غير مصنف

الـى روح أحمــد بنجلــــون..

صامدون للحياة / الخلود

أحيانا يسير الانسان نحو الكتابة مجبرا، تماما كم في الولادة، يأتي الكائن الى هذا الكون من حيث لا يدري، يبحث عن وتر حقيقي ليعزف عليه أحاسيسه اتجاه الأفراد والطبيعة والمجتمع، وسرعان ما يتأبط خطوات بداخلها البدايات والممرات والأشخاص والحكايات والأفكار … ثم يرحل في دروب الأشياء وشذرات السؤال تلازمه، ما معنى الرحيل؟

هل الرحيل هو الانتقال من جغرافية الى أخرى، من بلد لآخر؟  هل الرحيل هو أن تترك عالمك الضيق وترحل الى عالم الناس، أن تغادر ذاتك وتصبح ملكا لذات أو ذوات أخرى؟ …. الرحيل هو عنوان كل البدايات والنهايات، يكون في أغلب الحالات اضطراريا حين يجد المرء نفسه يشق الأرض باحثا عن جرعة ماء في صحراء لا مياه فيها، أو حين يكون صبرك وعنادك السيزيفي لا يتحملان قساوة الرحيل فتكون مجبرا عن التوقف مرات متعددة كي تراجع حساباتك في ما تبقى من المسار … أحيانا تكون العاصفة عاتية وينبغي فعل كل شيء لتفادي الفجيعة، لأن الانهزام في منتصف الطريق سقوط مأساوي ونهاية مؤجلة.

هل الرحيل هو عندما يغادر عالمنا شيخ ضرير تعب فيه كل شيء وسقط ككل الفقراء البؤساء الذين يدفنون بدون ضجيج  ثم يواصل الناس بعده ابحارهم في المتاعب اليومية  ، يبكون في صمت ، ويستسلمون لصلابة التمزق والانهيار والنسيان وخداع القبيلة  ، آخرون يرحلون ونعجز عن  مقاومة غيابهم  ، والكلمات هي أيضا لا تستطيع أن تزيل الرماد عن ركام الأسئلة المشتعلة في أذهاننا حول شهامتهم وكبريائهم وأفكارهم … ورحيلهم المستعصي على الزمن ، لأنك تدرك بعد رحيلهم ما معنى الخلاء وما معنى العراء ، يرحل الأصدقاء والأحبة والمناضلون … وبين هذا وذاك تكمن التفاصيل ،

وفي كل تفاصيل هذا الرحيل سواء لدى رجال الدين و الفلاسفة  أو الشعراء والموسيقيين  أو غيرهم يبحث الانسان عن يابسة يعيد فيها كتابة الأحلام القديمة  و تموجات الماضي بجراح الحاضر ودلالات المستقبل الواعد و المخيف في آن واحد ، يحمل كل واحد منا زادا ومتاعا ليحتمي به في تضاريس الرحيل وآخرون يحملون الارادة والمعرفة والإيمان بمواصلة الرحيل .

لماذا الرحيل؟ هل لأنه الوسيلة الوحيدة لكي تستمر الأشياء ويكون للتفكير جدوى؟  لكي نجعل من طموحاتنا مسافات لا متناهية من السراب وننطلق باحثين عن المعنى في كل شيء وعن الحقيقة في كل أمر؟  لكي يستمر حديث الناس عن الناس، ويعترف الانسان بالآخر؟

الرحيل، هو أن تسير  وحدك صوب كل الاحتمالات وأن لا تصدق من الأشياء إلا ما يحمل تقاسيم الصدق ،  تواصل السير متى تشاء ، لكي تشعر بالسيادة على نفسك وتتحمل وحدك  أعباء رحلتك …

الرحيل هو أن تصمد حتى النفس الأخير أمام كل ما يصادفك من قهر وابتزاز، تصمد حتى آخر درجات الصمود متمسكا بأقدس مبادئ الاستمرار في الطريق أن تظل وقفا، وأن لا تستسلم الى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى