الشعب الجزائري يؤرخ مثالا حضاريا:

الصوت الواحد للشارع العريض يحبط الشوطين الأول والثاني من خطة الالتفاف

لم‭ ‬تنجح‭ ‬خطة‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬إذ‭ ‬أعلن‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬الغد‭ ‬رفضه‭ ‬لها،‭ ‬وحاول‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬ونائبه،‭ ‬تقديم‭ ‬عرض‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الخطة،‭ ‬يقضي‭ ‬بتشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأطياف‭ ‬السياسية،‭ ‬ومن‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬ومن‭ ‬الشباب،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي‭ ‬جاء‭ ‬الرد‭ ‬مباشرا‭ ‬برفض‭ ‬الترقيع،‭ ‬وأصرت‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬مجموع‭ ‬المناطق‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬النظام،‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج،‭ ‬بينما‭ ‬المعارضة‭ ‬تهيكل‭ ‬نفسها‭ ‬وتنفتح‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وعلى‭ ‬النقابات،‭ ‬وتتفق‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬حقوقية‭ ‬نزيهة‭ ‬تحظى‭ ‬بالتأييد‭ ‬لتولي‭ ‬مهمة‭ ‬المنسق‭ ‬استعدادا‭ ‬للأشواط‭ ‬الإضافية،‭ ‬وليوم‭ ‬28‭ ‬أبريل‭. ‬

المرأة‭ ‬المجهولة‭ ‬والإضراب‭ ‬العام

‭ ‬ظهر‭ ‬بوتفليقة‭ ‬في‭ ‬الأشرطة‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬يوم‭ ‬11‭ ‬مارس،‭ ‬غداة‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬جنيف‭ ‬متعبا،‭ ‬وفي‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للراحة،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الحكم،‭ ‬إلى‭ ‬التعجيل‭ ‬بعودته‭ ‬وعدم‭ ‬تركه‭ ‬يستريح‭ ‬بعد‭ ‬العلاج‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه؟‭ ‬قبل‭ ‬عودته‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬10‭ ‬مارس،‭ ‬وقع‭ ‬حدثان‭ ‬لم‭ ‬تُعط‭ ‬لهما‭ ‬أهميتهما‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬نقل‭ ‬الخبر‭ ‬للرأي‭ ‬العام،‭ ‬والحال‭ ‬أنهما‭ ‬كانا‭ ‬وراء‭ ‬الاستعجال‭ ‬والارتباك‭.‬

في‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬9‭ ‬مارس‭ ‬قدمت‭ ‬المحامية‭ ‬ساسكيا‭ ‬ديتيشايم،‭ ‬رئيسة‭ ‬الفرع‭ ‬السويسري‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬محامون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬التماسا‭ ‬برفع‭ ‬السرية‭ ‬الطبية‭ ‬عن‭ ‬بوتفليقة‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة،‭ ‬وطلبت‭ ‬بوضعه‭ ‬تحت‭ ‬الوصاية‭ ‬والحماية،‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬الالتماس‭ ‬باسم‭ ‬مواطنة‭ ‬جزائرية،‭ ‬لم‭ ‬تكشف‭ ‬المحامية‭ ‬عن‭ ‬اسمها‭ ‬للصحافة‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬حيثيات‭ ‬الالتماس،‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬إذ‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الحيثيات،‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الأمور،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يتخذ‭ ‬القرارات‭ ‬بنفسه،‭ ‬وإنما‭ ‬حاشيته‭ ‬السياسية‭ ‬والعائلية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭. ‬وأنه‭ ‬لم‭ ‬يقرر‭ ‬بنفسه‭ ‬ترشحه‭ ‬لولاية‭ ‬خامسة،‭ ‬وهذه‭ ‬النقطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬بوتفليقة‭ ‬بنفسه‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬بشكل‭ ‬مخفف‭. ‬

وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬بيوم‭ ‬في‭ ‬الجمعة‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬انضم‭ ‬عمال‭ ‬موانيء‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬خاصة‭ ‬ميناء‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭   ‬للمظاهرات‭ ‬وقرروا‭ ‬الأضراب،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬بعدها،‭ ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬امتداد‭ ‬الإضراب‭ ‬إلى‭ ‬عمال‭ ‬سوناطراك‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬بمناسبة‭ ‬المظاهرات‭ ‬الوطنية‭ ‬الرابعة‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬مارس‭.‬

الساعات‭ ‬الثمانية‭ ‬السرية‭ ‬

وصل‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتفليقة‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬بوفاريك‭ ‬العسكري،‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الخامسة‭ ‬والنصف،‭ ‬بالتوقيت‭ ‬المحلي،‭ ‬الرابعة‭ ‬والنصف‭ ‬بغرينيتش،‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬10‭ ‬مارس،‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬و‭ ‬15‭ ‬د‭ ‬ولإعداد‭ ‬خطته‭ ‬التي‭ ‬اطلع‭ ‬عليها‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رسالته‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تعيين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ونائبه‭ ‬واستقبال‭ ‬الابراهيمي‭ ‬وتكليفه‭ ‬بالاتصال‭ ‬بقيادات‭ ‬المعارضة،‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬وإلى‭ ‬استماع‭ ‬لمختلف‭ ‬السلطات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يفرضه‭ ‬الدستور‭ ‬مثل‭ ‬تعيين‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬وتأجيل‭ ‬الانتخابات‭..‬

وقد‭ ‬نقلت‭ ‬الصحافة‭ ‬الجزائرية‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للأمن،‭ ‬اجتمع‭ ‬أثناء‭ ‬وصول‭ ‬بوتفليقة‭ ‬للجزائر،‭ ‬واجتمع‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬16‭ ‬مارس‭ ‬لتقييم‭ ‬مظاهرات‭ ‬الجمعة‭ ‬15‭ ‬مارس‭.‬

إن‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬نقله‭ ‬التلفزيون‭ ‬الجزائري،‭ ‬يبين‭ ‬استماع‭ ‬بوتفليقة‭ ‬لرئيس‭ ‬الأركان‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬له‭ ‬تقريرا‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬سيناريو‭ ‬دعائي،‭ ‬ولا‭ ‬تقدم‭ ‬حالة‭ ‬الأمن‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬أمام‭ ‬المصورين‭ ‬وأمام‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬الجمهوري،‭ ‬بل‭ ‬وراء‭ ‬الأبواب‭ ‬المغلقة،‭ ‬حالة‭ ‬الأمن‭ ‬يقدمه‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬قيادات‭ ‬الجيش‭ ‬والدرك‭ ‬والأمن‭ ‬والاستخبارات،‭ ‬وعلى‭ ‬هامش‭ ‬هذا‭ ‬يجتمع‭ ‬الرئيس‭ ‬عادة‭ ‬بأركان‭ ‬الجيش‭ ‬لكونه‭ ‬هو‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع؛‭ ‬وتضم‭  ‬الأركان‭ ‬جنرالات‭ ‬القطاعات‭ ‬الثلاث‭ ‬الجوية‭ ‬والبحرية‭ ‬والبرية‭ ‬وعدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬الجيش‭ ‬للولايات‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬وضمنها‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬قيادات‭ ‬الأغلبية‭ ‬البرلمانية‭ ‬الذي‭ ‬يفرضه‭ ‬الدستور‭ ‬عند‭ ‬النية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬إلا‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬وصباح‭ ‬الاثنين‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترتين‭.‬

لكن‭ ‬بحضور‭ ‬الابراهيمي‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬قبل‭ ‬وصول‭ ‬بوتفليقة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬بيوم،‭ ‬وبتراجع‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬الجزائري‭ ‬عن‭ ‬تصعيده‭ ‬ضد‭ ‬المظاهرات‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للأمن‭ ‬فيه‭ ‬اتجاه‭ ‬قوي‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الشعب‭ ‬بالقوة‭ ‬وأن‭ ‬رسالة‭ ‬بوتفليقة‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬ليستا‭ ‬إلا‭ ‬بروفتان‭ ‬خرجتا‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى،‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الرئيس‭ ‬والثانية‭ ‬بحضوره‭. ‬

خطة‭ ‬الحكم‭ ‬الفاشلة

تقوم‭ ‬الخطة‭ ‬على‭ ‬الإلتفاف‭ ‬على‭ ‬المطالب،‭ ‬بثلاثة‭ ‬أركان‭: ‬الأول‭ ‬دعاية‭ ‬موجهة‭ ‬للخارج‭ ‬ولأوساط‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬وضباط‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬مهددة‭ ‬بأن‭ ‬يتولى‭ ‬فيها‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الحكم،‭ ‬وأن‭ ‬المظاهرات‭ ‬مخترقة‭ ‬من‭ ‬طرفه،‭ ‬والقيام‭ ‬بخرجات‭ ‬سنيمائية‭ ‬لإظهار‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬تراقب‭ ‬الحدود‭ ‬مثل‭ ‬خرجة‭ ‬قايد‭ ‬صالح‭ ‬بزيارة‭ ‬الولاية‭ ‬العسكرية‭ ‬الثالثة‭( ‬بشار‭) ‬لمدة‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬إلى‭ ‬21‭ ‬منه،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬بلع‭ ‬الطعم‭ ‬هو‭ ‬ماكرون‭ ‬وتماشى‭ ‬مع‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أعلن‭ ‬من‭ ‬خطوات‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬وتبعه‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬التروي‭ ‬بحيث‭ ‬ساوى‭ ‬بين‭ ‬الخطة‭ ‬وبين‭ ‬المتظاهرين‭. ‬ويظهر‭ ‬أن‭ ‬عيون‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬الجمهوري‭ ‬هي‭ ‬عيون‭ ‬للعسكر‭ ‬في‭ ‬مطبخ‭ ‬فرنسا،‭ ‬لأن‭ ‬العسكر‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصور‭ ‬لفرنسا‭ ‬الوضع،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬قيادته‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬المغرب‭ ‬موقف‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬وعدم‭ ‬التعليق‭ ‬لأن‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬كان‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيأخذه‭ ‬ليدعم‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يخيف‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ويجند‭ ‬به‭ ‬عموم‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬الأغلبي‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬حزب‭ ‬يمثل‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭. ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظ‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المغربية‭ ‬السابق‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬مسؤولا‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬وإلا‭ ‬لأدى‭ ‬تهوره‭ ‬المعتاد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تحمد‭ ‬عقباه‭. ‬الثاني‭ ‬إعلان‭ ‬تخلي‭ ‬بوتفليقة‭ ‬عن‭ ‬الترشح‭ ‬للرئاسة‭ ‬وتأجيل‭ ‬الانتخابات‭ ‬والتقدم‭ ‬بحزمة‭ ‬من‭ ‬المقترحات،‭ ‬لعلها‭ ‬تسيل‭ ‬لعاب‭ ‬المعارضة‭ ‬والشباب‭ ‬مثل‭ ‬تغيير‭ ‬أويحيى‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة‭ ‬وندوة‭ ‬وطنية‭ ‬يتحدد‭ ‬فيها‭ ‬مصير‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬بفترة‭ ‬انتقالية‭ ‬يدير‭ ‬دفتها‭ ‬بوتفليقة‭ ‬ومن‭ ‬في‭ ‬محيطه‭.‬

الثالث‭ ‬إرسال‭ ‬الابراهيمي‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬استطلاعية‭ ‬أولى‭ ‬نحو‭ ‬قيادة‭ ‬المعارضة‭ ‬والشباب‭ ‬والنقابات‭ ‬المنضوية‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬العمال‭ ‬الجزائريين‭ ‬الغاضبين‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬السعيد‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬المؤيد‭ ‬لبوتفليقة‭ ‬والعضو‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير‭. ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬زرع‭ ‬الألغام‭ ‬وسط‭ ‬المعارضة‭ ‬ووسط‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وخلق‭ ‬أزمة‭ ‬ثقة‭ ‬وسط‭ ‬الحراك،‭ ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تكلف‭ ‬بها‭ ‬الابراهيمي‭ ‬نهاية‭ ‬سياسية‭ ‬للرجل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬شخص‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬المتبعة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مجموعة‭ ‬بوتفليقة‭ ‬ومن‭ ‬معه‭.‬

خطة‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬تتعزز‭ ‬يوميا‭ ‬

تقوم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أركان‭: ‬1‭- ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬خارجي‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزائريا‭ ‬مئة‭ ‬بالمئة‭ ‬وعدم‭ ‬استفزاز‭ ‬الجيش‭ ‬والأمن‭ ‬2‭- ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬بالاتفاق‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬الواحد‭ ‬وعلى‭ ‬السلمية،‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المشارب‭ ‬الجزائرية‭ ‬وتضييق‭ ‬الفجوات‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬وقد‭ ‬ساعد‭ ‬غلق‭ ‬المطاعم‭ ‬والمبيت‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬ووهران‭ ‬أن‭ ‬التحق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬بمناطق‭ ‬نائية‭ ‬مثل‭ ‬الجنوب‭ ‬الغربي‭ ‬ومنطقة‭ ‬مزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬أحيانا‭ ‬مواجهات‭ ‬بين‭ ‬الأمازيغ‭ ‬والعرب،‭ ‬وساعدوا‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬لافتات‭ ‬حملتها‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬‭ ‬احنا‭ ‬والعرب‭ ‬خاوة‭ ‬خاوة‭ ‬‮«‬،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬شتات‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬موحدة‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الطاقات‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وقد‭ ‬اتفقت‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬مصطفي‭ ‬بوشاشي‭ ‬الحقوقي‭ ‬والمحامي‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الجزائريين‭ ‬والشباب‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬بتصديه‭ ‬للنظام‭ ‬لكن‭ ‬وردت‭ ‬أخبار‭ ‬أنه‭ ‬اعتذر‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬المهمة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إقناعه‭ ‬جار‭ . ‬3‭- ‬التشبث‭ ‬بضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬وعدم‭ ‬خرق‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬إحالة‭ ‬على‭ ‬تأجيل‭ ‬الانتخابات‭ ‬وتمديد‭ ‬الولاية‭ ‬الرابعة،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬28‭ ‬أبريل،‭ ‬يوم‭ ‬نهاية‭ ‬ولاية‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬لأنه‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬‮«‬واجبه‭ ‬الأخير‭ ‬تجاه‭ ‬الجزائريين‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭  ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬أسس‭ ‬جمهورية‭ ‬جديدة،‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬إطار‭ ‬للنظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬‭. ‬ومعلوم‭ ‬أنه‭ ‬هنا‭ ‬يقترح‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬والفترات‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تتطلب‭ ‬وقتا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬سنتين،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬جمهورية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬مارس‭ ‬إلى‭ ‬27‭ ‬أبريل‭. ‬وكان‭ ‬الشباب‭ ‬بالمرصاد‭ ‬لهذا‭ ‬البعد‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬به‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬بدون‭ ‬انتخابات،‭ ‬بأن‭ ‬رفعوا‭ ‬شعارات‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬الجمعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬15‭ ‬مارس‭ ‬تقول‭ : ‬‮«‬‭ ‬ولا‭ ‬دقيقة‭ ‬يا‭ ‬بوتفليقة‭ ‬‮«‬‭. ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬الجبهة‭ ‬السياسية‭ ‬الموالية‭ ‬تشتت‭ ‬ورجعت‭ ‬خلف‭ ‬المنصة‭ ‬بينما‭ ‬جبهة‭ ‬المعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬تتعزز‭ ‬وتتوسع‭.‬

‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬والتوازن‭ ‬الصعب

ليس‭ ‬كل‭ ‬الجنرالات‭ ‬وقادة‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬الطغمة‭ ‬التي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬الريع،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬منهم‭ ‬وقد‭ ‬تناقص‭ ‬عددهم‭ ‬في‭ ‬السنين‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نشب‭ ‬صراع‭ ‬وسطهم‭ ‬أدي‭ ‬إلى‭ ‬انتصار‭ ‬مجموعة‭ ‬قايد‭ ‬صالح،‭ ‬الصديق‭ ‬الوفي‭ ‬لبوتفليقة‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬قائد‭ ‬عسكري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الطغمة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬ويكسب‭ ‬أتباعا‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير‭.. ‬وإلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ويسيطر‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الاستيراد،‭ ‬وإلى‭ ‬الأمن‭ ‬ويكسب‭ ‬عيونا،‭ ‬وإلى‭ ‬الاعلام‭ ‬وتكون‭ ‬له‭ ‬أقلام‭ ‬مأجورة‭. ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬ومعها‭ ‬المجموعة‭ ‬السياسية‭ ‬بقيادة‭ ‬أويحيى‭ ‬تريد‭ ‬تحضير‭ ‬الجيش‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬المظاهرات‭ ‬بالقوة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تقديرات‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للأمن‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬المتوالية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تحرك‭ ‬الشارع‭ ‬كان‭ ‬يفضل‭ ‬احترام‭ ‬الدستور‭ ‬وعدم‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المظاهرات‭ ‬سلمية،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬الجيش‭ ‬والأمن‭ ‬مقتنعة‭ ‬بعدالة‭ ‬مطالب‭ ‬الشارع،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬تدهور‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬لأغلب‭ ‬أسر‭ ‬الجنود‭ ‬والضباط،‭ ‬ومع‭ ‬تفشي‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وكان‭ ‬هاجس‭ ‬عدم‭ ‬ولاء‭ ‬كامل‭ ‬الجيش‭ ‬حاضرا‭ ‬لدى‭ ‬القيادة‭ ‬بقوة،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭: ‬ماذا‭ ‬سيحصل‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أعطيت‭ ‬الأوامر‭ ‬باستعمال‭ ‬القوة‭ ‬لفض‭ ‬المظاهرات،‭ ‬ألن‭ ‬يلتحق‭ ‬بالشارع‭ ‬؟‭ ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬هناك‭ ‬أصلا‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬الرئاسة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والجيش‭ ‬والأمن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأن‭ ‬الرئاسة‭ ‬تُسير‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عائلة‭ ‬بوتفليقة‭ ‬وبعض‭ ‬السياسيين‭ ‬وقادة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الذين‭ ‬لهم‭ ‬خلفية‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭. ‬هذان‭ ‬العاملان‭: ‬تعاطف‭ ‬كبير‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬مع‭ ‬الشارع،‭ ‬ووجود‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬الرآسة‭ ‬يجعلان‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬قوة‭ ‬تفرض‭ ‬توازنا‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬لدى‭ ‬الرآسة‭ ‬ولا‭ ‬لدى‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬المشكلة‭ ‬لطغمة‭ ‬حاكمة،‭ ‬ولكنه‭ ‬مرحب‭ ‬به‭ ‬وسط‭ ‬الشارع،‭ ‬إنه‭ ‬توازن‭ ‬صعب‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يحل‭ ‬إلا‭ ‬بهزة‭ ‬من‭ ‬داخله‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى