الجشع قضى على الحس الوطني

يرجع تاريخ التفكير في إنشاء الشركة الشريفة للبترولSCPإلى 1919 تاريخ اكتشاف حقل للبترول بسيدي قاسم، ومن هنا تم تأسيسهافي 29 أبريل 1929 وقد لعبت مصفاة سيدي قاسم دورا كبيرا في تطور الصناعة البترولية المغربية وخلق أطر وتقنيين مغاربة في هذا المجال وفي تاريخ اشتغالها تم مد أنبوب نفطي بين المحمدية وسيدي قاسم بطول 187 كلم وإنشاء خزان للبترول, وفي 1997 تمت خوصصة الشركة وأدمجت في شركة سامير التي كانت قد أسست في 1959 من قبل الدولة بشراكة مع ” أجيب ” الإيطالية أيام حكومة عبد الله إبراهيم بقدرة استيعابية تصل إلى 1.25 مليون طن سنويا وقد تمت مغرتها بالكامل في 1973 وتطورت منذ هذا التاريخ حيث أنشئت عدة وحدات أخرى للتكرير والصناعة النفطية حتى تاريخ تفويت 67.27 % من رأسمالها إلى مجموعة “كورال” السعودية ومنذ هذا الوقت بدأت مصاعب الشركة التي أصبحت مدمجة مع السابقة تحت اسم سلام غاز وفي هذا المسار الجديد علق بالأذهان الحريق الذي حدث 2002 والذي أتى على أغلب وحدات الإنتاج مما أدى إلى التوقف الكلي لها وظهر نقص في تموين السوق بالمواد البترولية ليتم على إثر ذلك فتح المجال للموزعين من أجل استيراد 20 في المائة من المحروقات، وهو ما قلص حصة الشركة إلى 80/100 ولم يتوقف المسلسل هنا بل أن الدولة بعد مرور ست سنوات على حادثة الحريق وبالضبط في بداية 2009 تم تحرير السوق بالكامل الشيء الذي أدى إلى انخفاض جديد لحصة الشركة إلى 50/100، وفي 2015 أعلنت الشركة التوقف عن التكرير نتيجة وقوعها في أزمة مالية وعدم قدرتها على الدفع.

السياسة الطاقية للدولة ظهر فشلها جليا في صرب القدرة التي كان المغرب يتوفر عليها، وكانت تؤمن مد الشركات الصناعية بما تحتاج إليه من المواد المطاطية ومن مواد تدخل في البناء مثل الزفت وغيره… كما كانت تؤمن التخزين الاستراتيجي للوقود حيث كانت تخزن حوالي 2 طن وهو ما يعادل ثلاثة أشهر من الاستهلاك في حين أن طاقة التخزين الآن لدى شركات التوزيع رغم دعم الدولة لا تتجاوز 45 يوما. بالإضافة لذلك كانت لها طاقة تكريرية تقدر ب 10 ملايين طن سنويا ومعلوم أن المغرب يستهلك 12 مليون طن سنويا أي أن المصفاة توفر 80 في المئة من حاجيات البترول ومشتقاته مع الإشارة أنها في مادة الغازوال توفر 50 في المئة.

طالبت الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة بخطوات استعجالية أمام ما أسفرت عنه هذه السياسة التي أتلفت كل المكتسبات الوطنية وحددتها في النقاط التالية:

1- الاستئناف العاجل لنشاط مصفاة المحمدية تحت كل الصيغ الممكنة.

2 – الانتباه لتلاشي واهتلاك الآلات المتوقفة منذ فشت 2015.

3- التحذير من خطورة فقدان الخبرة التقنية والتجربة في صناعة التكرير وفي صيانة الآلات.

4- ضرورة توضيح الدولة لموقفها من مستقبل صناعة التكرير.

لكن من الواضح أن هذه الخطوات المستعجلة لا تفطر فيها الحكومة وما تزال منكبة على التفكير في كيفية ترتيب بيت ” بورجوازية ” التوزيع بترقيعات لا تغني ولا تسمن إلا هذه الشريحة. إن هذه الخطوات هي التي ستؤدي إلى معرفة جدية الحكومة في مراجعة سياستها الطاقية التي ستزيد من الوطأة على الطبقات الشعبية إذا ما تم الاستمرار فيها إن استرجاع الدولة لدورها في التصنيع ولاستيراد والتخزين شيء ضروري بعد أن ظهر أن لا حدود للجشع ولا حدود لتحميل المواطن تبعات الخسارات والمضاربات والسمسرة، بل أن الدولة لو نافست القطاع الخاص في التوزيع والبيع بمحطاتها لكان ذلك ضمانا الا يتفق كبار الموزعين في الخفاء على السعر وفرضه على السوق. العلاج الآن بدون مراجعة جذرية للسياسة المتبعة لن يؤدي إلى الحل، لأن الجشع المالي، والجري وراء الربح الفاحش، والتواطؤ مع الجشع، قضى على الحس الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى