الحجر الصحي: سلطة الزمن السائل…

◆ عبد الغني عارف

نعيش‭ ‬اليوم،‭ ‬وبإيقاع‭ ‬كوني‭ ‬تراجيدي،‭ ‬وبدون‭ ‬توافق‭ ‬مسبق،‭ ‬زمنَ‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬لهذا‭ ‬الزمن‭ ‬سلطة‭ ‬عابرة‭ ‬لكل‭ ‬الحدود،‭ ‬سلطة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تختزل‭ ‬وجود‭ ‬الإنسان‭ ‬بأكمله‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬لحظة‭ ‬تتلاشى‭ ‬فيها‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الممكن‭ ‬والمحتمل،‭ ‬بين‭ ‬الذاتي‭ ‬والموضوعي،‭ ‬زمن‭ ‬يتعملق‭ ‬فيه‭ ‬فيروس‭ ‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬ليضع‭ ‬الإنسانية‭ ‬بأكملها‭ ‬موضع‭ ‬امتحان‭ ‬وتشكيك‭ ‬في‭ ‬قدراتها‭ ‬العلمية‭ ‬ومكتسباتها‭ ‬التكنولوجية‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬دراسات‭ ‬وكتب‭ ‬متعددة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬السيولة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: ‬في‭ ‬الحداثة‭ ‬والثقافة،‭  ‬وفي‭ ‬الأزمنة‭ ‬والحياة،‭ ‬فيبدو‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬الزمن‭ ‬بصيغة‭ ‬الحجر‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الجمود‭ ‬والسيولة‭ ‬في‭ ‬خلطة‭ ‬نفسية‭ ‬عجيبة‭: ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جامد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬امتداده‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنه‭ ‬سائل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لزوجة‭ ‬انقضائه‭ ‬والاستعصاء‭ ‬على‭ ‬ترويضه‭ ‬أو‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬شراسته‭ ‬دون‭ ‬مراوغات‭ ‬محددة‭. ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬مادة‭ ‬سائلة‭ ‬بين‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬وشبحا‭ ‬نخافه‭ ‬ونتحايل‭ ‬على‭ ‬مهادنته‭. ‬وهو‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يجربه‭ ‬حقيقة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬تجربة‭ ‬الاعتقال‭ ‬والسجن‭ ‬حيث‭ ‬يغدو‭  ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رهينا‭ ‬بدقات‭ ‬ساعات‭ ‬بطيئة‭ ‬لا‭ ‬تتقن‭ ‬سوى‭ ‬تعميم‭ ‬قساوة‭ ‬الوقت‭ ‬وعبثية‭ ‬الأشياء‭..‬

ترى‭ ‬كيف‭ ‬يعيش‭ ‬المثقفون‭ ‬والمثقفات‭ ‬والنخبة‭ ‬الواعية‭ ‬سيولة‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬وهم‭ “‬ضحايا‭” ‬حجر‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬في‭ ‬احتمال‭ ‬وقوعه؟‭ . ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬لهم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تكونا‭ ‬بلسما‭ ‬روحيا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬المرحلة؟‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للإبداع‭ ‬أن‭ ‬يوثق‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الإنسانية؟‭. ‬وبكلمة‭ ‬موجزة،‭ ‬ولكنها‭ ‬مستفزة‭ ‬بلا‭ ‬شك‭: ‬كيف‭ ‬يحيون‭ ‬سلطة‭ ‬زمن‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬باعتباره‭ ‬زمنا‭ ‬يتمرد‭ ‬ضد‭ ‬رتابة‭ ‬المألوف‭ ‬ويصعب‭ ‬فيه‭ ‬تعليب‭ ‬الانتظار‭. ‬؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى