الملف

المناضل الكبير عبد الرحمن بنعمرو راسخ القدم ..مستريح الضمير

رشيد الإدريسي

تعرض‭ ‬المناضل‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬والحقوقي‭ ‬للقمع‭ ‬والاعتقال‭ ‬والسجن،‭ ‬حوكم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وقضى‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬أطولها‭ ‬اعتقال‭ ‬1983،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬أحداث‭ ‬8‭ ‬ماي‭ ‬كانت‭ ‬مدته‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وقد‭ ‬تعرض‭ ‬لاعتداءات‭ ‬متكررة،‭ ‬وكذا‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الاغتيال‭ ‬وهي‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬أورد‭ ‬تفاصيلها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاكرة‭ ‬عادلة‭” ‬وبالضبط‭ ‬أربع‭ ‬محاولات‭ ‬نجا‭ ‬منها‭ ‬بأعجوبة،‭ ‬بسبب‭ ‬فطنته‭ ‬ونباهته‭ ‬ويقظته،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تجده‭ ‬يتشكى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يحكي‭ ‬عنها،‭ ‬وفي‭ ‬الاعتداء‭ ‬الأخير‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬حين‭ ‬سأله‭ ‬صحافي‭ ‬عن‭ ‬الاعتداء‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له،‭ ‬أجاب‭ ‬أن‭ ‬منع‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬شخصيا،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يهتم‭ ‬بالبعد‭ ‬السياسي‭ ‬للحدث‭ ‬ودلالته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬الالتزام‭ ‬واحترام‭ ‬المواعد‭ ‬عند‭ ‬الكبير‭ ‬بنعمرو،‭ ‬فتجده‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يصل‭ ‬للاجتماع‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬بالضبط‭ (‬ويمكنك‭ ‬ضبط‭ ‬ساعتك‭ ‬على‭ ‬قدومه‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يغادره،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬العمق‭ ‬الإنساني‭ ‬والتضامني‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬اتجاه‭ ‬رفاقه‭ ‬والمناضلين‭ ‬وكل‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع،‭ ‬ومروءته‭ ‬واختلاقه‭ ‬العالية‭. ‬ورغم‭ ‬جديته‭ ‬الكبيرة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬إنسان‭ ‬بشوش‭ ‬ومرح،‭ ‬ومن‭ ‬يقترب‭ ‬منه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ولازال‭ ‬يميزه‭ ‬هو‭ ‬الثبات‭ ‬على‭ ‬المبدأ‭ ‬والاستمرارية‭ ‬والصدق‭ ‬والصلابة‭ ‬والشجاعة‭ ‬السياسة‭ ‬والنضالية،‭ ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬رمزيته‭ ‬ومكانته‭ ‬السياسية‭ ‬وقيمته‭ ‬الحقوقية‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والمناضلين‭ ‬وشرفاء‭ ‬الوطن،‭ ‬لذلك‭ ‬فحضوره‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬النضالية‭ ‬وفي‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي‭ ‬يعطي‭ ‬دفعة‭ ‬للنضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والحقوقي‭ ‬ليحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬صلب‭ ‬انشغاله‭ ‬واهتمامه،‭ ‬وليشكل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬الصامدين‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬اليساريين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬والشرفاء‭ ‬منارات‭ ‬مضيئة‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭. ‬فمن‭ ‬هو‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بنعمرو‭ ‬؟

يوم‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬يوم‭ ‬الأرض،‭ ‬يوم‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الغاشم،‭ ‬يوم‭ ‬لمقاومة‭ ‬الاستيطان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وتهويد‭ ‬الأرض‭ ‬واقتلاع‭ ‬أصحابها‭ ‬ومسح‭ ‬هويتها،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتكلم‭ ‬كل‭ ‬حبة‭ ‬رمل‭ ‬وكل‭ ‬شجرة‭ ‬عن‭ ‬صفحات‭ ‬مجيدة‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬والتضحية‭ ‬والصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أبشع‭ ‬استعمار‭ ‬عرفته‭ ‬البشرية،‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬قضية‭ ‬وطنية،‭ ‬قضية‭ ‬ترمز‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬عدوان‭ ‬ومظالم،‭ ‬بل‭ ‬ترمز‭ ‬كذلك‭ ‬لما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬شعوبنا‭ ‬من‭ ‬استعمار‭ ‬وظلم‭ ‬وتبعية‭ ‬ونهب‭ ‬للثروات‭ ‬وإعاقة‭ ‬كل‭ ‬المشاريع‭ ‬التحررية‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يشكل‭ ‬أداة‭ ‬مسخرة‭ ‬للامبريالية‭ ‬لتحقيق‭ ‬هيمنتها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولذلك‭ ‬ربطت‭ ‬الحركة‭ ‬التقدمية‭ ‬المغربية‭ ‬نضالها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والتقدم‭ ‬والحرية‭ ‬بالنضال‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬والامبريالية‭ ‬وأدواتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬10‭ ‬دجنبر‭ ‬2020،‭ ‬اليوم‭ ‬الأسود،‭ ‬سيظل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬موشوما‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬شعبنا،‭ ‬الذي‭ ‬يرمز‭ ‬للسقوط‭ ‬الكبير‭ ‬للحاكمين‭ ‬الذي‭ ‬أصروا‭ ‬على‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والخضوع‭ ‬لضغوطات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وابتزازها‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تطبيع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليسهل‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفرض‭ ‬الحلول‭ ‬الاستسلامية‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭. ‬فأن‭ ‬يتم‭ ‬فرض‭ ‬التطبيع‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬وضد‭ ‬قناعته‭ ‬واختياراته‭ ‬وبشكل‭ ‬فوقي‭ ‬مستغلا‭ ‬انصياع‭ ‬نخبة‭ ‬سياسية‭ ‬وحزبية‭ ‬تابعة‭ ‬لكل‭ ‬المشاريع‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬يدعو‭ ‬لها‭ ‬المخزن،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مرفوض‭ ‬ومدان‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬التنظيمات‭ ‬التقدمية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬واليسارية‭ ‬وكل‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬المناهضة‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

القمع‭ ‬والمنع‭ ‬والعنف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مناهضي‭ ‬التطبيع

الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬تعرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬مكانة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬بمسيراته‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التضامنية،‭ ‬وتاريخنا‭ ‬السياسي‭ ‬يكشف‭ ‬حجم‭ ‬حضور‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وكيف‭ ‬شكلت‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬تشكل‭ ‬الوعي‭ ‬التحرري‭ ‬لأجيال‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬المناضلين،‭ ‬بل‭ ‬امتزجت‭ ‬دماء‭ ‬المغاربة‭ ‬مع‭ ‬دماء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬ولبنان‭ ‬وسقط‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المناضلين‭ ‬المغاربة‭ ‬والجنود‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولذلك‭ ‬فالسلطة‭ ‬تحاول‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكال‭ ‬المنع‭ ‬والقمع،‭ ‬إسكات‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬الرافضة‭ ‬للتطبيع،‭ ‬وممارسة‭ ‬التعتيم‭ ‬والحصار‭ ‬لإخفاء‭ ‬الحقيقة‭ ‬الناصعة،‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬قبول‭ ‬الاستسلام‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬اكتساح‭ ‬منطقتنا‭ ‬وتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وتزييف‭ ‬حقيقته‭ ‬ككيان‭ ‬عنصري‭ ‬استعماري‭ ‬واستيطاني‭ ‬

إحياء‭ ‬يوم‭ ‬الأرض‭ ‬وتدشين‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة

كل‭ ‬من‭ ‬يناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتقدم‭ ‬ومساندة‭ ‬القضايا‭ ‬التحررية‭ ‬العادلة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين،‭ ‬سيدرك‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬بتعقيداتها‭ ‬وتداخلاتها،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬انتكاسة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬وانتصار‭ ‬الثورات‭ ‬المضادة‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬القوى‭ ‬الرجعية‭ ‬والامبريالية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬وإجهاضها‭ ‬لانتفاضات‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬الامبريالي‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يتقن‭ ‬عملية‭ ‬مقايضة‭ ‬أنظمة‭ ‬الاستبداد،‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭ ‬بشأن‭ ‬وحدتها‭ ‬الترابية‭ ‬واستقلالية‭ ‬قراراها‭ ‬وتقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وفرض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬والخضوع‭ ‬ملوحا‭ ‬بعدة‭ ‬أوراق‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬وحروب‭ ‬وإرهاب‭.‬

إن‭ ‬الوعي‭ ‬بهذه‭ ‬التحولات‭ ‬والتحديات‭ ‬والمخاطر‭ ‬سيطرح‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬المناضلة‭ ‬ضرورة‭ ‬بلورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬نضالية‭ ‬تحررية‭ ‬طويلة‭ ‬النفس،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬والقوى‭ ‬الحية‭ ‬واليسارية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬سارعت‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬وإدانتها‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬طعنة‭ ‬في‭ ‬ظهر‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وخيانة‭ ‬للقضايا‭ ‬التحررية‭ ‬للشعب‭ ‬المغربي،‭ ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬تفتقد‭ ‬للمشروعية‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية،‭ ‬وأنها‭ ‬ستتصدى‭ ‬لها‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬ولن‭ ‬تقبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وتزيف‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ،‭ ‬ليتحول‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬والمجرم‭ ‬لصديق‭ ‬وشريك،‭ ‬ولقد‭ ‬جاءت‭ ‬بياناتها‭ ‬وتصريحات‭ ‬مسؤوليها‭ ‬واضحة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يستغل‭ ‬وضعا‭ ‬سياسيا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬انصياع‭ ‬وخضوع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والتنظيمات‭ ‬لتوجهاته‭ ‬وجبن‭ ‬قيادات‭ ‬سياسية‭ ‬ومدنية،‭ ‬تلتجئ‭ ‬إما‭ ‬للصمت‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬أو‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬بوق‭ ‬دعائي‭ ‬لقرارات‭ ‬المخزن‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يملك‭ ‬قرارها‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬مستقبلها،‭ ‬ويفرض‭ ‬عليها‭ ‬التحرك‭ ‬وفق‭ ‬أجندته‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شجع‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬إشهار‭ ‬القمع‭ ‬والمنع‭ ‬على‭ ‬المعارضين،‭ ‬وهكذا‭ ‬تعرضت‭ ‬معظم‭ ‬الوقفات‭ ‬ومختلف‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬للمنع‭ ‬والقمع،‭ ‬لتتوج‭ ‬بقمع‭ ‬وعنف‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قررت‭ ‬التنظيمات‭ ‬المناهضة‭ ‬للتطبيع‭ ‬والمدعمة‭ ‬لفلسطين‭ ‬النزول‭ ‬للشارع‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ومنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬موحد‭.‬

رمزية‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬المناضل‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن

بن‭ ‬عمرو

في‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬توجه‭ ‬المناضل‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بنعمرو‭ ‬كعادته‭ ‬وكما‭ ‬ظل‭ ‬يفعل‭ ‬لسنوات‭ ‬ملتزما‭ ‬بالحضور‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوقفات‭ ‬والمسيرات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والتضامنية،‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬إلا‭ ‬بسبب‭ ‬ظرف‭ ‬استثنائي‭ ‬أو‭ ‬خاص‭. ‬يحضر‭ ‬مساندا‭ ‬ومتضامنا‭ ‬ومدعما‭ ‬ومناصرا‭ ‬لكل‭ ‬القضايا‭ ‬العادلة‭. ‬فالأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬واجب‭ ‬نضالي‭ ‬والتزام‭ ‬أخلاقي،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬قرارات‭ ‬تلك‭ ‬المبادرات‭ ‬النضالية‭ ‬ويحث‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬والتعبئة‭ ‬لها،‭ ‬مؤمنا‭ ‬باستمرارية‭ ‬جذوة‭ ‬النضال‭ ‬متقدة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬النهر‭ ‬الكبير‭ ‬الهادر‭ ‬تصب‭ ‬فيه‭ ‬الجداول‭ ‬والشعاب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأن‭ ‬المقاومة‭ ‬هي‭ ‬فعل‭ ‬يومي‭ ‬وطقس‭ ‬دائم،‭ ‬وهو‭ ‬المهموم‭ ‬بقضايا‭ ‬شعبه،‭ ‬المؤمن‭ ‬بعدالة‭ ‬ومشروعية‭ ‬نضاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة،‭ ‬سخيا‭ ‬في‭ ‬عطائه‭ ‬النضالي‭ ‬وتضحياته،‭ ‬قويا‭ ‬الإرادة‭ ‬وثابتا‭ ‬وصلبا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المحن‭ ‬كيفما‭ ‬كانت،‭ ‬وحين‭ ‬اعتدى‭ ‬عليه‭ ‬رجل‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المساء‭ ‬وأسقطه‭ ‬أرضا،‭ ‬لم‭ ‬يتفاجأ،‭ ‬بل‭ ‬انتفض‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬ونهض‭ ‬متحديا‭ ‬في‭ ‬غضب،‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬حقه‭ ‬وحق‭ ‬المغاربة‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬يمثل‭ ‬الأحرار‭ ‬منهم،‭ ‬وينوب‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬بقامته‭ ‬النضالية‭ ‬وتاريخه‭ ‬المجيد،‭ ‬وليقول‭ ‬للحاكمين‭ ‬إن‭ ‬شعبنا‭ ‬يرفض‭ ‬الذل‭ ‬والعار‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬اتفاقية‭ ‬التطبيع،‭ ‬وإن‭ ‬شعبنا‭ ‬لن‭ ‬يصمت‭ ‬ولن‭ ‬يستسلم‭. ‬كان‭ ‬سقوطه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الماسكين‭ ‬بالقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬ضربوا‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ ‬والالتزامات،‭ ‬ولجوؤهم‭ ‬للعنف‭ ‬والبلطجة‭ ‬والاعتداءات‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬مأزقهم‭ ‬وفشلهم‭ ‬وعدم‭ ‬مشروعية‭ ‬اختياراتهم‭ ‬المعاكسة‭ ‬لطموحات‭ ‬واختيارات‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭. ‬

وينقلب‭ ‬السحر على‭ ‬الساحر

حين‭ ‬تناقلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬صورة‭ ‬أحد‭ ‬أهرام‭ ‬النضال‭ ‬التحرري‭ ‬والديمقراطي‭ ‬والحقوقي‭ ‬وهو‭ ‬ساقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أصح‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬لآلة‭ ‬القمع‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬فلسطين،‭ ‬وعن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير،‭ ‬تفجر‭ ‬غضب‭ ‬واسع‭ ‬لدى‭ ‬مختلف‭ ‬الشرائح‭ ‬والمواطنين‭ ‬والفعاليات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واليسارية‭ ‬وتنظيمات‭ ‬ومناضلي‭ ‬اليسار‭ ‬والقوى‭ ‬الحية‭ ‬وكل‭ ‬الأحرار،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنهم‭ ‬استهدفوا‭ ‬رجلا‭ ‬مهابا‭ ‬عظيما‭ ‬برمزيته‭ ‬وتاريخه‭ ‬النضالي،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬أحس‭ ‬أن‭ ‬بنعمرو‭ ‬كان‭ ‬يمثله‭ ‬وينوب‭ ‬عنه،‭ ‬ويعبر‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬ورفضه‭ ‬لتلك‭ ‬الصور‭ ‬المهينة‭ ‬لحظة‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬أحس‭ ‬بمشاعر‭ ‬مختلطة،‭ ‬وهو‭ ‬ينظر‭ ‬لتلك‭ ‬القامة‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬تحتضنه‭ ‬وتحميه،‭ ‬مشاعر‭ ‬الغضب‭ ‬ومشاعر‭ ‬الاعتزاز‭ ‬والإكبار‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬الملحمي‭ ‬الذي‭ ‬يجسده‭ ‬كعنوان‭ ‬لصمود‭ ‬شعبنا‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد‭ ‬والقمع،‭ ‬صمود‭ ‬رجل‭ ‬فتح‭ ‬عينيه‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬حارقة‭ ‬وعاش‭ ‬لهيب‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬وساحة،‭ ‬عاش‭ ‬انتصارات‭ ‬الحركة‭ ‬ووهجها‭ ‬الشعبي‭ ‬وقوتها‭ ‬الضاربة‭ ‬وتحمل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاقه‭ ‬كل‭ ‬الضربات‭ ‬ومسلسلات‭ ‬القمع،‭ ‬صمد‭ ‬وكافح‭ ‬وسجن‭ ‬وظل‭ ‬واقفا‭ ‬كالجبل،‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬جيل‭ ‬المؤسسيين،‭ ‬حيث‭ ‬يستشعر‭ ‬بمسؤولية‭ ‬مواكبة‭ ‬ومرافقة‭ ‬باقي‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬التغيير،‭ ‬ويعيش‭ ‬قضايا‭ ‬شعبه‭ ‬كهم‭ ‬يومي‭ ‬بها‭ ‬يحيى‭ ‬وبها‭ ‬يتنفس‭ ‬ويجدد‭ ‬الآمال،‭ ‬هو‭ ‬يعرف‭ ‬المخزن‭ ‬جيدا‭ ‬ولا‭ ‬يأبه‭ ‬بتصرفاته،‭ ‬ويدرك‭ ‬بحسه‭ ‬وخبرته‭ ‬أنهم‭  ‬بتصرفاتهم‭ ‬اللامسؤولة‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬خوفهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬شجاعة‭ ‬الموقف‭ ‬والالتزام،‭.. ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬نهض‭ ‬وتوجه‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاقه‭ ‬للحضور‭ ‬للقاء‭ ‬صحفي،‭ ‬وحين‭ ‬سأله‭ ‬صحفي‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الكتروني‭ ‬عن‭ ‬الاعتداء‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له،‭ ‬أجاب‭: “‬منع‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬اخطر‭ ‬من‭ ‬الاعتداء‭ ‬علي‭.” ‬

عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بنعمرو‭.. ‬سيرة‭ ‬وطن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة

من‭ ‬مدارس‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬إلى‭ ‬مدارس‭ ‬سوريا

حين‭ ‬فتح‭ ‬عينيه‭ ‬سنة‭ ‬1934‭ ‬بالرباط‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬عائلة‭ ‬عريقة،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يخطو‭ ‬خطواته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬ضارب‭ ‬في‭ ‬الوطنية‭ ‬والقيم‭ ‬التحررية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬تعليمه‭ ‬وتدريسه‭ ‬محكوما‭ ‬بلحظة‭ ‬تاريخية،‭ ‬لحظة‭ ‬صراع‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬وسياسته‭ ‬وخططه،‭ ‬ولذلك‭ ‬شكلت‭ ‬المدرسة‭ ‬مجالا‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الصراع‭ ‬للوطنيين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطنية‭ ‬والاستقلال،‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬المسيد‭ ‬سيلج‭ ‬مدرسة‭ ‬جسوس‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬إغلاقها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬سلطات‭ ‬الحماية،‭ ‬حيث‭ ‬سينتقل‭ ‬إلى‭ ‬مدارس‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬بالرباط‭ ‬التي‭ ‬تشرف‭ ‬عليها‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬وفيها‭ ‬سيتشكل‭ ‬وعيه‭ ‬الوطني‭ ‬التحرري،‭ ‬ولأن‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭ ‬كان‭ ‬يحتضن‭ ‬اجتماعات‭ ‬الوطنيين‭ ‬لارتباط‭ ‬أخيه‭ ‬الأكبر‭ ‬بتنظيمات‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬قضايا‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيتعمق‭ ‬نسبيا‭ ‬وخصوصا‭ ‬مع‭ ‬أستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬المرحوم‭ ‬المكي‭ ‬أزكاغ،‭ ‬المتشبع‭ ‬بالفكر‭ ‬اليساري‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاكرة‭ ‬عادلة،‭ ‬ويواصل‭ ‬رحلته‭ ‬الدراسية‭ ‬ليقرر‭ ‬استكمال‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬وقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬انفتح‭ ‬فيها‭ ‬فكره‭ ‬ووعيه‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬الاستعمار‭ ‬والتبعية‭ ‬وكفاح‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر،‭ ‬كما‭ ‬احتك‭ ‬بالفكر‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬اتصال‭ ‬بالتيارات‭ ‬التقدمية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساتذته‭ ‬والطلبة‭. ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬يتذكر‭ ‬حدث‭ ‬تنظيم‭ ‬تظاهرة‭ ‬طلابية‭ ‬حاشدة‭ ‬سنة‭ ‬1954‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الطلبة‭ ‬السوريين‭ ‬والأساتذة‭ ‬والمواطنين‭ ‬بمختلف‭ ‬توجهاتهم‭ ‬مساندة‭ ‬لكفاح‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وكيف‭ ‬تناول‭ ‬الكلمة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أمام‭ ‬ذلك‭ ‬الحشد‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬حلب،‭ ‬حيث‭ ‬تمحورت‭ ‬كلمته‭ ‬حول‭ ‬التنديد‭ ‬بالاستعمار‭ ‬وأساليبه‭ ‬القمعية‭ ‬ومطالب‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭. ‬

الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬تحرري

وبعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬سينتقل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لاستكمال‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬واختياره‭ ‬شعبة‭ ‬القانون،‭ ‬وحين‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬سنة‭ ‬1955‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬مضت‭ ‬ثلاثة‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليوز‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬ورفاقه‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار،‭ ‬حيث‭ ‬شرعت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬بعدا‭ ‬تحرريا‭ ‬وتقدميا،‭ ‬كما‭ ‬اتسمت‭ ‬بمواقف‭ ‬مناهضة‭ ‬للاستعمار‭ ‬والرأسمالية‭ ‬الامبريالية‭ ‬ومساندة‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬سيعيش‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬مرحلته‭ ‬الجامعية‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬وقناعاته،‭ ‬ويتذكر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ :  “‬شكلت‭ ‬خطب‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أتابعها‭ ‬عبر‭ ‬المذياع‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬بالحضور‭ ‬المباشر،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وعن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬مثل‭ ‬مهاجمته‭ ‬للرجعية‭ ‬العربية‭ ‬وفضحه‭ ‬لاختياراتها‭ ‬السياسية‭ ‬ومهاجمته‭ ‬للاستعمار‭ ‬والامبريالية‭ ‬وفضحه‭ ‬لاختياراتها‭ ‬وأساليبها‭.. ‬وتأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬وتأميم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والتجارية‭ ‬والأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬الكبيرة‭ ‬وتوزيعها‭ ‬على‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬ومجانية‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والحركية‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية‭ ‬بإنتاجها‭ ‬الغزير‭ ‬والتقدمي‭ ‬والإنساني‭.”‬،‭ ‬وباعتباره‭ ‬طالبا‭ ‬مغربيا‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬هيكل‭ ‬منظم‭ ‬مع‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬جمعية‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬بمصر،‭ ‬التي‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬فرع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب،‭ ‬وهي‭ ‬الجمعية‭ ‬التي‭ ‬انتخب‭ ‬رئيسا‭ ‬لها‭ ‬لولايتين،‭ ‬والتي‭ ‬مكنته‭ ‬من‭ ‬الالتقاء‭ ‬مع‭ ‬الطلبة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬جمعيتهم‭ ‬نشيطة‭ ‬جدا‭ ‬ويترأسها‭ ‬الشهيد‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يلتقي‭ ‬رفقة‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬بمحمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطابي‭ ‬بمنزله،‭ ‬وهي‭ ‬الزيارة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الطلبة‭ ‬وخصوصا‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬حيث‭ ‬يتناولون‭ ‬طعام‭ ‬الكسكس‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬البطل‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطابي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منفيا‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عمرو،‭ ‬الذي‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬يحمل‭ ‬فكرا‭ ‬ثوريا‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬والفساد‭.. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬حدث‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الاستقلال‭ ‬بالمغرب‭ ‬مناسبة‭ ‬لمناقشات‭ ‬واسعة‭ ‬بين‭ ‬الطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬بمصر‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وقد‭ ‬انعكس‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬جناحي‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وانقسموا،‭ ‬وسيختار‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬التوجه‭ ‬اليساري‭ ‬الذي‭ ‬سيقوده‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭.‬

محام‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬قضايا‭ ‬الحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان

مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬للمغرب‭ ‬سيلج‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬كمحام‭ ‬متمرن،‭ ‬وهو‭ ‬اختيار‭ ‬لم‭ ‬يحدده‭ ‬فقط‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬مستلزمات‭ ‬العيش،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬اختيار‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬ترسخت‭ ‬لديه‭ ‬وهي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات‭ ‬والحقوق‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬المظلومين‭ ‬ومناهضة‭ ‬التعسف‭ ‬ومختلف‭ ‬مظاهر‭ ‬القمع،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬عصيبة،‭ ‬ساد‭ ‬فيها‭ ‬القمع‭ ‬الأسود‭ ‬والملاحقات‭ ‬والاعتقالات‭ ‬والمحاكمات‭ ‬الصورية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مواجهة‭ ‬سياسية‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬مشروعين‭ ‬متناقضين،‭ ‬مشروع‭ ‬التبعية‭ ‬والاستبداد‭ ‬والاستحواذ‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والانفراد‭ ‬بالحكم،‭ ‬ومشروع‭ ‬تحرري‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬الاستقلال‭ ‬بعدا‭ ‬وطنيا‭ ‬وتقدميا‭ ‬لبناء‭ ‬مغرب‭ ‬الحرية‭ ‬والتقدم‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬هكذا‭ ‬سيجد‭ ‬نفسه‭ ‬المحامي‭ ‬الشاب‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬محاكمات‭ ‬يتوجب‭ ‬عليه‭ ‬حضورها‭ ‬ومؤازرة‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المحاكمات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تنصب‭ ‬كدفاع‭ ‬فيها،‭ ‬محاكمة‭ ‬1963‭ ‬المعروفة‭ ‬بمؤامرة‭ ‬63‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬فيها‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬اجتثاث‭ ‬الاتحاد

الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬وإنهاء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬الساحة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدرك‭ ‬قوته‭ ‬الشعبية‭ ‬الضاربة‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬والتي‭ ‬تصدر‭ ‬فيها‭ ‬النتائج،‭ ‬مما‭ ‬ودفع‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬التزوير‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المحاكمة‭ ‬التي‭ ‬حضرها‭ ‬النقيب‭ ‬كمحام،‭ ‬متتبعا‭ ‬فصولها‭ ‬ومحتكا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬بالمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬وأطره،‭ ‬وقادته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تًتَابع‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اعتقال‭ ‬أو‭ ‬غيابيا‭. ‬ومن‭ ‬محاكمة‭ ‬لأخرى‭.. ‬محاكمة‭ ‬مراكش‭ ‬والعسكريين‭ ‬ومعتقلي‭ ‬3‭ ‬مارس،‭ ‬تم‭ ‬عشرات‭ ‬المحاكمات‭ ‬السياسية‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬والتي‭ ‬مست‭ ‬المناضلين‭ ‬والأطر‭ ‬والنقابيين‭ ‬والصحفيين‭ ‬والشباب‭ ‬التقدمي‭ ‬واليساري‭ ‬والطلبة‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬للقمع‭ ‬كيف‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬انتماؤه‭ ‬أو‭ ‬فكره،‭ ‬لقد‭ ‬دافع‭ ‬ولازال‭ ‬عن‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع‭ ‬بمختلف‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬وقناعتهم‭ ‬وقدم‭ ‬تضحيات‭ ‬كبيرة‭ ‬وأسطورية‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬وجهده‭ ‬وماله‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬يرسم‭ ‬بنزاهته‭ ‬وجديته‭ ‬ومثابرته‭ ‬وإخلاصه‭ ‬لقواعد‭ ‬وأعراف‭ ‬المهنة‭ ‬ونبل‭ ‬رسالتها،‭ ‬مسارا‭ ‬متميزا‭ ‬اتسم‭ ‬بالاجتهاد‭ ‬القانوني‭ ‬والبحث‭ ‬والدراسات‭ ‬وإغناء‭ ‬الحقل‭ ‬القانوني‭ ‬والحقوقي‭ ‬بعطاء‭ ‬فكري‭ ‬وقانوني،‭ ‬قل‭ ‬نظيره‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مرافعاته‭ ‬ومذكراته‭ ‬مرجعا‭ ‬أساسيا‭ ‬للطلبة‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القانون،‭ ‬كما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المهنة‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وتمثيل‭ ‬المحامين،‭ ‬حيث‭ ‬سينتخب‭ ‬نقيبا‭ ‬للمحامين‭ ‬بالرباط‭ ‬سنة‭ ‬1973،‭ ‬ورئيسا‭ ‬لجمعية‭ ‬هيئة‭ ‬المحامين‭ ‬بالمغرب‭ ‬سنة‭ ‬1978،‭ ‬وساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬قراراتها‭ ‬وتوصياتها‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمهنة‭ ‬أو‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬والعربية‭ ‬والدولية،‭ ‬ومدافعا‭ ‬قويا‭ ‬عن‭ ‬استقلالية‭ ‬القضاء‭ ‬ونزاهته‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أدرك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجربته‭ ‬كمحام‭ ‬ورجل‭ ‬قانون،‭ ‬الخطورة‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬غياب‭ ‬قضاء‭ ‬نزيه‭ ‬ومستقل‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬والحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وعايش‭ ‬كيف‭ ‬تحول‭ ‬القضاء‭ ‬والى‭ ‬أداة‭ ‬مسخرة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الحكم‭ ‬لمواجهة‭ ‬المعارضين‭ ‬وقمعهم‭ ‬وسجنهم‭ ‬وغطاءا‭ ‬لأبشع‭ ‬الممارسات‭ ‬القمعية‭. ‬وأداة‭ ‬لتكريس‭ ‬الظلم‭ ‬ومصادرة‭ ‬الحقوق،‭ ‬لقد‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجربته‭ ‬المهنية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬متسلحا‭ ‬فيها‭ ‬بالثقافة‭ ‬القانونية‭ ‬والحقوقية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والوعي‭ ‬السياسي‭ ‬والخلفية‭ ‬الفكرية‭ ‬التحررية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬عمق‭ ‬القانون‭ ‬وثغراته‭ ‬واختلالاته‭ ‬وطبيعته‭ ‬والمصالح‭ ‬الطبقية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬يدافع‭ ‬عنها،‭ ‬وأدرك‭ ‬بوعيه‭ ‬كذلك‭ ‬أهمية‭ ‬النضال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬ومجابهة‭ ‬أعداء‭ ‬الحرية‭ ‬والعدل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القانوني،‭ ‬وتحقيق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬والإنجازات،‭ ‬وتشهد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬اجتهاداته‭ ‬وإنجازاته،‭ ‬ونتذكر‭ ‬قضية‭ “‬الصابو‭” ‬وقضايا‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬وقضية‭ ‬استعمال‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬الرسمية‭ ‬للعدد‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭… ‬الخ

بن‭ ‬عمرو والشهيد‭ ‬بن‭ ‬بركة

تركت‭ ‬شخصية‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬أثرا‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الأستاذ‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ (‬بعد‭ ‬عودتي‭ ‬للمغرب‭ ‬فإن‭ ‬الشخصية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تأثرت‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭… ‬كان‭ ‬المهدي‭ ‬مناهضا‭ ‬للاستبداد‭ ‬والفساد‭ ‬والاستغلال‭ ‬ولسلطة‭ ‬الحماية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاستعمار‭ ‬وللحكم‭ ‬المخزني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاستقلال‭..‬‭ ‬خصوص‭ ‬وأن‭ ‬المهدي‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬النظرة‭ ‬الشمولية‭ ‬والتوجه‭ ‬اليساري،‭ ‬إنه‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بوحدة‭ ‬النضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد‭ ‬والاستغلال‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والمغاربي‭ ‬والعالمي‭). ‬تأثره‭ ‬بالشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أفكاره‭ ‬ومشروعه‭ ‬السياسي‭ ‬ونضالاته‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬شخصيته‭ ‬من‭ ‬نبوغ‭ ‬وذكاء‭ ‬وحركية‭ ‬وتضحيات،‭ ‬وحضور‭ ‬دائم‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المعارك‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والامبريالية‭ ‬والصهيونية‭ ‬والاستبداد‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والتحرر،‭ ‬وتأثر‭ ‬بتقريره‭ ‬الاختيار‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬تحليلا‭ ‬عميقا‭ ‬لأوضاع‭ ‬البلاد‭ ‬أنداك‭ ‬وآفاق‭ ‬التغيير‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والثوري‭ ‬والبرنامج‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬خطوطه‭ ‬العريضة‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬وسيطرة‭ ‬الإقطاع‭ ‬والبورجوازية‭ ‬وإقامة‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬بأفق‭ ‬اشتراكي،‭ ‬سيشكل‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه،‭ ‬مرجعا‭ ‬وموجها‭ ‬سينضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الزخم‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬طبع‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬وانتصار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الثورات‭ ‬والتجارب‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬وتجارب‭ ‬وصعود‭ ‬شعبي‭ ‬وتقدمي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها‭ ‬مرحلة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬شبابه،‭ ‬ولذلك‭ ‬سيطبع‭ ‬مساره‭ ‬السياسي‭ ‬بالجدية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والصدق‭ ‬وصلابة‭ ‬الموقف،‭ ‬حيث‭ ‬سينخرط‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬للشعبية‭ ‬مناضلا‭ ‬ومسؤولا‭ ‬وسيتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينات‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬كما‭ ‬أتيحت‭ ‬له‭ ‬الفرصة‭ ‬للاحتكاك‭ ‬بأبرز‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬داخل‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬الذي‭ ‬واكب‭ ‬حركيته‭ ‬وتأثر‭ ‬بمواقفه‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬مجهوداته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬الحزب‭ ‬حيث‭ ‬شكلت‭ ‬مذكرته‭ ‬التنظيمية‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬لتحويل‭ ‬الحزب‭ ‬أنداك‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬شعبي‭ ‬واسع‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬منظم‭ ‬بمؤسساته‭ ‬وهياكله‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والصمود‭ ‬اتجاه‭ ‬مختلف‭ ‬الأحداث‭ ‬والهزات‭.‬

المسار‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي‭.. ‬تفاؤل‭ ‬الإرادة‭ ‬وتشاؤم‭ ‬العقل

تلخص‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬لغرامشي‭ “‬تفاؤل‭ ‬الإرادة‭ ‬و‭ ‬تشاؤم‭ ‬العقل‭”‬،‭ ‬بكل‭ ‬دلالاتها‭ ‬ومعانيها،‭ ‬مسار‭ ‬المناضل‭ ‬الفذ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عمرو،‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إرادته‭ ‬واستعداده‭ ‬للنضال‭ ‬والتضحية‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها،‭ ‬وأن‭ ‬مساره‭ ‬النضالي‭ ‬ظل‭ ‬مطبوعا‭ ‬بالاستمرارية‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬والمثابر‭ ‬في‭ ‬واجهات‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي‭ ‬والفكري‭ ‬والحزبي،‭ ‬لم‭ ‬يتعرض‭ ‬لليأس‭ ‬أو‭ ‬التراجع‭ ‬أو‭ ‬الفتور،‭ ‬كان‭ ‬مؤمنا‭ ‬ولازال‭ ‬بأن‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬سيتحقق،‭ ‬وأن‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬مكسب‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬جزئيا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مهم،‭ ‬كان‭ ‬يفرح‭ ‬لأي‭ ‬انتصار‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬إرادته‭ ‬متفائلة‭ ‬فإن‭ ‬عقله‭ ‬متشائم‭ ‬أي‭ ‬عقل‭ ‬نقدي،‭ ‬يضع‭ ‬الأسئلة‭ ‬الدائمة‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬واستيعاب‭ ‬الوضع‭ ‬والتحولات،‭ ‬يستخلص‭ ‬الدروس‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬ولا‭ ‬يستكين‭ ‬للأفكار‭ ‬الجاهزة،‭ ‬لا‭ ‬يركن‭ ‬للجاهز‭ ‬ولا‭ ‬ينخدع‭ ‬بالشعارات‭ ‬وخطابات‭ ‬التضليل‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭ ‬إخفاء‭ ‬حقيقتها،‭ ‬فله‭ ‬من‭ ‬النباهة‭ ‬والذكاء‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬يكشف‭ ‬حقيقة‭ ‬الأشياء‭ ‬وحقيقة‭ ‬القرارات‭ ‬وطبيعة‭ ‬النظام‭ ‬وجوهره‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬تغيرت‭ ‬طبيعة‭ ‬الأشخاص‭ ‬والخطاب‭ ‬والأساليب،‭ ‬يهتم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬جوهري‭ ‬وأساسي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬يقظته‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬تصاحبه‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي،‭ ‬ويدرك‭ ‬ألاعيب‭ ‬المخزن‭ ‬ودهاءه‭ ‬ومكره‭ ‬وسياسته‭ ‬في‭ ‬التضليل‭ ‬والمغالطات،‭ ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬الشجاعة‭ ‬للجهر‭ ‬بمواقفه‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الظروف‭ ‬والمحافل،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحطات‭ ‬التاريخية‭ ‬التصحيحية‭ ‬داخل‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الدينامية‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬تنظيمات‭ ‬الحزب‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬مذكرته‭ ‬التنظيمية،‭ ‬وقرارات‭ ‬30‭ ‬يوليوز‭ ‬1972‭ ‬التي‭ ‬حسمت‭ ‬مع‭ ‬الجناح‭ ‬النقابي‭ ‬والنهج‭ ‬التوفيقي‭ ‬داخل‭ ‬الحزب،‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬عرقلة‭ ‬حقيقية‭ ‬ستتضح‭ ‬خطورتها‭ ‬بعد‭ ‬الحسم‭ ‬التنظيمي،‭ ‬ويتذكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬بنعمرو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاكرة‭ ‬عادلة،‭ ‬قرارات‭ ‬اجتماع‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬للاتحاد‭ ‬سنة‭ ‬1974‭ ‬وهو‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬بسرية‭ ‬تامة،‭ ‬واتخذت‭ ‬فيه‭ ‬قرارات‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬للمؤتمر‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬فيه‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬جلون‭ ‬التقرير‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬الشهير‭. ‬وتتواصل‭ ‬معارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاقه‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الواجهات،‭ ‬مؤطرا‭ ‬للتظاهرات‭ ‬والتجمعات‭ ‬والندوات‭ ‬السياسية‭ ‬والحزبية،‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والنضالية‭ ‬واستقلالية‭ ‬قراره‭ ‬السياسي‭ ‬وضوابطه‭ ‬التنظيمية،‭ ‬ليجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الانحراف‭ ‬السياسي‭ ‬والتنظيمي‭ ‬والممارسات‭ ‬الانتهازية،‭ ‬حيث‭ ‬خاض‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفيقه‭ ‬أحمد‭ ‬بنجلون‭ ‬وكل‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬الإدارية‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬الجناح‭ ‬اليساري‭ ‬وأعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬والقيادات‭ ‬الشبيبة‭ ‬والطلابية‭ ‬وقواعد‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬الأقاليم،‭ ‬صراعا‭ ‬مريرا‭ ‬ضد‭ ‬الانحراف‭ ‬والانتهازية‭ ‬اليمينية‭ ‬التي‭ ‬سيؤكد‭ ‬التاريخ‭ ‬والحاضر‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬مواقفهم‭ ‬ونبل‭ ‬وقيمة‭ ‬وشجاعة‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬اتخذوها‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬تراث‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬الأصيلة‭ ‬وتضحيات‭ ‬شهدائها‭ ‬ومناضليها،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬بأم‭ ‬أعيننا‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر‭ ‬المآل‭ ‬المأساوي‭ ‬الذي‭ ‬وصله‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لقد‭ ‬تحمل‭ ‬المناضل‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬وباقي‭ ‬المناضلين‭ ‬تضحيات‭ ‬كبيرة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬والتضييق‭ ‬والطرد‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬لكن‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يستسلموا‭ ‬ولم‭ ‬يخضعوا‭ ‬لمختلف‭ ‬الضغوطات،‭ ‬ولقد‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاقه‭ ‬في‭ ‬تنظيمات‭ ‬الحزب‭ ‬حركة‭ ‬تصحيحية‭ ‬عارمة‭ ‬حتى‭ ‬8‭ ‬ماي‭ ‬1983،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬اسم‭ ‬الحزب‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬ـ‭ ‬اللجنة‭ ‬الإدارية،‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الاشتراكي‭. ‬وظل‭ ‬يتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬كعضو‭ ‬للكتابة‭ ‬الوطنية،‭ ‬أو‭ ‬ككاتب‭ ‬عام،‭ ‬وحين‭ ‬قرر‭ ‬التنحي‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وقف‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬متشبثين‭ ‬به،‭ ‬لأنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمناضلي‭ ‬الحزب‭ ‬يشكل‭ ‬صرحا‭ ‬كبيرا‭ ‬وضميرا‭ ‬حيا‭ ‬للحزب‭ ‬ومرشدا‭ ‬ومنارة‭ ‬تضيء‭ ‬الطريق‭.‬

مؤسس‭ ‬حركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان

أسهم‭ ‬الأستاذ‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬بدور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬العمل‭ ‬الحقوقي‭ ‬بالمغرب‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينات‭ ‬لمواجهة‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومؤازرة‭ ‬ضحايا‭ ‬مصادرة‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬ونشر‭ ‬الوعي‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتغيير‭ ‬التشريعات‭ ‬والقوانين‭ ‬المنافية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬خطوة‭ ‬سباقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬من‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ ‬المؤسس‭ ‬للجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكان‭ ‬عضوا‭ ‬فاعلا‭ ‬في‭ ‬لجنتها‭ ‬التحضيرية‭ (‬أنظر‭ ‬شهادة‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬الجامعي‭) ‬وبعد‭ ‬التأسيس‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يونيو‭ ‬سنة‭ ‬1979‭ ‬سيعمل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قيادتها‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬فروع‭ ‬لها،‭ ‬ولقد‭ ‬تعرضت‭ ‬الجمعية‭ ‬للتضييق‭ ‬والمنع‭ ‬والحصا،‭ ‬وبعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬سيعمل‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناضلين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحياء‭ ‬هياكل‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬متصديا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬لمختلف‭ ‬العراقيل‭ ‬ولبعض‭ ‬المحاولات‭ ‬الساعية‭ ‬لإقبار‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬البعض‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتحين‭ ‬الفرصة‭ ‬لإنهاء‭ ‬وجودها،‭ ‬ولقد‭ ‬نجحت‭ ‬الجمعية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينات‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تجديد‭ ‬نشاطها‭ ‬وتوسعها‭ ‬وتطورها،‭ ‬وواكب‭ ‬حركيتها‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬انفتاحها‭ ‬وأعطى‭ ‬للبعد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتشاركي‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬الداخلية‭ ‬بقناعة‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬بيتا‭ ‬مفتوحا‭ ‬لكل‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬واليساريين‭ ‬بدون‭ ‬هيمنة‭ ‬أو‭ ‬تحكم،‭ ‬حتى‭ ‬تظل‭ ‬قوية‭ ‬وذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬وتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬رئاستها‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬أحداث‭ ‬هامة‭ ‬ومبادرات‭ ‬قوية‭ ‬أبرزها‭ ‬المطالبة‭ ‬بمساءلة‭ ‬36‭ ‬شخصية‭ ‬مدنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬ماضي‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتنظيم‭ ‬وقفات‭ ‬احتجاجية‭ ‬حول‭ ‬ذلك،‭ ‬جهوية‭ ‬ووطنية،‭ ‬منها‭ ‬وقفة‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان‭ ‬تعرضت‭ ‬للقمع‭ ‬وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬ومتابعة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬ومسؤولي‭ ‬الجمعي‭ ‬،‭ ‬وسيشكل‭ ‬ذلك‭ ‬حدثا‭ ‬مفصليا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الاحتجاج‭ ‬السلمي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬انتزع‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬وقفات‭ ‬احتجاجية‭ ‬دون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ترخيص‭ ‬مسبق،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬الحكم‭ ‬الاستئنافي‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬الوقفة‭ ‬لا‭ ‬تستلزم‭ ‬ترخيص‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توسع‭ ‬هائل‭ ‬للحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬والمواطنين‭. ‬وستتواصل‭ ‬مجهوداته‭ ‬داخل‭ ‬الجمعية‭ ‬والحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المغربية‭ ‬وعمله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وحدة‭ ‬العمل‭ ‬الحقوقي‭ ‬بدءا‭ ‬بتجربة‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬العصبة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬تشكل‭ ‬الائتلاف‭ ‬المغربي‭ ‬لمنظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وظل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬محكوما‭ ‬بهم‭ ‬وهاجس‭ ‬الوحدة‭ ‬والتجميع،‭ ‬والسعي‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬والأزمات‭ ‬الداخلية،‭ ‬هاجسه‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬قوية‭ ‬وفاعلة‭ ‬ومناضلة،‭ ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬فطنته‭ ‬ووعيه‭ ‬الحاد‭ ‬بما‭ ‬ظل‭ ‬ولازال‭ ‬يحاك‭ ‬ضد‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تشتيتها‭ ‬وإقبارها،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬بحكم‭ ‬خبرته‭ ‬وتجربته‭ ‬ومعرفته‭ ‬بأساليب‭ ‬الحكم‭ ‬والأجهزة‭ ‬كان‭ ‬ينبه‭ ‬ويحذر‭ ‬ويتصدى‭ ‬بشجاعة‭ ‬لخصوم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬يتذكرها‭ ‬المناضلون‭ ‬حين‭ ‬رفض‭ ‬هو‭ ‬والمرحوم‭ ‬الحيحي‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬إدريس‭ ‬البصري‭ ‬وأكديره‭ ‬الانضمام‭ ‬للمجلس‭ ‬الاستشاري‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقلالية‭ ‬الجمعية‭ ‬برفض‭ ‬تزكيتهما‭ ‬لسياسة‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬رغم‭ ‬التهديدات‭ ‬والضغوطات‭.‬

قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬الحضور‭ ‬الدائم‭ ‬

ظلت‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬نضاله‭ ‬مند‭ ‬الستينات،‭ ‬حيث‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬جمعية‭ ‬مساندة‭ ‬الكفاح‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬والمبادرات‭ ‬المتصلة‭ ‬بالتضامن‭ ‬مع‭ ‬كفاح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال،‭ ‬وتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬العمل‭ ‬الوطنية‭ ‬لدعم‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفي‭ ‬جبهة‭ ‬مناهضة‭ ‬التطبيع‭ …‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التظاهرات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬المناصرة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬معن‭ ‬بشور‭ : “‬فلسطين‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه،‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬قضية‭ ‬أرض‭ ‬واستقلال‭ ‬وإنهاء‭ ‬للاحتلال‭.. ‬إنها‭ ‬برنامج‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬الامبريالية‭ ‬والصهيونية‭ ‬وعملائها‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬انشغل‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬القومية‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان،‭ ‬وأطلق‭ ‬هو‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المحامين‭ ‬مبادرات‭ ‬نضالية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬دعوات‭ ‬ضد‭ ‬صهاينة‭ ‬وضد‭ ‬التطبيع‭ ‬الذي‭ ‬باشرته‭ ‬الدولة،‭ ‬باعتباره‭ ‬اتفاقا‭ ‬يفتقد‭ ‬للمشروعية‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭.‬

الصمود‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المحن

تعرض‭ ‬المناضل‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬والحقوقي‭ ‬للقمع‭ ‬والاعتقال‭ ‬والسجن،‭ ‬حوكم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وقضى‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬أطولها‭ ‬اعتقال‭ ‬1983،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬أحداث‭ ‬8‭ ‬ماي‭ ‬كانت‭ ‬مدته‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وقد‭ ‬تعرض‭ ‬لاعتداءات‭ ‬متكررة،‭ ‬وكذا‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الاغتيال‭ ‬وهي‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬أورد‭ ‬تفاصيلها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاكرة‭ ‬عادلة‭” ‬وبالضبط‭ ‬أربع‭ ‬محاولات‭ ‬نجا‭ ‬منها‭ ‬بأعجوبة،‭ ‬بسبب‭ ‬فطنته‭ ‬ونباهته‭ ‬ويقظته،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تجده‭ ‬يتشكى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يحكي‭ ‬عنها،‭ ‬وفي‭ ‬الاعتداء‭ ‬الأخير‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬حين‭ ‬سأله‭ ‬صحافي‭ ‬عن‭ ‬الاعتداء‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له،‭ ‬أجاب‭ ‬أن‭ ‬منع‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬شخصيا،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يهتم‭ ‬بالبعد‭ ‬السياسي‭ ‬للحدث‭ ‬ودلالته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭  ‬والى‭ ‬مبدأ‭ ‬الالتزام‭ ‬واحترام‭ ‬المواعد‭ ‬عند‭ ‬الكبير‭ ‬بنعمرو،‭ ‬فتجده‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يصل‭ ‬للاجتماع‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬بالضبط‭ (‬ويمكنك‭ ‬ضبط‭ ‬ساعتك‭ ‬على‭ ‬قدومه‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يغادره،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬العمق‭ ‬الإنساني‭ ‬والتضامني‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬اتجاه‭ ‬رفاقه‭ ‬والمناضلين‭ ‬وكل‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع،‭ ‬ومروءته‭ ‬واختلاقه‭ ‬العالية‭. ‬ورغم‭ ‬جديته‭ ‬الكبيرة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬إنسان‭ ‬بشوش‭ ‬ومرح،‭ ‬ومن‭ ‬يقترب‭ ‬منه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ولازال‭ ‬يميزه‭ ‬هو‭ ‬الثبات‭ ‬على‭ ‬المبدأ‭ ‬والاستمرارية‭ ‬والصدق‭ ‬والصلابة‭ ‬والشجاعة‭ ‬السياسة‭ ‬والنضالية،‭ ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬رمزيته‭ ‬ومكانته‭ ‬السياسية‭ ‬وقيمته‭ ‬الحقوقية‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والمناضلين‭ ‬وشرفاء‭ ‬الوطن،‭ ‬لذلك‭ ‬فحضوره‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬النضالية‭ ‬وفي‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي‭ ‬يعطي‭ ‬دفعة‭ ‬للنضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والحقوقي‭ ‬ليحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬صلب‭ ‬انشغاله‭ ‬واهتمامه،‭ ‬وليشكل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬الصامدين‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬اليساريين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬والشرفاء‭ ‬منارات‭ ‬مضيئة‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى