الإقتصاد

الصين.. التنين الاقتصادي القادم

◆ لحسن خطار

إن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬التنين‭ ‬الصيني،‭ ‬ورهانات‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬قبل‭ ‬وأثناء‭ ‬وبعد‭ ‬وباء‭ ‬كورونا؛‭ ‬وكذا‭ ‬الأسئلة‭ ‬العميقة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬فعلا‭ ‬نموذجا‭ ‬للنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الاشتراكي؛‭ ‬تفرض‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الإضاءة‭ ‬وتفكيك‭ ‬الجوانب‭ ‬المحيطة‭ ‬بالموضوع؛‭ ‬والانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ينتظر‭ ‬انهيار‭ ‬الرأسمالية‭ ‬متأثرة‭ ‬فقط‭ ‬بأزماتها‭ ‬الداخلية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬اعترضتها‭ ‬مع‭ ‬الاجتياح‭ ‬الكاسح‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬للبلدان‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬والضعف‭ ‬الذي‭ ‬أبانت‭ ‬عليه‭ ‬تجاه‭ ‬هذا‭ ‬الوباء؛‭ ‬فهو‭ ‬واهم؛‭ ‬فعلا‭ ‬قد‭ ‬تتأزم‭ ‬الأمور‭ ‬أكثر،‭ ‬قد‭ ‬تضعف‭ ‬الآلة‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬ولكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أنها‭ ‬ستعيد‭ ‬حساباتها‭ ‬وتجدد‭ ‬تطوير‭ ‬أساليبها‭ ‬للاستغلال‭ ‬والفتك‭ ‬بالشعوب‭..‬،‭ ‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬الخلاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يعتقد‭  ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الاشتراكية‭ ‬ستعرف‭ ‬نهوضا‭ ‬كاسحا‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬الرأسمالية‭ ‬ببساطة‭ ‬ميكانيكية،‭ ‬فهو‭ ‬واهم؛‭ ‬وذلك‭ ‬نظرا‭ ‬لتغييب‭ ‬أهم‭ ‬عنصر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬ضرورة‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬لصالح‭ ‬قوى‭ ‬التحرير‭ ‬والتقدم،‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مرير‭ ‬وطويل‭ ‬الأمد،‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬متحررة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬واشتراكية‭…‬

إن‭ ‬تركيب‭ ‬هاته‭ ‬المقاربات،‭ ‬سيقودنا‭ ‬إلى‭ ‬إطلالة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬الصين‭ ‬بلدا‭ ‬اشتراكيا؟

أي‭ ‬وصف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬به‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬اقتصاد‭ ‬اشتراكي؛‭ ‬أم‭ ‬اقتصاد‭ ‬رأسمالي‭ ‬تقدمي‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬جوزيف‭ ‬استيغليتز؛‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬اشتراكي‭ ‬ليبرالي،‭ ‬أم‭ ‬اقتصاد‭ ‬متنوع‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬تفاعل‭ ‬تناغمي؟

دولة‭ ‬الصين‭ ‬الحالية‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬تحولات‭ ‬وتطورات‭ ‬فرضتها‭ ‬التقلبات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭  ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وبداية‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين؛‭ ‬وهي‭ ‬بالأساس‭ ‬نتاج‭ ‬ثورة‭ ‬عظيمة‭ ‬قادها‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬تشبعوا‭ ‬بالفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬العلمي،‭ ‬وعملوا‭ ‬على‭ ‬إغنائه‭ ‬خاصة‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الأحمر‭ ‬وهو‭ ‬أشهر‭ ‬كتبه؛‭ ‬حتى‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬خطا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬بالماوية؛‭ ‬إنه‭ ‬القائد‭ ‬والمفكر‭ ‬والفيلسوف‭ ‬والشاعر‭.. ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ؛‭ ‬والذي‭ ‬قاد‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬الثورات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ (‬أكتوبر‭ ‬1949‭)‬،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬متخلف‭ ‬آنذاك‭ ‬يعتمد‭ ‬غالبية‭ ‬سكانه‭ ‬على‭ ‬الزراعات‭ ‬البسيطة؛‭ ‬بلد‭ ‬يئن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والقهر؛‭ ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬هذا‭ ‬الزعيم‭ ‬بعبقريته‭ ‬الخارقة‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬وبثورة‭ ‬الفلاحين‭ ‬دولة‭ ‬موحدة‭ ‬ومنظمة‭ ‬ومتحررة،‭ ‬متحديا‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬والصعاب،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬حروب‭ ‬شرسة‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتربصة‭ ‬بهذا‭ ‬المولود‭ ‬الفتي‭ ‬فخرج‭ ‬منها‭ ‬منتصرا؛‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬الأسس‭ ‬الأولى‭ ‬لدولة‭ ‬اشتراكية‭ ‬عظمى،‭ ‬وأصبحت‭  ‬إحدى‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬ورقما‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬العالمية‭.‬

ولابد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأننا‭ ‬كحركة‭ ‬اتحادية‭ ‬أصيلة،‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أشدنا‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬الرائدة،‭ ‬واستشهدنا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أدبياتنا‭ ‬وخطاباتنا،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬التماهي‭ ‬التام‭ ‬معها،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬باقي‭ ‬التجارب‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬معتزين‭ ‬بها‭ ‬ومدافعين‭ ‬عنها‭ ‬كنا‭ ‬أيضا‭ ‬ننتقدها‭ ‬وتعتبر‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬التطبيق‭ ‬الأمثل‭ ‬للنظرية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬العلمية،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬صحية‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الإشكالات‭ ‬كان‭ ‬موضع‭ ‬خلاف‭ ‬ونقاش‭ ‬حاد؛‭ ‬خاصة‭ ‬حول‭ ‬الثورة‭ ‬البورجوازية،‭ ‬وهل‭ ‬يجب‭ ‬إعطاء‭ ‬هاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬الفرصة‭ ‬لجني‭ ‬ثمارها،‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬حرق‭ ‬المراحل‭.. ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬انتظار‭ ‬تشكل‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة؛‭ ‬وأي‭ ‬دور‭ ‬لهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬ارساؤه‭ ‬بعد‭ ‬أكتوبر‭ ‬1917؛‭ ‬ومسألة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وقضايا‭ ‬خلافية‭ ‬متعددة‭ ‬كانت‭ ‬موضوع‭ ‬جدل‭ ‬بين‭ ‬أعتى‭ ‬المنظرين‭ ‬الاشتراكيين،‭ ‬وبالأساس‭ ‬بين‭ ‬لينين‭ ‬وروزا‭ ‬لوكسمبورغ‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬لينين‭ ‬و‭ ‬بليخانوف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى؛‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬تأثرنا‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬والمعنوي‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭.‬

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬ماو‭ ‬استمرت‭ ‬الصين؛‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬الشنآن‭ ‬الداخلي‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر؛‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬وتجديد‭ ‬تجربتها‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬متقلبات‭ ‬العصر،‭ ‬وغير‭ ‬متماهية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬مع‭ ‬تجربة‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬ومقاِومةً‭ ‬لحصار‭ ‬الغرب‭ ‬الإمبريالي‭ ‬عليها‭ ‬ودسائسه،‭ ‬والتي‭ ‬استعمل‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬الخبيثة،‭ ‬خاصة‭ ‬تركيزه‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬الصين‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبالأساس‭ ‬السياسية‭ ‬والمدنية،‭ ‬مستغلا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬آلته‭ ‬الإعلامية‭ ‬الخطيرة‭ ‬والمتخصصة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحقائق‭ ‬وتأليب‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭.‬

‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬فشل‭ ‬سياسة‭ ‬البريسترويكا‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬بها‭ ‬غورباتشوف‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ (‬1985‭_ ‬1991‭)‬،‭ ‬وانهيار‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬مرحلة‭ ‬هذه‭ ‬الخطة؛‭ ‬وتحطيم‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭  ‬1989؛‭ ‬تسارعت‭ ‬الأحداث‭ ‬واشتد‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وبالأساس‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬وكوبا‭ (‬بعد‭ ‬تفتيت‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬وتشيكوسلوفاكيا‭ ‬أيضا‭). ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬كوبا‭ ‬قد‭ ‬اختارت‭ ‬التحدي‭ ‬والصمود‭ ‬ومقاومة‭ ‬الحصار؛‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬آخر؛‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أوصلها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬الآن؛‭ ‬انتقدناها‭ ‬حينها‭ ‬وقد‭ ‬نستمر‭ ‬في‭ ‬انتقادها،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬خيارا‭ ‬يتحمل‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬نجاعته‭ ‬وعدم‭ ‬خروجه‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬ماو‭ ‬ورفاقه‭ ‬في‭ ‬البداية‭.‬

فقد‭ ‬نهجت‭ ‬أسلوبا‭ ‬مغايرا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتوقعه؛‭ ‬أسلوب‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬حيث‭ ‬فتحت‭ ‬أسواقها‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬للمنتجات‭ ‬الغربية‭ ‬وللشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬للاستثمار‭ ‬داخل‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬تهافتت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬سوق‭ ‬بتعداد‭ ‬سكاني‭ ‬قارب‭ ‬المليار‭ ‬ونصف‭ ‬نسمة؛‭ ‬ولكن‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬وفق‭ ‬شروط‭ ‬تجعل‭ ‬الأمور‭ ‬محمية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬انفلات‭ ‬تتوخاه‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الغربية؛‭ ‬فجل‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الكبرى‭ ‬كانت‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬وشركات‭ ‬محلية‭ ‬مكلفة‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة؛‭ ‬وفي‭ ‬ظرف‭ ‬قياسي‭ ‬استطاع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬ويحقق‭ ‬نجاحات‭ ‬باهرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة،‭ ‬وغزت‭ ‬السلع‭ ‬الصينية‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تنافس‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬داره‭ ‬وتشدد‭ ‬عليه‭ ‬الخناق‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتبرها‭ ‬حكرا‭ ‬عليه؛‭ ‬وبزغ‭ ‬نجم‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬وتفوقت‭  ‬على‭ ‬غريمها‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬عدة،‭ ‬خاصة‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬الحديثة؛‭ ‬وحصنت‭ ‬وضعها‭ ‬الداخلي‭ ‬بسلطة‭ ‬مركزية‭ ‬بيد‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬وبتكوين‭ ‬أطر‭ ‬عليا‭ ‬وكفؤة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات؛‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الغرب‭ ‬يتضايق‭ ‬وخاصة‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنافس‭ ‬غير‭ ‬المنتظر‭ ‬وغير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه؛‭ ‬لتبدأ‭ ‬المناوشات‭ ‬ومحاولات‭ ‬كبح‭ ‬جماحه‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬استطاعت‭ ‬بفطنتها‭ ‬ويقظة‭ ‬شعبها‭ ‬وقيادته‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬كل‭ ‬العراقيل‭ ‬وان‭ ‬تتخطى‭ ‬الصعاب،‭ ‬بل‭ ‬وضعت‭ ‬خطة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬للهجوم،‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬تأزيم‭ ‬الغرب‭ ‬الإمبريالي،‭ ‬وتتسبب‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬خانقة‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تعصف‭ ‬باقتصاداته‭ (‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬ل‭ ‬2008‭)‬؛‭ ‬وهكذا‭ ‬استمر‭ ‬الجذب‭ ‬والإجراءات‭ ‬والإجراءات‭ ‬المضادة،‭ ‬ودخلت‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬لها،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬مجيء‭ ‬المعتوه‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاءت‭ ‬كورونا؛‭ ‬حيث‭ ‬ساد‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬ستنهار،‭ ‬وبرزت‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وبأن‭ ‬الفيروس‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬أمريكا‭ ‬لتدمير‭ ‬الصين؛‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انقلبت‭ ‬الأمور‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬وأصبحت‭ ‬الشكوك‭ ‬معكوسة؛‭ ‬لنصبح‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهو‭ ‬وقوف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الانهيار‭ ‬مع‭ ‬تضرر‭ ‬اقتصاديات‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬وصمود‭ ‬عالٍ‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬لاقتصادات‭ ‬الصين‭ ‬وكوبا‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرها‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬مرجعياتها‭..‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬مستويين‭ :‬

1‭) ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬نهجته‭ ‬الصين‭ ‬لمواجهة‭ ‬المد‭ ‬الإمبريالي،‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬نظاما‭ ‬اشتراكيا‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق‭ ‬للكلمة،‭ ‬ولا‭ ‬رأسمالية‭ ‬دولة‭ ‬كما‭ ‬يقال؛‭  ‬بل‭ ‬هو‭ ‬خليط‭ ‬يعتمد‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تفريط،‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬هناك‭ ‬حارس‭ ‬أمين‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬كل‭ ‬الإيقاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أنه‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الاشتراكية‭ ‬والليبرالية‭ ‬المحدودة،‭ ‬فرضته‭ ‬المرحلة‭ ‬ومتحكَّمٌ‭ ‬فيه،‭ ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬تغييره‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭. ‬

2‭) ‬الصين‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مصلحتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬حاليا‭ ‬أن‭ ‬ينهار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الغربي‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬بل‭ ‬يهمها‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أضعف‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن،‭ ‬لأنه‭ ‬سيكون‭ ‬سوقا‭ ‬واسعة‭ ‬لترويج‭ ‬منتجاتها‭ ‬والتحكم‭ ‬فيها،‭ ‬وتوسيع‭ ‬استثماراتها‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬يتحكم‭ ‬فيها‭ ‬وينهب‭ ‬خيراتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬كفاءاتها‭ ‬البشرية‭ ‬و‭ ‬يستغل‭ ‬يدها‭ ‬العاملة‭.‬

نهاية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬مستقبلا‭ ‬سيحتد‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬كبيرتين‭ ‬الصين‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬كبير‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوربي؛‭ ‬حول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬L’intelligence artificielle،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيجلب‭ ‬مآسي‭ ‬بيئية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وإنسانية‭ ‬أكثر‭ ‬بشاعة،‭ ‬حيث‭ ‬سيصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬مكملا‭ ‬فقط‭ ‬للآلة،‭ ‬مما‭ ‬سيرفع‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬البطالة‭ ‬وبطالة‭ ‬حاملي‭ ‬الشواهد‭ ‬العليا‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر؛‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬خريجو‭ ‬أروبا‭ ‬لأن‭ ‬التكوينات‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭  ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يشتغل‭ ‬عليه‭ ‬هذان‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬جنون‭ ‬تكنولوجي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى