الفايد والسباحة خارج رقعة العلم
◆ عبد الله المستعين
في سياق كوني محموم يحكمه زمن وباء كورونا المستجد، والذي أفضى إلى النقاش حول أزمنة ما قبل كورونا وما بعدها، وضمن هذا المخاض العنيف كونيا ومحليا لا ينكر أحد راهنية العلم بل وسيادته، كونه المراهَن عليه للخروج من عنق زجاجة الأزمة، إلا أنه في المقابل نجد داخل سياقنا المغربي أحكاما وإدعاءات تمتح من رأسمال تقليداني مركب تتكثف مضامينه بالأسطوري المتداخل بالديني والسحري، إدعاءات تشرعن وجودها تحت غطاء “العلمية” مما جعل لها في صورة من صور الولاء الأعمى أنصاراً ومدافعين وتابعين، ولعل من النماذج التي أثارت كثيرا من السجال نجد المسمى “الدكتور الفايد” الذي رغم تكاثف الانتقادات والتشكيكات الموجهة صوب إدعاءاته، لازال مدافعا عن أوهامه مقدما إياها في صور وعباءات خلاصية.
ان المتابع/ة ولو في الحدود الدنيا للحقل العلمي، والناظر/ة لمفهوم العلم ذاته، وللشروط الابستيمولوجية التي تسمح بالحديث عن كون معطى ما يتصف بصفة العلمية، سيعرف بأن من أولى سمات الباحث/ة في أي حقل علمي (سواء في العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية) هو إقامة المسافة الموضوعية بين الذات (الأحكام، القناعات، المعتقدات…) وموضوع البحث، مع إخضاع هذا الأخير للتجربة عبر التوسل بالمنهج العلمي لتفسيره وإبراز القوانين المتحكمة فيه، إلا أن صاحبنا الفايد يعالج مواضيعه ويحاجج حول صدقيتها -خصوصا المتصلة بالعلاج بالصوم واستهلاك فضلات الجمل- استنادا إلى النص الديني الذي هو موضوع للاعتقاد والإيمان وليس بمعيار علمي بدون السماح ببيان صدق الموضوع، والتجربة على صدقه من كذبه، مراهنا في ذلك على شيء من والإثارة العاطفية التي قد تحكم المتلقي لادعاءاته، خصوصا إذا كانت مغلفة بغلاف المقدس.
من جهة أخرى تبرز حركية الفايد خارج رقعة العلم من طبيعة مضامين ردوده على الانتقادات التي وجهت له، نلمس هنا بأننا بصدد ردود موسومة بالوثوقية والأحكام المسبقة، بل والأخطر من كل هذا هو استنادها على نفحة من نفحات نظرية المؤامرة معتبرا إياها هجوما على التراث العربي الإسلامي بل على الإسلام برمته، وذلك ما دام هو مصدر مشروعيته، هذه الواقعة تحيلني على التمييز الذي أقامه المفكر الماركسي اللبناني المهدي عامل في نقده لمنزلة ماركس في استشراق إدوارد سعيد بين “منطق التماثل” و”منطق التناقض”، إذ أن منطق التماثل الذي استند إليه إدوارد سعيد دفعه إلى النظر لانتاجات السياق الغربي خلال القرنين 18 و19 م في نظرتها للشرق كونها ذات مضمون استشراقي برهان استعماري بما ذلك إنتاجات ماركس نفسها، نفس هذا المنطق مع اختلاف في السياق والمضامين يحكم صاحبنا الفايد كون أن أي انتقاد موجه لإدعاءاته تتخندق في خندق العلمانية (حسب التأويل الإسلاموي المقلوب) والزندقة والإلحاد…وهذا المعطى يسدل الستار عن شيء آخر وأهم هو أن الفايد يحول العلم إلى وسيلة وآلية لتمرير وتسريب نسق إيديولوجي تقليداني يمتح من الديني والأسطوري والسحري، وذلك ضمن تركيب هجين معلنا حربا باردة في مواجهة قيم العقلانية والتنوير.
في خضم كل هذا وأكثر، يمكن القول على أن إدعاءات الفايد تشكل في ذاتها نسقا إيديولوجيا غير محايد خارج رقعة العلم، وإن كان هذا الأخير بات يشكل آلية لشرعنة هذه الإدعاءات، نسق يصارع وينافح من أجل تسييد منطقيات التفكير الأسطوري والخرافي واللاهوتي، إننا بصدد حرب باردة مختلفة صورها وأشكالها ضد أي تحول ممكن وقائم على قيم العقلانية والتنوير، خصوصا وأن امتداد وباء كورونا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن السيادة راهنا ومستقبلا هي للعلم ولمجتمع المعرفة وليس ل”ثقافة الجاوي والبخور”.