الصيد البحري بالمغرب: استنزاف الثروات واستغلال العمل
إبراهيم موناصير
في سياق التبعية الاقتصادية للدوائر الامبريالية عملت الدولة المغربية على بناء اقتصادها المأزوم، والذي يشكل قطاع الصيد البحري، بكل موارده وإمكانياته الطبيعية، مظهرا من مظاهر أزمة هذا الاقتصاد المعطوب.
ففي الفترة ما بين الستينات والثمانيات من القرن الماضي، عرفت المصايد المغربية وفرة الأسماك بمختلف أنواعها، مع الاعتماد شبه الكلي على أسطول الصيد الساحلي، إضافة إلى تواجد الأساطيل الأجنبية. وفي ظل الفوضى التي يعيشها القطاع مند تلك الفترة، فان مظاهر استنزاف الثروات السمكية بدأت تلوح في الأفق، خصوصا بعد تكريس الاتفاقيات الدولية للصيد البحري، وظهور أساطيل الصيد بأعالي البحار بالموانئ المغربية عند مطلع الثمانينات.
وقد شكل توجيه الثروة السمكية المغربية نحو التصدير، و التهافت على الأسواق العالمية خصوصا أسواق الأخطبوط البداية الحقيقية لعملية استنزاف الثروة السمكية، وفي مقدمتها الرخويات ومصايد الأربيان كما تم تهجير سمك السردين من الشمال نحو الجنوب.
هذا يكشف بالملموس أن سياسة الدولة بقطاع الصيد هي المسؤولة على سير القطاع نحو مزيد من التأزم. وبالفعل ففي سنة 2003 -2004 انفجرت أزمة الأخطبوط ، بحيث تم استنزاف هذه المصايد ، مع ما واكب ذلك من انهيار أسعار هذا النوع من الأسماك بالأسواق العالمية، وأمام هذه الوضعية استمرت الدولة في نهج سياسة تدبير مصايد الأخطبوط 2004. ورغم اعتراف الدولة بتدهور عدة مخازن الصيد، فان تلك السياسة لم تفض إلى أية نتيجة، الأمر الذي سرع بتنزيل مخطط اليوتيس الذي عمق الأزمة وأعطاها بعدا شموليا يستهدف ما تبقى من الخيرات البحرية السمكية خاصة الأسماك السطحية الصغيرة المتركزة جنوبا بالمنطقة الأطلسية الجنوبية. وبعد مرور عشر سنوات في ظل هذا المخطط لم تكن نتائجه التدميرية غير تركيز الخيرات البحرية في يد أقلية من الرأسمالين الكبار المحليين والأجانب، المالكة لأساطيل صيد حديثة ذات التقنيات العالية، ومحاصرة وتهميش الصيد الساحلي والتقليدي .
الوضع الاجتماعي
يشغل قطاع الصيد البحري بطريقة مباشرة 100000 بحار منهم قرابة 95000 بالصيد الساحلي التقليدي من اليد العاملة بينما يشغل قطاع الصيد بأعالي البحار تقريبا 5000 بحار.وحسب الإحصائيات الرسمية فإن القطاع يشغل 700000 بطرق مباشرة وغير مباشرة
ورغم ما تتبجح به الدولة من تطور و نمو ومردودية القطاع، حتى وإن كان ذلك على حساب استنزاف الثروات السمكية، فإن كل ذلك لم ينعكس على البحارة إذ ازدادت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية و شروط عملهم سوءا وتدهورا.
ففي أعالي البحار وإلى جانب شروط العمل القاسية تنضاف ما تفرضه عليهم فترات الراحة البيولوجية من بطالة تقنية دائمة تنعكس على أوضاع أسرهم الاقتصادية والاجتماعية.
كما لا يختلف وضع بحارة الصيد الساحلي والصيد التقليدي عن إخوانهم في الأعالي، إذ تبقى هشاشة التشغيل والتعرض للبطلة هما سيدا الموقف. إن ما يجنيه بحارة قطاع الصيد البحري بشكل عام، وعلى ضوء مخطط اليوتيس، ليس سوى مزيد من القهر، ففي الصيد الساحلي، حيث يوجد اغلب البحارة ازدادت قساوة العمل التي فرضتها قرارات وزارة الصيد البحري على سبيل المثال لا الحصر، قرار، إلزامية استعمال الصناديق البلاستيكية بمراكب الصيد الساحلي وكل العمليات المرتبطة بها، وهو الأمر الذي سبب في زيادة طول يوم العمل وامتداد أوقات رحلات الصيد والإجهاز على يوم الراحة الأسبوعية، وكذلك على أيام الأعياد والمناسبات.
إن مستوى انخفاض البحار، سواء بأعالي البحار أو بالصيد الساحلي، لم ينتج عنه سوى هروب البحارة من قطاع الصيد البحري الذي يعرف خصاصا مهولا من اليد العاملة المباشرة، ويمكن حصر أسباب هذا العزوف فيما يلي:
- الصيد بأعالي البحار: طول الراحة البيولوجية دون تعويض ومن دون حماية اجتماعية
- الصيد الساحلي السردين: يعود السبب الرئيسي لهروب البحارة من المراكب بسبب المهام الشاقة الإضافية التي يفرضها استعمال الصناديق البلاستيك وتوابعها بالإضافة إلى انخفاض حصصهم، وهو الأمر الذي يدفع أرباب المراكب إلى مطالبة وزارة الصيد البحري أثناء إضراباتهم بتوفير يد عاملة تقبل شروط العمل القائمة.
يشتغل البحارة في ظروف تنعدم فيها شروط الوقاية والسلامة سواء داخل المراكب أو أثناء تدخلات الإنقاذ، مما يسبب كوارث وحوادث شغل تصل إلى حد الوفاة ، خصوصا في أوساط بحارة الصيد الساحلي والتقليدي، وكل ذلك في إطار ضعف الحماية الاجتماعية التي يكرسها: – عدم التصريح بالبحارة في فترات الراحة البيولوجية – انتشار السوق السوداء – التهرب من التصريح بالكميات الحقيقية للمحصول المصطاد – التلاعب بمبيعات المراكب خصوصا بعد قرار استعمال الصناديق البلاستيكية – نظام الحصص يحرم البحارة من عدة خدمات يقدمها صندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
إن استراتيجية المخطط الأزرق المملاة من طرف المؤسسات المالية الدولية، التي تستهدف تضليل الرأي العام الوطني ما هي إلا تكريس لاستنزاف ما تبقى من خيراتنا السمكية، وتدمير البيئة البحرية، وكدا فقدان لمئات آلاف مناصب شغل لصالح قلة قليلة من الرأسماليين المحليين والدوليين، ويمكن أن تغادر تلك الرساميل في أي لحظة قطاع الصيد في اتجاه قطاعات أخرى، وقد ظهرت مؤشرات واضحة حجة على ذلك وهي بيع شركة UMEP الإمارات، وبيع شركة مارونا لعدة شركات صغيرة ،وهذان الحدثان خلفا طرد العديد من البحارة ( قرابة 1000 بحارة بمارونا وحدها )
لم يشر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى معضلة قطاع الصيد التي يمكن أن تخلف كارثة بيئية واجتماعية بل ساند المشاريع التي ستؤثر سلبا لا محالة على بيئتنا البحرية، والتي سوف تقضي على قطاع الصيد الساحلي والتقليدي المشغلين لأغلبية البحارة.
الوضع النقابي
يحاول البحارة مند 2011 إحياء الحركة النقابية بعد أن تعرضت للقمع سواء في الصيد الساحلي (إضرابات 99 أو الصيد بأعالي البحار 2002)، غير أن هذه الحركة تتعرض لعراقيل من طرف أرباب العمل والسلطات بشتى الطرق، وذلك بمحاولة حرمان المكتب النقابي من وصل الإيداع القانوني النهائي، ومن استعمال القاعات العمومية، وبعسكرة الموانئ الجنوبية كلما حاولت النقابة التواصل مع البحارة أثناء التجمعات، وكذا اعتقالات في صفوفها أثناء النضالات.
ومن أجل استئصال العمل النقابي الديمقراطي والكفاحي، لا تستجيب الدولة لأدنى المطالب الموجهة لها، إما محليا أو جهويا أو وطنيا . فمنذ 2012 وجه التنسيق الوطني لبحارة الصيد المغرب مطالب تهم جزء هاما من مطالب البحارة دون رد، كما طالبت النقابة في عدة مناسبات بمطالب جزئية تهم موانئ بعينها سواء بالعيون أو بطانطان، و قلما وجدنا اذانا صاغية لتلك المطالب.
ويمكن تلخيص مطالب البحارة في ما يلي: الحرية النقابية – ظروف العمل واحترام أوقات الراحة – الوقاية والسلامة – الرفع من الحصص والأجور – الحماية الاجتماعية ومنع ظاهرة السوق السوداء والتهرب من التصريح بالبحارة – الدفاع عن السيادة الغذائية ورفض اليوتيس والاقتصاد الأزرق كاستراتيجيات مدمرة لخيراتنا السمكية البحرية.
أما بحارة الأعالي فقد خاض جزء منهم، في كل من طانطان وأكادير، معركة حول رفع الأجور، استطاعوا أن يحققوا من خلالها رفع الحد الأدنى للأجر إلى 5000 درهم، وهذا مؤشر قد يحفز البحارة عموما على التنظيم واسترجاع الثقة في أنفسهم.
أما بخصوص قضية الشهيد عبد الله موناصير التي هي قضية كافة البحارة وعموم الطبقة العاملة فان النقابة الوطنية تعتبر تعاطي الدولة مع الاغتيال والاعتقال السياسيين في إطار ما يسمى بالإنصاف والمصالحة غير مقبول وهو عبارة عن محاولة إفلات الجلادين من العقاب والقفز عن المطالب الديمقراطية التي استشهد واعتقل من أجلها أحرار الشعب المغربي.