السياسة

فكيك تدفع ثمن صمودها التاريخي

◆ المراسل ـ فكيك

  ‬تتوالى‭ ‬الأحداث‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬فعند‭ ‬كل‭ ‬توتر‭ ‬داخلي‭ ‬يعمل‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬أزمته‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬مستعملا‭ “‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭” ‬كأداة‭ ‬لخلق‭ ‬وافتعال‭ ‬المشاكل‭ ‬بهدف‭ ‬صرف‭ ‬أنظار‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬عن‭ ‬مشاكله‭ ‬الداخلية‭. ‬

فبعد‭ ‬تأمين‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬لمعبر‭ ‬الكركرات‭  ‬يوم‭ ‬13‭ ‬نونبر‭ ‬2020‭ ‬نظم‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬يومي‭ ‬17‭ ‬و18‭ ‬يناير‭ ‬2021‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬واسعة‭ ‬بمنطقة‭ ‬تندوف‭ ‬استعملت‭ ‬فيها‭ ‬ترسانة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬الجزائر‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة‭.. ‬وقد‭ ‬رافقت‭ ‬هذه‭ ‬المناورات‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬مكثفة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اعتراف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الصحراء‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تطبيع‭ ‬المغرب‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

        ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬مجلة‭ “‬الجيش‭” ‬وهي‭ ‬مجلة‭ ‬مؤثرة‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬عن‭ “‬التهديدات‭ ‬الوشيكة‭ ‬التي‭ ‬تضغط‭ ‬بواسطتها‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭” ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬وإلى‭ ‬الدور‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يلعبه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ .‬

      ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬جهتها‭ ‬تدرك‭ ‬الخلفيات‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬وتتفادى‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ .. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬جليا‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬تدخلت‭ ‬السلطات‭  ‬الجزائرية‭ ‬وأبلغت‭ ‬الفلاحين‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬يستغلون‭ ‬واحات‭ ‬منطقة‭ ‬العرجة‭ – ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬فكيك‭ ‬بخمس‭ ‬كيلومترات‭ ‬ـ‭ ‬بضرورة‭ ‬إخلاء‭ ‬أراضيهم‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الجزائري‭.‬

      ‬الاستفزاز‭ ‬الجزائري‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬سيؤدي‭ ‬ثمنه‭ ‬سكان‭ ‬فكيك‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭  ‬الفلاحون‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬أراضي‭ ‬يتوفرون‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬ملكيتها‭ ‬ويستغلونها‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭.. ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬استثمر‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬المياه‭ ‬واستصلاح‭ ‬الأرض‭ ‬وزراعة‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭.‬

      ‬أمام‭ ‬صمت‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬وجد‭ ‬الفلاحون‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توفرهم‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬ملكية‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يستغلونها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬والتي‭ ‬يحميها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وحق‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نقلها‭ ‬إلا‭ ‬بشرط‭ ‬تعويض‭ ‬أصحابها‭.‬

      ‬إن‭ ‬المظاهرات‭ ‬الغاضبة‭ ‬التي‭ ‬نظمها‭ ‬المواطنون‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتعامل‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬مع‭ ‬مطالبهم‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بالمجال‭ ‬الحيوي‭ ‬لمدينة‭ ‬فكيك‭ ‬الذي‭ ‬بدونه‭ ‬تفقد‭ ‬كل‭ ‬المنطقة‭ ‬أهميتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإستراتيجية‭.‬

      ‬سكان‭ ‬المنطقة‭ ‬بخبرتهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬له‭ ‬خلفيات‭ ‬سياسية‭.. ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬اقتطاع‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬المغربي‭ ‬فخلال‭ ‬مرحلة‭ ‬السبعينات‭ ‬وحدها‭ ‬تم‭ ‬إجبار‭ ‬المزارعين‭ ‬على‭ ‬إخلاء‭ ‬أراضي‭ ‬قصر‭ ‬أولاد‭ ‬زناكة‭ ‬والملياس‭ ‬وتمزوغت‭ ‬وأولاد‭ ‬رفيعة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬واحات‭ ‬النخيل‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أراضي‭ ‬جرداء‭.‬

      ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتكرر‭ ‬مستقبلا‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬اتفاقية‭ ‬سنة‭ ‬1972‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التوتر‭ ‬الدائم‭ ‬الذي‭ ‬يطبع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجارين‭.‬

      ‬إن‭ ‬الغائب‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬هما‭ ‬الشعبان‭ ‬المغربي‭ ‬والجزائري‭ ‬اللذان‭ ‬تكمن‭ ‬مصلحتهما‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬التوتر‭ ‬وفتح‭ ‬الحدود‭ ‬المغلقة‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1994‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬التعاون‭ ‬خدمة‭ ‬للمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬للشعبين‭ ‬الشقيقين‭.‬

      ‬إن‭ ‬الحسابات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬بدون‭ ‬نتائج‭ ‬تذكر‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مسنودة‭ ‬بجبهة‭ ‬داخلية‭ ‬قوية‭. ‬

      ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬وفية‭ ‬لنهجها‭ ‬القديم‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬الدينامية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬السكان‭ ‬محليا‭ ‬وكذلك‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬توازيها‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬والتي‭ ‬تقودها‭ ‬الجالية‭ ‬الفكيكية‭ ‬في‭ ‬المهجر‭.‬

      ‬إن‭ ‬اللقاء‭ ‬الموسع‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬وجدة‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أبريل‭ ‬2021‭ ‬والذي‭ ‬حضرته‭ ‬فعاليات‭ ‬قانونية‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭ ‬وممثلين‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬أصدقاء‭ ‬فكيك‭ ‬وممثلين‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬النيابي‭ ‬لقصر‭ ‬أولاد‭ ‬سليمان‭ ‬وبعض‭ ‬قصور‭ ‬فكيك‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المتضررين‭ ‬وبعض‭ ‬فعاليات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬قد‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للتحرك‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬نقطتين‭ ‬أساسيتين‭:‬

      ‬الأولى‭ ‬تتعلق‭ ‬بتعويض‭ ‬المتضررين‭ ‬عن‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بهم‭.. ‬والثانية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وضعية‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬والسماح‭ ‬للفلاحين‭ ‬باستغلال‭ ‬أراضيهم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭.. ‬وهذا‭ ‬يقتضي‭ ‬العمل‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المسؤولة‭.‬

      ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬الأساسيين‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬يؤكدون‭ ‬أن‭ ‬لقاء‭ ‬وجدة‭ ‬سمح‭ ‬ببروز‭ ‬رأيين‭ ‬مختلفين‭. ‬الأول‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬فيما‭ ‬وقع‭ ‬وذلك‭ ‬لاعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬وقانونية‭ ‬وحقوقية‭ ‬وتتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بمقتضيات‭ ‬اتفاقية‭ ‬1972‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬الحقوق‭ ‬التاريخية‭ ‬للسكان‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ولذلك‭ ‬وجب‭ ‬استحضار‭ ‬إمكانية‭ ‬الترافع‭ ‬ضدها‭ ‬وعدم‭ ‬استبعاد‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭.‬

      ‬أما‭ ‬الرأي‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية‭ ‬فيما‭ ‬وقع‭.. ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬التنسيق‭ ‬التام‭ ‬معها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬ترفضه‭.. ‬وهذا‭ ‬الرأي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬وجدة‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬بيان‭ ‬رسمي‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الجالية‭ ‬الفكيكية‭ ‬تطالب‭ ‬بتوضيحات‭ ‬رسمية‭ ‬ولكن‭ ‬دوم‭ ‬جدوى‭.‬

    ‬إذن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬الدولة‭  ‬المغربية‭ ‬هي‭ ‬الثابت‭ ‬أي‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأعيان‭ ‬وسياسة‭ ‬الامتيازات‭ ‬لضمان‭ ‬ولائهم،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المبادرات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬والإنسان‭.‬

    ‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬46‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تدبير‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬لم‭ ‬تكرس‭ ‬إلا‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬سوى‭ ‬مصلحة‭ ‬النظامين‭ ‬المغربي‭ ‬والجزائري‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى