فريد بوجيدة حوار مع جريدة الطريق
فريد بوجيدة أستاذ السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة ، ناقد سينمائي وباحث في مجال سوسيولوجيا الصورة ، و فاعل جمعوي له عدة إصدارات من بينها ، الثقافة والسياسة : المسار الفكري للفعل الثقافي ، الثقافة الشعبية والسينما المغربية ، الصورة والمجتمع من المحاكاة إلى السينما .. له مساهمات كثيرة في المجال السينمائي سواء كباحث أو مؤطر ورشات ، أو عضو في لجن التحكيم …
س1 :لا شك أن المتأمل في المشهد السينمائي المغربي سيلاحظ تراكما مهما على صعيد وفرة الإنتاج السينمائي. هل من الممكن القول إن هذا التراكم و الوفرة مؤشران على تصالح الجمهور المغربي مع السينما؟
بالفعل هناك وفرة بالمقارنة مع السنوات السابقة إذا حسبناها بعدد الأفلام ، أما التراكم فيقاس بشكل آخر ، أي بخصوصية التجربة وأثرها الملموس على المستوى الفني والثقافي ، فلم يكن المنطق الكمي هو المعيار الأساسي للحكم على مسار السينما المغربية ، وفي هذا الصدد لايمكن أن نقول إن هناك تصالحا بين الجمهور المغربي وسينماه إلا في حدود معينة لأن التجربة بينت أننا في البداية فقط ، ويبقى الحكم في مدى نجاحها أو فشلها بعد أن يكون لنا سينما وطنية ، أي راسخة في المجتمع .كما أن الوفرة التي تتحدث عنها لايمكن أن تحجب مفارقة عجيبة ؛ من جهة نلاحظ “وفرة” على مستوى الإنتاج والمهرجانات ، ومن جهة أخرى ، تراجع دور الأندية السينمائية ، و التدمير التدريجي للقاعات السينمائية ، وغياب الدرس السينمائي بالجامعات ، بمعنى أن التطور الكمي لم يتمكن من إيجاد بدائل ملموسة حتى يكون التصالح حقيقيا.
س2 : أية قراءة ممكنة للإنتاج السينمائي على صعيد التيمات و المعنى؟ وهل تمكن من الإمساك سينمائيا بالتحولات القيمية و السوسيوثقافية للمجتمع المغربي و دينامياته الاحتجاجية في بعديها الفردي و الجماعي؟
لا شك أنّ الإنتاج السينمائي قدّم لنا على المستوى السوسيو ثقافي ما لم تقدمه لنا الوسائط الأخرى. لقد ارتبطت الأفلام الأولى التي صورت في المغرب بما يسمى بالسينما الكولونيالية. و لعبت الأشرطة المصورة في هذه الحقبة دورا كبيرا في التعريف بالمغرب وأحوال ساكنته، وشكلت وثيقة ضرورية لتأكيد بعض الأحكام الخاصة بحضور الاستعمار في هذه الفترة، حضور خلخل البنيات التقليدية، وجعل الواقع المغربي يدخل تاريخا جديدا باستقباله قيما وأفكارا وتقاليد جديدة.
شكّلت بعض المغامرات الفردية في الستينات منحى جديدا تجلى في البحث عن أدوات تعبير جديدة حاولت أن تتجاوز المنحى الأثنوغرافي الاستعماري، والمنحى التعليمي الوطني لتستفيد من إمكانيات الصورة وما تختزنه من عمق، خاصة مع النجاح الذي حققته السينما في العالم. أما في سبعينات القرن الماضي فقد عاش المغرب تحولات مهمة على صعيد المجتمع والسياسة، ومن بين اختيارات المستقبل، سيختار المغرب الرسمي طريقا سيجعله رهينة للتبعية الاقتصادية، وستظهر حركات احتجاجية ومعارضة قوية تتفاوت في وتيرتها بين الاعتدال والراديكالية، أما الصورة السينمائية فسترسم ثورتها في أفق آخر؛ في إنتاج أفلام مؤسسة لتوجه واقعي جاد في مضمونه ومجدّد في أدوات تعبيره خاصة في الثمانيات، و شكّل الانفتاح الذي عرفه المغرب في التسعينات انعطافة حقيقية في تعامل الصورة مع الواقع المغربي، وتحولا مهما في الثقافة الفنية. لقد عكست السينما بوضوح تلك الانعطافة، وذلك التحول مما جعل موضوعات مقبورة تعود إلى السّطح لتأخذ مكانها داخل إطار الصورة وتعبر عن تحولات حقيقية على صعيد المجتمع والثقافة.
س3 :حاولت الدولة أن تتصالح مع المجتمع على الصعيد الحقوقي من خلال تجربة الإنصاف و المصالحة مما نتج عنه أرشيف مهم من حيث المعاناة الفردية و الجماعية و المجالية المرتبطة بسنوات الجمر و الرصاص. في اعتقادكم هل تمت قراءة هذه الصفحة قراءة سينمائية عميقة ؟
ارتبطت السينما بشكل كبير بالانفتاح الذي عرفه المغرب، والذي جعل المجال الفني عموما يعرف متنفسا للابداع خصوصا في مجال السينما الذي عرف اهتماما بشكل واضح بقضايا كانت إلى عهد قريب تعدّ “طابوهات” كسنوات الرصاص ، أو التعبير عن بعض القضايا الحرجة والمخجلة في بنيتنا الاجتماعية.. لقد تم كسر حاجز الخوف وارتسمت في الأفق معالم مجتمع جديد تكسر الخوف بداخله، وخرج إلى العلن كل ما كان خفيا . وفي هذا الإطار اهتمت السينما المغربية بتجربة الاعتقال السياسي و تعرضت عدة أفلام بالإشارة الواضحة إلى أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب خلال ما يسمى بسنوات الرصاص ، و حاولت أن تقربنا من معاناة الضحايا وذويهم خلال ما يسمّى بسنوات الرصاص، غير أن تقييما نقديا لهذه التجربة قد تعرضت لها في مقالات سابقة حول أعطاب السينما المغربية ، وفيها أكدت على الطابع المتسرع لهذه الأفلام ، وإذا استثنينا فيلما أو فيلمين ،فأغلب المخرجين ركبوا الموجة لأسباب تسويقية . أرى أن تجربة الاعتقال السياسي في حاجة إلى رؤية أعمق بالإرتكاز إلى كتابة جيدة وأنفاس متعددة ، وبالاخص فهم المرحلة بشكل واف …
س4:أمام النزيف الذي تعرفه دور السينما من خلال تقلص القاعات السينمائية وكذلك مشكلتي الإنتاج والتسويق، في نظركم وانطلاقا من دوركم الحيوي في الحقل السينمائي الوطني والمحلي من موقع الباحث والناقد والفاعل الجمعوي السينمائي، أية روافع ممكنة قادرة على أن تجعل من السينما المغربية تحلق بعيدا؟
أبدأ بما أسميه أعطاب السينما المغربية ، لا بد من تجاوز هذه الأعطاب إذا أردنا أن نتقدم إلى الأمام ، أول هذه الأعطاب هو كيفية امتلاك رؤية وطنية للقطاع السينمائي ،رؤية ترتبط بالثقافة عموما ودورها ووظيفتها ، وقبل التفكير في أفق بعيد علينا أن نقنع أنفسنا بما ننتج ولمن ننتج ، هناك إصلاحات لا بد منها لكي ترافق كل المبادرات التي تقوم بها الدولة خاصة وضع قوانين للقضاء على المحسوبية والزبونية وكل أشكال التسيب ، وزجر كل شكل من أشكال انتحال الصفة ، والتلاعب بالمشاريع المقترحة للدعم ، وكذا عملية المتابعة والمحاسبة ….أكيد هناك أموال تصرف في هذا المجال ، لكن يجب أن نعرف أن السينما يجب أن تتجاوز ماهو عابر لتترسخ كخطاب حداثي يحمل أسس التنوير في بعده الفني الجمالي ، ولهذا يجب أن يكون لدينا إدراك واضح للمفارقات الموجودة في الواقع …
أرى أن التحليق الحقيقي هو كيفية إيجاد البدائل الممكنة لاحتضان هذه السينما والتي تبدأ من اعتبار السينما أولا فن وثقافة لأننا لا يمكن أن ننافس الدول التي لها صناعة سينمائية ، ، ثانيا الاهتمام بالتكوين السينمائي وهذا يعني تشجيع الحرف السينمائية ، ثالثا التحديد الواضح لمعنى جمهور السينما ، والفصل بين السينما واللاسينما ، ولكي نحلق يجب أن تكون لدينا كذلك حرية الإبداع.