الافتتاحية

العفو الجزئي وهدر الزمن السياسي

افتتاحية العدد 317

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعبث‭ ‬السياسي،‭ ‬أقدمت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬إجراءات‭ ‬هدفها‭ ‬فرض‭ ‬سلم‭ ‬اجتماعي‭ ‬وإيقاف‭ ‬تصاعد‭ ‬الاحتجاجات‭. ‬وهكذا‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬المركزيات‭ ‬النقابية‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬اجتماعي‭ ‬هزيل‭ ‬المحتوى،‭ ‬استجابت‭ ‬لأهم‭ ‬مطالب‭ ‬الأساتذة‭ ‬الذين‭ ‬فرض‭ ‬عليهم‭ ‬التعاقد،‭ ‬وأخيرا،‭ ‬وبمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬صدر‭ ‬عفو‭ ‬ملكي‭ ‬جزئي‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬من‭ ‬نشطاء‭ ‬حراكي‭ ‬جرادة‭ ‬والريف‭ ‬وبعض‭ ‬المعتقلين‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الإرهاب‭. ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭  ‬رغم‭ ‬إيجابياتها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬هدر‭ ‬طاقات‭ ‬البلاد‭ ‬وزمنها‭ ‬السياسي،‭ ‬بعدما‭ ‬تأكد‭ ‬للمسؤولين‭ ‬أن‭ ‬المقاربة‭ ‬الأمنية‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬القصوى،‭ ‬بل‭ ‬وأصبحت‭ ‬حابلة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬دولي‭ ‬وإقليمي‭ ‬مضطرب،‭ ‬مطبوع‭ ‬بتداعيات‭ ‬الثورة‭ ‬السودانية‭ ‬والحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬المتواصل‭ ‬بالجزائر‭ ‬الشقيقة،‭ ‬وفشل‭ “‬صفقة‭ ‬القرن‭” ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬هكذا‭ ‬ومثل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬ولكن‭ ‬بصيغة‭ ‬أخف‭ ‬وبتنازلات‭ ‬أقل‭ ‬يراهن‭ ‬المخزن‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬مرحلة‭ “‬الزوابع‭”‬بأقل‭ ‬الأضرار‭ ‬الممكنة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطبقة‭ ‬السائدة‭ ‬وحلفائها‭. ‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تكشف‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير،‭ ‬بل‭ ‬تؤكد‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬تغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬الطبقية‭ ‬الضيقة‭ ‬الأفق‭ ‬وهدر‭ ‬زمن‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬في‭ ‬مناورات‭ ‬سياسية‭ ‬عقيمة،‭ ‬متكررة‭ ‬وباهظة‭ ‬التكاليف‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية،‭ ‬ولذلك‭  ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬مضطرين‭ ‬للتذكير‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بالشروط‭ ‬والمتطلبات‭ ‬الضرورية‭ ‬لولوج‭ ‬عصر‭ ‬الحداثة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتقدم‭. ‬وأهم‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭:‬

‭- ‬تصفية‭ ‬الجو‭ ‬السياسي‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬جميع‭ ‬المعتقلين‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسلمية،‭ ‬وجبر‭ ‬ضرر‭ ‬عائلات‭ ‬الضحايا،‭ ‬وبالاستجابة‭ ‬لمطالب‭ ‬ساكنة‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الإقصاء‭ ‬والتهميش‭. ‬

‭- ‬إنجاز‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬للدستور‭ ‬بإقرار‭ ‬فصل‭ ‬حقيقي‭ ‬للسلط‭ ‬والتنصيص‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المعتقد،‭ ‬وتمكين‭ ‬الأجهزة‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية‭. ‬

‭- ‬مراجعة‭ ‬جذرية‭ ‬لقوانين‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وإحداث‭ ‬لجنة‭ ‬وطنية‭ ‬مستقلة‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة،‭ ‬وتسجيل‭ ‬كل‭ ‬البالغين‭ ‬والبالغات‭ ‬سن‭ ‬التصويت‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬اللوائح‭ ‬الانتخابية‭. ‬

‭- ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬وطنية‭ ‬لمحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭. ‬

‭- ‬إصلاح‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬وصحة‭ ‬ونقل‭ ‬وإعلام‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات،‭ ‬وتلبية‭ ‬حاجياتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬وإسبانيا‭. ‬

‭- ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬بلورة‭ ‬وتفعيل‭ ‬حكامة‭ ‬أمنية‭ ‬تضمن‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لكل‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭.‬

  ‬قد‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬هذه‭ ‬المتطلبات‭ ‬مجرد‭ ‬تطلعات‭ ‬مثالية،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬يجبر‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬الأخذ‭ ‬بها،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬تاريخية‭ ‬عديدة‭ ‬كانت‭ ‬رئاسة‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬المبادرة‭ ‬لاستباق‭ ‬الأزمات‭ ‬وإنجاز‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬يتوقف‭ ‬عليها‭ ‬تقدم‭ ‬البلاد‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الميجي‭. ‬فهل‭ ‬سيتصرف‭ ‬المخزن‭ ‬وفق‭ ‬متطلبات‭ ‬وتحديات‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬أم‭ ‬سيظل‭ ‬رهين‭ ‬الأوساط‭ ‬المعادية‭ ‬للشعوب‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ولوبيات‭ ‬الفساد‭ ‬والاستبداد‭ ‬في‭ ‬الداخل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى