عيطة

الذباب لا ينتج عسلاً

ارتفعت‭ ‬مؤخراً‭ ‬حدة‭ ‬الاعتداءات‭ ‬اللفظية‭ ‬والجسدية‭ ‬على‭ ‬المُدَرِّسين‭ ‬المتعاقدين،‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬هرم‭ ‬الحكومة‭ ‬حتى‭ ‬توابعها،‭ ‬ولن‭ ‬نجد‭ ‬رداً‭ ‬شافياً‭ ‬على‭ ‬ازدحام‭ ‬القاع‭ ‬هذا،‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬نَظَّامِي‭ ‬الشعر‭ ‬والغناء‭ ‬الأمازيغي،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الإبداع‭ ‬الزجلي‭ ‬المسمى‭ ‬‮«‬باهبي‮»‬‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الجنوبية‭ ‬الشرقية‭. ‬

فالتراث‭ ‬الشفهي‭ ‬الأمازيغي،‭ ‬يعتبر‭ ‬خزانا‭ ‬غنيا‭ ‬جداً،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬جانبه‭ ‬الحكائي‭ ‬والغنائي،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬كحامل‭ ‬لِتَأريخ‭ ‬المناطق‭ ‬وقبائلها‭ ‬وتطورها‭ ‬المعيشي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬ونسوق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬لأغاني‭ ‬وأشعار‭ ‬‮«‬باهبي‮»‬‭ ‬بواحات‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي،‭ ‬والمطلة‭ ‬على‭ ‬أودية‭ ‬افركلة‭ ‬وغريس‭ ‬وتدغى،‭ ‬وهو‭ ‬شعر‭ ‬أغلبه‭ ‬مغنى،‭ ‬يُتَدَاوَلُ‭ ‬في‭ ‬الأعراس‭ ‬وجلسات‭ ‬السمر‭ ‬الليلي‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬الواحات‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬قصورٌ‭ ‬مشيدة‭ ‬بالطين‭ ‬ومحاطة‭ ‬بأسوار‭ ‬عالية‭ ‬تحتضن‭ ‬ساكنة‭ ‬القبائل‭ ‬ومواشيهم،‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬أهازيج‭ ‬النساء‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭ ‬والأحزان‭ ‬العابرة‭.‬

إن‭ ‬الحمولة‭ ‬الإبداعية‭ ‬لأغاني‭ ‬وأشعار‭ ‬‮«‬باهبي‮»‬،‭ ‬تكتسي‭ ‬طابعا‭ ‬متفرداً،‭ ‬باعتبارها‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬السجال‭ ‬والمناظرة‭ ‬الغنائية‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬قبيلة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬فخدة‭ ‬أو‭ ‬أسرة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬امرأة‭ ‬ورجل‭ ‬حول‭ ‬تيمة‭ ‬معينة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترتبط‭ ‬بفخر‭ ‬الانتماء‭ ‬أو‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬الصراع‭ ‬القبلي،‭ ‬وتستمد‭ ‬رصيدها‭ ‬اللغوي‭ ‬من‭ ‬المعيش‭ ‬المتداول‭ ‬للواحة‭: ‬نخيل،‭ ‬جمع‭ ‬حطب،‭ ‬خطارات،‭ ‬ملء‭ ‬النساء‭ ‬جرار‭ ‬الماء‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي،‭ ‬حلب‭ ‬الابقار‭ ‬والماعز،‭ ‬الخصب‭ ‬وفيض‭ ‬الوادي،‭ ‬مراحل‭ ‬الجفاف،‭.. ‬

بل‭ ‬تصبح‭ ‬قصائد‭ ‬‮«‬باهبي‮»‬‭ ‬أحيانا‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التوليد‭ ‬اللحظي‭ ‬للقوافي‭ ‬والأبيات‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ / ‬شخصين‭ ‬بحضور‭ ‬الجمهور‭ ‬وسط‭ ‬عرس‭ ‬أو‭ ‬محفل‭ ‬حاشد،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬مخلداً‭ ‬لعشرات‭ ‬السنين‭ ‬ولازال،‭ ‬كملاحم‭ ‬شعرية‭ ‬غنائية‭ ‬تولدت‭ ‬في‭ ‬دينامية‭ ‬قدرة‭ ‬مخيال‭ ‬ساكنة‭ ‬واحات‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭. ‬

ونذكر‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬المنوال‭ ‬أن‭ ‬خزانا‭ ‬من‭ ‬الحِكَمِ‭ ‬المتوارثة‭ ‬كان‭ ‬مصدرها‭ ‬نظَّاماتُ‭ ‬ونظَّامُو‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الشعري،‭ ‬نُورِدُ‭ ‬إحداها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬معركة‭ ‬المُدَرِّسِينَ‭ ‬المتعاقدين‭: ‬‮«‬‭ ‬إيزي‭ ‬أوردا‭ ‬يسكار‭ ‬تمامت‮»‬‭ (  ‬تمانت‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬سوس‭ )‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الذباب‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬العسل،‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬تنعكس‭ ‬بالضبط‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬حيث‭ ‬طعنت‭ ‬في‭ ‬ذِمَّةِ‭ ‬المُدَرِّسِين‭ ‬المتعاقدين،‭ ‬واستباحت‭ ‬دماءهم‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المدن‭ ‬والحواري،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬باعت‭ ‬الدولة‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬الخواص،‭ ‬هو‭ ‬ذباب‭ ‬الحكومة‭ ‬بلسعاته‭ ‬وتعفناته،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يغادر‭ ‬جسم‭ ‬المغاربة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يدميه،‭ ‬ويمصه‭ ‬مصاً،‭ ‬لسعاتٌ‭ ‬أصابت‭ ‬النسيج‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬باعتبار‭ ‬التعليم‭ ‬البوابة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للترقي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لبنات‭ ‬وأبناء‭ ‬المغاربة‭. ‬

لقد‭ ‬صدقت‭ ‬حِكَمُ‭ ‬أهازيج‭ ‬‮«‬باهبي‮»‬‭ ‬حين‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الذباب‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬عسلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬ذباب‭ ‬الحكومة‭ ‬وأدواتها،‭ ‬مروراً‭ ‬بفقهائها،‭ ‬بالطبع‭ ‬لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬صنع‭ ‬عسل‭ ‬لعيش‭ ‬المغاربة،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬تفريخ‭ ‬فيروسات‭ ‬لتخريب‭ ‬التعليم‭ ‬والمجتمع‭ ‬عموما‭. ‬ومن‭ ‬المُلِحّ‭ ‬أن‭ ‬نُعِدّ‭ ‬العُدَّةَ‭ ‬بالمضادات‭ ‬الحيوية‭ ‬لمواجهة‭ ‬مخططاتهم‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى