غير مصنف

الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى أين؟

◆ عزيز لوديي

نفتح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬قضية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب،سواء‭ ‬كحركة‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬أو‭ ‬مآلها‭ ‬ومستقبلها،ونحن‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬لن‭ ‬نفرض‭ ‬أية‭ ‬رقابة‭ ‬على‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬التي‭ ‬تحبل‭ ‬بها‭ ‬الحركة‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا،‭ ‬نصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش‭ ‬دون‭ ‬خدش‭ ‬وعنف‭ ‬لفظي‭. ‬سنحتفظ‭ ‬بالعنوان‭ ‬أعلاه‭ ‬لكل‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬سترد‭ ‬علينا،‭ ‬مع‭ ‬عنوان‭ ‬المقالة‭ ‬أسفله‭. ‬وسنبدأ‭ ‬بنشر‭ ‬مقال‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرفيق‭ ‬عزيز‭ ‬الوديي،‭ ‬سنقسمه‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬حلقات‭ ‬وهو‭ ‬أصلا‭ ‬استجواب‭ ‬أجراه‭ ‬معه‭ ‬الصحافي‭ ‬عماد‭ ‬ستيتو‭ ‬والمؤرخ‭ ‬المعطي‭ ‬منجب‭. ‬


عبد‭ ‬العزيز‭ ‬لوديي‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬الحدث

‭”‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ذاكرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انتقاء‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نسيان‭ […]. ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نتذكر‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ضروري‭ ‬لفهم‭ ‬الأحداث‭”‬

دونيس‭ ‬بيشانسكي

الحلقة‭ ‬1‭:  ‬توضيحات‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬منها

1‭. ‬أسعى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة،‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بالاقتصار‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬عشتها‭ ‬شخصيا،‭ ‬وساهمت‭ ‬فيها‭ ‬بكيفية‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭. ‬كما‭ ‬ستَرِد‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثي‭ ‬أحداث‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مشاركا‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬منقولة‭ ‬عن‭ ‬رفاق‭ ‬من‭ ‬الثقاة‭ ‬وذوي‭ ‬المصداقية‭. ‬

إن‭ ‬روايتي‭/‬شهادتي‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬حصيلة‭ ‬لمعرفتي‭ ‬طبعاً‭ ‬لتاريخ‭ “‬الحملم‭” ‬و‭”‬أوطم‭” ‬والحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬المغربية،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تجربتي‭ ‬المحدودة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬داخل‭ ‬تلك‭ ‬الإطارات‭ ‬النضالية‭. ‬وبديهي‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أعتمد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭ ‬على‭ ‬ذاكرتي‭ ‬الشخصية‭ ‬وعلى‭ ‬بعض‭ ‬الوثائق‭ ‬النادرة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬أيضاً‭ ‬بذاكرة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرفاق‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬تلك‭ “‬الوقائع‭” ‬و‭”‬الأحداث‭” ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصحيح‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬وتأكيدها‭ ‬أو‭ ‬نفيها‭. ‬ولا‭ ‬أخفي‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستشارات‭ ‬الرفاقية‭ ‬كانت‭ ‬مفيدة‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لما‭ ‬أضعه‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬القارئ‭ ‬اليوم،‭ ‬والذي‭ ‬يبقى‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬مجرد‭ ‬شهادة‭ ‬وليس‭ ‬تاريخاً‭ ‬أو‭ ‬تأريخاً‭ ‬بالمعنى‭ ‬العلمي‭ ‬للمصطلح‭. ‬

‭ ‬2‭. ‬تحوّل‭ ‬المؤتمر‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ “‬أوطم‭”‬،‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬ما،‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ “‬عام‭ ‬الفيل‭” ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬حركتنا‭ ‬الماركسية‭-‬اللينينية‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُذكرنا‭ ‬بـ‭ “‬قنبلة‭ ‬المارشي‭ ‬سنترال‭” ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المقاومة‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬يدّعي‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬المقاومين،‭ “‬أبُوَتَهُم‭” ‬لتلك‭ ‬العملية‭ ‬الفدائية‭. ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر،‭ ‬التاريخي‭ ‬والهام‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬حركتنا،‭ ‬موضوع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيل‭ ‬والقال،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭!‬

3‭. ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سأرويه،‭ ‬في‭ ‬حديثي‭ ‬هذا،‭ ‬مطبوع‭ ‬بالضرورة‭ ‬بالذاتية‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬المكوّنة‭ ‬لشخصيتي‭ ‬غير‭ ‬المعصومة‭ ‬من‭ ‬الخطأ،‭ ‬بداهة‭. ‬لن‭ ‬أخوض،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة،‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭/‬الجدل‭ ‬القديم‭-‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الذاتي‭ ‬والموضوعي‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬عامة،‭ ‬وفي‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭. ‬أكتفي‭ ‬بالقول،‭ ‬إن‭ ‬روايتي‭ ‬لما‭ ‬عِشْته‭ ‬مُؤطَرة‭ ‬ومتأثرة،‭ ‬بقوة،‭ ‬بقناعاتي‭ ‬القديمة‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬طالبا‭ ‬مناضلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حركتنا،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تتأثر‭ ‬بقناعاتي‭ ‬الراهنة‭ ‬الماركسية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وبحنيني‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬زلتُ‭ ‬أحلم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬حياتي‭…‬

4‭. ‬شكّل‭ ‬انتمائي‭ ‬للحركة‭ ‬الماركسية‭ ‬المغربية‭ “‬الحملم‭” ‬ونضالي‭ ‬في‭ ‬صفوفها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاق‭/‬رفيقات‭ ‬أعزاء‭ ‬ومخلصين‭ ‬قدموا‭ ‬تضحيات‭ ‬جساماً،‭ ‬وهم‭  ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬ذاك‭ ‬الانتماء‭ ‬يُشكّل‭ ‬لحد‭ ‬اليوم‭ ‬مفخرة‭ ‬واعتزازا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭.‬

5‭. ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أعتزّ‭ ‬وأفتخر‭ ‬بانتمائي‭ ‬لـ‭ “‬الحملم‭”‬،‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتوانى‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬حركتنا‭ ‬وتقييم‭ ‬تجربتها‭ ‬دون‭ “‬جلد‭ ‬الذات‭”‬،‭ ‬أولا؛‭ ‬لكن‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المداهنة‭ ‬أو‭ ‬تبجيل‭ ‬تجربتنا‭ ‬وتقديسها‭ ‬أو‭ ‬نفخ‭ ‬الذات‭ ‬والسقوط‭ ‬في‭ ‬النرجسية،‭ ‬ثانيا‭. ‬فليعذرني‭ ‬رفاقي‭/‬رفيقاتي‭ ‬إن‭ ‬بدا‭ – ‬لهم‭/‬لهن‭- ‬أنني‭ ‬أقسو‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وعلى‭ ‬حركتنا‭ ‬المناضلة‭… ‬و‭”‬على‭ ‬قدر‭ ‬الهوى‭ ‬يأتي‭ ‬العتاب‭” (‬أحمد‭ ‬شوقي‭) ‬أو‭ “‬من‭ ‬يحب‭ ‬يقسو‭ ‬في‭ ‬العتاب‭” ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭.‬

6‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬اضطلعت‭ ‬به‭ ‬خديجة‭ ‬المنبهي،‭ ‬زوجتي،‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬مسيرتي‭ ‬النضالية‭. ‬إذ‭ ‬بفضل‭ ‬نضالها‭ ‬وجرأتها،‭ ‬التي‭ ‬عزّ‭ ‬نظيرها،‭ ‬استطعتُ‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬وبرفاقي‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬معتقلا،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬كانت‭ ‬بارعة‭ ‬ومُبدعة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬إتلاف‭ ‬الهوية‭ ‬الفعلية‭ ‬للكتب‭ ‬أو‭ ‬تمويهها‭ ‬وفي‭ ‬تسريب‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ممنوعاً‭ ‬إدخاله‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭. ‬وأشير‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬المناضلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الملتزمة‭ ‬سياسيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ “‬الحملم‭”‬،‭ ‬تنظيم‭ “‬ب‭” ‬ضمن‭ ‬عائلات‭ ‬معتقلي‭ “‬مجموعة‭ ‬أنيس‭ ‬بلافريج‭”. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬تعرضت‭ ‬باستمرار‭ ‬للاعتقال‭ ‬والاستنطاق‭ ‬كلما‭ ‬حدث‭ ‬طارئ‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭. ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ساعدتني‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الانزلاقات‭ ‬والهفوات‭ ‬الشخصية‭ ‬والسياسية‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحي‭. ‬وللإشارة‭ ‬فإن‭ ‬جلّ‭ ‬العائلات‭ (‬الأمهات،‭ ‬الآباء‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الزوجات‭) ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بنشاط‭ ‬ذويه،‭ ‬ولم‭ ‬يتفهم‭ ‬سبب‭ ‬اعتقالهم‭! ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحُل‭ ‬دون‭ ‬تحوّل‭ ‬تلك‭ ‬العائلات‭ ‬إلى‭  ‬تشكيل‭ ‬السند‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬دعم‭ ‬المعتقلين‭ ‬السياسيين‭ ‬بالمغرب‭ ‬طيلة‭ ‬كل‭ ‬مدة‭ ‬اعتقالهم‭.‬

7‭. ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المؤتمر‭ ‬XV‭ ‬لـ‭ “‬أوطم‭” ‬من‭ ‬دون‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة،‭ ‬العضوية،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التماهي،‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬و‭”‬الحملم‭” ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ستينيات‭ ‬وبداية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أثرت‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬في‭ ‬تكوّن‭ “‬الحملم‭” ‬في‭ ‬توجهاتها‭ ‬وممارساتها‭ ‬اليومية‭ ‬تأثرت‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬أيضا‭ ‬بفكر‭ ‬وتوجهات‭ ‬وممارسات‭ “‬الحملم‭” ‬داخل‭ ‬القطاع‭ ‬الطلابي‭.‬

‭ ‬8-‭ ‬وأخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخراً،‭ ‬قد‭ ‬يُثير‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الذكريات‭ ‬القديمة‭ – ‬الشهادة‭ – ‬عن‭ ‬وقائع‭ ‬وأحداث،‭ ‬جرت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬خلت،‭ “‬زوبعة‭” ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬والملاحظات‭ ‬الإيجابية‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬السلبية‭ “‬اللاذعة‭”‬،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬أرحب،‭ ‬بشكل‭ ‬مسبق،‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬مادام‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬نية‭ ‬ويروم‭ ‬تصحيح‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬ارتكبتها‭ ‬عند‭ ‬سردي‭ ‬للوقائع‭ ‬والأحداث‭. ‬إذ‭ ‬المهم،‭ ‬في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬هو‭ ‬التقرب‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬تاريخية‭ ‬تُفيد‭ ‬ذاكرة‭ ‬المُضطَهدين‭ ‬حاضراً‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬مستقبلاً‭. ‬والغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النشر‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬تمجيد‭ ‬ماضينا‭ ‬والبكاء‭ ‬على‭ ‬أطلاله‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬أخطائنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭!‬

لن‭ ‬أتعرض‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬الحركة‭ ‬الماركسية‭- ‬اللينينية‭ ‬المغربية‭ “‬الحملم‭” ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬قاعدتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الطبقية‭ ‬الأساسية‭ – ‬المعروفة‭ ‬بداهة‭- ‬أو‭ ‬إيديولوجيتها‭ “‬الرسمية‭”‬،‭ ‬ولا‭ ‬كيف‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬ترجمة‭ ‬تلك‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المغربي‭.‬

ولن‭ ‬يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الاستجواب‭ ‬أيضاً‭ ‬التكتيكات‭ ‬التي‭ ‬بلورتها‭ “‬الحملم‭” ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاز‭ ‬المهام‭ ‬الثورية‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬وسعت،‭ ‬بكل‭ ‬قواها،‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها؛‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتعرض‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ “‬الحملم‭” ‬على‭ ‬التجذر‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ – ‬العمال‭ ‬والفلاحين‭ ‬الفقراء‭- ‬وبقائها‭ ‬معزولة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الجماهير‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مندوحة‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬محاولات‭ ‬تفسير‭ ‬انكسار‭ “‬الحملم‭” ‬بعامل‭ ‬القمع‭ ‬الجهنمي‭ ‬الذي‭ ‬سلطه‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الناشئة‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭… ‬بمعنى‭ ‬هل‭ ‬يكفي‭ ‬العامل‭ ‬القمعي‭ ‬لتفسير‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬تبرير‭ ‬فشل‭ ‬حركتنا‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬مهامها‭ ‬التاريخية‭.‬

كانت‭ ‬الشبيبة،‭ ‬بشقيها‭ ‬الطلابي‭ ‬والتلاميذي،‭ ‬القاعدة‭ ‬الاجتماعية‭/‬الطبقية‭ ‬الرئيسية‭ ‬للحملم‭. ‬وهي‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬فيها‭ ‬الحركة‭ ‬وترعرعت،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬اكتسبت‭ ‬السمات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬طبعتها‭ ‬من‭ ‬ذاك‭ ‬الوسط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الشاب،‭ ‬المتحمس‭ ‬والمتعطش‭ ‬إلى‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬مع‭ ‬الآباء‭ -‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬روح‭ ‬المحافظة‭ ‬والتشبث‭ ‬بالتقاليد‭- ‬والطامح‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬لواقعه‭ ‬ولواقع‭ ‬المجتمع‭ ‬برمته‭.‬

‭ ‬إنها‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ – ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُشكل‭ ‬طبقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭- ‬ينتمي‭ ‬سوادها‭ ‬الأعظم‭ ‬للبرجوازية‭ ‬الصغرى‭ ‬المدينية‭ ‬كما‭ ‬ينحدر‭ ‬بعضه‭ ‬من‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬الفقيرة‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬المعدمة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والبوادي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نزر‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المناضلين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الأصول‭ ‬البرجوازية‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ “‬الأرستوقراطية‭”. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬حركتنا‭ ‬كانت،‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬هي‭ ‬البرجوازية‭ ‬الصغرى‭ ‬المدينية‭. ‬ولإثبات‭ ‬ذلك‭ ‬تكفي‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬صكوك‭ ‬الاتهام‭ ‬وإلى‭ ‬منطوقات‭ ‬الأحكام‭ ‬المتعلقة‭ ‬بكل‭ ‬المحاكمات،‭ ‬الكبيرة‭ ‬منها‭ ‬والصغرى،‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬فيها‭ ‬متابعة‭ ‬مناضلي‭ ‬ومناضلات‭ “‬الحملم‭” ‬وصدرت‭ ‬خلالها‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬حقهم؛‭ ‬وذلك‭ ‬خلافا‭ ‬للمناضلين‭ ‬الاتحاديين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬حركتنا‭ ‬تصفهم‭ ‬بوصمة‭ ‬خطأ‭ ‬بـ‭ “‬البلانكيين‭”!‬‭!‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى