الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى أين؟
وحدة الحركة الطلابیة المغربیة هل هي ممكنة؟ وبأي معنى؟
الأزمة وخطابها السیاسي
- الطلبة فئة اجتماعية متميزة ضمن فئات المجتمع المغربي، أو على الأقل كانت كذلك، وهذا يرجع لأسباب مختلفة منها حاجة الرأسمال إلى يد عاملة مؤهلة وعقول مفكرة. إضافة إلى الخصاص الذي عرفته الإدارة المغربية، وجل القطاعات المغربية من الأطر بعد رحيل الإداريين والموظفين الأجانب.
هذا دون أن ننسى ما يكنه المجتمع من تقدير لكل صاحب علم أو طالبه. هذه الفئة ( فئة الطلبة )،انتظمت مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي، وهذا له دلالته الواضحة، في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب(أوطم). بعد أن كانت تشتغل في إطارات مشتتة ومحصورة النفوذ. وهي بذلك إذ استلقطت أهمية التنظيم والتأطير مبكراً، فإنها لم تتوان في الإسهام بشكل فعال ومؤثر في النضال الجماهيري، جنبا إلى جنب مع مجموع القوى الوطنية والتقدمية الأخرى. لتنتج كل نضالات الحركة الطلابية ـ عبر تراكماتها ـ حركة طلابية بطابع مغربي، ورؤى كونية، تطمح إلى الديمقراطية والحرية.
2- لقد عرفت الحركة الطلابية المغربية حركية ودينامية كبيرتين، خلال العقد ونصف العقد الأوليين من تأسيس (اوطم). تجلى ذلك، من ضمن ما تجلى، في حجم النضالات، وطول نفسها، واتساع رقعتها، وقدر مكاسبها. أيضا تجلت هذه الحركية في كثرة المؤتمرات ودوريتها، التي عقدتها النقابة الطلابية. فطيلة الفترة الممتدة من 1956 (وهي سنة تأسيس (أوطم)) إلى غاية 1972، لم يعلق مؤتمر المنظمة الطلابية، السنوي، سوى مرة واحدة (سنة 1967)، وكان ذلك بسبب المنع الذي تعرضت له. لكن وبعد انعقاد المؤتمر الوطني الخامس عشر لـ (اوطم) ستختفي ظاهرة عقد المؤتمر سنويا، عندما حظر في التاريخ المعروف، بموجب حكم قضائي. ليستمر هذا الحظر القانوني إلى حدود صدور قرار 8 نونبر 1978، كتتويج لنضالات طويلة النفس واسعة الانتشار في كل المراكز الجامعية. ويبدأ طور جديد للتحضير لأشغال المؤتمر السادس عشر، الذي سيعقد في السنة الموالية.
ويكون بذلك آخر مؤتمر ناجح، لسبب بسيط، وهو خروج المؤتمر الوطني السابع عشر (الرباط 1981) بتوصيته اليتيمة، دون أن يضع بين يدي الطلبة والحركة الطلابية، مقررات توجيهية و تنظيمية. المآل الذي وصله المؤتمر السابع عشر، وفشله في انتخاب الأجهزة القيادية (الأطراف الطلابية تنعت نتيجة المؤتمر إما بالفشل أو بالإفشال. لكن استعمال كلمة فشل في هذا السياق هو إقرار موضوعي للحال، وليس حكما للسجال) ، سيكون له الأثر البالغ فيما سيأتي، من دون شك، من واقع الحركة الطلابية.
3- هدا التمهيد المقتضب، كان الهدف منه، ذكر بعض السنوات والمحطات التي كان لها الأثر البارز في تاريخ ( أوطم ). و من ثم في تطور الحركة الطلابية المغربية، مادام أن الطلبة، في أغلبيتهم الساحقة، قد انضموا للإطار النقابي (أوطم) ولم يرضوا بغيره بديلا.
4- إن المتتبع للخطاب الطلابي في رحاب الجامعة، يلاحظ وبشكل بارز، الحيز الزمني والجهد الفكري المنصب حول أحد الموضوعات التي استأثرت بالنقاش: انه موضوع الأزمة.
خطاب الأزمة، ومعه الخطاب الطلابي في عموميته، لا يمكن فصله عن حامل هدا الخطاب، وبالتالي منتجه (وإن كان في بعض الأحيان يحسب الحامل بالجمع، وبحسب المنتج بالفرد )، حوامل الخطاب الطلابي (أو الأطراف الطلابية ) هي متواجدة داخل الجامعة كامتدادات تنظيمية لجمعيات سياسية (أحزاب)، أو دينية (جماعات الإسلام السياسي). وهي إذن متواجدة بموجب قرار سياسي، بطبيعة الحال لكل حسب استراتيجية وأهداف معنية. هذا الارتباط الذي يوجد بين الأطراف وتنظيماتها سيكون له أثر بالغ في تشكيل هذا الخطاب، وبالتالي في تكوين الوعي، الذي بواسطته تفكر مشكلات ممارستها النضالية. من جهة أخرى يتم تحديد الطلبة كإحدى الفئات المكونة للبورجوازية الصغيرة (التحديد الطبقي)، وإلى شريحة المثقفين، بعضهم يحسب ضمن المثقفين العضويين، والمثقف من منظور غرامشي، أصله برجوازي.
صحيح أن الجامعة كمؤسسة اجتماعية، تحمل الخصائص المجتمعية، والطلبة تبعا لذلك تختلف أصولهم الاجتماعية والفكرية. وهذا أثر على الصراع داخل (أوطم) فكان من يدافع عن البورجوازية، وكان هناك من يدافع عن طبقة يتم تحديدها على أنها «ثورية»، كما كانت هناك فئات لا هم ولا شغل لها. لكن الانتماء الطبقي يبقى رغم كل شيء محددا رئيسيا. يكفي أن نرجع إلى مقررات مؤتمرات (أوطم) وبدون استثناء، بل حتى تلك التي كانت أكثر جذرية، لم تخرج عن الإطار العام للفكر البرجوازي وتفرعاته. كل هذا تم ذكره لكي أبين أن خطاب الأزمة، عند الأطراف الطلابية، ليس نابعا من توجهات إيديولوجية مختلفة. وإنما هو نابع من منظورات سياسية متباينة. وهذا ما سأحاولُ توضيحه فيما سيلحق من كلام.
5-لنطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل هناك زمن محدد للأزمة؟. قبل الجواب على هذا السؤال، يجب أن نحدد أولا عن أية أزمة نتحدث؟! هل هي أزمة تعليمية، أم ثقافية، أم اقتصادية، اجتماعية، أم سياسية؟.
الخطاب الطلابي يتحدث مرة عن أزمة الحركة الطلابية، ومرة أخرى يتحدث عن أزمة الإطار النقابي (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب). وفي كثير من الأحيان لا يستطيع أن يفرق بين الاثنين. وهو بذلك (الخطاب الطلابي) يماهي بين الحركة الطلابية والإطار النقابي الطلابي. وذلك ليس بأمر صحيح، بحيث لا يمكن اختزال الحركة الطلابية في أحد تعبيراتها. الحركة الطلابية كبنية، تنتمي إلى المجال الثالث، المجال الرمزي، أما الإطار الطلابي فهو شيء متحقق، أكثر من ذلك فإن الحركة الطلابية سابقة عن الإطار، دائمة، غير مؤقتة. ولنا في فترة الحظر القانوني خير دليل، فمع غياب الإطار النقابي، استمرت الحركة الطلابية، بل وعرفت توهجا ملحوظا آنذاك.
لنعد الآن إلى السؤال الذي طرحناه سلفا: هل هناك زمن محدد للأزمة؟. جوابان يمكن اقتراحهما في هذا السياق، الأول أن الأزمة ظرفية، والثاني أنها بنيوية.
الأطراف الطلابية عبر خطابها، توتر الجواب الأول (أي أن الأزمة أزمة ظرفية، أي مرتبطة بأحداث ووقائع)، طبعا ذلك لا يتم بشكل صريح، ولكن بشكل ضمني ومضمر. القول إذن بأن الأزمة أزمة ظرفية يزكي الطرح الذي ذكرته أعلى، بأن خطاب الأزمة متحكم فيه ماهو سياسي وأكثر.
6-الحركة الطلابية جزء من الحركة الجماهيرية العامة، وقد صاغ ذلك المؤتمر الخامس عشر للمنظمة الطلابية في شعار«لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة». لكن لم يتم تحديد شكل تلك العلاقة القائمة بين الحركة الطلابية من جهة، والحركة الجماهيرية من جهة أخرى. وهي تبعا لذلك تراوحت بين القطيعة والتبعية، واختلفت لذلك، وتبعا للتوجه السائد، وتطورات الأحداث، تحديدات الأزمة من طرف الخطاب الطلابي. فهي إن كانت أزمة ولاء سياسي وتنظيمي للحركة الطلابية تجاه تنظيم سياسي معين، وظهور«نزوع يسراوي مغامر» كمؤشر على خروج الحركة الطلابية من أعطاف الحركة الوطنية، فان الأزمة بالنسبة لأحد أشكال الخطاب الطلابي ابتدأت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، أما إذا كانت الأزمة ذات طابع تنظيمي، فقد تجلت بعد انعقاد المؤتمر الوطني السادس عشر، بعد خروجه بمقررات تنظيمية وتوجيهية وبيان عام، اعتبرها نوع آخر من الخطاب الطلابي تراجعا مقارنة مع مقررات المؤتمر السابق(المؤتمر15). أما إذا كانت أزمة هياكل تنظيمية، فقد تبينت بعد نتائج المؤتمر17.
نلاحظ إذن أن الخطاب الطلابي لا يستقر على تحديد واحد لأزمة الحركة الطلابية، ويتأرجح بين أزمة علاقة، وأزمة تنظيمية، وأزمة شرعية. لكن على الرغم من ذلك كله، فالملاحظ أن الخطاب الطلابي، بكل توجهاته ومشاربه، يقر بواقع الأزمة. لكنه يختلف في طبيعتها، وحجم استفحالها وأسبابها. وبالتالي فهو يختلف في مقاربات الخروج منها. الأزمة واحدة، وبالمقابل يتعدد الفهم، فهم الأزمة، وهذا لن يجد مسوغه إلا في اختلاف المرجعيات التي ينهل منها كل طرف ليؤسس فهمه للأشياء، الظواهر، العالم والوجود. وهذا يدعوني إلى طرح السؤال التالي: هل فهم الأطراف الطلابية في موضوع الأزمة ومشكلاتها فهم ناقص? إن محاولة الإجابة بنعم أو لا التقليديين، سيكون تعسفا في حق هذا الخطاب، لذلك دعنا نقول بأنه خطاب غير مكتمل، وهذا ما يزكيه الطرح القائل بأن الخطاب يقف عند تبرير الأزمة ولا يتعدى إلى تشخيصها، فهو عندما يقول بان الأزمة موضوعية، أو هي أزمة ذاتية، وفي أحسن الأحوال ـ ووفاء للعقل الجدلي ـ يربط بينهما، وتكون الأزمة ذاتيةـ موضوعية، فإنه(أي الخطاب) لا يعدو أن يكون قد برر الأزمة، دون أن يكون قد لامس جوهرها الثابت. لا يهمني الآن لماذا يتمظهر الخطاب الطلابي بكل هذه الأشكال، لأن ذلك يحتاج إلى جهد نظري وبحث عميق لا أدعي أني أستطيعه. لكن ما يهمني هنا بعد كل هذا الذي قيل، هو الوصول إلى النتيجة التالية: إن خطاب الأزمة خطاب سياسي، وليس خطابا علميا، وهو تبعا لذلك يتغير حسب الظروف، وشدة الصراع، وتغير الو لاءات، وشكل التواجد في الجامعة، وحجمه، وارتباطات كل طرف طلابي..وغيرها.
الوحدة…إشكاليات متعددة
رأينا في الفصل الأول من هذا المقال، كيف تنطرح الأزمة عبر الخطاب الطلابي، ووصلنا، عبر بيان ذلك، إلى خلاصة مفادها أن خطاب الأزمة، هو خطاب سياسي، يحاول ملامسة الأزمة، دون أن يكون ذلك بالطرق العلمية (لم يكن يهمني المنظور العلمي للأزمة بقدر ما همني الطرح الطلابي لها). بالمقابل يلاحظ ذلك البحث المستمر، وان كان بكلام معاد ومكرر، عن سبل الخروج من هذه الأزمة، ولهذا دلالته الواضحة تماما، وهي أن الكل يشترك بنصيب في الأزمة. قد يكون نصيب طرف أقل أو أكثر من نصيب طرف آخر في تكون الأزمة، رغم أن مسألة النصيب لا يمكن تحديدها بشكل دقيق، ما دام أن للجامعة تأثيراً على محيطها سياسيا واقتصاديا وتربويا… المهم إذن أن الكل يعترف بموقعه في الأزمة، وهذا قول له جرأته، لكن البعض يحاول الخروج منها لوحده. وكأنه يمتلك المفاتيح السحرية لحل تلك الأزمة. وعلى العكس من ذلك تماما، تعالت نداءات ودعوات إلى الوحدة، وحدة الحركة الطلابية، والعمل المشترك. فعن أية وحدة يتم الحديث؟ وهل هذه الوحدة وحدة أطراف طلابية؟ أم وحدة جماهير طلابية؟. وهل يمكن أن ننجز عملاً مشتركا بدون فكر وحدوي؟؟ وإذا كان كذلك، فماهي الصعوبات التي يواجهها هذا الفكر؟. هذه بعض من الأسئلة الشائكة التي تحتاج إلى أجوبة مدققة، لن أدعي أنها ستخرج من بين يدي، ولكني سأقول ما علمته منها، فما لا يدرك كله لا يترك جله، على رأي المثل.
من نافل القول، أن نؤكد على شكل الواقع الذي تحدثه كلمة « وحدة» أو« اتحاد» على مسمع الواحد منا، فمند الصغر يتعلم الإنسان ويلقن ايجابيات الوحدة والاتحاد، وكلنا في ما أعتقد لازال يردد جملة: في الاتحاد قوة. وأكيد أيضا أن البعض منا قرأ أو سمع عن وصية المهلب بن أبي صفرة، كيف ضرب لوُلده مثلا عن الاتحاد، حينما طلب من أحدهم أن يكسر عودا منفرداً، ثم يحاول كسر حزمة عيدان مجتمعة. إذن كلمة وحدة أو اتحاد كلمات مألوفة ومتداولة بين الناس، لكن ليس كل مألوف، على حد رأي هيجل، ليس كل مألوف معروفاً:(Ce qui est familier ;n est pas pour cela connu).
تعتبر المسألة التعليمية من بين المسائل التي تكتسي أهمية بالغة، وذلك بحسب تأثيرها في شدة الصراع في المجتمعات، خاصة وهي تلعب الدور المهم في تشكل العلاقات بين الأفراد و بين الطبقات. و هذا ما أشار إليه مفكرون من أمثال ألتوسير و بورديو و بولانتيزاس. المجتمع المغربي لم يكن استثناء في هذا المجال، و اتخذ الصراع حول المسألة التعليمية أشكالا مختلفة، كانت حادة جداً في بعض الأوقات، حتى وصلنا إلى مثل هذا الوضع الذي نعيشه. و لا أحد راض عنه، فمن جهة طرف يريد مزيدا من تكريس الهيمنة والسيطرة، وطرف آخر يدافع ويقاوم ضد بلوغ ذلك، الطلبة المغاربة- عبر إطارهم النقابي: الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ـ لم يكونوا سلبيين من ذلك الصراع، ولم يقفوا حياديين، بل شاركوا فيه، وكانت لمشاركتهم أثر واضح في توجيه دفة الصراع، لذلك وجب على الطلبة إدراك أن هناك ملفات طلابية يلزمهم أن يولوها نضالهم وجهدهم فكريا وعضليا، وهناك ملفات تطرح نفسها بشكل فوق طلابي، وبطبيعة الحال لا يمكنهم إلا أن يكونوا مساهمين فيه بقدر.
النضال، كيفما كان نوعه وأصحابه، يتم عبر أداة النضال، وغياب الأداة يعني بشكل مباشر، تخبط للفاعلين، تشتت للقوى، فوضى في التسيير والتقرير، لذلك لا يمكن أن يكون للنضال الطلابي شأوٌ وذو بال، إلا إذا تم صهره في أداة النضال (النقابة الطلابية في هذه الحالة).
غياب الهياكل الشرعية لـ (أوطم) مند المؤتمر السابع عشر، وخاصة بعد اعتقال ما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية للمؤتمر السادس عشر، كان له أثره على سير النضال الطلابي، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد سعى الطلبة إلى إنجاز نضالهم عبر أشكال ووسائل مختلفة، وكانت على أجندة كل طرف طلابي مسألة الوحدة والعمل المشترك.
طرح «الأطراف الطلابية» لمسألة الوحدة والعمل المشترك، كحل للخروج من الأزمة، أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يعتبر إلى حد بعيد شيئا جميلا، مادام أنه يحمل في حدوده الدنيا الاعتراف بالتعددية، وبدور الآخر في تطور الذات وتقدمها.
طرح المسألة من هذا المنظور يجد دليله في تاريخ الحركة الطلابية، ألا يمكن أن نعتبر أنه من بين أسباب انسحاب /غضب بعض « الأطراف الطلابية» من بعض جلسات المؤتمرات (13-15-17) هو ناتج عن غياب أية رؤية للعمل الوحدوي المشترك وإيجاد صيغ ملائمة لمقررات النقابة الطلابية.
لكن إذا كانت نية الوحدة، أو العمل المشترك، على الأقل ظاهريا، موجودة عند كل الأطراف، فما هي المعيقات التي تقف وراء تنفيذ ذلك؟. في جزء من تلك المعيقات يجيبنا نديم البيطار، وهو يتحدث عن أزمة الفكر الوحدوي، في أحد بحوثه المنشور في مجلة الوحدة، وهو يرد ذلك « إما إلى كون التراكمات والتحولات الفكرية التي يحتاج إليها لم تتطور بدرجة كافية، إما إلى كون المجرى التاريخي الذي يفرزه لم يتكامل وإما إلى كون الاستعدادات النفسية المنفتحة له لم تتوفر بعد». على أنه يمكنني أن أضيف إلى ذلك، والحديث عن حركتنا الطلابية، وجود تناقضات تخترق بعض الأطراف داخليا، ثم وجودها بين الأطراف نفسها. زد إلى ذلك نظرة الأحزاب نفسها، فيؤدي تحالف أو تنسيق بين أحزاب معينة إلى نفس الشيء بين قطاعاتها، مع العلم أن الحركة الطلابية قد توسعت جغرافيا وكميا.
لقد رسخ مفهوم الوحدة، المتبنى عن طريق نموذج ذاتي، عند البعض، وهماً مفاده أن الوحدة هي كل شيء. وتكفي لكل شيء، هي الصيغة الوحيدة القادرة على فتح الأبواب المغلقة وإيقاف كل التيارات الجارفة. وبذلك يتم تمثلها بطريقة توشي بكونها « سحرية »، إنه استمرار لبعض تمثلات المجتمع البدائي حيث للكلمة سلطة. أو أنه البحث عن أسر المصير /المستقبل. والتحكّم فيه، مادام أنه مستعصٍ، منفلت، ومن هنا لن أجازف إذا قلت أن أزمة الحركة الطلابية مستندة على قاعدة عريضة من أزمات مترابطة ومتشابكة تشابك بيت العنكبوت. وحلُّها يعني حل أزمة الحركة الطلابية ومن بين تلك الأزمات: أزمة الفكر/ العمل الوحدوي.
حينما أقول بالفكر الوحدوي، فإني لا أعني بذلك «وحدة الفكر»، والقول بذلك هو شكل من أشكال التحنيط والرجعية! لأنه يأسر الفكر في نمط واحد منه، ويمنع تقدمه، مادام أن تطور الفكر تطور كيفي، تصحح فيه الفكرة اللاحقة الفكرة السابقة وتلغيها. وإنما أقصد بالفكر الوحدوي مجموع الإواليات التي عبر ترابطها واستعمالها، ستؤسس لما يمكن أن نسميه بـ « وضعية وحدوية»، انطلاقا من تعددية إشكالية، مادام أن هدف هذا الفكر، من حيث هو فكر وحدوي، هو تركيب هذا التعدد، في صيغة ما، لأجل برمجة عمل ما، كي يتم تغيير واقع ما. هذا الفكر- وليس ذلك مقتصرا عليه فقط- يجب أن يحدد موقفه بصراحة من مسائل من مثل: الحقيقة، الشخصية، النقد، الحوار.. والفلسفة ( لست أقصد هنا بالفلسفة ذلك النمط من التفكير بما هو تأملي، شمولي، تساؤلي، وإنما أقصد بالفلسفة هنا روح العمل).
غياب الفكر الوحدوي هذا عند « الأطراف الطلابية» أثر على سير النضال الطلابي، وإذا كانت هناك تنسيقات أو تحالفات بين أطراف طلابية، فإن هذه التنسيقات والتحالفات وقعت بشكل قسري، تحت ظروف ضاغطة، مكرهة، وعادة ما تفشل أو تفشل. عندما تفكر « الأطراف الطلابية » في وحدة الحركة الطلابية، فهي تعني بذلك وحدة هذه الأطراف نفسها، مادامت تعتبر نفسها، تعبيراً عن هذه الجماهير الطلابية وتوجهاتها، بذلك تقع هذه الأطراف في مجموعة أخطاء، خطأ منهجي يتجلى في تماثل الحركة الطلابية « بالأطراف الطلابية». متناسيةً أن الحركة الطلابية وجود موضوعي خارج ذوات الأطراف، ومستقل عنها. فعل« الأطراف الطلابية » فيالحركة الطلابية يغير شكل هذا الوجود، إنما لا يلغيه. اختزال الحركة الطلابية إلى أطرافها، يسقط في معتقديه تولد وهماً بأن المعرفة بـ« الأطراف الطلابية» هو في حد ذاته معرفة بالحركة الطلابية. وذلك بعيد عن الصواب مادام أن تطور الإطراف الطلابية مرتبط إلى حد بعيد بتطور التنظيمات السياسية، التي منتمون أو تابعون لها، في حين أن تطور الحركة يتخذ أشكالا مختلفة كمية ونوعية نفسية وسلوكية.