الدولية

السودان: جذوة الانتفاض من أجل الحرية

عماد القرمطي

إن‭ ‬الثورات‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬دماء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬ضد‭ ‬القهر‭ ‬والاستبداد،‭ ‬وليست‭ ‬وليدة‭ ‬اللحظة،‭ ‬والكل‭ ‬يتذكر‭ ‬ثورة‭ ‬أكتوبر‭ ‬1964‭ ‬والتي‭ ‬اختلط‭ ‬في‭ ‬تظاهراتها‭ ‬العمال‭ ‬والطلاب‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬تاريخية‭ ‬أسقطت‭ ‬الفريق‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبود،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الانتفاضات‭ ‬إقليميا‭. ‬ولقد‭ ‬سجل‭ ‬التاريخ‭ ‬السوداني‭ ‬أيضا‭ ‬انتفاضة‭ ‬أبريل‭ ‬1985‭ ‬والتي‭ ‬عجلت‭ ‬برحيل‭ ‬جعفر‭ ‬النميري،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬تفاقم‭ ‬غلاء‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬ودمار‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وكان‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬أيضا‭ ‬سباقا‭ ‬للنزول‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬للمطالبة‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬موجات‭ ‬الانتفاضات‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬2011،‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬انتفاضة‭ ‬شتنبر‭ ‬2013‭ ‬لمواجهة‭ ‬رفع‭ ‬الدعم‭ ‬عن‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والوقود‭. ‬

شعب‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬التضحيات،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستكين‭ ‬أمام‭ ‬تغول‭ ‬استبداد‭ ‬البطش‭ ‬الظلامي‭ ‬لنظام‭ ‬البشير‭ ‬وحاشيته،‭ ‬التي‭ ‬نهبت‭ ‬خيرات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬وأفقرت‭ ‬المواطنين‭ ‬ودمرت‭ ‬آلة‭ ‬إنتاجه‭ ‬ورمت‭ ‬بخيرة‭ ‬بنات‭ ‬وأبناء‭ ‬السودان‭ ‬خلف‭ ‬القضبان،‭ ‬لأزيد‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬الصمود‭ ‬الاسطوري‭ ‬للشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬إضرابات‭ ‬سياسة‭ ‬متتالية‭ ‬والعصيان‭ ‬المدني،‭ ‬والنزول‭ ‬للشارع‭ ‬المنظم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬كل‭ ‬الشرائح،‭ ‬من‭ ‬عمال‭ ‬ومزارعين‭ ‬وطلبة‭ ‬وتنظيمات‭ ‬سياسية‭ ‬ونسائية‭ ‬شبابية‭ ‬وطلابية‭ ‬ومهنية،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استحضار‭ ‬وتقدير‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السوداني‭ ‬كقوة‭ ‬يسارية‭ ‬فاعلة‭ ‬ومنظمة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬رغم‭ ‬الحملة‭ ‬المسعورة‭ ‬للنظام‭ ‬الدموي‭ ‬لعمر‭ ‬البشير‭ ‬الذي‭ ‬حاصر‭ ‬واقتحم‭ ‬مقرات‭ ‬الحزب،‭ ‬واعتقل‭ ‬أبرز‭ ‬قياداته،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬محمد‭ ‬مختار‭ ‬الخطيب،‭ ‬وكوادر‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية،‭ ‬وخيرة‭ ‬الأطر‭ ‬النسائية‭ ‬والشبابية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬ظلت‭ ‬آلته‭ ‬التنظيمية‭ ‬فعالة‭ ‬لحدود‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬استدامة‭ ‬جذوة‭ ‬الانتفاضة‭ ‬لإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬العمالة‭ ‬الحاكم،‭ ‬والذي‭ ‬سارعت‭ ‬مشايخ‭ ‬الخليج‭ ‬لإسناده،‭ ‬مخافة‭ ‬هبوب‭ ‬رياح‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بالسودان‭.‬

إن‭ ‬دخول‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬للزاوية‭ ‬مع‭ ‬توالي‭ ‬احتجاجات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬دفع‭ ‬زمرة‭ ‬الحُكم‭ ‬لإعلان‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬وحل‭ ‬الحكومة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬وإقالة‭ ‬حكام‭ ‬الولايات‭ ‬وتعويضهم‭ ‬بمليشياته‭ ‬العسكرية،‭ ‬دليل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬إفلاس‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬المتأسلم،‭ ‬مع‭ ‬تكتل‭ ‬القوى‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬لجان‭ ‬للمقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬وبالتنظيمات‭ ‬العمالية‭ ‬والمهنية‭ ‬من‭ ‬محامين‭ ‬ومهندسين‭ ‬وأطباء‭ ‬وإعلاميين،‭ ‬وكذا‭ ‬الإطارات‭ ‬الشبابية‭ ‬والنسائية‭ ‬والتي‭ ‬تقدمت‭ ‬التظاهرات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المدن‭ ‬السودانية،‭ ‬وكانت‭ ‬المطالب‭ ‬واضحة‭ ‬بإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار‭ ‬وانهيار‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للسودانيين،‭ ‬وانهيار‭ ‬بنية‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ورهن‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منها‭ ‬للخارج،‭ ‬وهو‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬سجل‭ ‬أكبر‭ ‬حملات‭ ‬قمع‭ ‬الحريات‭ ‬وانحصار‭ ‬الديمقراطية‭.‬‭  ‬إن‭ ‬الوضع‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تصعيد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربوع‭ ‬السودان‭ ‬الأبي،‭ ‬وليس‭ ‬أمام‭ ‬الحُكم‭ ‬الاستبدادي‭ ‬إلا‭ ‬مغادرة‭ ‬قصر‭ ‬الخرطوم‭ ‬لتهب‭ ‬رياح‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بالبلاد‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى