المجتمعبصوت مرتفع

أي حوار اجتماعي .. في غياب الدولة الاجتماعية؟!

مبارك المتوكل

عرف المغرب منذ ما يسمى بالاستقلال هزات اجتماعية، كانت الدولة تجتازها بالتساهل حينا وبالقمع حينا آخر، وكان الحسن الثاني يتقن المزج بينهما.و لنقف فقط على تعامله مع الهزات الاجتماعية التي عرفها المغرب.

فقد مر الحوار الاجتماعي في المغرب من مرحلتين كنت شاهدا على بعض فصولها كمناضل ومسؤول في الاتحاد المغربي للشغل، وقيادي ومؤسس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.فقد عرفت المرحلة التي اصطلح على تسميتها بسنوات الرصاص نوعا خاصا من الحوار ،يتعرض خلاله المحتجون للطرد والاعتقال ،ثم تلبى بعض مطالبهم بعد نوع من الحوار مع من لا علاقة لهم بتلك المطالب،في الوقت الذي يكون فيه المحتجون والمطالبون مغيبون إما بالاعتقال أو بالطرد أو بهما معا.

غير أن الدولة بدأت تتجه إلى الحوار مع الحركة النقابية خاصة بعد الإضراب العام ل 20 يونيو 1981 وما رافقه من قمع وإرهاب لم يوقف الزحف الجماهيري، بل ساهم في الكشف عما يعيشه المغاربة من قمع وخوف في ظل ديمقراطية مزيفة تخفي الوجه الوحشي للجلادين وراء مظاهر خادعة. وهكذا قدم وزير الداخلية الأسبق وجهي جانوس الآدمي منهما والوحشي المرعب.

وهكذا فتح باب الحوار الذي ظل معلقا في عهد حكومتي المعطي بوعبيد وعز الدين العراقي،ولم يتم فتحه إلا على يد إدريس البصري وزير الداخلية الذي وصل في سعيه إلى التوافق مع خصوم الأمس، إلى التوقيع على اتفاق فاتح غشت 1996وعرف المغرب بعد ذلك :

  • اتفاق فاتح محرم مع حكومة اليوسفي.
  • اتفاق مع حكومة إدريس جطو وفيه حلت العديد من مشاكل الموظفين وخاصة مشاكل التعليم.
  • اتفاق 26 ابريل 2011 مع حكومة عباس الفاسي وهو الاتفاق الذي رفضت حكومتا العدالة والتنمية تنفيذ ما تبقى منه،رغم أنها استفادت من نضال الفئات التي فرضت مراجعة الدستور والتغيير الحكومي،بل بلغ العداء للطبقة العاملة وللموظفين عند هؤلاء أن رئيس الحكومة السابق الذي انتقد حكومة عباس الفاسي لأنها وافقت على زيادة 600 درهم للموظفين،فلجأ إلى حيلة ادعى من خلالها أنه يسعى إلى انقاد الصندوق المغربي للتقاعد،فاقتطع هذا القدر من رواتب الموظفين وزاد في سنوات العمل وقلص من نسبة الاستفادة.

وقد انقضت العهدة الأولى لحكومة PJD   من غير أن يستفيد الموظفون وسائري ذوي الدخل المحدود من أية زيادة رغم تمرير قانون التقاعد المجحف مع ما رافقه من بهتان وتضليل بلغ مداه باتهام أعضاء المجموعة الكونفدرالية بالتآمر على تقاعد الموظفين أولا ثم بمحاكمة وإدانة عضو من هذه المجموعة المناضل عبد الحق حيسان رغم تمتعه رسميا بالحصانة البرلمانية.

وتأتي حكومة PJD في صيغتها الثانية لتواصل المشروع الذي بدأته سالفتها. فلم تكتف بإلغاء الدعم على المحروقات والحسم مع الدولة الاجتماعية بإلغاء صندوق المقاصة والانسحاب من الخدمات الاجتماعية بقرارات انفرادية أو تطبيقا لتوجيهات جهات معادية للشعب المغربي وتطلعاته إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.وقد أكدت القرارات المجحفة والمتعلقة بفرض التعاقد على فئات واسعة من الموظفين بمن فيهم أجراء الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم أن هذا الحزب ما دعم و أوصل إلى مراكز تدبير الشأن العام إلا ليحسم وبشكل نهائي مع كل الخدمات التي تعتبر من مسؤولية الدولة ومبرر وجودها.

من المعروف أن نظام التقاعد الأساسي في المغرب نظام تضامني يستفيد فيه المتقاعدون من الاقتطاعات التي تخضع لها أجور الناشطين المشتغلين. ومن هنا يأتي التهديد الخطير الذي يمكن أن يؤدي إلى إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد (CMR) وسيكون إفلاسا مصطنعا، إذ سيوقف التوظيف بالتعاقد تمويل هذا الصندوق ومن هنا فان التوظيف بالعقدة في الوظيفة العمومية تهديد لكل الموظفين متعاقدين كانوا أو غير متعاقدين، مشتغلين أو متقاعدين على حد سواء.

اليوم وقد تعسر التوافق مع حكومة الدكتور العثماني الذي يريد تحقيق سلم اجتماعية تمكنه من ضمان عهدة ثالثة لحزبه على حساب بؤس ومعاناة الفقراء والمحرومين،فهل ستنتظر الدولة مزيدا من الاحتجاجات أم أن تدخل وزير الداخلية الحالي سينجح في تكرار تجربة إدريس البصري ويوقف هذا التوتر الاجتماعي الذي يسير في اتجاه استكمال عقد من وعود أتبث الواقع أنها كذبة بلقاء.

ويظهر من خلال ما صرح به الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن الواقع يؤكد ما أوردناه سلفا.فلا وزير الشغل ولا وزير الوظيفة العمومية ولا حتى رئيس الحكومة استطاعوا أن يقدموا عرضا قابلا للنقاش الأمر الذي يؤكد أننا أمام حكومة عاجزة عن اتخاذ أية مبادرة مهما تضائل حجمها لأنها حكومة لا تعرف أن التفاوض يقتضي الاستماع من أجل الإقناع ولم لا الاقتناع !.

بقي سؤال أخير: إذا كان طرف واحد في هذه الحكومة يتقن وحده فن التفاوض فما فائدة هذه الكوكبة من الوزراء الذين يستهلكون أموال دافعي الضرائب دون أن يكونوا قادرين على حل أية مشكلة؟ والسؤال الأكبر والأهم هو متى يدرك المخزن المغربي أن المرحلة تقتضي تجاوز الطرق العتيقة في التسيير والتدبير؟ لأن الشعب المغربي يستحق ديمقراطية حقيقية يكون فيها من يدبر الشأن العام مسؤولا ومحاسبا في إطار القوانين والضوابط الديمقراطية.

أما وقد توصلت الأطراف الثلاثة إلى اتفاق أولي سيعلن عن توقيعه قبيل فاتح ماي 2019 فإننا نستنتج أن الدولة الاجتماعية التي وضعت الحكومة الوطنية بعض أسسها مع بداية الاستقلال قد غيبت منذ قرابة 60 سنة ولا تزال مغيبة رغم كل النضالات والاحتجاجات وازدياد تردي الأوضاع الاجتماعية للمقهورين والمسحوقين، وأن الحوار الاجتماعي في الممارسة المخزنية ليس إلا واحدة من وسائل الضبط الأمني وضمان التحكم. وإلا فما علاقة وزارة الداخلية بقضايا التفاوض الجماعي حول قضايا الشغل؟ وما هو دور وزارات الشغل والوظيفة العمومية وما هو دور رئاسة الحكومة؟ إن تحسين الدخل مهم ولكن الأهم هو سبيل التوصل إليه لأن ذلك سيفسح الطريق أمام دولة الحقوق والمؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى