الدولية

صفيح الانتخابات التشريعية الساخن في اسبانيا

عبد الحميد البجوقي

عرفت الجارة الاسبانية انتخابات تشريعية ساخنة يوم الأحد 28 أبريل هي الثالثة خلال السنوات الأربع الأخيرة، ويعرِف المشهد السياسي الإسباني تحولات عميقة أهمها بروز أحزاب جديدة أنهت مع القطبية الحزبية التي ميزت المشهد الاسباني منذ عودة الديمقراطية سنة 1978. من هذه الأحزاب الجديدة التي خلخلت المشهد السياسي الاسباني نجد حزب بوديموس Unidas Podemos الذي ينافس الحزب الاشتراكي العمالي PSOEعلى زعامة اليسار، وحزب سيودادانوس Ciudadanosالذي ينازع الحزب الشعبي اليميني على وسط اليمين. يتميز المشهد السياسي الحالي في إسبانيا ببروز قيادات سياسية شابة من جيل الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، سواء على رأس الأحزاب الصاعدة أو الأحزاب التقليدية. تورُّط الحزب الشعبي اليميني في ملفات الفساد وصدور أحكام تُدين مباشرة الحزب وقيادات يمينية وازنة عجّلت بسقوط حكومة راخوي اليمينية بعد أن تقدم الفريق الاشتراكي بملتمس سحب ثقة حضي بدعم حزب بوديموس وكل الأحزاب الجهوية الكطلانية والباسكية.

تأتي هذه الانتخابات بعد عشرة أشهر من ملتمس سحب الثقة الذي أطاح بحكومة راخوي اليمينية وتولي الاشتراكي بيدرو صانشيص Pedro Sanchez رئاسة الحكومة، وبأيام بعد انطلاق محاكمة أعضاء الحكومة الجهوية الكطلانية السابقة بتهم العصيان وتنظيم استفتاء غير قانوني على انفصال كاطالونيا والخيانة العظمى. الأزمة الكطلانية تُلقي بضلالها بقوة على هذه الانتخابات وتعتبر حجر الزاوية في المواجهة بين مقاربتين:

  • مقاربة اليسار الاسباني الذي يُراهن على الحوار والتفاوض والبحث عن حلول سياسية لهذه الأزمة التي تهدد وحدة واستقرار اسبانيا الديموقراطية وتداعياتها على باقي الجهات التاريخية.
  • مقاربة أحزاب اليمين التي تراهن على المواجهة وتطبيق القانون واستبعاد أي تفاوض أو حوار مع الأغلبية الانفصالية المُشكِّلة للحكومة الجهوية.

ويكيل الحزب الشعبي وحزب سيودادونوس (ليبيرالي) تهما ثقيلة لغريمهما الاشتراكي من قبيل الخيانة والتنسيق مع الانفصاليين ومجاراتهم مقابل الحصول على دعمهم لتشكيل الحكومة المقبلة، ومصافحة أيادي ملطخة بالدماء في إشارة إلى تصريح لأوطيغي Otegui زعيم حزب بيلدوBildu وريث الجناح السياسي لمنظمة إيطا الباسكية يدعو فيه نائبي حزبه في البرلمان الوطني إلى دعم مقترح قانون تقدم به الحزب الاشتراكي.

نهاية القطبية الحزبية في إسبانيا ، وبروز أحزاب جديدة صاعدة من اليسار واليمين وتداعيات الأزمة الكطلانية على المشهد الاسباني ازدادت حدّة ببروز حزب فوكسVox على يمين الحزب الشعبي المُحافظ، “فوكس”حزب يميني فرانكوي، عنصري متطرف تُشير جميع استطلاعات الرأي إلى احتمال حصوله في هذه الانتخابات على فريق برلماني قد يكون حاسما في تشكيل الحزب الشعبي وحزب وسط اليمين سيودادانوس للحكومة المقبلة على غرار ما حدث منذ شهرين في الانتخابات الجهوية بالأندلس..

بلقنة المشهد السياسي في اسبانيا ونهاية القطبية الحزبية والتناوب الحكومي بين الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي لم يعن ـ على خلاف باقي دول الاتحاد الأوروبي ـ نهاية القطبية الايدلوجية في إسبانيا بقدر ما أفرز أحزابا جديدة دائما على يمين ويسار الحزبين، وتأتي انتخابات 28 أبريل لتؤكد حاجة اليمين الاسباني لتحالفات تسمح له بتشكيل الحكومة القادمة في حالة فوزه، كما أن ظهور حزب فوكس اليميني المتطرف واحتمال حصوله على فريق برلماني أجّج من حدة المنافسة بين الحزب الشعبي وحزب سيودادانوس على أصوات وسط اليمين التي تاريخيا كان يمثلها الحزب الشعبي. في المقابل نجد الحزب الاشتراكي يسترجع ناخبيه من وسط اليسار ويستعيد نفوذه في أوساط الفئات المتضررة من سياسات الحكومات اليمينية أثناء الأزمة الاقتصادية، بينما ظل سقف منافسه بوديموس واليسار الموحد محدودا بقدر ما هو ضروري لتشكيل الحكومة المقبلة. استطلاعات الرأي تؤكد أن عددا كبيرا وغير مسبوق من الناخبين لم يحسم في اختياره وأن الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية كانت حاسمة في ذلك، وعرفت المواجهة بين زعماء الأحزاب الأربعة يوم الثلاثاء 23 أبريل على القناتين الثالثة والسادسة متابعة غير مسبوقة من الإسبان فاقت حسب استطلاع القناتين 11 مليون مشاهد، وظهر واضحا شرود زعيم الحزب الشعبي وفشله في التواصل مع الناخبين وضعف قدرته على الاقناع، بينما ظهر زعيم حزب سيودادانوس ألبرت ريبيرا Albert Riveraمُنشغلا بالمنافسة حول زعامة اليمين، في المقابل ركّز كل من الزعيم الاشتراكي وزعيم بوديموس بابلو إغليسياس Pablo Iglesiasعلى مقترحات حلول لأهم القضايا التي تشغل الرأي العام الاسباني، وفي مقدمتها الشغل والتقاعد والسكن والأزمة الكطلانية. جريدة الباييس أشارت في تغطيتها ليوم الأربعاء 24 أبريل إلى إجماع أغلب المحللين على أن الزعيمين اليساريين نجحا في توجيه خطاب متوازن ومُقنع قادر على استمالة الناخب المتردد، بينما غرق منافسيهما من اليمين في الخطاب الشعبوي وفي التباري على زعامة اليمين ومحاولة كلاهما المزايدة على حزب فوكس اليميني المتطرف في ملف الهجرة والأقليات واعتماد المقاربة الأمنية بدل المقاربة السياسية في التعامل مع الأزمة الكطلانية وتهديد الحركة الانفصالية بالملاحقة الجنائية والتطبيق المتشدد للفصل 155 من الدستور الاسباني القاضي بإلغاء الحكم الذاتي في جهة كاطالونيا.

من المؤكد أن نتائج هذا الاقتراع التاريخي لن تُغيِّر كثيرا ـ حسب كل الاستطلاعات ـ من شكل الخريطة السياسية في إسبانيا، والأكيد أنها ستستمر بتعدد أحزاب اليمين واليسار في طرفيها منقسمة إلى قوتين:

  • الأولى يمينية تحتاج إلى الأحزاب الجهوية لتشكيل أغلبية حكومية،
  • الثانية يسارية تحتاج إلى الأحزاب الجهوية بما فيها الانفصالية لتشكيل الحكومة المقبلة، والفارق أن الحزب الاشتراكي العمالي سيحصل لا محالة على المرتبة الأولى التي تؤهله لقيادة التشكيلة الحكومية، بينما الحزب الشعبي قد يفقد المرتبة الثانية لصالح غريمه سيودادانوس وقد يفقد بذلك زعامة المعارضة أو احتمال قيادة التشكيلة الحكومية المقبلة بدعم حزب فوكس اليميني العنصري.

المفاجآت الممكنة، أن يحصل الحزب الاشتراكي العمالي على أغلبية مريحة تكفيه لتشكيل الحكومة فقط بالتحالف مع بوديموس الذي قد يتراجع في عدد مقاعده دون أن يفقد ترتيبه وموقعه الحاسم في تشكيل الحكومة المُقبلة، أو أن يختار الحزب الاشتراكي تشكيل حكومة بالتحالف مع حزب سيودادانوس (وسط اليمين) بضغط من الدولة العميقة ومراكز القرار الاقتصادي..

“يصدر هذا المقال ليلة الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات، وتشخيصنا للوضع السياسي في الجارة الاسبانية بما يحمل من تحاليل وتقديرات شخصية ستؤكده لامحالة هذه النتائج التي سنعود لها في المقال المقبل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى