المجتمع

مكسب التقاعد يترنح أمام ضربات الفساد

عملا بالالتزام الدي دأبت عليه جريدة المسار والطريق ، في أعدادها السابقة  من خلال ارتباطها  بالطبقة العاملة تفتح الجريدة هذا الباب لكل الفعاليات النقابية والسياسية وكل والمتتبعين للعمل النقابي  وقد خصصت البداية لموضوع التقاعد ، لما له من أهمية لدى شريحة كبرى من العمال والأجراء بصفة عامة ولأجيال قادمة في سوق العمل، ولما تعرض له من هجوم شرس ومن نهب تاريخي،  خصوصا وأن هناك محاولات جديدة تلوح في الأفق بعد أن وافقت حكومة العثماني على تفويت الدراسة الثانية في شهر اكتوبر الاخير من سنة 2018  إلى مكتب للدراسات، تمهيدا لتجفيف  ما تبقى من مكتسبات.

 

يخضع الصندوق المغربي للتقاعد كمؤسسة عمومية، مستقلة إداريا وماليا، للوصاية الادارية والتقنية لوزارة الاقتصاد والمالية فهو يدير ويسير   أنظمة المعاشات التالية:

نظام المعاشات المدنية،نظام المعاشات العسكرية،نظام تقاعد اختياري تكميلي،بعضالإيرادات والمعاشات المحدثة قبل الاستقلال. ويعتمد بالأساس، على مبدأ التوزيع الادخاري، كمبدأ أساسي،وكشكل تضامني في ما بين المنخرطين النشيطين و المنخرطين المتقاعدين، بحيث تمول المعاشات من اقتطاعات المنخرطين ومن مساهمات المؤسسات المشَغِلة،أما الفائض المالي الدي يتم توفيره فهو يشكل رصيد احتياطي يُدار مباشرة من طرف الصندوق في السوق المالية بقرار من وزير المالية، وفق الإجراءات المتعلقة بتسيير الأرصدة الاحتياطية وتوزيعها على الاستخدامات المسموح بها.

ومن تم يظهر تأثيره وأهميته الكبرى في الحياة المهنية لدى الموظفين خصوصا ولدى الدولة كذلك، بالنظر لعدد منخرطيه والمستفيدين من المعاشات فيه، وبهذا يعتبر فاعلا أساسيا في المجال الاجتماعي، بالنظر لمساهمته الكبيرة في الاحتياطي الاجتماعي بالمغرب.

اختلالات الصندوق

إن الطبقة العاملة في وضع  كارثي لا تحسد عليه، اكتسحت فيه الباطرونا مساحة قوية، على حساب القوت اليومي وحتى الأمني للطبقة العاملة ، مرحلة امتدت على مدى عقدين من الزمن لازالت تلقي بظلالها  وتبعاتها على القوة الشرائية لكل المأجورين،  من خلال ما عرفته صناديق التقاعد من فساد وخصاص، كان نتيجة نهب مالي  وسوء التدبير لهذه الصناديق، وبالخصوص تخلّي الدولة عن تأدية مساهمتها التي تُشكل النصيب الرئيسي في  وعاء المنخرطين، بحيث ان هذا التجاوز اللاقانوني الذي اخل بالتزام الدولة إتجاه موظفيها،  إلى حدود الآن لم يتبعهُ أي إجراء احتراسي لكي لا تتكرر نفس المأساة التي تسببت فيها الدولة وليس المنخرطين، ويمكن الوقوف على اختلالات الصندوق المغربي للتقاعد، كما حددتها عدة دراسات ونبهت الى خطورتها عدة تقارير في :

1– ضعف نسبة التغطية، أي حوالي 67% من مجموع الساكنة النشيطة لا تستفيد من تغطية التقاعد

2– تراجع العامل الديمغرافي، نتيجة لتوقف وانحباس عملية تشغيل الشباب، وسُجل تراجع عدد المنخرطين في مقابل تزايد عدد المتقاعدين

3– المغادرة الطوعية، تحَمّل الصندوق أعباءها بحيث كانت الخسارة مزدوجة، فبدل أن تبقى هذه الأفواج من المغادرين، مستمرة في نشاطها الدائم وتساهم في تغذية هذه الصناديق، لجأت الحكومة إلى تسوية هده المبالغ من خزينة الدولة، تنفيذاً لإملاءات الدوائر المالية الخارجية.  

4 تملص الدولة من آداءما في ذمتها للصندوق، والذي يوازي نفس نسبة المنخرطين أو أكثر، الشيء الذي ترتب عنه عجز كبير في هذا الصندوق.

5-الاختلاسات المالية المكشوفة، التي تم نهْبها من صناديق التقاعد، ولم يتم استرجاعها، وطالها النسيان.

6-سوء التدبير والتسيير للاحتياطي الفائض من الإنخراطات، الشيء الدي اكده افتحاص المجلس الاعلى للحسابات،

الإجراءات الحكومية المتخذة:

كانت الإجراءات التي اتخذتها الدولة على حساب الموظفين لوحدهم، شملت في البداية الصندوق المغربي للتقاعد، نظراً لحجم الوعاء المالي الاحتياطي الهام الذي يمثله القطاع العام للموظفين، ونظرا كذلك لخطورة الوضع الدي قارب عتبة الإفلاس لهذا الصندوق. فمنذ سنة 2016 تم إتخاذ إجراءات مقياسية مست بشكل مباشر القدرة الشرائية للموظفين، والتي تم البدء في تنفيذها على شكل اقتطاعات على أربعة مراحل، كان اخرها اقتطاع يناير2019، يمكن اجمالها في أربع إجراءات اساسية:  

-الرفع من سن التقاعد من 60 سنة إلى 63 سنة، هذا الإجراء لوحده أعفى الدولة من آداء ثلاث سنوات للمتقاعدين من الصندوق، بالمقابل ستُضخٌ مبالغ اضافية من الاقتطاعات في هذا الصندوق.  

تقليص معامل التقاعد من 2.5 إلى 2 نقطة، في السابق كان الموظف يتقاضى اجراً كاملا عند تجاوز 40 سنة من العمل، أما الآن لن يتجاوزَ أبداً أجره كاملاً عند تقاعده في كل الأحوال، لأن احتساب المعاش يحتسب بناءاً على معدل 96 شهرا الاخيرة، بدلَ إحتسابِه بناءاً على الأجر الأخير، حتى لا يتم احتساب الترقية الأخيرة في آخر المشوار المهني.

– الرفع من الاقتطاعات الشهرية من 10% إلى 14 % على امتداد أربع سنوات، ستحقق من خلالها ادخاراً مهماً نظرا للوعاء الكبير الذي يشكله جيش الموظفين في القطاع العام.

– احتساب المعاش بناءاً على معدل 8 سنوات الأخيرة من العمر المهني للموظف، بدل احتسابه بناءاً على الأجر الأخير للسنة الاخيرة الذي يكون عادة مرتفعاً، ويحتسب على قاعدة أعلى وآخر اجر للترقية الأخيرة للموظف.

بالرغم من الإجراءات المقياسية التي أقرتها الحكومة من جانب واحد ، في غياب الفاعلين الاجتماعيين ، سيكون لها أثر إيجابي خفيف ولنْ يساهم إلاّ لفترة محدودة في ديمومة هذه الانظمة ، وسيحد فقط  من ارتفاع المديونية على مدى متوسط، لكن لو تحملت الدولة مسؤوليتها كاملة لما وصلت اليه أنظمة التقاعد إلى ما وصلت إليه،  ولن تجدي هذه الترقيعات التي تتخذ في شيء ما لمْ تتبعها إصلاحات جوهرية عميقة، لأن كل هذه الإجراءات ليست الا مرحلة انتقالية في أفق وضع قطبين عام وخاص، الشيء الذي أكدته الحكومة الحالية في حلتها الثانية بعد عقد صفقة ثانية في أواخر 2018 لبلورة منظومة تقاعد من قطبين (عام وخاص) إلى مكتب دراسة أجنبي ، بقيمة 7 ملايين درهم، لتكون بداية حلقة اخرى من مسلسل المزيد من تشديد الخناق على القدرة الشرائية للموظفين، والالتفاف على مكتسباتهم وما تبقى من حقوقهم.

لحظات انتقال سلبية حادة، ومفارق طرق شديدة، التي تعرفها الطبقة العاملة عموما، هي علامة على قساوة مراحل تشديد الخناق هذا، من مجال لآخرَ، اكتسحت فيها الطبقة الحاكمة، مساحات هجومية كبيرة على مكتسبات فئات اجتماعية واسعة، كانت فيها الطبقة العاملة المستهدف الرئيسي إلى جانب الطبقات المتوسطة.

 في تاريخ الشعوب المتقدمة، كان أروع ما خلدته الطبقة العاملة، عبر تضحياتها هو تحقيق مكتسبات مادية واجتماعية، هي بمثابة حقوق ضَمنَت للشغيلة، ضمنت بقاءها بتحول سياسي قدمت فيه تضحيات كبيرة وهذه المكتسبات تجسدت في التوظيف القار أو التشغيل بعقدة دائمة، وتعويضات عن المرض والسكن، والتنقل … إلى غير ذلك من المكاسب التي خاض العمال من أجلها نضالات ومعارك تاريخية من أجل انتزاعها من مخالب الرأسمال.  لكن هذه الرزمانة الحقوقية، المادية منها والمعنوية التي جسدتها قوانين الشغل الدولية أو الوطنية، نحن هنا لسنا بصدد تعدادها أو وضع مقارنة فيما بينها، لكن فقط يجب التشديد على أن الفاعلين النقابيين والمجتمعيين عليهم للحفاظ على الحقوق وتطويرها أن ينشدوا دائما دولة القانون ودولة الديمقراطية إلى جانب النضال من أجل الحقوق المادية والمطلبية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى