عين على الساحة: العقـدة والعڭْدة
لو كان من يخوض في صنع القرارات في المغرب، يتصف بقدر من الحكمة، لما صنع العقدة أصلا. ولو كان من يخوض في صنع القرارات في الجزائر يتصف بقدر من الحكمة، لما صنع العهدة أصلا.العقدة في المغرب لُبكت خيوطها من البداية لتصبح عڰـدة يصعب حلها، لأن الهدف منها كان هو هضم الحقوق. والعهدة تضافرت خيوطها وصنعت منها عڰـدة، لأن الهدف منها تسيير بلد في القرن الواحد والعشرين بدكتاتورية فات زمانها.
عڰـدة المغرب كان يمكن علاجها بالتراجع الفوري عن أسبابها ودوافعها خصوصا أنها ليست إلا مطلبية ذات بعد اجتماعي، نادت شريحة متضررة بأن أثرها على أعناقها يخنق أنفاسها، لكن للأسف ولا من تنادي. وعڰـدة الجزائر صعبة الحل، لأنها ذات مطالب سياسية كبرى، نادى الشعب في أغلبه بأن أثرها يخنق أنفاسه من زمان وحان وقت الحساب، ومع ذلك حاول من صنعها أن يتراجع قليلا ويمتص الغضب، ولو أنه لم يفلح فقد حاول وقدم وعودا وعزل وأقال ورمى التهم على الآخر.
كانت فدرالية اليسار الديمقراطي قد انتقدت العقدة من البداية، ونبهت إلى خطورتها وأشارت إلى أنها ترمي إلى المس ليس فقط بحقوق المتعاقدين والمتعاقدات، بل أنها أتت بمفهوم للعمل أصبح من الماضي من زمان، يتعدى شروط العمل في الرأسمالية الليبرالية إلى شكل آخر يأخذ من شروط أكثر وحشية. لقد تعرضت نبيلة منيب منسقة الفدرالية لوابل من النقد بلباس من السخرية والصراخ والعويل، يدور في مجمله حول سؤال واحد: من أين ستأتي الدولة بالتحملات المالية لعشرات الآلاف إذا ما تم إدماج المتعاقدين والمتعاقدات الذي طالبت به باسم الفدرالية وباسم حزبها؟
لو رجع أصحاب الصراخ والعويل إلى منسقة الفدرالية لقدمت لهم الجواب، ولشكرتهم على قيامهم بدورهم الصحفي والفكري، أو على الأقل لو رجعوا إلى برنامج الفدرالية، أو أضعف الإيمان إلى برامج الأحزاب المشكلة للفدرالية لوقفوا على أن الفدرالية، لا تبني قراراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية على حجم الميزانية السنوية، هل هو ضخم أو هزيل، ولا من التصريح الحكومي، سواء الحالي أو السابق. لكن بدل ذلك، نجد أن الذين يدافعون في الساحة عن العقدة يقومون بمحاولة تحويل أنظار الرأي العام إلى الفدرالية، وهذا دأب هؤلاء الناس كلما وجد المسؤولون أنفسهم في ورطة سياسية أو اجتماعية.
الفدرالية يا سادة، غير مسؤولة عن إفراغ صناديق الدولة، ولم تحدث فيها ثقوبا، وغير مسؤولة عن تخريب مؤسسات الدولة، وبيعها في المزاد العلني، وغير مسؤولة عن تحريم الثروة البحرية والمعدنية على صناديق الدولة، وغير مسؤولة على تقديم الأراضي المسقية الأكثر مردودية للأحبة والخدام، وغير مسؤولة على السياسة الضريبية التي تضغط على الطبقات الشعبية، وتعفي من تشاء، وتغض الطرف عمن تشاء، وليست مسؤولة عن الاختلاسات والنهب وعن التبذير والهدر، ولا عن القانون الحنون على الجرائم الاقتصادية بالقياس إلى العصا التي تنتظر في أغلب الأحيان الاحتجاج المُطالب بالكف عن النهب وبالحد من الفساد، ولا عن حجم الديون وعن الفوائد المترتبة عنها.
الميزانية في حدودها الحالية، والتي ينطلق منها كل من له ضلع، مباشرة أو بشكل عير مباشر، في إيصالها إلى الحالة البئيسة التي هي عليها،هي نتيجة لعقود طويلة من النزيف، يريد البعض الآن أن يوهمنا أن المغرب فقير جدا لا يعيش إلا بالمديونية والمساعدات، وأن الدولة لا شيء لديها إلا هذه الكسرة الصغيرة من الخبز، بئس الرأي وبئس التصور !!.
أين الثروة ؟ ضرورة التفكير في نموذج تنموي. نقطتان أساسيتان جاءتا في مناسبتين مختلفتين حتى في خطاب رئيس الدولة، لأن الاقتناع، بعد عقود من الزمن وبعد أن بحت حناجر اليسار، بأن الحاجات المجتمعية أكبر بكثير من الفضلات التي يتركها الحلابون وراءهم يتسع وسط المجتمع، لكن مع ذلك تظهر أصوات بين الحين والآخر من داخل الحكومة التي تسيْر الشأن العام لتصنع «عڰـدات» معقدة ولتصرح أن العقدة عند الحكومة استراتيجية، في محاولات لإثبات أن النموذج ما يزال صالحا، إذا ما تم الضغط على الطرف الأضعف في العمل: العمال والموظفين والمستخدمين والمهن الحرة والفلاحين الصغار، وتظهر أصوات أخرى بين والحين والآخر تطبل وتبحث عمن تحجب به عورات القرارات.
ما يجعل أبناء الطبقات العليا في المجتمع، يمتصون ويمتصون ولا يتعبون، ولا يخجلون حتى هو أنهم إلى جانب الجشع الذي يلازمهم، درسوا في مدارس عليا في أمريكا وفرنسا.. في زمن فقدت فيه الرأسمالية بنيتها الفكرية القائمة على الليبرالية، وأصبح الفكر اليميني طاغيا ولا يتعلمون إلا كيف يصنعون قوانين تنظم أساليب السطو، وكيف يقومون بهجوم حيتان القرش على الطبقات الشعبية والمتوسطة، وكيف يموهون القضم من الأجور، وكيف يتهربون من الضرائب، ومن تحمل المسؤولية في حالة ارتكاب الأخطاء.
نحن في المجتمع المغربي بعيدون عن الرأسمالية الحقيقية القائمة على الأسس الفكرية الليبرالية في الحرية والكرامة والمساواة، وبعيدون حتى عن قوانينها، وخاصة منها ما يتعلق بالأجر، الذي يجب أن يلبي حاجيات العامل والمستخدم والأجير وحاجيات أسرته أيضا، لأن الأجر في الرأسمالية الليبرالية مرتبط بالرأسمال وبدورته في المجتمع عن طريق تجديد قوة العمل باستمرار، يفكر الرأسمالي الليبرالي في طاقة الأجير وفي طاقة أبنائه، ويفكر في كل الأفواه في المجتمع لتنتشر البضاعة على نطاق المجتمع كله ولتكتمل الدورة الاقتصادية.
لنشاهد ما فعلته الطبقة السائدة في المجتمع المغربي، ومعها الأطياف الجديدة من الاسلام السياسي التي لم تفهم ما بلغه الانسان من تطور في البحث عن الحرية والمساواة ولم تفهم حتى ما وصل إليه فكر الانسان، من تطور حول الأجر في ظل العبودية نفسها والذي كان عينيا منحصرا في الأكل والشراب واللباس والمبيت، ولم يعلق في ذهنهم إلا ما كان عند بعض القبائل من أعراف.
كان عبيد لأحد الأسياد أيام الخليفة عمر قد ذبحوا بعيرا وبدأوا في شيه على النار، فهرع صاحب البعير إلى عمر شاكيا، لما سأل عمر عن الأمر اكتشف أن السيد يجيع عبيده، وكان لما اشتكى ينتظر أن يقتص له عمر من العبيد لكن دهشته كانت كبيرة لما هدده بالقصاص منه إن جاءه خبر بعد ذلك اليوم بأنه يجيع عبيده، فكم من الناس تجيعهم الحكومة الحالية وهم يعملون في كل مجالات النشاط المجتمعي ولم يذبحوا لا بعيرا ولا غنما؟
النزيف مستمر، ولم يستطع أن يحد منه لا المجلس الأعلى للحسابات ولا القضاء، والعقد تصنع باستمرار وكل عقدة لا تشبه أخرى في هجومها على قوت الطبقات الشعبية، والفدرالية يشرفها أن تكون في خندق التنديد بهذه السياسة العامة وستظل تنادي بسياسة عامة تعيد للمجتمع ثرواته وامكاناته المنهوبة والمهدورة ولن تغيرها قيد أنملة، ولن يفلح كلام الليل في مهمته.