شوبنهاور.. زعيماً لطلبة الطب
طلبة الطب، فئة ولوقت قريب كانت تعتبر مشتلا لنخبةِ النخبةِ، والكل يطلب وُدَّها ويتغزل لِقُربها، فما بال كل المدافع الثقيلة وجهت فوهاتها الآن اتجاههم؟!
معادلة استعصت في حلها حتى على أمهر طباخي وزارتي الصحة والتعليم، ليبدأ القصف العشوائي والوعد والوعيد، ويصبح التهديد عنواناً لبياض بطعم السواد، تمخض عن إنذار أحمق بسنة بيضاء للوزرات البيضاء.
بحثنا في حفريات الألغاز الفلكية، عسانا نتلمس بصيص ضوء لفك شيفرة التوابل النافذة لهاته الطبخة، ولم يجبنا إلا الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، وهو يفكك استعصاء الحلول، وقد استفاق من رقدة العبور بين القرنين 18 و19، ليكرر على مسامعنا وصفة الفهم، بحكمته القائلة: “الطبيب يشاهد كل الضعف البشري، والمحامي كل الشر البشري، ورجل الدين كل الغباء البشري”، لقد لخص صاحب المُسْحَةِ الإرادية وذو النظارات التشاؤمية العقلانية كل مداخل إضاءة المناطق المظلمة في العُقدة، مُحَاكِماً دولة لا تأبه للألم والضعف البشري وهي تتلاعب بدُفْعَةٍ من الطلبة الأطباء، وتهدد بطردهم وإغلاق عيادات وصيدليات كل شجرة عائلاتهم، لتكتمل الصورة بتنصب محاميي السلطة من وزراء الحكومة، لشيطنة المضربين وإظهارهم بلبوس الشر المطلق والخطر الداهم،..، هو مُنَجِّمٌ بكامل مواصفات العقل الراجح، حين أكمل شوبنهاور عزف سمفونيته، ليختم بأن رجل الدين في ذات المعادلة لا يشاهد إلا غباء الناس، وقد انبرى كهنة المعبد الحكومي لتكفير انتفاضة الطلبة الأطباء، وقد رمى كاهنهم الأعظم باللائمة على قساوسة ضفتهم الأخرى، زيادةً في إرباك المشهد وتضبيب كُنْهِ المطالب العادلة للجامعة والمستشفى العموميين، ليختلط الحابل بالنابل، وكأني بمن يمسك بزمام القرار، لا رغبة له في تلبية مطالب الحفاظ على المرفق العمومي، بل يستهدف إشعال حرب داحس والغبراء، ليبقى بَابَا المسلمين حَكَماً بين رُهْبَانِه، وليذهبِ المستشفى العمومي للجحيم، وليستمر الضعف البشري في اعتصار آلامه.
إن معركة حماية الخدمات الاجتماعية العمومية من جشع خوصصتها وتسليع عُمقِها الإنساني، تتعالى على الفبركات المفتعلة، ولا أدل على ذلك إلا احتضان أمهات وآباء طلبة الطب لفلذات اكبادهن/هم، فهي قضيتنا جميعا خارج تمظهرات حرب داحس والغبراء.