سعر المحروقات بين الربح والضرائب

ما يعانيه المغاربة في قضية سعر الوقود لا يجب أن ندخلها في متاهات القوانين والمقارنة مع الدول الصناعية مثل فرنسا التي تتفوق علينا في مستوى معيشة مواطنيها حتى نفهمه، المسألة بسيطة جدا للوقوف على الحقيقة، البنزين الممتاز من بداية سنة 2019 في تونس 6,17 درهما للتر الواحد في المغرب 10,21 درهما. والغازوال في تونس 5,42 درهما للتر وفي المغرب 9,41 درهما. والغاز المنزلي في تونس 24,02 للقنينة في المغرب 40 درهما. تونس تدعم المحروقات ب 3مليار درهم و120 مليون سنويا، والأثمنة أعلاه هي النهائية رغم أن تونس رفعت الأثمان أربع مرات في سنة 2018 بضغط من صندوق النقد الدولي. هنا المقارنة مفهومة وموضوعية وحتى نفهم جيدا العلاقة أن تونس تستورد مثلنا أن القطاع الخاص موجود لديها أن مستوى المعيشة أحسن منا الشيء الذي يجب في هذه الحالة أن ترفق الحكومة بالمغاربة أكثر من رفق الحكومة التونسية بشعبها حيث أن الدخل الفردي السنوي من الناتج الداخلي الإجمالي في تونس حسب تقرير الأمم المتحدة 2018 هو 9932 دولارا في حين أنه في المغرب ومن نفس التقرير هو 5456 دولارا قد يقول قائل أن تونس حافظت على جزء من دعم الدولة وماذا يمنع دولتنا المفتشة في جيوبنا من أن تفعل نفس الشيء ونحن هنا أحوج مادام الدخل الفردي أقل بقرابة النصف !

المغرب على العكسرفع الدعم وحررت الاستيراد والتخزين وأكثر من هذا حافظت على الضرائب، هناك أولا ما سمي بضريبة الاستهلاك TCI وهي ضريبة غريبة على مواد الطاقة التي تعتبر مواد استراتيجية للصناعة من المفروض توفيرها ومدها على أكبر نطاق للتحرك الصناعات وهذه الضريبة تبلغ 3,76درهما للتر واحد من البنزين  و 2,42 درهما للتر من الغازوال. والضريبة على القيمة المضافة تبلغ 10 في المئة من ثمن الاستيراد وهناك مكوس أخرى بحيث يبلغ المجموع 47 في المئة من ثمن البنزين الممتاز و 37 في المئة من ثمن الغازوال. معنى هذا أن الضريبة على البنزين تبلغ 4,79 درهما على كل لتر ، وعلى الغازوال تبلغ 3,48 درهما على كل لتر.

ثمن اللتر الواحد من الوقود عند الاستيراد هو 3,98 درهما بعد التكرير كما هو مبين جانبه في محتويات البرميل الواحد إذا أضفنا تكلفة النقل وهي 8 سنتم يصبح ب 4,06 دراهم ، وإذا حولنا أن نقترب من حقيقة ربح الشركات في لتر واحد من البنزين نحذف 4,79 د كضريبة من 10,21 د = 5,42 د نحذف من هذا الأخير 4,06 د = 1,36 د .

وحتى لو بالغنا وقدرنا تكلفة النقل الداخلي في 2 سنتم لكل لتر مع بعض التحفظات أسفله فإننا سنحصل على 1,34 د بمعنى أن الدولة بالضرائب والخواص بالربح يفرضون على المستهلك للتر واحد من البنزين: 4,79 د + 1,36 = 6,15 دراهم أي أن هذا المبلغ تجاوز مئة بالمئة وهذا هو السر في الضغط على السعر وبدون تخفيض الدولة من الضرائب على المحروقات وبدون تخفيض هامش الربح الكبير جدا من طرف الخواص لن يجدي أي اجراء يمكن أن يتخذ.

تضخيم السعر لا يقف عند هذا الحد، إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض العناصر الأساسية التي تدخل في التكلفة النقل الدولي بين روتردام والمحمدية، وهي في حدود 14.17 للطن الواحد، أي ما يقارب 11 سنتيم للتر الواحد، ومع ذلك فهي تبقى مرتفعة مقارنة مع بعض البلدان تبعا لتقرير لجنة الاستطلاع، حيث لا يتجاوز 11.4 دولار / طن أي 8 سنتيم للتر الواحد.

أما على مستوى النقل الداخلي، فلحد الآن لا زالت المحمدية تعتبر كمنطلق للتوزيع في احتساب كلفة النقل وفق القانون الجاري به العمل والذي لم يتم تحيينه، لأن سياقه كان مرتبطا بفترة اشتغال محطة لا سامير المزود الرئيسي لموزعين قبل تحرير القطاع، واليوم فإن أغلب الشركات تتوفر على محطات للتخزين موزعة بعدد من الموانئ المغربية، الميناء الدولي لطنجة، الجرف الأصفر، طانطان العيون الخ، وبالتالي فإن المسافة الكيلومترية للتوزيع تقلصت، بما يعني انخفاض كلفة النقل، وهو ما مكن شركات المحروقات من تحقيق أرباح إضافية غير مشروعة.

كما أن الاحتكار والتركيز هو الذي يفسر كون أسعار المحروقات ظلت على حالها بعد تحرير السوق على عكس التوقعات التي بشرت بها حكومة بنكيران، وهو ما خلص إليه المجلس في رأيه الأخير،الذي اعتبر المجلس أن تدبير المقايسة قد سبق تجريبه، بين دجنبر 2014، ودجنبر2015، ولم يفض إلى النتائج المرجوة، لأن المتدخلين يعتمدون عادة الأسعار القصوى المحددة، من دون بذل مجهودات لتخفيضها، حيث يتحول السعر الأقصى تلقائيا إلى سعر أدنى..

كثيرا ما تطالعنا بعض التفسيرات من كون ارتفاع سعر المحروقات يعود إلى علاقة الدرهم بالدولار، مع العلم أن العملة الوطنية تعرف استقرارا مقارنة بالجنيه بالمصري، ومع ذلك فإن مصر احتلت في تقارير سابقة المرتبة الخامسة ضمن البلدان العربية الأقل سعر بالنسبة للبنزين0.43، بخلاف المغرب الذي يعتبر من بين البلدان الأعلى سعرا للبنزين في العالم العربي والعالم، رغم اختلاف تحديد السعر بين مختلف البلدان حيث بلغ مستوى سعر البنزين في الشهر الماضي إلى 1:07 دولار مقارنة بالسودان فإن السعر لم يتجاوز 0:13 .

في نهاية المطاف هذه الضريبة هي ملقاة على كاهل المواطن حيثحصلت مصالح الجمارك والضرائب غير المباشرة، خلال سنة 2017، على مليار و182 مليون درهم (118 مليار سنتيم) من موارد الضريبة الداخلية على الاستهلاك المطبقة على المنتوجات الطاقية، وكانت الحكومة تراهن على تحصيل ما لا يقل عن 16 مليارا و 79 مليون درهم من الضريبة الداخلية على الاستهلاك المطبقة على هذه المنتوجات، خلال السنة الجارية.

وفي المجمل فالضرائب المشار إليها لا تخضع بدورها للتخفيض سواء ارتفع سعر المحروقات أو انخفض، وهو ما جعل العديد من الأصوات تطالب بإلغاء الضريبة على استهلاك المحروقات وعلى القيمة المضافة، فضلاعن تنظيم قطاع الاستيراد والتوزيع وعلى ضرورة “تأسيس الوكالة الوطنية للطاقة ومحاربة كل أشكال التركيز والاحتكار والحرص على توفير الطاقة النفطية بالجودة والمخزون والسعر المناسب” كما نص على ذلك البيان الأخيرللنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز.

وبما أن المحروقات تدخل في تركيبة مجموعة من المواد الأساسية، كما تدخل في تركيبة أسعار النقل، فإن آثارها جد سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما جعل النقابة المذكورة تحذر من “التداعيات السلبية للقوانين التحضيرية لتحرير سوق الغاز على المواطنين والعاملين بالقطاع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى