إدغار ألان بو في صورة مختلفة
المجلة الأدبية الجديدة – دجنبر 2018 ترجمة: عبد الكريم وشاشا
بعد الهيمنة المطلقة التي دامت150عاما للترجمة الشهيرة التي قام بها الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير Charles Baudelaireلقصص إدغار آلان بو Edgar Allan Poe
تظهر ترجمة جديدة وب”جلد” مختلف لنصوص الكاتب الأمريكي تكشف عن “خيانات” الشاعر الفرنسي الكبير
من مدة طويلة والتسويق الأدبي الفرنسي يقدم لنا الأمريكيإدغار آلان بو Edgar Allan Poe (19 يناير 1809 – 7 أكتوبر 1849)،على أنه كاتب ملعون بتعبيراته البليغة والغامضة الملغزة، غارق في الكحول والأفيون والاستيهامات المرعبة، كاتب جيد لقصص الرعب القاتمة المروعة.. هذه الصورة النمطية بكل تفاصيلها ورثناها من مترجمه الشاعر الفرنسي الكبيرشارل بودلير (9 أبريل 1821 – 31 غشت 1867)،ففي مقدمة “قصص غير عادية– Histoires extraordinaires” التي قام بترجمتها يرسم لنا بودلير الكاتب الأمريكي كما يراه، سوداوي كئيب، سريع التأثر، غير مندمج في هذا العالم الفظ، باختصار، رسمه وقدمه لنا على شاكلته هو وعلى صورته، ومنذ ذلك الحين أصبح إدغار آلان بوبالنسبة لنا معلما ومقياسا لكل الظلال السوداء في الأدب، ثم بشكل موسع للرعب.
فالقراء الذين سيطالعون الترجمة الجديدة والجيدة التي قاما بها كلا من الكاتبين والمترجمين الفرنسيين Christian Garcinو Thierry Gillybœufتنتظرهم مفاجأة غير متوقعة ومذهلة عن إدغار آلان بوآخر، مختلف أيما اختلاف عن ” الأسطورة البودليرية” التي هيمنت طويلا، فهذا الجزء الأول من الأعمال الكاملة يحتوي على القصص التي كتبها وأرسلها للجرائد الكاتب الأمريكي عندما كان عمره ما بين 22 سنة و30 سنة ، ومن ضمن هذه المجاميع تلك التي تعتبر من الكلاسيكيات التي انتقاها بودلير نجد مثلا القصة المثيرة (مخطوطة في زجاجة) بأجوائها البوليسية الغامضة ولكنها محتفظة بروح من الدعابة والمرح، وقصة (انهيار منزل أشر- la chute de la maison usher)، كما نجد أيضا قطع باروديا، محاكاة ساخرة ومضحكة تجاهلها الشاعر الكبير صاحب “أزهار الشر” مثل القصة المزدوجة (comment écrire un article façon Blackood) …
بعض النقاد للكاتب الأمريكي كتبوا أكثر من مرة على أن إدغار ألان بو هوأيضا شاعريمتلك ذائقة وموهبة في مزج نكهات مختلفة ومتباينة، كما أنه يؤلف قصصه بعناية فائقة ومنظمة، وأن كتاباته تمتلك فعلا عناصر خيالية قوطية، ولكنها أيضا باروديا، محاكاة ساخرة، كاريكاتورية تهكمية وهزلية، يستعملها خاصة كألوان جمالية، وبالنسبة لهؤلاء الباحثين في كتابات إدغار آلان بو وفي الأدب الأمريكي مثل (Henri Justin) يمثل الرعب بالنسبة للكاتب وسيلة وليس غاية (…)
ففي هذا الإصدار الجديد لقصص إدغار آلان بو، تم تصنيف القصص وتوزيعها على حسب الترتيب الزمني – الكرونولوجي وتعطينا بذلك الصورة الحقيقية لزمن الكتابةعلى عكس الترجمةالبودليريةالتي أخفت ذلك عنا.. وهنا نكتشف مرة أخرى كاتبا يمتلك أساليبا متعددة مركبة مغايرا للشبح المصاب بالهذيان الذي صنعه بودلير وقدمه لنا..
وهنا نطرح سؤالا : كيف نجرؤ على القيام بإعادة ترجمة إدغار آلان بو بعد بودلير ؟
وما هي الجوانب التي يجب اعتمادها في ذلك ؟
يجيب المترجمان، يجب الاعتماد على كل المعايير اللغوية / اللسانية، والأدبية، والثقافية والتاريخية التي تحدد ” الإحساس/ الشعور، الأثر / الفعل، والتفكير” للكاتب مع معاييرنا الخاصة نحن، وإعادة دمج الكل وتملكه في لغة متاحة للجميع يسهل الوصول إليها اليوم …
فإدغار آلان بو يتحدث إلينا اليوم من نافذة عصره، لكن بصوت ولغة نفهمها جميعا، وخاصة أنه يبدو ” كما هو فعلا” وليس كما يراه بودلير.