قانون الأمازيغية.. مخاض جبل سيلد فأرا

◆ ساعيد الفرواح

أعلن‭ ‬الفريقان‭ ‬البرلمانيان‭ ‬لحزبي‭ ‬الاستقلال‭ ‬والأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬انسحابهما‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الفرعية‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬لجنة‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والاتصال‭ ‬بالبرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬15‭ ‬ماي‭ ‬2019،‭ ‬عقب‭ ‬ما‭ ‬اعتبروه‭ ‬عرقلة‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬للتوافق‭ ‬حول‭ ‬مشروعي‭ ‬القانونين‭ ‬التنظيميين‭ ‬للأمازيغية‭ ‬وللمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافة،‭ ‬ولأن‭ ‬لا‭ ‬جديد‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يتكرر‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬لسنة‭ ‬2011،‭ ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬نخوض‭ ‬في‭ ‬المزايدات‭ ‬الحزبوية‭ ‬السياسوية‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سمج‭ ‬منذ‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬نتحول‭ ‬لأبواق‭ ‬لصالح‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬فنقوم‭ ‬بحملات‭ ‬انتخابوية‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها‭ ‬لصالح‭ ‬طرف‭ ‬حزبي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬غيره،‭ ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬نخرج‭ ‬عن‭ ‬قاعدة‭ ‬جمع‭ ‬البيض‭ ‬الفاسد‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬وهي‭ ‬القاعدة‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬نورد‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭- ‬إن‭ ‬ربط‭ ‬ترسيم‭ ‬الأمازيغية‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬مقلب‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬عموم‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬لسنة‭ ‬2011،‭ ‬التي‭ ‬صيغت‭ ‬بشكل‭ ‬يمكن‭ ‬المخزن‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬عنها‭ ‬متى‭ ‬شاء،‭ ‬إذ‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬بدأت‭ ‬الدولة‭ ‬مسلسل‭ ‬التراجع‭ ‬عما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬تسميته‭ ‬بالمكتسبات،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عصافير‭ ‬فوق‭ ‬الشجرة‭ ‬طارت‭ ‬مع‭ ‬انحسار‭ ‬احتجاجات‭ ‬شابات‭ ‬وشباب‭ ‬حركة‭ ‬عشرين‭ ‬فبراير‭.‬

‭- ‬الفصل‭ ‬86‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬وجوب‭ ‬مصادقة‭ ‬البرلمان‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬بنكيران‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬القوانين‭ ‬التنظيمية‭ ‬وقد‭ ‬ضرب‭ ‬بهذا‭ ‬الفصل‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مختلف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وبتواطؤ‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأحزاب‭.‬

‭- ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تمت‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬للأمازيغية‭ ‬فسيكون‭ ‬مصيره‭ ‬كمصير‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬مختلف‭ ‬الوزارات‭ ‬مع‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2003،‭ ‬والتي‭ ‬إما‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬للتنفيذ‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬تفعيلها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مشوه‭ ‬ومرتجل‭ ‬ومحدود‭ ‬جدا،‭ ‬وما‭ ‬يدفع‭ ‬بنا‭ ‬لهذا‭ ‬القول‭ ‬هو‭ ‬كون‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬للأمازيغية‭ ‬يماثل‭ ‬دستورا‭ ‬جديدا‭ ‬سيحتاج‭ ‬لقوانين‭ ‬عادية‭ ‬ولقرارات‭ ‬وزارية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مضامينه‭ ‬بعد‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه،‭ ‬مما‭ ‬سيجعل‭ ‬الأمازيغية‭ ‬تتقاذفها‭ ‬ألسن‭ ‬الأحزاب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تخوض‭ ‬بها‭ ‬انتخابات‭ ‬2027‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬2021‭ ‬كما‭ ‬يحلم‭ ‬بذلك‭ ‬زعماء‭ ‬أحزاب‭ ‬أعلنوها‭ ‬صراحة‭ ‬مثل‭ ‬حزب‭ ‬التجمع‭ ‬الوطني‭ ‬للأحرار،‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬تقدم‭ ‬بمشروع‭ ‬لقانون‭ ‬الأمازيغية‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬وسحبه‭ ‬سنة‭ ‬2013،‭ ‬وربط‭ ‬ذلك‭ ‬بإرادة‭ ‬الجهات‭ ‬العليا‭ ‬واليوم‭ ‬يعود‭ ‬ليكرر‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الأحزاب‭ ‬أغلبية‭ ‬ومعارضة‭ ‬نفس‭ ‬المسرحية‭.‬

‭- ‬إن‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التراجع‭ ‬عنها‭ ‬وفات‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حددته‭ ‬الدولة‭ ‬لتفعيلها‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيتها،‭ ‬فالنقاش‭ ‬حولها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يروج‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الحزبية‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬حساباتها‭ ‬السياسوية‭ ‬الصغيرة‭ ‬وأحلام‭ ‬انتخابات‭ ‬2021،‭ ‬أما‭ ‬الشعب‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مناضلو‭ ‬الحركة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬لا‭ ‬قيادة‭ ‬لها‭ ‬ويشكل‭ ‬الشباب‭ ‬عمادها‭ ‬وتسعة‭ ‬وتسعين‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مكوناتها،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلقي‭ ‬بالا‭ ‬لأقاويل‭ ‬السياسيين‭ ‬وللأحاديث‭ ‬السرمدية‭ ‬حول‭ ‬الدستور،‭ ‬وللأحلام‭ ‬الوردية‭ ‬حول‭ ‬مغرب‭ ‬الاستثناء‭ ‬والانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتعددية‭ ‬والمقاربة‭ ‬التشاركية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬حراك‭ ‬الريف‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬واضح‭ ‬وخرق‭ ‬لأبسط‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬وأحكام‭ ‬صادمة‭…‬

‭- ‬الأمازيغ‭ ‬اليوم‭ ‬يعتبرون‭ ‬الحقوق‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬جزءا‭ ‬صغيرا‭ ‬من‭ ‬حقوقهم،‭ ‬ويتبنون‭ ‬قضيتهم‭ ‬بشكل‭ ‬شمولي‭ ‬ولا‭ ‬يفصلون‭ ‬بين‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وفي‭ ‬حراك‭ ‬الريف‭ ‬وحراك‭ ‬أكال‭ ‬بسوس‭ ‬واعتصام‭ ‬إميضر‭ ‬بالجنوب‭ ‬الشرقي‭… ‬خير‭ ‬مثال‭.‬

‭- ‬إن‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬معتقلي‭ ‬حراك‭ ‬الريف‭ ‬والاستجابة‭ ‬لمطالب‭ ‬الساكنة،‭ ‬ووقف‭ ‬سياسات‭ ‬التحديد‭ ‬الغابوي‭ ‬بسوس‭ ‬وإلغاء‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬والمالية‭ ‬مع‭ ‬قطر‭ ‬حول‭ ‬الرعي‭ ‬الجائر،‭ ‬واستفادة‭ ‬سكان‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬وباقي‭ ‬المناطق‭ ‬المنجمية‭ ‬من‭ ‬ثرواتهم‭ ‬المعدنية‭ ‬هي‭ ‬القضية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬لأمازيغ‭ ‬اليوم،‭ ‬الذين‭ ‬يحمون‭ ‬لغتهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قانون‭ ‬مخزني‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غيابه‭.‬

‭- ‬إن‭ ‬واقع‭ ‬القضية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬2011‭ ‬وما‭ ‬تلاه،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالخطابات‭ ‬التي‭ ‬تلوكها‭ ‬بعض‭ ‬الوجوه‭ ‬الأمازيغية‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬ريع‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والتي‭ ‬مللنا‭ ‬رؤيتها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬حول‭ ‬مطالب‭ ‬الأمازيغ‭ ‬وتطلعاتهم،‭ ‬وهو‭ ‬الواقع‭ ‬والتطلعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يمثلون‭ ‬حقا‭ ‬الحركة‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬أي‭ ‬الشباب،‭ ‬ويعبرون‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وينخرطون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حراك‭ ‬وأي‭ ‬حراك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬كاملة‭ ‬غير‭ ‬منقوصة‭.‬

إن‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتطلب‭ ‬قانونا‭ ‬للأمازيغية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قانون‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬نعلم‭ ‬وتعلمون‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬للتنفيذ‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬التعليمات،‭ ‬لهذا‭ ‬فالمطلوب‭ ‬هو‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬ديمقراطي‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا‭ ‬ينص‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬الملكية‭ ‬البرلمانية‭ ‬وعلى‭ ‬فصل‭ ‬السلط،‭ ‬ويساوي‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬والواقع‭ ‬بين‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والعربية،‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬تكراره‭ ‬كثيرا،‭ ‬وما‭ ‬عدا‭ ‬هذا‭ ‬فإنه‭ ‬خداع‭ ‬ووهم‭ ‬وتضييع‭ ‬لعقود‭ ‬ثمينة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬مقابل‭ ‬سراب‭ ‬وعصافير‭ ‬فوق‭ ‬الشجرة‭ ‬تطير‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬التعليمات‭ ‬العليا‭ ‬والجهات‭ ‬العليا،‭ ‬هذه‭ “‬العليا‭” ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬لتحديد‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وما‭ ‬للشعب،‭ ‬لكن‭ ‬منذ‭ ‬ذاك‭ ‬زاد‭ ‬سياسيونا‭ ‬في‭ ‬ذكرها‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬الشعراء‭ “‬علياء‭” ‬ساعين‭ ‬وراء‭ ‬الرضى‭ ‬والريع‭ ‬المخزني‭ ‬متنافسين‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬التراجعات‭ ‬عما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬احتجاجات‭ ‬2011‭ ‬والتعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تلتها،‭ ‬وكأني‭ ‬بهم‭ ‬يرددون‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭:‬

يا‭ ‬علياء‭ ‬الحب‭ ‬والزهر‭ ‬والسنين

خذي‭ ‬قلبي‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أحتمل‭ ‬بقاءه‭ ‬في‭ ‬جوفي

فهو‭ ‬لا‭ ‬يعرفني‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يلهج‭ ‬باسمك‭ ‬في‭ ‬نبضه

أما‭ ‬زلت‭ ‬تائها‭ ‬أنا‭ ‬عن‭ ‬دربك‭ ‬عليائي؟

وهم‭ ‬ينتظرون‭ ‬وعيونهم‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬انتخابات‭ ‬2021‭ ‬التي‭ ‬ستخبرهم‭ ‬بمن‭ ‬تاه‭ ‬عن‭ ‬درب‭ “‬عليائه‭” ‬ومن‭ ‬سلك‭.. ‬آخ‭ ‬يا‭ ‬علياء‭.. ‬آخ‭ ‬يا‭ ‬عليا‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى