طنجة: بعد أن حاصروا المواطن، ها هم يجهزون على الوطن…

◆ جمال العسري

تعيش‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬طنجة‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬المسمى‭ ‬ارتكبت‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدينة‭ ‬وساكنتها‭ ‬وميزانيتها‭ ‬جرائم‭ ‬كبرى‭. ‬ولعل‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬جريمة‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬مناطق‭ ‬المدينة‭ ‬وأهم‭ ‬وأقدم‭ ‬حدائق‭ ‬المدينة‭: ‬حديقة‭ ‬المندوبية‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهي‭ ‬الحديقة‭ ‬ذات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرموز‭ ‬والدلالات،‭ ‬فهي‭ ‬ذات‭ ‬رمزية‭ ‬تاريخية‭ ‬باحتضانها‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المقابر‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية‭ ‬وخاصة‭ ‬المقبرة‭ ‬الألمانية،‭ ‬وسميت‭ ‬كذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تجميع‭ ‬رفاة‭ ‬المواطنين‭ ‬الألمان‭ ‬وتم‭ ‬إعادة‭ ‬دفنهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة،‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬رمزية‭ ‬تاريخية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لما‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬أرضها،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬لما‭ ‬يزخر‭ ‬به‭ ‬باطنها‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬مادية‭ ‬لموقع‭ ‬طنجة‭ ‬القديمة‭. ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬رمزيتها‭ ‬البيئية‭ ‬فتعتبر‭ ‬حديقة‭ ‬المندوبية‭ ‬الثقافية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬موقعها‭ ‬بقلب‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬بمثابة‭ ‬رئة‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وهي‭ ‬المتنفس‭ ‬الطبيعي‭ ‬لأبناء‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬وأحيائها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬منتزها‭ ‬طبيعيا‭ ‬يتميز‭ ‬بخاصية‭ ‬فريدة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أشجار‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬بعراقتها‭ ‬وفرادتها‭.‬

ولأن‭ ‬طنجة‭ ‬ابتليت‭ ‬بمسؤولين‭ ‬آخر‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬تاريخ‭ ‬الوطن‭ ‬ومستقبل‭ ‬الوطن‭ ‬وبيئته،‭ ‬وأولى‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬الخنوع‭ ‬والرضوخ‭ ‬لسلطة‭ ‬المال،‭ ‬فقد‭ ‬أبوا‭ ‬إلا‭ ‬يسلموا‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬التاريخية‭ ‬لإحدى‭ ‬الشركات‭ ‬ذات‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬لبناء‭ ‬مرأب‭ ‬للسيارات‭. ‬وأمام‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬اللامسؤول‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬المدينة،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬شباب‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬من‭ ‬بد‭ ‬لتأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬النضالية،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬تنظيم‭ ‬حملة‭ ‬تنظيف‭ ‬للحديقة،‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬10‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬مشاركة‭ ‬فعالة‭ ‬وحضور‭ ‬وازنا‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الهيآت‭ ‬السياسية‭ ‬والجمعوية‭ ‬والشبيبية،‭ ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬بتوقيع‭ ‬عريضة‭ ‬مفتوحة‭ ‬موجهة‭ ‬لمجلس‭ ‬المدينة‭ ‬تدعوه‭ ‬لمراجعة‭ ‬قرارته‭ ‬بخصوص‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬والاهتمام‭ ‬بها‭ ‬ورفعها‭ ‬لمصاف‭ ‬المناطق‭ ‬التاريخية‭ ‬والأثرية‭. ‬

ولم‭ ‬تمر‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الشبابية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬أثرا‭ ‬لها،‭ ‬حيث‭ ‬سارعت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الهيآت‭ ‬السياسية‭ ‬بإصدار‭ ‬بيانات‭ ‬مدافعة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬بيانا‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬محملة‭ ‬فيه‭ ‬مجلس‭ ‬المدينة‭ ‬مسؤولية‭ ‬أي‭ ‬تفويت‭ ‬للحديقة‭. ‬

وقد‭ ‬قابل‭ ‬مجلس‭ ‬المدينة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والانتقادات‭ ‬بسياسة‭ ‬الصمت‭ ‬وسد‭ ‬الأبواب،‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فشأن‭ ‬المدينة‭ ‬وتاريخها‭ ‬وماضيها‭ ‬وبيئتها‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬اهتمام‭ ‬المسؤولين‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬التعبئة‭ ‬لمواجهة‭ ‬منطق‭ ‬اللامبالاة‭ ‬واللامسؤولية،‭ ‬ولذاك‭ ‬فمن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬تطورات‭ ‬وأن‭ ‬تتصاعد‭ ‬مستقبلا‭ ‬وثيرة‭ ‬الترافع‭ ‬والاحتجاج‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المعلمة‭ ‬الرمزية‭ ‬في‭ ‬فلب‭ ‬المدينة‭.. ‬فهل‭ ‬يستشعر‭ ‬مسؤولو‭ ‬المدينة‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬مقدمون‭ ‬عليه؟‭.. ‬وهل‭ ‬يدركون‭ ‬أنهم‭ ‬بتفويتهم‭ ‬للتاريخ‭ ‬والماضي‭ ‬إنما‭ ‬يدمرون‭ ‬المستقبل‭ ‬والأمل؟‭…‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى