‬الاتجاه‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ “‬الصوفي‭” ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بالطرق‭ ‬والزوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬فأحداث‭ ‬16‭ ‬ماي‭ ‬2003‭ ‬الدموية‭ ‬استوجبت‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حليف‭ ‬استراتيجي‭ ‬قديم‭/ ‬جديد،‭ ‬هذا‭ ‬الحليف‭ ‬الجديد‭ ‬سيتمثل‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬الصوفي‭ ‬الطُرقي،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬النظام‭.‬

حظوظ‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمرا‭ ‬مضمونا‭. ‬فقد‭ ‬عمدت‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تنامي‭ ‬حركة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬ضد‭ ‬اختياراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأزمة‭ ‬السياسية،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬محاصرة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والحركات‭ ‬الأصولية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬إلى‭ ‬تجيدد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬أدوارها‭ ‬كخيار‭ ‬استراتيجي‭ ‬ورهان‭ ‬سياسي‭ ‬لتوظيفه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬الأصولي‭ ‬المؤدلج‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أدخلته‭ ‬لشرايين‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬مناسبة‭ ‬للزوايا‭ ‬لتعاود‭ ‬الانتشار‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بتصور‭ ‬جديد‭ ‬ووظائف‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬شيوخها‭ ‬إبان‭ ‬الفترة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والمراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭. ‬وهي‭ ‬عودة‭ ‬للأصول‭ ‬السلطانية‭ ‬للمخزن‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الزوايا‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أوسع‭ ‬نطاق‭ ‬من‭ ‬القبائل،‭ ‬بحيث‭ ‬يختار‭ ‬عناصر‭ ‬جيشه‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬لضمان‭ ‬الولاء‭.‬

أن‭ ‬محاولات‭ ‬الدولة‭ ‬ضرب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بالإسلام‭ ‬الصوفي،‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شعاراتٍ‭ ‬سياسية‭ ‬يرفعها،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التحديث‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬فإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬طقوس‭ ‬التصوف‭ ‬البالية‭ ‬هي‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬ملكة‭ ‬العقل‭ ‬والتفكير،‭ ‬وتشجيع‭ ‬لثقافة‭ ‬التقليد‭ ‬والخرافة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ثقافة‭ “‬الشيخ‭ ‬والمريد‭” ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬الفكر‭ ‬الصوفي‭ ‬والزوايا،‭ ‬تكرس‭ ‬فكر‭ ‬الخنوع‭ ‬والخضوع،‭ ‬وتنبذ‭ ‬ممارسة‭ ‬النقد‭ ‬وقبول‭ ‬الرأي‭ ‬الأخر‭ ‬والاعتراض‭ ‬التي‭ ‬بدونها‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬أية‭ ‬ديمقراطية‭.‬

إن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬يستغل‭ ‬الزوايا‭ ‬لأنها‭ ‬تاريخيا‭ ‬كانت‭ ‬تنعم‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬نظرا‭ ‬لطبيعتها‭ ‬الدينية‭ ‬واندماجها‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وربما‭ ‬نظرا‭ ‬كذلك‭ ‬لطبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬كمجتمع‭ ‬جد‭ ‬محافظ‭ ‬وميال‭ ‬إلى‭ ‬التأملات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الميتافيزيقي،‭ ‬لكن‭ ‬أدوارها‭ ‬السياسية‭ ‬تظل‭ ‬مطلوبة‭ ‬للنظام‭ ‬لتمطيط‭ ‬وجوده‭ ‬السياسي‭ ‬والديني،‭ ‬لتبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬سياسية‭ ‬تعززها‭ ‬مبررات‭ ‬التقديس،‭ ‬وبسبب‭ ‬ذلك‭ ‬تطور‭ ‬الجهاز‭ ‬الصوفي‭ ‬لدرجة‭ ‬اعتبره‭ ‬البعض‭ “‬مشروع‭ ‬دولة‭ ‬مثالية‭ ‬دائم‭ ‬الوجود‭”  ‬أعطى‭ ‬لدور‭ ‬الصوفي‭ ‬تشكيلا‭ ‬متجددا،‭ ‬وجعل‭ ‬من‭ ‬مؤسسته‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أفضى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬الدولة‭ ‬لهذا‭ ‬الجهاز‭ ‬وحاجة‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬للدولة،‭ ‬وهي‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تأصلت‭ ‬وتقوت‭ ‬حسب‭ ‬منظور‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬للآخر،‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬تنافس‭ ‬مبطن‭ ‬حول‭ ‬المشروعية‭ ‬الرمزية‭ ‬لتمثل‭ ‬الزعامة‭ ‬داخل‭ ‬الجماعة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬تبادل‭ ‬الأدوار‭ :  ‬فالجهاز‭ ‬الصوفي‭ ‬يكمل‭ ‬الأداء‭ ‬السياسي‭ ‬فيما‭ ‬يضمن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬للثاني‭ ‬سبل‭ ‬الاستمرارية‭ ‬وآليات‭ ‬الامتداد‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬الإنعاش‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬التاريخية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬أدوار‭ ‬الزوايا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬افتقدت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬التقليدي‭ ‬كمؤسسات‭ ‬تأطيرية‭ ‬للمجتمع؛‭ ‬الوظائف‭ ‬التعليمية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والقضائية‭ ‬والجهادية،‭.. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬عملها‭ ‬بفعل‭ ‬عملية‭ ‬التحديث‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬المجتمع،‭ ‬فان‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تنفخ‭ ‬فيها‭ ‬روح‭ ‬العمالة‭ ‬لخدمتها،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بديلا‭ ‬يساعده‭ ‬لحماية‭ ‬وجوده،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬قوة‭ ‬الزوايا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الطقوسية‭ ‬لطرقهم،‭ ‬وداخل‭ ‬المجتمع‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬لهم،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يفسر‭ ‬بأن‭ ‬تأثير‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬عمليا‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬أو‭ ‬يحتضر‭.‬

إن‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬خص‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬تلك‭ ‬الزوايا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تاريخها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجانبين‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي،‭ ‬يعود‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬كتناسل‭ ‬القصص‭ ‬والروايات‭ ‬الأسطورية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تثبت‭ ‬لهذا‭ ‬الولي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬خوارق‭ ‬وهمية،‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الزوايا‭ ‬والقائمين‭ ‬على‭ ‬الأضرحة‭ ‬قد‭ ‬استغلوا‭ ‬نفوذهم‭ ‬للتمويه‭ ‬على‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بكرامات‭ ‬مصطنعة‭ ‬تتبع‭ ‬الأولياء‭ ‬في‭ ‬أضرحتهم،‭ ‬مثلما‭ ‬نسبت‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬أو‭ ‬باطل‭. ‬إن‭ ‬الوجه‭ ‬القبيح‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬زواجها‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬مع‭ ‬الزوايا‭ ‬أنها‭ ‬تحمي‭ ‬السلطات‭ ‬العليا‭ ‬والسفلى‭ ‬الزوايا‭ ‬والأضرحة‭ ‬وتؤمم‭ ‬المواسم‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬حولها،‭ ‬وتشرف‭ ‬عليها‭ ‬وتدعمها‭ ‬ماديا‭ ‬ومعنويا‭. ‬بينما‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تأميم‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬؟؟؟‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.