الدولية

فرنسا تخنق المهاجرين وسط الجائحة

◆ سعاد فريقش - جمعية المغاربة بفرنسا

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستعد‭ ‬فيه‭ ‬فرنسا‭ ‬لترتيبات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬المهاجرون‭ ‬والمهاجرات‭ ‬يعيشون‭ ‬وضعية‭ ‬مزرية،‭ ‬خصوصا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الصحي،‭ ‬فأمام‭  ‬فشل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬بتعزيز‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الكافية،‭ ‬فإن‭ ‬الجائحة‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬مئات‭ ‬المهاجرين

بلغ‭ ‬معدل‭ ‬وفاياتهم‭ ‬خلال‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى‭ ‬للوباء‭ ‬ضعف‭ ‬المواطنين‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬كما‭ ‬اثر‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات؛‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬لجامعات‭ ‬أوروبية‭ ‬منضوية‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬حول‭ ‬العواقب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والنفسية‭ ‬والإدارية‭ ‬لمختلف‭ ‬فئات‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمهاجرات‭ ‬بصفة‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬التسوية‭ ‬أو‭ ‬بصفة‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬عن‭ ‬تفاقم‭ ‬هشاشة‭ ‬و‭ ‬تدهور‭ ‬ظروف‭ ‬عيشهم‭  ‬لانعدام‭ ‬فرص‭ ‬الشغل،‭ ‬وتعمق‭ ‬عزلتهم‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأثرهم‭ ‬على‭  ‬المستوى‭ ‬الصحي‭ ‬والسيكولوجي‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬قرار‭ ‬تطبيق‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬وحضر‭ ‬التجول‭ ‬وإغلاق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬كالمقاهي‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭..  ‬إلى‭ ‬تشرد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭  ‬العمال‭ ‬بدون‭ ‬إقامة‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬عاملين‭ ‬بصفة‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬التكتل‭ ‬داخل‭ ‬مخيمات‭ ‬بضواحي‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬صعبة‭ ‬وغير‭ ‬لائقة،‭ ‬تنعدم‭ ‬فيها‭  ‬شروط‭  ‬الوقاية‭ ‬الصحية‭ ‬وظروف‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬مما‭ ‬شكل‭ ‬أرضية‭ ‬خصبة‭ ‬لانتشار‭ ‬الوباء‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬الزج‭ ‬ببعضهم‭ ‬داخل‭ ‬مراكز‭ ‬الحجز‭ ‬الإداري‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬عددهم‭ ‬و‭ ‬ظروفهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المزرية،‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬معاناتهم،‭ ‬فحسب‭ ‬تقرير‭ “‬مركز‭ ‬المراقب‭ ‬العام‭ ‬لأماكن‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الحرية‭” ‬أصبحت‭ ‬ظروف‭ ‬العيش‭ ‬داخل‭ ‬مراكز‭ ‬الاحتجاز‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬شبيهة‭ ‬بالسجون‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الوقاية‭ ‬وغياب‭ ‬أدنى‭ ‬احترام‭ ‬لكرامة‭ ‬وحقوق‭ ‬المحجوزين‭. ‬

ولمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬الدراماتيكية،‭ ‬طالبت‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬بضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬التالية‭ :‬

ـ‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬الحماية‭ ‬المختلفة‭ ‬للأشخاص‭ ‬المعرضين‭ ‬للخطر،‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

ـ‭ ‬إغلاق‭ ‬مراكز‭ ‬الاحتجاز‭ ‬المختلفة‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬للمهاجرين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭.‬

  ‬ـ‭ ‬تسوية‭ ‬الوضع‭ ‬الإداري‭ ‬لجميع‭ ‬المهاجرين‭ ‬حتى‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬والعمل‭ ‬بكرامة‭ ‬وتلافي‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬شبكات‭ ‬المافيا‭ ‬والعمل‭ ‬السري‭ ‬المفروض‭ ‬عليهم‭.‬

رغم‭ ‬المطالبة‭ ‬بتسوية‭ ‬أوضاع‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحجوزين‭ ‬وبإغلاق‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬بفرنسا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المطالب‭ ‬لم‭ ‬تلقى‭ ‬الاستجابة‭ ‬المرجوة‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أعلنت‭ ‬السلطات‭ ‬العامة‭ ‬البرتغالية‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬عن‭ ‬تسوية‭ ‬مؤقتة‭ ‬لوضعية‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬تصاريح‭ ‬الإقامة‭ ‬بإجراء‭ ‬استثنائي‭ ‬ومؤقت‭ ‬لحمايتهم‭ ‬من‭ ‬الوباء،‭ ‬ووعدت‭ ‬إيطاليا‭ ‬بمنح‭ ‬تصاريح‭ ‬إقامة‭ ‬للمهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬أظهروا‭ ‬فائدتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬العام‭ ‬نتجت‭ ‬عواقب‭ ‬إدارية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬جميع‭ ‬مؤشرات‭ ‬الدخول‭ ‬والإقامة‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وانخفاض‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وتراجعا‭ ‬ملموسا‭ ‬في‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬انخفاض‭ ‬تأشيرات‭ ‬السياحة‭ ‬بنسبة‭ ‬80٪‭  ‬و‭ ‬41٪‭ ‬من‭  ‬طلبات‭ ‬اللجوء‭. 

في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬مقبرة‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يضعف‭ ‬نشاط‭ ‬الجماعات‭ ‬الإجرامية‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭  ‬تستهدف‭ ‬فئات‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمهاجرات‭ ‬الضعفاء‭ ‬وترحيلهم‭ ‬عبر‭ ‬قوارب‭ ‬الموت‭. ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬توقفت‭ ‬شراكة‭ ‬منظمة‭ “‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭”‬،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مهامها‭ ‬إنقاذ‭ ‬المهاجرين‭ ‬بالبحر،‭ ‬وهي‭ ‬شراكة‭ ‬دامت‭ ‬لمدة‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬والتي‭ ‬أتاحت‭ ‬إنقاذ‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭.‬

    ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلنت‭ ‬مالطا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬إغلاق‭ ‬موانئها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬السفن‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭. ‬نفذت‭ ‬سفينة‭ “‬أوشن‭ ‬فايكنغ‭” ‬آخر‭ ‬عملية‭ ‬إنقاذ‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬فبراير2020،‭ ‬قبل‭ ‬وضع‭ ‬طاقمها‭ ‬في‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬ونزل‭ ‬الناجون‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬276‭ ‬على‭ ‬متنها‭ ‬في‭ ‬صقلية،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬رست‭ ‬السفينة‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬مرسيليا‭.‬

وارتبط‭ ‬توقف‭ ‬المنظمة‭ ‬بالبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬بالتطورات‭ ‬السياسية‭ ‬وتفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬رجال‭ ‬الإنقاذ‭ ‬وكذلك‭ ‬الناجون

أما‭ ‬منظمة‭ ‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬فقد‭ ‬عقدت‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬بالوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬وتحملت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬المسؤولية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تواصل‭ ‬التنصل‭ ‬من‭ ‬مسؤوليتها،‭ ‬وإحباط‭ ‬جهود‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭. ‬وأضافت‭ ‬المنظمة‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الرفع‭ ‬الفوري‭ ‬للقيود‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬من‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأرواح‭ ‬في‭ ‬البحر‭: “‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الجائحة‭ ‬ذريعة‭ ‬لفرض‭ ‬سياسات‭ ‬هجرة‭ ‬قاتلة‭.”‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى