عين على الساحة: الإصلاح الديني وتلفيف التطرف
توالت عمليات اكتشاف عدد من الخلايا الإرهابية في مختلف مناطق المغرب، ويكاد لا يمر شهر واحد، حتى نسمع عن تفكيك مجموعة تشكلت، وأخرى خططت وامتلكت أسلحة، وأخرى على أهبة التنفيذ، بالإضافة إلى ملاحقة واعتقال من تمكن بغدرمن أن يضرب هدفا آمنا.
صحيح أن الأجهزة الأمنية المغربية تملك خبرة ، ومتمكنة من استراتيجية المواجهة، وحتى في تكتيكاتها، بالقياس إلى أساليب المواجهة في مصر، وحتى في تونس التي يظهر أنها تأخذ بالأسلوب الوسط بين مصر والمغرب ؛ إن أسلوب مصر المعتمد على إنزال السلاح الثقيل بما فيه حتى الدبابات والمجنزرات، وفرض الحراسة على المقرات الهامة، أسلوب عقيم لا يدل في عمقه إلا على الخوف؛ إن مواجهة الإرهاب تختلف جوهريا عن مواجهة عدو نظامي ، كثيرا ما يلاحظ المرء جنديا يتأبط سلاحه وأصبعه على الزناد وعينيه تنظران إلى الفراغ، إلى عدو غير مرئي ، إن تلك الدبابات وأولئك الجنود، لقمة سائغة للإرهاب، يظل أصحابه يحومون حول الهدف وهم مطمئنون حتى يكتشفوا نقاط ضعف ثم تأني الضربة المباغتة .
لكن ولو أن الأسلوب المغربي أسلوب له فعالية في المتابعة والمراقبة وجمع المعلومات والاعتقال، فإن ذلك لا يعفي من طرح عدة أسئلة، لأن الاستراتيجية العامة التي كان قد تم تبنيها منذ 2003، والتي قامت على عدة محاور أمنية وقانونية ودينية ومدرسية واقتصادية/ اجتماعية فشلت فشلا ذريعا في أغلبها ، وتركت المحور الأمني يكاد يكون وحيدا في المواجهة ؛ إن ما يهمنا هنا أكثر من غيره في مواجهة الإرهاب هو المحور الديني والمحور القانوني، إن الفقر ليس من المحاور التي تشكل سببا جوهريا، وإلا لكان حتى الأشخاص الذين يتبنون إيديولوجية يسارية واشتراكية يلجأون إلى أسلوب الإرهاب ضد المجتمع، القتل والتفجير لإرهاب الناس الآمنين، ولقالوا هم أيضا نحن الجماعة الناجية من المجتمع، والباقي يجب أن يموت؛ ولو كان الفقر حاسما لكان هناك من ضمن المعتقلين الإرهابيين من يحمل الفكر اليساري أو حتى الفكر اللبيرالي في حين لا نجد أمام أنظارنا إلا من يعد بالجنة ، ويكفر الآخر ويصفه بأوصاف تغرف في تفسير ديني متدثر بالكراهية والتعصب .
في المحور الديني من تلك الاستراتيجية، نجد أن المغرب عاش 20 سنة مما سمي بالإصلاح الديني، ويمكن لنا أن نقول أننا أمام فشل واضح، لا يمكن أن تغطي عليه تصريحات هنا وهناك، على أن الإصلاح الديني أصبح نموذجا يحتذى دوليا، وأنه وسطي ومعتدل ، النتائج أمامنا، والكثير لا يريد أن يعترف بها ، المواجهة أمنية حاضرة لكن المواجهة الدينية غائبة، وإذا تتبعنا الخطاب الديني في القنوات وفي المساجد لوجدنا أن التطرف فيه، ما يزال كما كان لم يتغير ويعمل كل ما في وسعه لتجنب القضايا الدينية التي يرتكز عليها الإرهاب، بل يتماشى معها في جوانب كثيرة مثل قضايا المرأة وقضايا التدين واللباس والتنميط ، وإذا تجاوزنا القائمين على الشؤون الدينية في المساجد وفي المجالس العلمية وفي الوزارة، الذين لا يعملون إلا على تلفيف وتغليف التطرف لتقديمه في حلة أخرى بعد أن كان قبل 2003 يقدم للمجتمع بارودا خاما يباع بالكيلو ، فإننا نجد أن كثيرا من الجماعات الإسلامية أو الجماعة / الحزب، أو حتى الحزب الذي يعتمد التفسير الديني أساس عمله ونشاطه، ما تزال تشتغل بنفس الأساليب التي كانت تشتغل بها قبل 20 سنة ، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على طريقة تنظيم المرأة والشباب داخل هذه المجموعة، حتى نخلص إلى هذه النتيجة ، إن النساء والشباب باعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب يعتبرون خزانا كبيرا للتمرد، ولأن هذا التمرد يمكن أن يتجاوز مواجهة الأوضاع إلى مواجهة الأبوية والتعسف التنظيمين، لذا تجد أن المرأة داخل المجموعة تسيج بكثير من أساليب التنميط واللاءات والحواجز، لا يستطيع أن يتجاوزها حتى أسرع العدائين العالميين، لا نستغرب إذن أن يصل الأمر إذا ما حاولت امرأة ما أن تتنفس الهواء إلى التجريح والتشويه والجلد، وقد حصل كل هذا في السنين الأخيرة وكم من امرأة فضلت الاختباء والتواري. أما الشباب ولكي يبقى بعيدا عن استعمال العقل وبناء شخصية مستقلة متوازنة عن التنميط السياسي والفكري، تجد أن تمرده قد استغل في الدفع به إلى استعمال العضلات أو استعمال العنف اللفظي ضد الآخر، وتنظيمه وتعبئته نحو ما يمكن أن نسميه ب «الجهاد السياسي « ومعلوم أن هذا التنميط في الحالتين ( المرأة والشباب) يتعارض حتى مع قانون الأحزاب ومع المبادئ التي تؤطر تنظيم المواطنين والمواطنات وأحراك مع ما تقتضيه فلسفة التنظيم الحزبي والجمعوي من مبادئ سامية لخدمة المجتمع .
وبدون مبالغة فإن الإصلاح الديني يحتاج إلى إعادة نظر شاملة لا تهتم فقط بالساهرين على الشأن الديني الرسميين وبإشراف الدولة، بل أيضا بمن جعل الدين وسيلة للعمل السياسي والتعليمي والثقافي وأحيانا كثيرة للعمل الاقتصادي والتكسب.
في المحور القانوني ، صحيح أن القوانين المخصصة لمواجهة الإجرام والإرهاب كثيرة، لكن ليس هذا هو ما يخلق لدينا الهاجس الكبير بعد متابعتنا المستمرة للموضوع ، إن الهاجس الكبير يتعلق باحترام القانون في الاعتقال وبضمان المحاكمة العادلة، والحال أننا عشنا أمثلة حدثت فيها تجاوزات في التعامل مع الاعتقال، لأسباب تتعلق بالاحتجاج السلمي، وعشنا محاكمات لم يحضر فيها القاضي المجتمعي، بل فقط القاضي الرسمي الزاجر، فإذا كان المعتقل المحتج يجد نفسه غير محمي قانونيا، فكيف سيكون عليه الأمر إذا كان الأمر يتعلق بإرهابي، أو مشرع إرهابي، أو مغتر به، أو مواطن بريء حشر حشرا وبُلغ عنه لأسباب كيدية ؟
إن الضامن للناس والحاسم في ذلك، ليكون القانون واحدا لكل الناس على اختلافاتهم المتعددة، فقيرا أو غنيا، مجرما أو بريئا، ظالما أو مظلوما ، مسلحا أو مسالما، إرهابيا أو متطرفا بالخطاب… هو أن نتوفر على مؤسسات ديمقراطية تشتغل باستقلالية وهي أيضا مراقبة بمؤسسة تشريعية حقيقية غير مغشوشة وأن نتوفر على صحافة مشرفة لا تخاف من قول الحقيقة والدفاع عنها. لذا عندما عندما نطالب بالديمقراطية الحقيقية لا ننطلق في مطلبنا من حاجة مجردة ، فوقية ، بل لأنها تنظم كل قواعد النظام السياسي وترفعه إلى درجة عالية من العلاقات المجتمعية تجد فيه الجماعة والفرد كافة الضمانات للحقوق والواجبات حتى يستطيع المجتمع ان يتطور ويتقدم .