فكر وآراء … شكسبير وتاجر البندقية .. إعادة تفكيك
رزين يوسف
قبل أربعة قرون كتب شكسبير مسرحيته الشهيرة “تاجر البندقية” ، لكن كما هو واضح من ردود النقاد فإن عمله تعرض لسوء فهم كبير .. نعم لقد أسيء فهم عمله المسرحي هذا سواء من طرف النقاد الغربيين أو العرب. فالغربيون رأوه متحاملا على اليهود، ولولا أنه شكسبير لاتهموه بمعاداة السامية ومنعوا مسرحيته، وأما العرب فقد رأوا فيه فاضحا لليهود ومخططاتهم الصهيونية !. لكن هل فعلا عالج شكسبير الموضوع الذي انتهى إليه إدراك النقاد (الصراع اليهودي المسيحي) أم انه قصد معالجة إشكالية أخرى ..إشكالية أعمق ؟
تقوم أحداث المسرحية حول انطونيو المسيحي الذي يستدين من اليهودي شايلوك فيشترط عليه انه إذا عجز عن سداد الدين في وقته أن يقطع رطلا من لحمه. فلماذا أراد شايلوك اليهودي أن يقطع لحم انطونيو المسيحي ؟ ما السر وراء ذلك ؟، و ماذا أراد شكسبير أن يقول من خلال هذه القصة ؟ هنا يكمن مربط الإشكالية ..هذه الإشكالية التي عجز النقاد عن تحديدها لأنهم انساقوا وراء أحداث المسرحية التي انتهت نهاية سعيدة فاعتقدوا أن شكسبير كتب ملهاة لتسلية الجمهور يدين من خلالها اليهودي الحقير مقابل المسيحي الطيب .. لو كان الأمر كذلك لكان إن شكسبير كاتبا مسرحيا عاديا، وليس ذلك العبقري الذي نعرفه. شكسبير باختصار عبقري ارتفع إلى مصاف الأنبياء. شكسبير كان مهموما بمشاكل حضارته الغربية، لذلك شخص مشاكلها بدقة و وصف لها العلاج .
إن مقابلة يهودي/ مسيحي التي وضعها شكسبير في مسرحيته هي مقابلة مضللة للقارئ العادي والناقد السطحي أيضا. إنه لا يهدف من خلال عمله المسرحي إلى معالجة أسباب الصراع اليهودي المسيحي بل إلى معالجة صراع آخر. فأنطونيو في المسرحية لا يملك من المسيحية إلا الاسم ، فثقافته هي إغريقية رومانية فضلا عن انه ايطالي. إذن نحن أمام مقابلة أخرى يمكن أن نجعلها كالتالي : يهودي/ روماني، لكن لكي تتضمن هذه المقابلة عنصر الصراع والتوتر علينا أن نغوص إلى مقابلة أعمق ..مقابلة يكون العرق هو محددها الأساسي فتوفر لنا بذلك شرط التطابق والتناقض بين عنصريها. فاليهودي شايلوك في هذه المسرحية يمثل العرق السامي وانطونيو المسيحي الروماني هو ممثل للعرق الآري. إذن المقابلة هنا تصبح كالتالي: العرق السامي/ العرق الآري.
لكن لماذا يوجد صراع بين هذين العرقين ؟ لماذا لا يتعايشان بسهولة ؟ للجواب على ذلك نغوص إلى مقابلة أعمق و هي مقابلة الأنثى / الذكر. فالعرق السامي هو عرق أنثى ولهذا تظهر عقليته الأنثوية في معماره المتميز برقته وسواريه الرشيقة، أيضا في حروبه التي تعتمد على استدراج العدو ومحاصرته، وأما العرق الآري فهو عرق ذكوري يتميز بمعماره الضخم والمتجهم بسواريه العريضة واستراتيجياته العسكرية القائمة على الهجوم المباشر.
إذن كما قلنا فهذان العرقان (السامي والآري) يطبعهما الصراع الأنثوي الذكوري، و هو بالمناسبة صراع دموي كما يعلم بذلك العارفون بخبايا علم النفس، وشكسبير من خلال مسرحيته (تاجر البندقية) يحاول أن يعالج هذه الإشكالية التي تنتظر الحضارة الغربية.
إن شكسبير هو ابن عصر النهضة الأوربية، وقد شهد بنفسه صعود الحضارة الغربية ذات الأصول الإغريقية الرومانية وبحثها عن الاكتمال والامتلاء والذروة، لكن هذه الحضارة هي بالأساس حضارة عرق آري، و إذا لم تجد حلا للصراع الآري السامي فإنها ستقع حتما في مجازر رهيبة والأخطر من ذلك أن مسيرتها ستتعرض للتوقف لأن استمرار دورانها رهين باحتوائها للعرق السامي واتحادها معه.
إن اليهودي شايلوك / السامي / الأنثى حينما يرغب في قطع لحم أنطونيو/ الآري/ الذكر، فذلك كرد فعل على اعتداءات انطونيو عليه . إن شكسبير يتعاطف مع شايلوك / السامي/ الأنثى على عكس ما ذهب إليه النقاد ويدين أنطونيو/ الآري/ الذكر ويدعوه إلى تغيير معاملته وإلا سيظل الصراع الآري/السامي قائما.
إن المشكلة التي عالجها شكسبير في مسرحيته هي مشكلة حقيقية يعاني منها العقل الغربي. إنه لحد الآن لا يزال لا يستوعب الوجود السامي على هذا الكوكب
و لهذا بعد أربعة قرون من كتابة مسرحية تاجر البندقية سيأتي شخص يدعى هتلر بإيديولوجية ساذجة سيقنع من خلالها الألمان بإبادة ستة مليون يهودي. إذن شكسبير لم يكن يعبث حينما كتب مسرحيته. لكن يبقى السؤال : هل فعلا وعى العقل الغربي أزمته كما وعاها شكسبير ؟
الجواب من خلال ممارسات هذا الغرب هو انه قام بالتحايل على أزمته ولم يعها بعد ! .. فقد قام بسن قانون معادة السامية لكنه في العمق استمر في عدائه للساميين بأشكال ملتوية. فهو أولا أخرجهم من أوربا بدعوى إيجاد وطن قومي لهم في فلسطين ! ثم حولهم إلى سكين يقطع به أرطال اللحم السامي..العربي هذا المرة .
و تست