السياسةالملف

الزوايا بالمغرب: السياسة والدين وبناء الدولة

◆ محمد بنطاهر

ليس‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المساهمة‭  ‬استحضار‭ ‬الوظائف‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬لحركة‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب‭ ‬بإسهاب،‭ ‬ولا‭ ‬وصف‭ ‬التنظيمات‭ ‬الطرقية‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق،‭ ‬وإنّما‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تتبع‭ ‬تأثيرات‭ ‬بعض‭ ‬الزوايا‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬والإيديولوجية‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسة‭ ‬السلطة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإشارة‭ ‬للأسباب‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬اختلاف‭ ‬توجهات‭ ‬السلاطين‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬استوقفتنا‭ ‬ودفعتنا‭ ‬لدراسة‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬سببين،‭ ‬الأول‭ ‬ذاتي‭ ‬والثاني‭ ‬موضوعي‭.‬

‭ – ‬السبب‭ ‬الذاتي‭: ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الزوايا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وقدرة‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬لف‭ ‬أوسع‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬وقدراتهم‭ ‬على‭ ‬التعبئة‭ ‬الشعبية‭ ‬لمصلحة‭ ‬المخزن‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف،‭ ‬وامتصاص‭ ‬السلوك‭ “‬السلبي‭” ‬الطبقي‭  ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ “‬إيجابي‭” ‬مخزني‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تصورهم،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬التوجيهات‭ ‬المخزنية‭ ‬الحالية‭ ‬والمهام‭ ‬المطروحة‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬التغيير‭.‬

‭- ‬السبب‭ ‬الموضوعي‭ : ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الزاوية،‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬معظمها‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬الوصف‭ ‬بدون‭ ‬إبراز‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬ولهذا‭ ‬حاولت‭ ‬إجراء‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬مدخلا‭ ‬لمن‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬مثل‭  ‬هذه‭ ‬المواضيع‭.‬

وللتذكير‭ ‬فقد‭ ‬ازددت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬زاوية‭ ‬سيد‭ ‬الهبري،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬طول‭ ‬حياتي‭ ‬وإلى‭ ‬سن‭ ‬27‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬مقدمها‭ ‬جدي‭ ‬السي‭ ‬إدريس‭ ‬لمقدم‭. ‬والاهتمام‭ ‬بالزوايا‭ ‬وعلاقتها‭ ‬مع‭ ‬الدولة،‭ ‬جاءني‭ ‬مبكرا‭ ‬لخاصية‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة،‭ ‬وجزء‭ ‬منها‭ ‬في‭  ‬مقاومة‭ ‬المستعمر‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬هاته‭ ‬الزاوية‭ ‬معروفة‭ ‬بوطنية‭ ‬قياديها‭ ‬ومقدميها‭. ‬فرفضت‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬وقاومته‭ ‬ومنهم‭ ‬الأب‭ ‬والأعمام‭ ‬الذين‭ ‬رفعوا‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬منطقتهم‭ ‬بعين‭ ‬بني‭ ‬مطهر،‭ ‬والذين‭ ‬اختاروا‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬كملجأ‭ ‬ديني،‭ ‬روحي،‭ ‬اجتماعي‭ ‬ووطني‭. ‬

وسوف‭ ‬يتبين‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬أن‭ ‬الثابت‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬هو‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬والمخزن‭ ‬وأن‭ ‬عامل‭ ‬التشكيل‭ ‬الطبقي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محددا‭ ‬أو‭ ‬حاسما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامل‭ ‬الإصلاح‭ ‬والديني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬ترسخها‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬وبين‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭.‬

الزوايا‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالحكم‭ ‬القائم

لعبت‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬العائلات‭ ‬الحاكمة‭ ‬بالمغرب‭ ‬واحتلت‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينية‭ ‬والعشائرية‭ ‬والقبيلة‭ ‬بطلب‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭. ‬فاستندت‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة‭ ‬على‭ ‬شرعيتها‭ ‬الدينية‭ ‬واعتمدت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والدينية‭ ‬وأشركتها‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬السلطة‭ ‬المحلية،‭ ‬حسب‭ ‬احتياجاتها‭ ‬وحسب‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬بين‭ ‬القبائل،‭ ‬وحققت‭ ‬بتدخلها‭ ‬هدوءا‭ ‬خدم‭ ‬مشروعها‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬واستمر‭ ‬العمل‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬ودعمت‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬مشاركتها‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الأصول‭ ‬الشريفة‭ ‬نفسها‭. ‬ولعبت‭ ‬الزوايا‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬المشاكل‭ ‬والتمرد‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة‭ ‬والسلطات‭ ‬المنبثقة‭ ‬عنها،‭ ‬فحملت‭ ‬الزوايا‭ ‬سلاح‭ ‬الجهاد‭ ‬إذا‭ ‬احتاجت‭ ‬له‭ ‬الطبقات‭ ‬الحاكمة‭ ‬وكافحت‭ ‬لحمايتها،‭ ‬كما‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬اجتماعية‭ ‬وخيرية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السلم‭ ‬لتتبنى‭ ‬خطط‭ ‬تربط‭ ‬فيها‭ ‬علاقة‭ ‬سلمية‭ ‬مع‭ ‬المواطنين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والهبات‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الناس‭ ‬المخالفين‭ ‬والمساندين‭ ‬لها،‭ ‬حيث‭ ‬راكمت‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة،‭ ‬كان‭ ‬يوزع‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الزائرين‭ ‬والمحتاجين‭ ‬المغاربة‭ ‬والأجانب،‭ ‬حيث‭ ‬تستقبل‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬مواسمها‭ ‬أفواجا‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المعتكفين‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬واستعملت‭ ‬كمأوي‭ ‬للمشردين‭ ‬والتائهين‭ ‬الذين‭ ‬يبحثون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬غداء‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬للنوم،‭ ‬والمتبركين،‭ ‬وطالبي‭ ‬الخير‭ ‬والسائحين‭ ‬الدينين‭ ‬ولاحقا‭ ‬المستعمرين‭  ‬الذين‭ ‬مهدوا‭ ‬الطريق‭ ‬للاستعمار‭ ‬واحتلال‭ ‬البلاد‭.‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬نشأتها‭ ‬مهيكلة‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬بعضها‭ ‬عليه‭ ‬الآن،‭ ‬وسنشير‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬هيكلتها‭ ‬ولعبها‭ ‬دورا‭ ‬سياسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬في‭ ‬التشكيلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المغربية،‭ ‬فتحولت‭ ‬تارة‭ ‬إلى‭ ‬سند‭ ‬للسلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وتارة‭ ‬إلى‭ ‬خصمها،‭ ‬وتحالفت‭ ‬مع‭ ‬العائلات‭ ‬الصاعدة‭ ‬التي‭ ‬كبرت‭ ‬وأصبحت‭ ‬مستولية‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭. ‬يقول‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ستيتو‭ (‬في‭ ‬مقاله‭ ‬القيم‭ ‬حول‭ ‬الزوايا‭) : “‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بلاد‭ ‬المشرق‭ ‬هي‭ ‬بلاد‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء،‭ ‬فإن‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الصالحين‭ ‬والأولياء‭”. ‬فالمغرب‭ ‬عرف‭ ‬ازدهارا‭ ‬متواصلا‭ ‬للزوايا،‭ ‬إذ‭ ‬ترعرع‭ ‬بكثرة‭ ‬نشاط‭ ‬الأولياء‭ ‬والصالحين،‭ ‬وانتشارهم‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المغرب‭ ‬بطقوسهم‭ ‬وعاداتهم‭ ‬ومواسمهم‭ ‬السنوية‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬معينة‭. ‬وقد‭ ‬أجمع‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الزوايا‭  ‬نجد‭  ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬والزاوية‭ ‬الناصرية‭ ‬والزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬وزاوية‭ ‬سيد‭ ‬الهبري‭ ‬بشرق‭ ‬المغرب‭ ‬والزاوية‭ ‬البودشيشية،‭ ‬و‭ ‬ذكرت‭ ‬دراسة‭ ‬أكاديمية‭ ‬مغربية‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬يجاوز‭ ‬140‭ ‬زاوية‭ ‬وطريقة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬المغرب‭ ‬برعاية‭ ‬حكومية،‭ ‬وقد‭ ‬تطورت‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬لضبط‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمجال‭ ‬الديني‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬لإيجاد‭ ‬توازنات‭ ‬سياسية‭. ‬وتشير‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزاوية‭ ‬الدينية‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬تؤطر‭ ‬43‭ ‬زاوية،‭ ‬والطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬زاوية‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬دون‭ ‬التطرق‭ ‬لها‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬والحقب‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الماضي‭ ‬دون‭ ‬استحضار‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬خاصيات‭ ‬الزوايا‭ ‬والرابطات‭ ‬و‭ ‬شيوخ‭ ‬الزوايا‭ ‬والمتصوفين‭ ‬والطرقيين‭.‬

الدور‭ ‬الديني‭ ‬للزوايا‭ ‬ووظيفتها‭ ‬السياسية‭ ‬مند‭ ‬أمازيغ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام

عرف‭ ‬المغرب‭ ‬ظاهرة‭ ‬المزارات‭ ‬المقدسة‭ ‬قبل‭ ‬الفتح‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وعرف‭ ‬الأمازيغ‭ ‬بتعدد‭ ‬المزارات،‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬وثني،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬يهودي‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬يسوعي‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬وحسب‭ ‬إدوارد‭ ‬ميشو‭ ‬بلير‭(‬أنظر‭ ‬بحث‭ ‬محمد‭ ‬اسهيلي‭ ‬مفهوم‭ ‬الزاوية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬عند‭ ‬إدوارد‭ ‬ميشو‭ ‬بلير‭)‬‭ ‬شكل‭ ‬المغاربة‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬وقبل‭ ‬الإسلام‭  ‬دينا‭ ‬مغربياً‭ ‬أكثر‭ ‬تسامحاً‭ ‬مع‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتعايشوا‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬وسمحوا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬هويته‭ ‬الروحية‭ ‬المتعددة‭. (‬إلهام‭ ‬الطالبي‭: ‬يهود‭ ‬ومسلمون‭ ‬مغاربة‭ ‬يتبركون‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الأولياء‭). ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬واستمر‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأولياء‭ ‬والصالحين‭ ‬والمزارت‭ ‬بنفس‭ ‬الطقوس‭ ‬ونفس‭ ‬الارتباطات‭ ‬العقائدية،‭ ‬وتقدم‭ ‬لهم‭ ‬قربانا‭ ‬وهدايا‭ ‬مختلفة‭ ‬يتصرف‭ ‬فيها‭ ‬أشخاص‭ ‬وجماعات‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬وتحقق‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬زائريها‭ ‬والوافدين‭ ‬عليها‭. ‬ويشرح‭ ‬محمد‭ ‬شقير‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬منافسة‭ ‬الزوايا‭ ‬للسلاطين،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬احتدام‭ ‬التنافس‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬والزوايا،‭ ‬وصل‭ ‬حد‭ ‬عمل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬استمالة‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بـ‭ “‬ملء‭ ‬الأفواه‭ ‬والبطون‭ ‬لاستقطاب‭ ‬العقول‭” ‬،‭ ‬حسب‭ ‬قوله،‭ ‬فعمل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملوك‭ ‬والسلاطين‭ ‬على‭ ‬الواجهة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لإطعام‭ ‬ذوي‭ ‬الحاجات‭ ‬واستقطابهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬سلطتهم‭ ‬ضد‭ ‬خصومهم‭ ‬وأعدائهم‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عمل‭ ‬السلطان‭ ‬أبو‭ ‬عنان‭ ‬المريني‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الزوايا‭ ‬خاصة‭ ‬بفاس‭. ‬وبإقامته‭ ‬لزوايا‭ ‬كثيرة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬جاءت‭ “‬بمعالم‭ ‬عمرانية‭ ‬ذات‭ ‬هندسة‭ ‬رقيقة،‭ ‬وآيات‭ ‬فنية‭ ‬يقل‭ ‬نظيرها،‭ ‬شبيهة‭ ‬بمدارس‭ ‬فاس‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬بعظمة‭ ‬الدولة‭ ‬المرينية‭”. (‬نفس‭ ‬المرجع‭).‬

الأهداف‭ ‬التاريخية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للزوايا‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬السلطة

عرف‭ ‬المغرب‭ ‬فترات‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬كما‭ ‬عرف‭ ‬فترات‭  ‬سياسية‭ ‬اتسمت‭ ‬بالصراع،‭ ‬أو‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬أو‭ ‬أزمات‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والجفاف‭ ‬وقلة‭ ‬الغلة‭ ‬الفلاحية‭ ‬وانتشار‭ ‬الأوبئة‭ ‬والأمراض،‭ ‬واجتياح‭ ‬الحشرات‭ ‬كاجتياحات‭  ‬الجراد‭ ‬والقحط‭ ‬والطوفان‭ ‬أو‭ ‬الفيضانات،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬وتدبيرها،‭ ‬وأصبح‭  ‬أساس‭ ‬المعاش‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬والعشائر‭ ‬واحتداد‭ ‬الصراع‭ ‬موضوع‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬المخزنية،‭ ‬أو‭ ‬الإطاحة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬من‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬فيها‭ ‬الزوايا‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭. ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬شكلت‭ ‬إطارًا‭ ‬لتوزيع‭ ‬النفوذ‭ ‬المخزني،‭ ‬حيث‭ ‬عملت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬استمالة‭ ‬الزوايا،‭ ‬وتوطيد‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬شيوخها‭ ‬لتوسيع‭ ‬سلطتها‭ ‬على‭ ‬القبائل‭ ‬الأمازيغية‭ ‬أو‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬بلاد‭ ‬السيبة‭ ‬وعلى‭ ‬بسط‭ ‬سلطانها‭ ‬عليها،‭ ‬و‭ ‬كذلك‭ ‬منح‭ ‬شيوخ‭ ‬الزوايا‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التوقير‭ ‬والاحترام،‭ ‬وهكذا‭ ‬استغلت‭  ‬نفوذها‭ ‬لتقليص‭ ‬بلاد‭ ‬السيبة،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬المتوترة‭ ‬أحيانًا‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬بعض‭ ‬قيادات‭  ‬الزوايا‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزاوية‭ ‬تشكل‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬المحلي،‭ ‬بحيث‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يتم‭ ‬استحضار‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المحلية،‭ ‬ويختلط‭ ‬فيها‭ ‬الإسلام‭ ‬ببعض‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الما‭ ‬ـ‭ ‬قبل‭ ‬إسلامية،‭ ‬وبالخصوص‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأمازيغية‭ ‬منها،‭ ‬وكما‭ ‬يعتقد‭ ‬ميشو‭ ‬بلير‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬المحلي،‭ ‬تعبر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬نوعِ‭ ‬من‭ ‬الوطنية‭ ‬الفطرية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الزاوية‭ ‬عند‭ ‬ميشو‭ ‬بلير‭ ‬تعتبر‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سلطة‭ ‬المخزن،‭ ‬وقاعدة‭ ‬تنظيمية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دورها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭. (‬محمد‭ ‬اسهيلي‭ – ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الزاوية‭ ‬عند‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭..). ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي‭ ‬والحروب‭ ‬ضد‭ ‬الأعداء‭ ‬ذوي‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬سواء‭ ‬مشرقية‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬الأوروبية‭ ‬خصوصا‭ ‬الأيبيرية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭. ‬فتحركت‭ ‬نزعة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الزوايا‭ ‬وأتباعهم‭ ‬للترصد‭ ‬للأخطار‭ ‬الخارجية‭ ‬المحدقة‭ ‬والتي‭ ‬تهدد‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وسلطتها‭ ‬القائمة‭.‬

الزاوية‭ ‬الشاذلية‭ ‬وضعف‭ ‬السلطة‭ ‬السعدية‭ ‬والوطاسية

تعتبر‭ ‬الطريقة‭ ‬الشاذلية‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬إذ‭ ‬واكبت‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬ال‭ ‬13‭ ‬الميلادي‭ ‬ضعف‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬المرينية‭ ‬والوطاسية‭ ‬وفتحت‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لصعود‭ ‬قبائل‭ ‬وزوايا‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاعتداء‭ ‬المسيحي‭ ‬والإيبيري‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المغرب،‭ ‬فتبنتها‭ ‬الأوساط‭ ‬الشعبية‭ ‬كباقي‭ ‬الزوايا‭ ‬وأصبحت‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬بحضورها،‭ ‬ولها‭ ‬تأثير‭ ‬مستمر‭ ‬منذ‭ ‬تطور‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ووجد‭ ‬فيها‭ ‬المغاربة‭ ‬ما‭ ‬يقود‭ ‬جهادهم‭ ‬وصمودهم‭ ‬ضد‭ ‬الأعداء‭ ‬الخارجيين،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالعامل‭ ‬الديني‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬سياسيا‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭.‬

ظهور‭ ‬الطريقة‭ ‬الجازولية

تأسست‭ ‬الزاوية‭ ‬الجازولية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الزاوية‭ ‬الشاذلية‭ ‬بعد‭ ‬اغتراب‭ ‬مؤسس‭ ‬الزاوية‭ ‬الشاذلية‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وساهمت‭  ‬في‭ ‬صعود‭ ‬السعديين‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬السلاطين‭ ‬و‭ ‬تكوين‭ ‬الدولة‭. ‬كما‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬مراكش‭ ‬عاصمة‭ ‬السعديين‭ ‬ومركزا‭ ‬للطرق‭ ‬و‭ ‬للزوايا‭ ‬وأسسها‭ ‬زعيمها‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الجز‭ ‬ولي،‭ ‬المتوفى‭ ‬عام‭ ‬1465م‭/‬870هـ،‭ ‬والذي‭ ‬ساند‭ ‬قيام‭ ‬الإمارة‭ ‬السعدية‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬متعددة‭ ‬يلعب‭ ‬الدور‭ ‬المنوط‭ ‬بالسلطان،‭ ‬إذ‭ ‬لجأ‭ ‬المغاربة‭ ‬إليه‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬الهجمة‭ ‬الأيبيرية،‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والمناطق‭ ‬المغربية‭ ‬كأﮔـادير‭ (‬1405م‭)‬،‭ ‬ومليلية‭ (‬1509م‭)‬،‭ ‬وسبتة‭ (‬1415م‭) ‬وغيرها‭. (‬ورد‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ستيتو‭). ‬وقد‭ ‬تبنت‭ ‬الزاوية‭ ‬كنمط‭ ‬للحكم‭ ‬أدلجة‭ ‬النسب‭ ‬الشريف،‭ ‬وتأسيس‭ ‬الشرعية‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬آل‭ ‬البيت،‭ ‬وسياسة‭ ‬الإعفاء‭ ‬من‭  ‬الضرائب‭ ‬ومغربة‭ ‬التصوف‭ ‬وجعله‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التصوف‭ ‬المشرقي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬القادرية‭ ‬كإيديولوجية‭ ‬لأتراك‭ ‬الجزائر،‭ ‬المنافسين‭ ‬للسعديين‭ ‬ومحاربة‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الجزولية‭ ‬أو‭ ‬الشاذلية‭ (‬برومي‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ – ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬الشرقي‭). ‬وكان‭ ‬للمؤسس‭ ‬عدة‭ ‬مريدين‭ ‬وأتباع‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬إصلاحيين‭ ‬كلهم،‭ ‬إذ‭ ‬شابت‭ ‬عملهم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬ومنهم‭ ‬العزيز‭ ‬التباع،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬السبعة‭ ‬في‭ ‬مراكش‭ (‬ت‭.‬1508م‭). ‬والشيخ‭ ‬زروق‭ (‬مات‭ ‬سنة‭  ‬1519م‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬أسس‭ ‬الطريقة‭ ‬الزروقية‭. ‬والشيخ‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الشريف‭ ‬مؤسس‭ ‬الزاوية‭ ‬الوزانية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أحفاد‭ ‬بن‭ ‬مشيش،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬بقيام‭ ‬الدولة‭ ‬العلوية‭ ‬بتافيلالت‭.‬

الزوايا‭ ‬وسقوط‭ ‬الدولة‭ ‬السعدية‭ : ‬الزاوية‭ ‬الدلائية

تشكلت‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية،‭ ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬حجي‭ ‬في‭ ‬أطروحته‭ ‬القيمة‭ ‬سنة‭ ‬1963‭ “‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬ودورها‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ (‬انظر‭ ‬كتب‭ ‬محمد‭ ‬حجي‭ ‬ص‭ ‬12‭ ‬طبعة‭ ‬1987‭)” ‬و‭ ‬حيث‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬قراءة‭  ‬عباس‭ ‬زعري‭ ‬لكتابه،‭ “‬ينتسب‭ ‬الدلائيون‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬مجاط‭ ‬أحد‭ ‬فروع‭ ‬صنهاجة،‭ ‬وقد‭ ‬رفع‭ ‬أحد‭ ‬المؤرخين‭ ‬نسب‭ ‬الدلائيين‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الصديق،‭ ‬ويعتبر”الشيخ‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬الدلائي،‭ ‬المؤسس‭ ‬الفعلي‭ ‬للزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬بتادلة‭ ‬عـــام‭ (‬974ه‭/‬1566م‭)‬،‭ ‬بإشارة‭ ‬من‭ ‬شيخه‭ ‬أبي‭ ‬عمر‭ ‬القسطلي،‭ ‬وقد‭ ‬تضاربت‭ ‬الروايات‭ ‬حول‭ ‬موقع‭ ‬الزاوية‭ ‬بسبب‭ ‬تخريبها‭ ‬وطمس‭ ‬معالمها،‭ ‬وظل‭ ‬الغموض‭ ‬سيد‭ ‬الموقف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬الأستاد‭ ‬محمد‭ ‬حجي،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬زاويتين‭ ‬قديمة‭ ‬وحديثة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أطلالها‭ ‬قائمة‭ ‬الذات‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬فالزاوية‭ ‬القديمة‭ ‬أسسها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬الدلائي،‭ ‬أما‭ ‬الزاوية‭ ‬الحديثة‭ ‬أسسها‭ ‬محمد‭ ‬الحاج‭ ‬الدلائي،‭ ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬زاوية‭ ‬آيت‭ ‬إسحاق‭ ‬الحالية‭. ‬وقد‭ ‬أسس‭ ‬الزاوية‭ ‬بالسير‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬شيخه،‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬أصول‭ ‬الدين‭ ‬وإطعام‭ ‬الزوار‭ ‬وإكرامهم،‭ ‬وعرفت‭ ‬الزاوية‭ ‬انتشارا‭ ‬واسعا،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬إمارة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عهدها‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للسعديين،‭ ‬ثم‭ ‬أدركت‭ ‬زمن‭ ‬الفتنة‭ ‬والتدهور،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬نظرا‭ ‬لمناعة‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬الأطلس‭ ‬ولمكانة‭ ‬رجالها‭ ‬الصالحين،‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحتضن‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬عصفت‭ ‬فيه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬بالمراكز‭ ‬العلمية‭ ‬التقليدية‭ ‬مثل‭ ‬فاس‭ ‬ومراكش‭. ‬وعمرت‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬زهاء‭ ‬قرن‭ ‬ظلت‭ ‬فيه‭ ‬مركز‭ ‬إشعاع‭ ‬للعلم‭ ‬والدين‭. ‬وستتقوى‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬بسقوط‭ ‬الدولة‭ ‬السعدية،‭ ‬حيث‭ ‬ستتمكن‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الأطلس‭ ‬المتوسط‭ ‬وفاس،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬وعلى‭ ‬السواحل‭ ‬أيضا،‭ ‬كانت‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬قوية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬لها‭ ‬بعقد‭ ‬علاقات‭ ‬تجارة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أجنبية،‭ ‬وسيبرز‭ ‬طموحها‭ ‬السياسي‭ ‬ومعارضتها‭ ‬لسلطة‭ (‬المخزن‭) ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬السلطان‭ ‬الرشيد‭ ‬يقوم‭ ‬بهدم‭ ‬الزاوية‭ ‬الدلائية‭ ‬القديمة‭ ‬والزاوية‭ ‬التي‭ ‬تفرعت‭ ‬عنها،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬بقايا‭ ‬الزاويتين‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

الزوايا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬السلطة‭ ‬العلوية‭ : ‬صراعات‭ ‬الزوايا‭ ‬والسلطة

في‭ ‬العهد‭ ‬العلوي‭ ‬ظهرت‭ ‬بالمغرب‭ ‬ثلاث‭ ‬طرق‭ ‬صوفية‭ ‬متتابعة‭ ‬تطورت‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬جهات‭ ‬المغرب،‭ ‬وهي‭ ‬الطريقة‭ ‬الناصرية‭ ‬و‭ ‬الطريقة‭ ‬الدرقاوية‭ ‬والطريقة‭ ‬التيجانية،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لعبته‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬كتفقيه‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬دينهم،‭ ‬وتلقينهم‭ ‬مفاهيم‭ ‬الطريقة،‭ ‬بجانب‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬الدينية‭ ‬كانت‭ ‬الزاوية‭ ‬تقدم‭ ‬دروسا‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬والحكمة‭ ‬لتابعيها‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تمثيل‭ ‬ضعيف‭ ‬للسلطة‭ ‬المخزنية‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬لهذه‭ ‬السلطة،‭ ‬فإن‭ ‬الزوايا‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬فيها‭ ‬بالأدوار‭ ‬التحكيمية‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬والخلافات‭ ‬بين‭ ‬القبائل،‭ ‬وكانت‭ ‬تملأ‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يخلفه‭ ‬غياب‭ ‬السلطة‭ ‬المخزنية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬النائية،‭ ‬مثل‭ ‬مناطق‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي؛‭ ‬بحيث‭ ‬لعبت‭ ‬الزوايا‭ ‬هناك‭ ‬أدوارا‭ ‬طلائعية‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬السكان‭ ‬واستنهاضهم‭ ‬ضد‭ ‬الغزو‭ ‬الفرنسي‭ ‬للأراضي‭ ‬المغربية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬للزاوية‭ ‬حضور‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مجالات‭ ‬الرعي‭ ‬والانتجاع‭ ‬وتوزيع‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الصحراوية‭ ‬والمتصحرة،‭ ‬وبذلك‭ ‬فالزاوية‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬كمكان‭ ‬مقدس،‭ ‬له‭ ‬حرمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬انتهاكها‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال،‭ ‬فظلت‭ ‬قبلة‭ ‬للملهوفين،‭ ‬وملجأ‭ ‬آمنا‭ ‬للفارين‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬المخزني‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الثقيلة‭ ‬المفروضة‭ ‬عليهم،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الزوايا‭ ‬ذات‭ ‬حساسية‭ ‬كبيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ممثلي‭ ‬المخزن،‭ ‬كالخلائف‭ ‬والعمال‭ ‬والقياد،‭ ‬الذين‭ ‬بدءوا‭ ‬يتقربون‭ ‬منها‭ ‬لاستغلالها‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬مجالاتهم‭ ‬القبلية،‭ ‬فظل‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬دوما‭ ‬آلية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬استمرار‭ ‬قياد‭ ‬المخزن‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بوظائفهم؛‭ ‬لأنه‭ ‬يضفي‭ ‬عليهم‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الشرعنة،‭ ‬ويزكيهم‭ ‬لدى‭ ‬السلطان‭ ‬وخليفته‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصلحاء‭ ‬والمرابطون‭ ‬يتوفرون‭ ‬على‭ ‬تزكية‭ ‬دائمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ظهائر‭ ‬التوقير‭ ‬والاحترام،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يخصهم‭ ‬بها‭ ‬سلاطين‭ ‬وملوك‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭(‬أطروحة‭ ‬احمد‭ ‬البوزيدي‭ ‬لنيل‭ ‬دكتوراه‭ ‬الدولة‭ – ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ستيتو‭ – ‬المقال‭ ‬أعلاه‭)‬،‭ ‬إدراكا‭ ‬منهم‭ ‬للأدوار‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تلعبها‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬القبلية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬المخزن‭ ‬اقتحامها،‭ ‬لولا‭ ‬هذه‭ ‬الزوايا‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬السياسية‭ ‬للبلاد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التواجد‭ ‬المخزني،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬التغلغل‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬شيوخ‭ ‬الزوايا‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬قياد‭ ‬مخزنيين؛‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬شيخ‭ ‬زاوية‭ ‬تازروالت‭ ‬ابن‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬هاشم،‭ ‬الذي‭ ‬عينه‭ ‬السلطان‭ ‬مولاي‭ ‬الحسن‭ ‬قائدا‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬تازروالت‭ ‬عام‭ ‬1886م‭/ ‬1304هـ،‭ ‬وبذلك‭ ‬استطاع‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬قبلي‭ ‬ضخم‭ ‬وصعب‭ ‬المراس،‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬قبائل‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الخطورة؛‭ ‬مثل‭ ‬قبائل‭ ‬ماسا،‭ ‬وقبائل‭ ‬آيت‭ ‬باعمران،‭ ‬وقبائل‭ ‬مجاط،‭ ‬وأهل‭ ‬الساحل،‭ ‬وإيدا‭ ‬وطيط،‭ ‬وقبائل‭ ‬أخصاص،‭ ‬وغيرها،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬السلطان‭ ‬المولى‭ ‬الحسن‭ ‬الأول‭ ‬تجاه‭ ‬الزاوية‭ ‬الناصرية‭ ‬عندما‭ ‬عين‭ ‬عليها‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الحنفي‭ ‬لمساعدته‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الشؤون‭ ‬الدرعية‭.(‬انظر‭ ‬المرجع‭ ‬أعلاه‭ – ‬ع‭. ‬ستيتو‭).‬

الزاوية‭ ‬التيجانية

تعتبر‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬من‭ ‬الزوايا‭ ‬الصوفية‭ ‬أيضا‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬أفريقيا‭. ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أبي‭ ‬العباس‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬المختار‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬سالم‭ ‬التيجاني،‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬بالجزائر‭ ‬وتوفي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وتلقى‭ ‬تعليما‭ ‬صوفيا‭ ‬ونشأ‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬الزاويا‭ ‬الدرقاوية‭ ‬والناصرية‭ ‬والوزانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬الفكري‭ ‬والديني‭ ‬مؤسسا‭ ‬بذلك‭ ‬طريقة‭ ‬تعرف‭ ‬انتشارا‭ ‬واسعا‭ ‬جدا‭ ‬اليوم‭. ‬انتقل‭ ‬الشيخ‭ ‬التيجاني‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬فارا‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬الأتراك‭ ‬واستقر‭ ‬بفاس‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وتلقى‭ ‬ترحيبا‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وعناية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان،‭ ‬وكان‭ ‬يعتبره‭ ‬ذا‭ ‬حظوة‭ ‬إلهية‭ ‬خاصة‭. ‬أتى‭ ‬الشيخ‭ ‬أبو‭ ‬العباس‭ ‬التيجاني‭ ‬بأمور‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬نهجه‭ ‬الصوفي،‭ ‬وتجاوز‭ ‬طابع‭ ‬الزهد‭ ‬والتقشف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬بها‭ ‬الزهاد‭ ‬والمتصوفة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بالعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬اتساع‭ ‬دائرة‭ ‬مريديه،‭ ‬حيث‭ ‬شملت‭ ‬التجار‭ ‬والأثرياء‭ ‬والراغبين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الغنى‭ ‬والترف‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬قبل‭ ‬الآخرة‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تؤمن‭ ‬به‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية،‭ ‬وصول‭ ‬المريد‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬عليا‭ ‬من‭ ‬الصفاء‭ ‬الروحي‭ ‬الذي‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬حسي‭ ‬ومادي‭ ‬مع‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬حسب‭ ‬زعمهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬الشيخ‭ ‬التيجاني‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬النبي‭ ‬محمد،‭ ‬والذي‭ ‬خصه‭ ‬وأتباعه‭ ‬بصلاة‭ ‬“الفاتح”،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬أيضا‭ ‬يتم‭ ‬التشديد‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬الانتساب‭ ‬إلى‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يلتحق‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الالتحاق‭ ‬بطريق‭ ‬أخرى‭. ‬تعتمد‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭ -‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭- ‬على‭ ‬الذكر‭ ‬والصلاة‭ ‬وقراءة‭ ‬الأوراد،‭ ‬وتبدأ‭ ‬بعض‭ ‬طقوسها‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭ ‬بجوهرة‭ ‬الكمال‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬مريدي‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬الشيخ‭ ‬التيجاني‭ ‬تلقاها‭ ‬شخصيا‭ ‬ومباشرة‭ ‬من‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭ ‬حسب‭ ‬قولهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬فروح‭ ‬النبي‭ ‬تنزل‭ ‬خلال‭ ‬الاستغفار‭ ‬والتهليل‭ ‬وترديد‭ ‬“جوهرة‭ ‬الكلام”‭. ‬ثم‭ ‬تليها‭ ‬“صلاة‭ ‬الفاتح”‭ ‬وهي‭ ‬الصلاة‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬التيجانيون‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬أنزلها‭ ‬مع‭ ‬ملَك‭ ‬إلى‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭. (‬ع‭. ‬استيتو‭ ‬نفس‭ ‬المقال‭). ‬ظلت‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬متمسكة‭ ‬بالأسس‭ ‬والمقومات‭ ‬الروحية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬التيجاني،‭ ‬وركزت‭ ‬على‭ ‬تقديسه‭ ‬وتبجيله‭ ‬وتمجيده،‭ ‬وحافظت‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬التلاوة‭ ‬والذكر‭ ‬والصلاة،‭ ‬ويعد‭ ‬المنتسبون‭ ‬للطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬اليوم‭ ‬بالملايين،‭ ‬ويتعدى‭ ‬وجودهم‭ ‬دولتي‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭ ‬الهبرية

مؤسسها‭ ‬هو‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬الهبري‭ ‬العزاوي،‭ ‬وهو‭  ‬سيدي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قدور‭ ‬الوكيلي‭ ‬نسبة‭ ‬الى‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عزة‭  ‬من‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬الإدريسي،‭ ‬دفين‭ ‬قسم‭ ‬بني‭ ‬خالد،‭ ‬وينقل‭ ‬الرواة‭ ‬أن‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬الهبري‭ ‬المذكور‭ ‬أخذ‭ ‬السر‭ ‬عن‭ ‬زاوية‭ ‬كركر‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرأسها‭ ‬مولاي‭ ‬العربي‭ ‬الدرقاوي‭. ‬وهذه‭ ‬الزاوية‭ ‬واقعة‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬تمسمان،‭ ‬وفي‭ ‬ملحقة‭ ‬اعزيب‭ ‬ميضار‭ ‬إقليم‭ ‬الناظور‭. ‬توجد‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬بالضريوة،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬ملحقات‭ ‬أحفير‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬المغربية‭ ‬الجزائرية‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬السعيدية‭. ‬فالشرفاء‭ ‬أولاد‭ ‬سيدي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عزة‭ ‬كانوا‭ ‬معروفين‭ ‬بالبطولة‭ ‬وقيادة‭ ‬القبائل‭ ‬قيادة‭ ‬سياسية،‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬منهم‭ ‬أولاد‭ ‬المجدوب‭. ‬ولكن‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬الهبري‭ ‬هذا‭ ‬يحكى‭ ‬عنه‭ ‬انه‭ ‬لما‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭  ‬وشب‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬الأوراد‭ ‬والأذكار‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأوراد‭ ‬الخاصة‭ ‬بتسخير‭ ‬الجن،‭ ‬ويحكى‭ ‬عنه‭ ‬أيضا‭ ‬انه‭ ‬بلغ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مستوى‭ ‬ملحوظا‭. ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬أثناء‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأوراد‭ ‬والجن،‭ ‬أن‭ ‬ينقطع‭ ‬إلى‭ ‬العبادة‭ ‬وممارسة‭ ‬تعاليم‭ ‬التصوف،‭ ‬فرحل‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ” ‬كركر‭ ” ‬المذكورة،‭ ‬وأخذ‭ ‬السر‭ ‬عن‭ ‬رئيسها‭. ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬أمره‭ ‬بإنشاء‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬يزناسن‭ ‬وفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الأسرار‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬المريدين‭. ‬وعملا‭ ‬بهذا‭ “‬الأمر‭ ‬الإجباري‭” ‬أنشأ‭ ‬له‭ ‬زواية‭ ‬الضريوة‭ ‬ودعيت‭ ‬بزاوية‭ ‬الهبري‭ ‬أو‭ ‬الزاوية‭ ‬الدرقاوية‭. ‬ولقد‭ ‬وقع‭ ‬إقبال‭ ‬عظيم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬يزناسن‭ ‬مرتبطة‭ ‬بزاوية‭ ‬الهبري،‭ ‬وأكثر‭ ‬البطون‭ ‬إقبالا‭ ‬عليها‭: ‬التاكميون‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬وريمش،‭ ‬والورطاسيون،‭ ‬وبنو‭ ‬وشكراد،‭ ‬والجواهرة،‭ ‬وبنو‭ ‬بويعلى،‭ ‬وبنو‭ ‬موسى‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬عتيق‭.‬

نفت‭ ‬فرنسا‭ ‬أحد‭ ‬شيوخ‭ ‬الزاوية‭ ‬الهبرية‭ ‬المعروف‭ ‬بوطنيته‭ ‬وهو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصغير،‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬أفلو‭ ‬بالجزائر،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقول‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أنه‭ ‬رفض‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الفرنسيين‭ ‬لإخضاع‭ ‬الأهالي‭ ‬التابعين‭ ‬لطريقته‭ ‬رغم‭ ‬الإغراءات،‭ ‬لكنه‭ ‬خاطب‭ ‬الضابط‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬حاوره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬بان‭ ‬مهمته‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬إرشاد‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬وعبادته‭ ‬والتمسك‭ ‬بالدين‭ ‬والقيم‭ ‬الروحية‭ ‬الأخلاقية‭. ‬فمكث‭ ‬في‭ ‬منفاه‭ ‬مدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬ومات‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬دجنبر‭ ‬1939م‭ ‬ودفن‭ ‬في‭ ‬زاويته‭.‬

الزاوية‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية

بلدة‭ “‬مداغ‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬بركان،‭ ‬تصبح‭ ‬مزارًا‭ ‬لمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المريدين‭ ‬مع‭ ‬إطلالة‭ ‬ذكرى‭ ‬المولد‭ ‬النبوي،‭ ‬هنا‭ ‬تتربع‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬الزوايا‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬الزاوية‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية،‭ ‬مريدون‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المغرب‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأميركا‭ ‬وآسيا‭. ‬تنتسب‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجيلالي‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري،‭ ‬وتمكنت‭ ‬الزاوية‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استمراريتها‭ ‬وتناقل‭ ‬المشيخة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬مهمتها‭ ‬الدعوية‭ ‬إلى‭ ‬المهمة‭ ‬التربوية،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬شيوخها‭: ‬أبو‭ ‬مدين‭ ‬بن‭ ‬المنور،‭ ‬والحاج‭ ‬العباس،‭ ‬الذي‭ ‬ورث‭ ‬عنه‭ ‬الشيخ‭ ‬حمزة‭ ‬مشيخة‭ ‬الزاوية‭ ‬تفعيلا‭ ‬لوصية‭ ‬الشيخ‭ ‬العباس‭. ‬الشيخ‭ ‬حمزة‭ ‬القادري‭ ‬شيخ‭  ‬البودشيشية،‭ ‬تولى‭ ‬زعامتها‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والده،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬ياسين‭ ‬يغادر‭ ‬الطريقة‭ ‬غاضبا‭ ‬ويؤسس‭ ‬لاحقا‭ ‬جماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان،‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬على‭ ‬أحقية‭ ‬التولي‭.‬‭ ‬انتشرت‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الشيخ‭ ‬حمزة‭ ‬داخل‭ ‬المغرب‭ ‬وخارجه،‭ ‬وظل‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬حتى‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬يناير‭ ‬2017‭ ‬عن‭ ‬95‭ ‬عاما،‭ ‬إثر‭ ‬إصابته‭ ‬بنزلة‭ ‬برد‭ ‬قوية‭. ‬تعد‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أشهر‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب‭ ‬وأقواها‭ ‬اليوم،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬آلاف‭ ‬المريدين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المغرب‭ ‬وخارجه،‭ ‬ويغلب‭ ‬على‭ ‬طقوسها‭ ‬الجانب‭ ‬الروحي‭ ‬والصوفي‭. ‬وتوجد‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المغرب‭ (‬قرب‭ ‬مداغ‭ ‬بإقليم‭ ‬بركان‭) ‬،‭ ‬ويحج‭ ‬إليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬لذة‭ ‬التصوف‭ ‬وأقصى‭ ‬درجات‭ ‬حب‭ ‬الله،‭ ‬والباحثين‭ ‬عن‭ ‬الاعتكاف‭ ‬الجماعي‭ ‬والتسبيح‭ ‬والتهليل،‭ ‬وقيام‭ ‬الليل،‭ ‬كما‭ ‬يحضرون‭ ‬حصص‭ ‬التربية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬يطغى‭ ‬عليها‭ ‬التوجه‭ ‬الصوفي‭ (‬ع‭. ‬ستيتو‭ ‬نفس‭ ‬المرجع‭). ‬تستقطب‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬اليوم‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬المريدين‭ ‬داخل‭ ‬المغرب،‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬فئات‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تشمل‭ ‬الفئات‭ ‬الشعبية‭ ‬والطبقات‭ ‬الفقيرة،‭ ‬كما‭ ‬تستقطب‭ ‬الفئات‭ ‬المثقفة‭ ‬والطبقات‭ ‬الغنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تحولا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مريدي‭ ‬الزوايا‭ ‬بالمغرب‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المغاربة،‭ ‬فالزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬جنسيات‭ ‬أخرى‭ ‬بكثرة،‭ ‬إفريقية‭ ‬و‭ ‬أوروبية‭ ‬وأمريكية‭ (‬دور‭ ‬المغني‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ ‬واللاعب‭ ‬بنعرفة‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬كان‭ ‬مهما‭)‬،‭ ‬وتوجد‭ ‬لديها‭ ‬فروع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬خارجية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويعود‭ ‬هذا‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬إلى‭ ‬منحاها‭ ‬الصوفي‭ ‬الروحي،‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬للفرد‭ ‬صفاء‭ ‬الروح‭ ‬والتوازن‭ ‬النفسي‭ – ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بعض‭ ‬مريديها‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭. ‬ولذلك‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬الزيارة‭ ‬السنوية‭ ‬للزاوية‭ ‬ولشيخها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تلقي‭ ‬دروس‭ ‬الترقي‭ ‬الروحي‭ ‬من‭ ‬الشيخ،‭ ‬وتعلم‭ ‬كيفية‭ ‬دخول‭ ‬حضرة‭ ‬الله‭ ‬بالقلب‭ ‬والروح‭.‬

وزن‭ ‬ونفوذ‭ ‬الزاوية‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية

‭ ‬يشير‭ ‬الصحافي‭ ‬يحيى‭ ‬بن‭ ‬الطاهر‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬موثق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬إيلاف،‭ ‬أن‭ ‬الزوايا‭ ‬تلقى‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدمجها‭ ‬ضمن‭ ‬سياسته‭ ‬الدينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنه‭ ‬يحاول‭ ‬بذلك‭ ‬احتواء‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الاحتواء‭ ‬باديًا‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬مريدو‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬حاشدة‭ ‬مؤيدة‭ ‬للنظام‭ ‬المغربي‭ ‬وداعمة‭ ‬للإصلاحات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬إبان‭ ‬حراك‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬وجهه‭ ‬المغربي‭. ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مسموح‭ ‬للزوايا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بمزاولة‭ ‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬سياسي‭ ‬مباشر‭ ‬رغم‭ ‬قرابتها‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬كالعدل‭ ‬والإحسان‭ ‬والعدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تعتبر‭ ‬حركات‭ ‬دينية‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصوف‭ ‬والروحيات‭. ‬ويرى‭ ‬الباحث‭ ‬سعيد‭ ‬لكحل‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مصالح‭ ‬وخدمات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الزاوية‭ ‬والنظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬توفير‭ ‬خدمات‭ ‬لمريدي‭ ‬الزاوية‭ ‬تشمل‭ ‬التوظيفات‭ ‬والترقيات‭ ‬الإدارية‭ ‬والتدخل‭ ‬لدى‭ ‬القضاء‭ ‬والتعيينات‭ ‬والترقيات‭ ‬في‭ ‬الجيش‭. ‬وقال‭ ‬الباحث‭ ‬لـ‭”‬إيلاف‭” ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نميز‭ ‬بين‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬المريدين‭: ‬مريدون‭ ‬لديهم‭ ‬اجتذاب‭ ‬روحي‭ ‬للزاوية‭ ‬منهم‭ ‬مغاربة‭ ‬ومنهم‭ ‬أجانب،‭ ‬ويتوزعون‭ ‬بين‭ ‬أطر‭ ‬وأناس‭ ‬بسطاء،‭ ‬إذ‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬غذاء‭ ‬روحياً‭ ‬لا‭ ‬يتسنى‭ ‬لهم‭ ‬إيجاده‭ ‬خارج‭ ‬الزاوية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬المساجد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬تنظيمات‭ ‬دينية‭ ‬أخرى،‭ ‬وآخر‭ ‬متعلق‭ ‬بالزاوية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬الدولة‭ ‬للزاوية‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬مصالح‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬تجارية‭.”. ‬وتسعى‭ ‬الدولة،‭ ‬عبر‭ ‬دعمها‭ ‬للزاوية‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬القاعدة‭ ‬الشعبية‭ ‬وتوسيع‭ ‬المرتكزات‭ ‬الدينية‭ ‬عبر‭ ‬تشجيع‭ ‬الزوايا،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬نظراً‭ ‬للخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭. ‬وكانت‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬قد‭ ‬تصدت‭ ‬للأصوات‭ ‬الداعية‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬ومقاطعة‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬الدستور،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬المعارضة،‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬مريدوها‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬حاشدة‭ ‬معلنة‭ ‬دعمها‭ ‬له‭.‬

كما‭ ‬سجل‭ ‬الباحث‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الخدمات‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬للنظام،‭ ‬تقدم‭ ‬الدولة‭ ‬أيضًا‭ ‬خدمات‭ ‬للزاوية،‭ ‬فهناك‭ ‬نوع‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬الحصانة‭ ‬للأطر‭ ‬العليا‭ ‬للزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬وخدمات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإداري‭ ‬لصالح‭ ‬أعضاء‭ ‬الزاوية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬تدخلات‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬الزاوية‭ ‬حيث‭ ‬تلبي‭ ‬طلباتهم‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬وظيفية‭.. ‬ويضيف‭: “‬هناك‭ ‬خدمات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العسكري‭ ‬لأجل‭ ‬الترقية‭ ‬في‭ ‬الرتب‭ ‬العسكرية،‭ ‬حيث‭ ‬تتدخل‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خدمات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الزاوية‭ ‬والدولة‭.”‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أحفاد‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬نفى‭ “‬كل‭ ‬ما‭ ‬يروج‭ ‬حول‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬من‭ ‬اتهامات‭ ‬لها‭ ‬بتلقيها‭ ‬دعمًا‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬كما‭ ‬نفى‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬بشأن‭ ‬انتماء‭ ‬وزير‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬الزاوية،‭ ‬معتبرًا‭ ‬ذلك‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬فارغ،‭ ‬ولا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬أساس‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬عبر‭ ‬نادية‭ ‬ياسين‭ ‬أو‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬ثروة‭ ‬هائلة‭ ‬للزاوية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬ياسين،‭ ‬وتسجيل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لممتلكات‭ ‬الجماعة‭ ‬باسمه‭ ‬لازال‭ ‬موضع‭ ‬نقاش‭ ‬بعضه‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭. ‬

وحسب‭ ‬تصريحات‭ ‬الباحث‭ : “‬الدولة‭ ‬تٌرَقِّي،‭ ‬وهذا‭ ‬يفتح‭ ‬شهية‭ ‬أطماع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬وضعياتهم‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إذ‭ ‬يسلكون‭ ‬أقرب‭ ‬الطرق‭ ‬وأضمنها‭ ‬عبر‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالزاوية‭ ‬البودشيشية،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬تتوسط‭ ‬لهم‭ ‬لأجل‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاعهم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تقدم‭ ‬الزاوية‭ ‬للدولة‭ ‬مريدين‭ ‬وأتباعًا‭ ‬طيعين‭ ‬لهم‭ ‬ولاء‭ ‬للنظام‭ ‬والدولة‭ ‬وللشيخ‭ ‬وللطريقة،‭ ‬ولاء‭ ‬مشتركُ‭.”‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬يناقض‭ ‬تصريحات‭ ‬مسؤولي‭ ‬الزاوية‭ ‬رغم‭ ‬ثقل‭ ‬الحالات‭ ‬والأدلة‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬غادروا‭ ‬الزاوية،‭ ‬إذ‭ ‬صرح‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬للزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬لحسن‭ ‬السباعي‭ ‬الإدريسي‭ ‬نفي‭ ‬الاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬للزاوية‭ ‬بالولاء‭ ‬للنظام‭ ‬المغربي،‭ ‬واعتبر‭” ‬إننا‭ ‬أناس‭ ‬ضد‭ ‬استغلال‭ ‬الدين‭ ‬وتوظيفه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدنيا‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬توظيفًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬لأنه‭ ‬يصل‭ ‬الدنيا‭ ‬بالدين،‭ ‬وأن‭ ‬هدفنا‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بذلك،‭ ‬وأتحدى‭ ‬من‭ ‬يدّعي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬يأتينا‭ ‬بأمثلة،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يلقي‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬عواهنه،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬حقيقة‭ ‬نمتلك‭ ‬مشتلاً‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬الأطر‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلوا‭ ‬إليه‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مجهوداتهم‭ ‬الشخصية‭.”‬

وتحفل‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأطر‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬المتعلمة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬والمصالح‭ ‬الخارجية‭ ‬للوزارات‭ ‬وغيرها‭.‬

يضيف‭ ‬السباعي‭: “‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تطرح‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬علاقة‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬بالسياسة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسأل‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬رغم‭ ‬ضعف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والتشويش‭ ‬على‭ ‬عملها‭ ‬والافتراءات‭ ‬والكذب‭ ‬والادعاءات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬وخارجه‭ ‬ومن‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬الاجتماعية‭.”‬

ويوضّح‭: “‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬شكلت‭ ‬السياسة‭ ‬هوسًا‭ ‬وكأنها،‭ ‬سواء‭ ‬عندنا‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬غيرنا،‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأمور‭. ‬لنكن‭ ‬واضحين،‭ ‬كمواطنين‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬ملمين‭ ‬بجميع‭ ‬ما‭ ‬يروج‭ ‬حولنا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التصوف‭ ‬هو‭ ‬منهاج‭ ‬مناقض‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬التصوف،‭ ‬بحكم‭ ‬أنه‭ ‬منهاج‭ ‬تربوي‭ ‬روحي‭ ‬يبحث‭ ‬طالبه‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬على‭ ‬تطهير‭ ‬فريضته‭ ‬وعلى‭ ‬التوجه‭ ‬الخالص‭ ‬لله،‭ ‬وبهذه‭ ‬الصفة‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬طرفًا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬سياسية‭ ‬تتطلب‭ ‬خططًا‭.”! ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للصوفي‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعادلات‭ ‬السياسية،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ “‬حقنا‭ ‬كمغاربة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬رأي،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للبلاد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬استقرار‭ ‬المملكة‭. ‬لدينا‭ ‬ثابت‭ ‬منظورنا‭ ‬إليه‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬الشرع‭ ‬لا‭ ‬السياسة‭ ‬وهو‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭”. ‬ويخلص‭ ‬الباحث‭ ‬محمد‭ ‬ضريف‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الزاوية‭ ‬القادرية‭ ‬البودشيشية‭ ‬كما‭ ‬خلص‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬أنهم‭  ‬لا‭ ‬يستبعدون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزول‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬لمواجهة‭ ‬جماعة‭ ‬الشيخ‭ ‬ياسين‭ ‬إبان‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬ياسين،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬قرر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ “‬يرتد‭” ‬على‭ ‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬مريديها‭. ‬لكن‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أهداف‭ ‬ودوافع‭ ‬التحركات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬فإن‭ ‬الشارع‭ ‬المغربي‭ ‬أصبح‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تحول‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشية‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬إداري‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬توافق‭ ‬الزاوية‭ ‬مع‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭ ‬والمخزن؟‭ (‬محمد‭ ‬ضريف‭ ‬أنظر‭ ‬فاطمة‭ ‬العفاني‭: ‬هل‭ ‬يساند‭ ‬الصوفي‭ ‬المغربي‭ ‬الدولة‭ ‬لمواجهة‭ ‬جماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭). ‬

الزوايا،‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والإسلام‭ ‬الشعبي

الإسلام‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬إسلام‭ ‬العامة‭ ‬والذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬الرسمي،‭ ‬ومن‭ ‬بينه‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والذي‭ ‬تلعب‭ ‬فيه‭ ‬الزوايا‭ ‬والرابطات‭ ‬والجماعات‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭. ‬فيجب‭ ‬التفريق‭ ‬إذن‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالدين‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬السلطة‭ ‬بامارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬أو‭ ‬باسم‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإسلامية‭  ‬والدين‭ ‬الشعبي‭. ‬

هناك‭ ‬صفات‭ ‬عامة‭  ‬بين‭ ‬نمطين‭ ‬من‭ ‬التدين،‭ ‬والذي‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬النمطين‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الديني‭ ‬بمساعدة‭ ‬الانتربولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬حتى‭ ‬يؤسس‭ ‬لمفهوم‭ ‬جديد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬الإسلام‭. ‬فالإسلام‭ ‬شانه‭ ‬شان‭ ‬سائر‭ ‬الأديان‭ ‬الكبرى،‭ ‬شهد‭ ‬منذ‭ ‬تكوينه‭ ‬اختلافا‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الطقوس‭ ‬والشعائر‭ ‬وفي‭ ‬السلوك‭ ‬الديني‭ ‬عامة،‭ ‬وشكل‭ ‬محور‭ ‬ممارسة‭ ‬المؤيدين‭ ‬وأتباع‭ ‬الشيوخ‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭. ‬أما‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬فقد‭ ‬ارتبط‭ ‬بالمقدس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالدين‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬إلا‭ ‬بنية‭ ‬ضمن‭ ‬البنى‭ ‬المشكلة‭ ‬للدين‭. ‬والتدين‭ ‬الشعبي‭ ‬كأحد‭ ‬أوجه‭ ‬هذا‭ ‬التدين‭ ‬،‭ ‬تدين‭ ‬مضاد‭ ‬للعقلنة،‭ ‬يلجأ‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬طقوسه‭ ‬إلى‭ ‬السحر‭ ‬والخرافة‭ ‬وهو‭ ‬تدين‭ ‬انفعالي‭ ‬تحركه‭ ‬ظروف‭ ‬لحظية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالعقل‭ ‬الجمعي،‭ ‬وهو‭ ‬نفعي‭ ‬بالضرورة‭ ‬هدفه‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬فردية‭ ‬غالبا‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بالظروف‭ ‬المعاشية‭ ‬اليومية‭ ‬،‭ ‬كدرء‭ ‬الخطر‭ ‬أو‭ ‬المرض‭ ‬وطلب‭ ‬المال‭ ‬آو‭ ‬البنون،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالفرد‭ ‬أو‭ ‬الجماعة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وهو‭ ‬لصيق‭ ‬بدور‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭. ‬أما‭ ‬التدين‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬التدين‭ ‬العالِم‭ ‬فهو‭ ‬تدين‭ ‬معقلن‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬ومقنن‭ ‬ومرتبط‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية،‭ ‬والتي‭ ‬تسيسه‭ ‬غالباً‭ ‬وبذلك‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬براغماتية‭ ‬ونفوذا،‭ ‬وتتغير‭ ‬بعض‭ ‬أهدافه‭ ‬وبنوده‭ ‬وفقاً‭ ‬لمصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعة‭ ‬الأكبر‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬يتنوع‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬تبعاً‭ ‬لظروف‭ ‬نشأته‭ ‬والتأثيرات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالطائفة‭ ‬والوسط‭ ‬والطريقة،‭ ‬وقد‭ ‬يتغير‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬يحجمه‭ ‬ويلغي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬طقوسه‭ ‬وحتى‭ ‬شعبيته‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ذوبانه‭ ‬تدريجياً‭ ‬بالدين‭ ‬الرسمي،‭ ‬وهذا‭ ‬الثاني‭ ‬قد‭ ‬يعمد‭ ‬أو‭ ‬يستغل‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬الدين‭ ‬الشعبي‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يضبط‭ ‬مساره‭ ‬أو‭ ‬يجاريه‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬المصلحة‭ ‬النفعية‭ ‬للدولة،‭ ‬كأن‭ ‬يستغل‭ ‬تأثيره‭ ‬الذي‭ ‬لايستهان‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬محافل‭ ‬الانتخابات‭ ‬مثلاً،‭ ‬أو‭ ‬لتمرير‭ ‬قانون‭ ‬أو‭ ‬تحشيد‭ ‬سياسي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬غالباً‭. ‬ومع‭ ‬تنوع‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬وهو‭ ‬تنوع‭ ‬ليس‭ ‬جوهرياً‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬تنوع‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬أو‭ ‬الطقوس‭ ‬ومرجعياتها‭ ‬الطائفية‭ ‬،‭ ‬فان‭ ‬التدين‭ ‬الرسمي‭ ‬قد‭ ‬يتنوع‭ ‬أيضا‭ ‬وقد‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬كتل‭ ‬أو‭ ‬اتجاهات‭ ‬واضحة‭ ‬الملامح‭ ‬وتقودها‭ ‬منظومات‭ ‬فكرية‭ ‬مختلفة،‭ ‬فهناك‭ ‬التدين‭ ‬المرتبط‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬الدينية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وهناك‭ ‬التدين‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬المعارض‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الحركات‭ ‬الدينية‭ ‬عموماً‭ ‬أو‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية،‭ ‬وهناك‭ ‬الإسلام‭ ‬المعلمن‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬فئات‭ ‬متعلمة‭ ‬تحمل‭ ‬مواقف‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬ووظائفه‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وهذا‭ ‬الانقسام‭ ‬بدوره‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انقسام‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختلاف‭ ‬الطقوس‭ ‬وارتباطها‭ ‬بالطائفة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬يمثلها‭ ‬من‭ ‬مرجعيات‭ ‬ومراكز‭ ‬إفتاء‭ ‬مرتبطة‭ ‬آو‭ ‬غير‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالسلطة‭. ‬

ويتبين‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تتبع‭ ‬مظاهر‭ ‬ممارسة‭ ‬الدين‭ ‬الشعبي‭ ‬ونماذجه‭ ‬الواقعية‭ ‬أنه‭ ‬تدين‭ ‬احتفالي‭ ‬يتمتع‭ ‬بالمرح‭ ‬والتلقائية‭ (‬طقوس‭ ‬الموالد‭ ‬والطهارة‭ ‬والدروشة‭ ‬وزيارة‭ ‬الأولياء‭). ‬وهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬من‭ ‬التدين‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتدين‭ ‬الشعبي‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬اهتزت‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع‭ ‬وانصهاره‭ ‬بقيم‭ ‬جديدة‭ ‬وتأثره‭ ‬مباشرة‭ ‬بالتحولات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬نتيجة‭ ‬الاختراق‭ ‬الثقافي‭ ‬والاستعماري،‭ ‬وشيوع‭ ‬قيم‭ ‬جديدة‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انحسار‭ ‬مجال‭ ‬فاعليته‭ ‬وذوبان‭ ‬مؤسساته‭ ‬وفقدانه‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬وظائفه،‭ ‬وفقدان‭ ‬منظومته‭ ‬الرمزية‭ ‬والطقسية،‭ ‬وفقدانها‭ ‬إلى‭ ‬الانسجام‭ ‬الذي‭ ‬يطبع‭ ‬ملامحها‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬شتات‭. ‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬أنماط‭ ‬من‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بفعل‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والحروب‭ ‬أو‭ ‬الغزو‭ ‬الثقافي،‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬ومقاومة‭ ‬الانسلاخ‭ ‬ومجابهة‭ ‬العولمة،‭ ‬ويتجلى‭ ‬هذا‭ ‬الظهور‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬السياسي‭ ‬للديني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انعدام‭ ‬الأطر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتاطير‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬غير‭ ‬التدين‭ ‬الشعبي‭ ‬ملاذاً‭ ‬يحقق‭ ‬توازناً‭ ‬مفقوداً‭ ‬ويشعر‭ ‬بالاستقرار‭ ‬ولو‭ ‬وهميا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬مفهوم‭ ‬متكامل‭ ‬لمجتمع‭ ‬مدني‭ ‬متقدم‭.‬

المخزن‭ ‬بين‭ ‬تدين‭ ‬الزوايا‭ ‬وسياسة‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة

‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬التاريخي‭ ‬الغالب‭ ‬هو‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬السنة‭ ‬النبوية‭ ‬في‭ ‬تطبيقاتها‭ ‬السياسية‭ ‬وأبعادها‭ ‬التدبيرية‭ ‬لشؤون‭ ‬الجماعة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬إبان‭ ‬الدعوة‭. ‬إسلام‭ ‬ترعرع‭ ‬وانتشر‭ ‬بانتشار‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬والرابطات‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭. ‬خلاصة‭ ‬القول‭ ‬أنه‭ ‬إسلام‭ ‬ماضوي‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬إدراج‭ ‬الإسلام‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬حلبة‭ ‬اختباراته‭ ‬السياسية‭.‬

في‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬تشكل‭ ‬المخزن‭ ‬كسلطة‭ ‬مركزية‭ ‬حاكمة‭. ‬ويرمز‭ ‬تاريخيا‭ ‬منذ‭ ‬حكم‭ ‬السعديين‭ ‬إلى‭ ‬مخازن‭ ‬الضرائب‭ ‬العينية‭ ‬التي‭ ‬تستخلصها‭ ‬إدارة‭ ‬وأعوان‭ ‬السلطان‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬ومن‭ ‬القبائل‭. ‬والمخزن‭ ‬سياسيا‭ ‬مصطلح‭ ‬خاص‭ ‬بالمغرب‭ ‬يَدُلُّ‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬حكم‭ ‬تقليدي،‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬السلطان‭ ‬والبرجوازية‭ ‬الكمبرادورية‭ ‬والأعيان‭ ‬والملاكين‭ ‬الكبار‭ ‬للأراضي‭ ‬وزعماء‭ ‬القبائل‭ ‬الموالين‭ ‬للسلطان‭ ‬والقياد‭ ‬وكبار‭ ‬العسكريين‭ ‬ومُدراء‭ ‬ورؤساء‭ ‬الأمن،‭ ‬يترأسهم‭ ‬السلطان‭ ‬كحاكم‭ ‬مطلق‭ ‬السلطات‭ ‬بإمارة‭ ‬المؤمنين‭. ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شيوخ‭ ‬القبائل‭ ‬الذين‭ ‬أشركوا‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬استقرارها‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سقوطها‭. ‬

إلى‭ ‬حدود‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬تاريخيا‭ ‬كان‭ ‬يسوس‭ ‬المغرب‭ ‬سلطان،‭ ‬ويحف‭ ‬حضرته‭ ‬بمخزن،‭ ‬وليس‭ ‬نمطا‭ ‬لملك‭ ‬تساعده‭ ‬حكومة‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬نسق‭ ‬في‭ ‬التسيير‭ ‬يعكس‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بصانع‭ ‬الكون،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬السلطان‭ ‬خليفة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الأرض‭. ‬وتقوم‭ ‬القاعدة‭ ‬الأصلية‭ ‬المؤسسة‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬البيعة‭ ‬كصيغة‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬وتعبر‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬ومضمونها‭ ‬على‭ ‬فكرتي‭ ‬اليمين‭ ‬والعقد‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الآية‭: ‬“إن‭ ‬الذين‭ ‬يبايعونك‭ ‬إنما‭ ‬يبايعون‭ ‬الله”‭.‬

و‭”‬المخزن‭” ‬في‭ ‬نظر‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬هو‭ ‬سلطان،‭ ‬قبيلة‭ ‬أو‭ ‬زاوية‭. ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬خصائص‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬تنظيماتها‭ ‬وسياستها‭ ‬وغاياتها‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬أيام‭ ‬المرابطين‭ ‬والمرينيين‭ ‬وغيرهم‭. ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الثانية‭ ‬تغلب‭ ‬صفات‭ ‬الزاوية‭ ‬كما‭ ‬عند‭ ‬الأدارسة‭ ‬والفاطميين‭ ‬والسعديين‭ ‬وبأحرى‭ ‬الدلائيين‭. ‬وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬المخزن‭ ‬تنظيم‭ ‬مضاف،‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬جيش‭ ‬وديوان،‭ (‬سيف‭ ‬وقلم‭). ‬ومن‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬الجندي‭ ‬والكاتب،‭ ‬فهو‭ ‬مخزني،‭ ‬وأسرته‭ ‬مخزنية‭ ‬متى‭ ‬توارث‭ ‬فيها‭ ‬المنصب‭. ‬المخزني‭ ‬صاحب‭ “‬كلمة‭”‬،‭ ‬يتلقاها‭ ‬ويبلغها،‭ ‬له‭ ‬مأمورية،‭ ‬يأمر‭ ‬ليطاع‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬مأمور‭ ‬مطيع‭. ‬المخزن‭ ‬بالتحصيل‭ ‬هو‭ ‬هاته‭ ‬البنية‭ ‬البشرية‭ ‬للدولة،‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬الضيق،‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمشتغلين‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬الإداري‭ ‬أي‭ ‬الجيش‭ ‬والبيروقراطية‭. ‬وهما‭ ‬العنصران‭ ‬الأساسيان‭ ‬المكونان‭ ‬له،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يتقاضى‭ ‬أجرا‭ ‬من‭ ‬الخزينة‭ ‬السلطانية،‭ ‬وليس‭ ‬ممن‭ ‬يتم‭ ‬تعويضهم‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬الأحباس‭ ‬كأعضاء‭ ‬الإدارة‭ ‬الحضرية،‭ ‬والهيأة‭ ‬المكلفة‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬وإلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬القرى‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬الواسع‭ ‬فيشمل‭ ‬جميع‭ ‬الجماعات‭ ‬المشكلة‭ ‬لأعضاء‭ ‬المخزن‭ ‬الضيق،‭ ‬الخاصة‭ ‬وقبائل‭ ‬الكيش،‭ ‬الشرفاء‭ ‬والعلماء‭ ‬والأعيان‭ ‬والمرابطون‭ ‬المنتشرون‭ ‬في‭ ‬البوادي‭. ‬وهم‭ ‬إجمالا‭ ‬من‭ ‬يحضون‭ ‬بالصلاة،‭ ‬أي‭ ‬الهدايا‭ ‬ويملكون‭ ‬ظهائر‭ ‬التوقير‭ ‬والاحترام‭ ‬أو‭ ‬بإمكانهم‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المخزن‭ ‬تأسيسا‭ ‬على‭ ‬إقراره‭ ‬لهم‭ ‬بفضائل‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬العامة‭. ‬بهذا‭ ‬التعريف‭ ‬نجد‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬المخزني‭ ‬ذا‭ ‬طابع‭ ‬ازدواجي‭ :‬

ـ‭ ‬أولا،‭ ‬أنه‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬المحلية‭ ‬ويفرض‭ ‬نفسه‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬مستديم‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬سلطته‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬محلية‭ ‬كالزوايا‭ ‬والزعامات،‭..‬

ـ‭ ‬ثانيا،‭ ‬كون‭ ‬المخزن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬قبيلة‭ ‬حاكمة‭ ‬أو‭ ‬إقطاعية‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الشرقي‭ ‬مع‭ ‬نزعة‭ ‬إلى‭ ‬مراكمة‭ ‬الثروة‭ ‬مع‭ ‬حلفاء‭ ‬الحٌكم؛‭ ‬من‭ ‬فلاحين‭ ‬وكسابين‭ ‬وصناع‭ ‬وتجار،‭ ‬أصحاب‭ ‬مهن‭ ‬متميزة،‭ ‬وعلاقتهم‭ ‬بالإنتاج‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬جحافل‭ ‬من‭ ‬شرفاء‭ ‬وعلماء‭ ‬وشيوخ‭ ‬وقادة‭. ‬وفوق‭ ‬هؤلاء‭ ‬و‭ ‬أولائك‭ ‬يوجد‭ ‬الحكام‭ ‬أهل‭ ‬الحل‭ ‬والعقد،‭ ‬أصحاب‭ ‬الأمر‭ ‬والكلمة‭. ‬فهم‭ ‬إما‭ ‬عسكر‭(‬السيف‭) ‬وإما‭ ‬كتاب‭ (‬القلم‭) ‬وإما‭ ‬قضاة‭ (‬الشرع‭): ‬الشرفاء‭ ‬والعلماء‭ ‬والشيوخ‮…‬‭ ‬هيئات‭ ‬متميزة،‭ ‬لكن‭ ‬تجمعهم‭ ‬ظاهرة،‭ ‬كونهم‭ ‬لا‭ ‬يباشرون‭ ‬الإنتاج‭. ‬فهل‭ ‬من‭ ‬شريف‭ ‬فلاح‭ ‬أو‭ ‬عالم‭ ‬صانع‭ ‬إلا‭ ‬مضطرا‭ ‬أو‭ ‬زاهدا‭ !! ‬فإلى‭ ‬حدود‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ظل‭ ‬الجيش‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬تغيير،‭ ‬بينما‭ ‬شهد‭ ‬الجهاز‭ ‬البيروقراطي‭ ‬تطورا‭ ‬ملموسا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬حصول‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬شهد‭ ‬تطورا‭ ‬في‭ ‬المراتب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإدارة‭ ‬المركزية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬“البنيقات”‭ ‬بشكل‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬بيروقراطية‭ ‬وازنة،‭ ‬بسبب‭ ‬اتساع‭ ‬حجم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وأوربا‭. ‬ودأب‭ ‬المتعاملون‭ ‬الفرنسيون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬إلى‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬بعبارة‭ “‬Administration maure‭”.‬

في‭ ‬المغرب‭ “‬الجديد‭” ‬يتغير‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬نفسه،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬جوهري‭ ‬على‭ ‬المخزن،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السمة‭ ‬الغالبة‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرسمية‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬تركة‭ ‬تقليدية‭ ‬بكاملها،‭ ‬وذلك‭ ‬بتتبع‭ ‬إرث‭ ‬السلف‭ ‬السلطاني‭. ‬ويتركز‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬عند‭ ‬تنظيم‭ ‬حفل‭ ‬البيعة‭. ‬وتحاول‭ ‬المخزنية‭ ‬تجديد‭ ‬دوام‭ ‬تقليديتها‭ ‬بإشعال‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬حول‭ ‬حب‭ ‬الولاء،‭ ‬إذ‭ ‬يتأكد‭ ‬عجز‭ ‬النخب‭ ‬عموما‭ ‬والنخبة‭ ‬المثقفة‭ ‬على‭ ‬الأخص‭ ‬و‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬وأوهامها‭ ‬عن‭ ‬مقاومة‭ ‬التطويع‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬جمود‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬التغييري‭ ‬وغرقه‭ ‬في‭ ‬الاستبداد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬المخزن‭. ‬علما‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬المخزن‭ ‬كارثي‭ ‬بتقليديته‭ ‬وتوجهه‭ ‬لخدمة‭ ‬برجوازية‭ ‬تابعة‭ ‬لمراكز‭ ‬القرار‭ ‬الامبريالي،‭ ‬وخصوصا،‭ ‬ولأنه‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬قمعي‭ ‬واستبدادي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحشر‭ ‬أنفها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬فعلى‭ ‬منوال‭ ‬المخزن‭ ‬التقليدي‭ ‬تشكلت‭ ‬أبرز‭ ‬تنظيمات‭ ‬وأحزاب‭ ‬الموالاة‭ ‬الإسلامو‭- ‬ظلامية‭ ‬وأحزاب‭ ‬الموالاة‭ ‬الإدارية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ “‬مخزنيات‭ ‬صغيرات‭” ‬أو‭ ‬مملكات‭ ‬أو‭ ‬ممالك‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬ملكها‭ ‬أو‭ ‬زعيمها‭ ‬الخالد‭ ‬وأمراءها‭ ‬ونظامها‭ ‬الريعي‭ ‬والقبلي‭ ‬والعشائري‭ ‬والعائلي‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭.‬

الجماعات‭ ‬الإسلاموية‭.. ‬الاستبداد‭ ‬بغلاف‭ ‬الشريعة

جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بالمغرب‭ ‬تريد‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بمنطق‭ ‬تكفيري،‭ ‬وهذه‭ ‬وصفة‭ ‬للاستبداد‭ ‬والخراب‭ ‬طبعا،‭ ‬أما‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعقلن‭ ‬فلا‭ ‬يهم‭ ‬الإسلاميين،‭ ‬ونظرتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬قريبة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بتوحش‭ ‬ليبراليته‭. ‬فالإسلامي‭ ‬سيستخرج‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬الإسلام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يبتغيه‭ ‬خاطرك‭ ‬ويشتهيه‭ ‬قلبك‭: “‬الاشتراكية‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬الرأسمالية‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬التكافل‭ ‬الإسلامي‭”‬،‭ “‬الميركانتيلية‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬البنك‭ ‬الإسلامي‭”‬،‭ “‬الخيرية‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬الدينار‭ ‬الإسلامي‭”‬،‭ “‬الغنائم‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬التجارة‭ ‬الإسلامية‭”‬،‭ “‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬الإسلامية‭”…‬إلخ‭. ‬المطلوب‭ ‬منك‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬القبول‭ ‬بالدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والخضوع‭ ‬لخليفة‭ ‬المسلمين‭ ‬ثم‭ ‬التوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭. ‬ولكن‭ ‬الشيء‭ ‬المؤكد‭ ‬تأكيدا‭ ‬تاما‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬دولة‭ ‬استبدادية‭ ‬طغيانية،‭ ‬لأنها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الطاعة‭ ‬العمياء‭ ‬للخليفة‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يقيم‭ ‬الصلاة،‭ ‬ولأن‭ ‬هدف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬هو‭ ‬نشر‭ ‬الإسلام‭ ‬ودحر‭ ‬الأديان‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومنع‭ ‬كل‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬سلوك‭ ‬أو‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬فيلم‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭. ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ (‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬ونشر‭ ‬الإسلام‭) ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬المواطن‭ ‬وسمعه‭ ‬وبصره‭ ‬وتصرفاته‭ ‬وكلامه‭ ‬ولباسه‭ ‬ووقت‭ ‬أكله‭ ‬وشربه‭ ‬وما‭ ‬يأكله‭ ‬وما‭ ‬يشربه‭ ‬وما‭ ‬يسمعه‭ ‬وما‭ ‬يراه‭ ‬وما‭ ‬يقرأه‭. ‬فهذا‭ ‬نظام‭ ‬استبدادي‭ ‬كامل‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى