نظام جبائي غير منصف وغير دستوري
◆ عبد الرحمان بن حيدة
ينص الدستور المغربي في المادتين 39 و40 أن “على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد…” … ” وعلى الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية وللقانون وحده إحداثها وتوزيعها.”
إن الفكرة الأساسية المستخلصة من المادتين المذكورتين هو أن جميع مكونات الشعب المغربي بدون تمييز مطالبة بالمساهمة حسب إمكانياتها في تكاليف التنمية والتكاليف العمومية.
فالدولة من خلال رصد الميزانية العامة سنويا وصرفها تهدف إلى تحقيق نسبة ما من تنمية البلاد وذلك بالاعتماد على الموارد من أجل تمويل الاقتصاد من خلال ميزانيتي التسيير والاستثمار.. ومن الموارد الأساسية التي تعتمد عليها الدولة هي تلك المتعلقة بالنظام الضريبي حيث تشكل المداخيل الجبائية نسبة مهمة في مداخيل الدولة.
وتتكون المداخيل الجبائية في باب الواردات للميزانية بالأساس من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الاستهلاك ومداخيل التنبر والتسجيل؛ فباستثناء الضريبة على الشركات فالضرائب الأربع الأخرى كلها يؤديها المواطنون (مستخدمون ومستهلكون). في سنة 2018 بلغت المداخيل الجبائية 211 مليار درهم، منها 146.42 مليار درهم تأتي من الضرائب الأربع المذكورة والتي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، أي بنسبة 70 %، وهي كذلك تشكل 61.8 % من المداخيل في الميزانية العامة.. في حين نسجل بأن مداخيل الضريبة على الشركات لم تتعد 51.7 مليار درهم مع العلم بأن 80 % من هذا المبلغ أدته فقط 1 % من أصل 241.600 مقاولة ضريبية مسجلة.
إن هذه الأرقام تبرز بشكل صريح مدى المساهمة المباشرة للمواطنين في التنمية وفي التكاليف العمومية، بينما الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وتشغيل تشهد ترديا حقيقيا وتدهورا مستمرا؛ وفي مقابل ذلك، نرى بأن الرأسمال الكبير في المغرب لا يساهم إلا بقسط هزيل مقارنة بحجم التضحيات الكبيرة لأوسع الجماهير، والأكثر من ذلك فإن الرأسمال المغربي يستفيد من امتيازات كبيرة على حساب فئات عريضة من المجتمع، بل ففي المناظرة الوطنية الجبائية التي انعقدت مؤخرا في مدينة الصخيرات يومي 3 و4 ماي 2019 بلغ الأمر أن الكونفدرالية العامة للمقاولات تطالب بالمزيد من التخفيضات والإعفاءات الضريبية !!…
أمام هذه المعطيات وبالرجوع إلى المادتين الدستوريتين، يمكن القول إن الشعب المغربي يعيش حيفا دستوريا حقيقيا، وأن الطبقة الحاكمة والطبقات التي تدور في فلكها تستحوذ على ثروات البلاد، وأن بسياساتها المتتابعة تريد أن تستحوذ على المزيد، وذلك من خلال التملص والتهرب الضريبي والإعفاءات الضريبية، وكمثال صريح على هذا هو إعفاء الفلاحة من الضريبة إلى حدود 5 ملايين درهم، فمستخدم في ضيعة فلاحية إذا كانت أجرته تتعدى 6000 درهم شهريا، عليه أن يؤدي الضريبة على الدخل، في حين صاحب الضيعة معفى منها!!
وخلاصة الأمر، لا يمكن فصل هذا الواقع الضريبي المختل عن الوضع السياسي العام فالانخراط في مقاومة كل أشكال الفساد وهدر المال العام ومواجهة الاستبداد وكذا المطالبة بالديمقراطية ودولة الحق والقانون المغيبتين، هي مداخل ضرورية ورئيسية في اعتماد نظام ضريبي جبائي منصف يضمن التوزيع العادل للثروة، ويضع أسس مجتمع يضمن العدالة والكرامة لكل المواطنين.