...
Uncategorized

التعليم في المغرب

بين الإرث الاستعماري والاستبداد السياسي

◆ عبد المجيد مصدق

يستهلك قطاع التعليم من الميزانية العامة في السنوات الأخيرة أكثر من 40 مليار درهم سنويا، منها أجور الموظفين الذين يشكلون 40 في المائة من موظفي القطاع العام، كما أن مصاريف الوزارة خاصة على مستوى تدبير المال العام تقدر بالملايير، ورغم ذلك يعيش التعليم أزمة بنيوية بعد فشل كل الوصفات العلاجية والترقيعية، حيث انتهى المطاف بإنتاج منظومة تعليمية في حالة تيه دائم، وكان ذلك نتيجة تراكمات تاريخية واختيارات موجهة من الدولة لضرب أي إمكانية للترقي الاجتماعي لبنات وأبناء المغاربة عن طريق التعليم، ولضرب أي بذور للتقدم والمعرفة والوعي في أوساط الشعب المغربي، فكيف وصلت منظومة التربية والتعليم لحافة الانهيار؟.

1‭) ‬الجذور‭ ‬التاريخية‭ ‬لميراث‭ ‬التعليم‭ ‬العصري‭:‬

‭”‬إن‭ ‬القوة‭ ‬تبني‭ ‬الإمبراطوريات،‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬الاستمرارَ‭ ‬والدوام،‭ ‬فالرؤوس‭ ‬تنحني‭ ‬أمام‭ ‬المدافع،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تظل‭ ‬القلوب‭ ‬تغذي‭ ‬نارَ‭ ‬الحقد‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقام،‭ ‬يجب‭ ‬إخضاعُ‭ ‬النفوس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬إخضاعُ‭ ‬الأبدان‭..”‬،‭ ‬هكذا‭ ‬تكلم‭ “‬هاردي‭” ‬مسؤول‭ ‬السياسة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬المستعمرات‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لتبين‭ ‬المخططات‭ ‬الكولونيالية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬بالمستعمرات‭.‬

فبعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭ ‬أصبح‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬التعليمية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬هي‭ ‬إخضاع‭ ‬العقول‭ ‬للمستعمِر؛‭ ‬حتى‭ ‬تتم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المخزون‭ ‬البشري‭ ‬للمستعمَرات،‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬فَرنسا،‭ ‬وضمان‭ ‬تبعيَّة‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬ستتم‭ ‬تنشئته‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الفَرنسية؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‭”‬تطوير‭ ‬المغرب‭” ‬وإخراجه‭ ‬من‭ ‬ظلمة‭ ‬الجهل‭ ‬إلى‭ ‬نور‭ ‬الحضارة‭” ‬وفقا‭ ‬لصك‭ ‬الحماية‭/‬الاستعمار،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬خطابًا‭ ‬لذرِّ‭ ‬الرماد‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬ولترويض‭ ‬المغاربة‭ ‬سيتم‭ ‬إتباع‭ ‬سياسة‭ ‬تعليمية‭ ‬ممنهجة‭ ‬لتحقيق‭ ‬السيطرة‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬وبأقل‭ ‬التكاليف،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬التفرِقة‭ ‬والطبقية،‭ ‬فكان‭ ‬التعليمُ‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحماية‭ ‬طبقيًّا‭ ‬بامتياز،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العِرق‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬طبقية‭ ‬دينية‭ ‬وأخرى‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬فرنسا‭ ‬بالفصل‭ ‬بين‭ ‬تعليم‭ ‬خاص‭ ‬بالنخبة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتعليم‭ ‬لعموم‭ ‬الشعب؛‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬سيقدَّم‭ ‬لبناء‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كان‭ ‬تعليما‭ ‬طبقيا‭ ‬بامتياز،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تكوينها‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الإدارة‭ ‬والتجارة،‭ ‬وهي‭ ‬الميادين‭ ‬التي‭ ‬اختص‭ ‬بها‭ ‬العملاء‭ ‬والأعيان‭ ‬المغاربة،‭ ‬أما‭ ‬النوع‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬التعليم‭ ‬الشعبي‭ ‬الخاص‭ ‬بالطبقة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ويتنوع‭ ‬بتنوع‭ ‬الوسط‭ ‬الاقتصادي؛‭ ‬فكان‭ ‬بالمدن‭ ‬يوجَّه‭ ‬التعليم‭ ‬نحو‭ ‬المِهَن‭ ‬اليدوية،‭ ‬أما‭ ‬بالبادية‭ ‬فيُوجَّه‭ ‬التعليم‭ ‬نحو‭ ‬الفلاحة،‭ ‬وأما‭ ‬بالمدن‭ ‬الشاطئية‭ ‬فسيوجَّه‭ ‬نحو‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬والملاحة‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬تقسيم‭ ‬المغاربة‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬فئات‭: ‬طبقة‭ ‬الأعيان،‭ ‬وطبقة‭ ‬سكان‭ ‬المدن‭ ‬الأميين،‭ ‬ثم‭ ‬القرويون‭ ‬المنعزلون‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرًا‭ ‬وجهلًا،‭ ‬وكان‭ ‬الحرص‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تختلط‭ ‬هذه‭ ‬الطبقاتُ‭ ‬وجوديًّا‭ ‬وتعليميًّا‭ ‬يبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وذلك‭ ‬مخافة‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬بؤرا‭ ‬ثورية،‭ ‬بنهج‭ ‬سياسة‭ ‬تفرض‭ ‬أن‭ ‬يبقي‭ ‬التعليم‭ ‬خاليًا‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬التحرري‭ ‬والقيمي‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬الوعي،‭ ‬وتلافي‭ ‬الكولونيالية‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬حاجزا‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬وخدمة‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ودوامها‭ ‬واستقرارها،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العتيق،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬الاهتمامُ‭ ‬بتطوير‭ ‬جامعة‭ ‬القرويين،‭ ‬وزيادة‭ ‬توطيده‭ ‬بالتعليم‭ ‬الأصيل‭ ‬القائم‭ ‬بالمساجد،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النهج‭ ‬الفرنسي‭ ‬المتَّبع‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يذهب‭ ‬المغاربة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬كالجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬ويقع‭ ‬احتكاك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلبة‭ ‬بالحركات‭ ‬التحرُّرية‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تم‭ ‬تقسيم‭ ‬سكان‭ ‬المغرب‭ – ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إليه‭ – ‬باعتبارهم‭ ‬ثلاثة‭ ‬كيانات‭ ‬غير‭ ‬متجانسة‭: ‬المسلمون،‭ ‬واليهود،‭ ‬والأوربيون‭ ‬المسيحيون،‭ ‬وتم‭ ‬تخصيص‭ ‬نمط‭ ‬تعليم‭ ‬لكل‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطوائف،‭ ‬وكان‭ ‬الأساس‭ ‬التعليمي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬اللُّغة‭ ‬الفَرنسية،‭ ‬التي‭ ‬بواسطتها‭ ‬سيرتبط‭ ‬التلاميذ‭ ‬المغاربة‭ ‬بفرنسا،‭ ‬وتاريخ‭ ‬فرنسا،‭ ‬وكان‭ ‬المقصود‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يعطيهم‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬عظمة‭ ‬تاريخها‭ ‬وقوتها‭.‬

وحسب‭ ‬جورج‭ ‬هاردي‭”‬فإن‭ ‬اللغة‭ ‬الفَرنسية‭ ‬هي‭ ‬سلاح‭ ‬المعركة‭ ‬إذًا،‭ ‬ولربح‭ ‬الرهان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬استعمال‭ ‬هذا‭ ‬السلاح،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬تطلَّب‭ ‬الأمر‭ ‬اقتلاع‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬من‭ ‬امتدادها‭ ‬الحضاري،‭ ‬والرمي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مزابل‭ ‬التاريخ؛‭ ‬إن‭ ‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭”‬،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬حصارها‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العتيقة‭ ‬والتعليم‭ ‬الأصيل‭ ‬المتخلف‭ ‬أصلا؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬إغلاق‭ ‬كتاتيب‭ ‬تعليمِ‭ ‬القرآن،‭ ‬ومُحاربة‭ ‬معلِّمي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬اللُّغوية‭ ‬الكولونيالية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭:‬

القضاء‭ ‬على‭ ‬اللُّغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬ثم‭ ‬إحلال‭ ‬اللغة‭ ‬الفَرنسية‭ ‬محلها،‭ ‬والدفع‭ ‬بأن‭ ‬تتبوأ‭ ‬اللغة‭ ‬الدارجة‭ ‬مكانها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬معهد‭ ‬عالي‭ ‬لتعليم‭ ‬الدارجة‭ ‬المغربية؛‭ ‬لتخريج‭ ‬الأطر‭ ‬والمساعدين‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬مخاطبة‭ ‬المواطنين‭ ‬بالدارجة،‭ ‬عِوَضًا‭ ‬عن‭ ‬الفصحى،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬المرسوم‭ ‬هو‭ ‬تطويرُ‭ ‬المغاربة‭ ‬والأمازيغ‭ ‬منهم‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬خارجَ‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬والانتماء‭ ‬الحضاري‭.‬

فمع‭ ‬بداية‭ ‬الاحتلال‭ ‬أصبحت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ممنوعةً‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬ممنوعة،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مِن‭ ‬بعض‭ ‬الدروس‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬الأعيان،‭ ‬أما‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬1944‭ ‬حيث‭ ‬مرغ‭ ‬أدولف‭ ‬هتلر‭ ‬أنف‭ ‬فرنسا،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تخصيص‭ ‬10‭ ‬ساعات‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬والمواد‭ ‬الدينية،‭ ‬مقابل‭ ‬20‭ ‬ساعة‭ ‬للفَرنسية‭ ‬والمواد‭ ‬المدروسة،‭ ‬وفي‭ ‬الابتدائي‭ ‬ظلَّت‭ ‬حصص‭ ‬العربية‭ ‬هزيلةً،‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬لأي‭ ‬توجيه‭ ‬أو‭ ‬مراقبة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬طرق‭ ‬التلقين‭ ‬تقليدية،‭ ‬وكان‭ ‬الأساتذة‭ ‬ضعفاء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬التكوين‭ ‬البيداغوجي،‭ ‬وفي‭ ‬الثانويات‭ ‬اعتُبِرت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لُغة‭ ‬ثانية،‭ ‬أما‭ ‬في‭ “‬الليسيات‭”‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مدار‭ ‬النخبة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬السماح‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬1944‭ ‬م‭ ‬للمغاربة‭ ‬بولوجها،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬العربية‭ ‬مادةً‭ ‬مهملة،‭ ‬مادتها‭ ‬قصص‭ ‬خرافية‭ ‬وحكايات‭ ‬تشوه‭ ‬المغرب‭ ‬وتاريخه،‭ ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬المدارس‭ ‬اليهودية،‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬ظهورها‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬فرض‭ ‬الحماية،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المولى‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن،‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬ظهيرًا‭ ‬لحماية‭ ‬اليهود‭ ‬بعد‭ ‬تدخُّل‭ ‬الرابطة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عقب‭ ‬إعدام‭ ‬يهوديينِ‭ ‬اتُّهما‭ ‬بتسميم‭ ‬مندوب‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬ليتم‭ ‬إنشاء‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬مدرسة‭ ‬يهودية‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬الرابطة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬العالَمية،‭ ‬ومنظمات‭ ‬يهودية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1862م‭ ‬إلى‭ ‬1911م،‭ ‬ولم‭ ‬يحتَجِ‭ ‬المستعمرُ‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المدارس،‭ ‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬للرابطة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬العالَمية‭ ‬مقرَّرًا‭ ‬عامًّا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدارسها،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تعلُّم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والتحدُّث‭ ‬بها‭ ‬بطلاقة،‭ ‬واعتماد‭ ‬اللُّغة‭ ‬الفَرنسية‭ ‬لغة‭ ‬تعليم،‭ ‬مع‭ ‬اعتماد‭ ‬اللغات‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والإسبانية‭ ‬والإيطالية،‭ ‬والحساب‭ ‬والمواد‭ ‬التالية‭: ‬الهندسة،‭ ‬والفيزياء،‭ ‬والكيمياء،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العِبْرية‭ ‬والتاريخ‭ ‬اليهودي،‭ ‬والتاريخ‭ ‬العام،‭ ‬والجغرافية‭..‬

ومما‭ ‬يثير‭ ‬الانتباهَ‭ ‬كون‭ ‬اليهود‭ ‬اعتمدوا‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬مدارسهم‭ ‬اللغة‭ ‬الفَرنسية‭ ‬لغةً‭ ‬أساسية،‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬مواطنون‭ ‬مغاربة،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬كونهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬أنفسهم‭ ‬كطائفة‭ ‬لا‭ ‬انتماء‭ ‬لها‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن،‭ ‬ولا‭ ‬رابطة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المغاربة‭ ‬المسلمين،‭ ‬بحكم‭ ‬طبيعة‭ ‬عقيدتهم‭ ‬الانعزالية‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬بعد‭ ‬الاستعمار‭ ‬نسخةً‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الأوربي،‭ ‬تساير‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭ ‬الفَرنسية‭ ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬تمدرس‭ ‬يهود‭ ‬المغرب‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬لأن‭ ‬ولوج‭ ‬المدارس‭ ‬كان‭ ‬إجباريًّا‭ ‬ومعممًا‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوَّة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬اليهودي‭ ‬والمدارس‭ ‬اليهودية‭ ‬هو‭ ‬عصرهم‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬الاستعمار‭ ‬وسلخهم‭ ‬عن‭ ‬الهُوِيَّة‭ ‬المغربية،‭ ‬ليشكلوا‭ ‬جماعة‭ ‬وظيفية‭ ‬تابعة‭ ‬للاستعمار‭ ‬قلبًا‭ ‬وقالبًا‭.‬

فيما‭ ‬كان‭ ‬التعليم‭ ‬الأوربي‭ ‬الخاص‭ ‬بأبناء‭ ‬الفَرنسيين‭ ‬والأوربيين،‭ ‬مرتبطا‭ ‬ببلد‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهو‭ ‬تعليم‭ ‬ظل‭ ‬دومًا‭ ‬التعليمَ‭ ‬الممتاز‭ ‬بالمغرب،‭ ‬والذي‭ ‬يساير‭ ‬التعليم‭ ‬الموجود‭ ‬بفَرنسا،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ “‬مدارس‭ ‬البعثة‭ ‬الفَرنسية‭” ‬الموجودة‭ ‬حاليًّا،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬استمرار‭ ‬له‭.‬

لقد‭ ‬عمِلت‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬عقب‭ ‬توقيع‭ “‬معاهدة‭ ‬الحماية‭”‬،على‭ ‬إقرار‭ ‬نظام‭ ‬تربوي‭ ‬جديد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والمناطق‭ ‬المأهولة‭ ‬بالسكان‭ ‬الأمازيغ‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مميزات‭ ‬هدا‭ ‬النظام‭ ‬فَرْنَسَةُ‭ ‬التعليم‭ ‬ليس‭ ‬كأداة‭ ‬للتواصل‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬محاولة‭ ‬لربط‭ ‬المستعمرات‭ ‬بالدولة‭ ‬الفَرنسية،‭ ‬كأنها‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وكذا‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬سياسة‭ ‬فرنسا‭ ‬الطبقيَّة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الأمازيغ‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مدارس‭ ‬خاصة‭ ‬بهم؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬الانفصال‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬الهُوِيَّة‭ ‬العربية،‭ ‬وقد‭ ‬سرَّعت‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬ذلك‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬الظهير‭ ‬البربري،‭ ‬لترسخ‭ ‬سياسة‭ ‬فرنسا‭ ‬القاضيةَ‭ ‬بفك‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الأمازيغ‭ ‬والعرب‭.‬

فقد‭ ‬كانت‭ ‬المعركة‭ ‬الثقافية‭ ‬التعليمية‭ ‬لفرنسا‭ ‬معركةً‭ ‬مصيرية؛‭ ‬لإطالة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬فكان‭ ‬لسكَّان‭ ‬الجبال‭ ‬من‭ ‬الأمازيغ‭ ‬النصيبُ‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع؛‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬فكرِ‭ ‬فرنسا‭ ‬مجرَّد‭ ‬قبائل‭ ‬معزولة‭ ‬لا‭ ‬يربطها‭ ‬بالنسيج‭ ‬المجتمعي‭ ‬المغربي‭ ‬رابطٌ،‭ ‬فلغتُهم‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتقاليدهم‭ ‬مختلفة،‭ ‬وعملية‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيلهم‭ ‬لُغويًّا‭ ‬وثقافيًّا‭ ‬ستكون‭ ‬سهلة‭ ‬المنال‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬سلخهم‭ ‬عن‭ ‬لُغتهم‭ ‬الأم‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬وهُوِيَّتهم‭ ‬الحضارية،‭ ‬والتي‭ – ‬حسب‭ “‬ليوطي‭”- ‬تعدُّ‭ ‬عقبةً‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬فرض‭ ‬اللغة‭ ‬الفَرنسية‭ ‬على‭ ‬الأمازيغ؛‭ ‬فكونهم‭ ‬مسلمين‭ ‬يعني‭ ‬ضرورة‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بالقرآن،‭ ‬وارتباطهم‭ ‬بالقرآن‭ ‬يعني‭ ‬حفاظهم‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تعليمًا‭ ‬وتعلمًا‭ ‬وممارسة‭ ‬لُغوية،‭ ‬يبين‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬دورية‭ “‬ليوطي‭”.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬ما‭ ‬عُرِف‭ ‬بالمدارس‭ ‬البربرية‭ – ‬الفَرنسية،‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬جبال‭ ‬الأطلس،‭ ‬خاصة‭ ‬إيموزار،‭ ‬وعين‭ ‬الشكاك‭ ‬بناحية‭ ‬فاس،‭ ‬وثانوية‭ ‬أزرو‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وعين‭ ‬اللوح‭ ‬بناحية‭ ‬مكناس‭ ‬وخنيفرة‭ ‬والقباب،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬اهرمومو‭ ‬بناحية‭ ‬تازة‭ ‬والمدرسة‭ ‬العليا‭ ‬الفرنسية‭ ‬البربرية‭ ‬وكان‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭ + ‬التعليم‭ ‬بالمقررات‭ ‬الفَرنسية‭ ‬حصرا‭.‬

‭ + ‬مجالات‭ ‬التدريس‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬المهن‭ ‬والفلاحة‭.‬

‭+ ‬ترك‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الأمازيغية‭.‬

ولم‭ ‬يتم‭ ‬حصر‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬تعميمه‭ ‬على‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬والدراسات‭ ‬العليا‭ ‬أيضًا،‭ ‬فتم‭ ‬إنشاء‭ ‬ثانويات‭ ‬بربرية‭ – ‬فرنسية؛‭ ‬كثانوية‭ ‬أزرو‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬سنة‭ ‬1927‭ ‬م،‭ ‬والمدرسة‭ ‬العليا‭ ‬الفَرنسية‭ ‬البربرية‭ ‬سنة‭ ‬1914‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحماية‭ ‬عامة،‭ ‬والمدارس‭ ‬البربرية‭ – ‬الفرنسية‭ ‬خاصة،‭ ‬عرف‭ ‬فشلًا‭ ‬ذريعا‭ ‬وانهيارا‭ ‬مدويا؛‭ ‬فمن‭ ‬مجموع‭ ‬المدارس‭ ‬البربرية‭ – ‬الفَرنسية،‭ ‬ظلت‭ ‬ثانوية‭ ‬أزرو‭ ‬الوحيدة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬طابعها‭ ‬غير‭ ‬العربي،‭ ‬وإلى‭ ‬حدود‭ ‬1948‭ ‬م‭ ‬فقط‭.‬

هذا‭ ‬السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬ترك‭ ‬آثارًا‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬ساكنة‭ ‬الجبال،‭ ‬الذين‭ ‬حُرموا‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬نهائيًّا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬قد‭ ‬قامت‭ ‬بتصفية‭ ‬الكتاتيب‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬السياسية‭ ‬البربرية،‭ ‬وقد‭ ‬كانَتِ‭ ‬الملاذَ‭ ‬التعليمي‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬البوادي‭ ‬والمدن‭ ‬المغربية‭ ‬بأحسن‭ ‬حالًا؛‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬محرومةً‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الحديث‭. ‬وإذا‭ ‬علِمنا‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬سكان‭ ‬البوادي‭ ‬والأرياف‭ ‬بلغت‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تسبَّبت‭ ‬بها‭ ‬سلطات‭ ‬الحماية؛‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬نسبة‭ ‬غير‭ ‬المتمدرسين،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تلقوا‭ ‬تعليمًا‭ ‬ضحلًا،‭ ‬تتجاوز‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الساكنة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬سنَّ‭ ‬التمدرس‭ ‬لم‭ ‬يلتحقوا‭ ‬بالمدارس‭.‬

وكنتيجة‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وبداية‭ ‬تحرك‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالاستقلال،‭ ‬تم‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬بعض‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬الوطنية‭ ‬تدرس‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وينهل‭ ‬محتوى‭ ‬برامجها‭ ‬ومقرراتها‭ ‬من‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭.‬

وتتَّضِح‭ ‬كارثية‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬التالية‭: ‬

فحصيلةُ‭ ‬التعليم‭ ‬الفَرنسي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬قيامه‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1944،‭ ‬أن‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬أما‭ ‬الشواهد‭ ‬الجامعية‭ ‬المتحصلة‭ ‬فهزيلة‭ : ‬6‭ ‬محامين،‭ ‬6‭ ‬مهندسين،3‭ ‬أطباء‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1945‭ ‬إلى‭ ‬1955،‭ ‬فقد‭ ‬عرَفت‭ ‬تحسنًا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬امتصاص‭ ‬الغضب‭ ‬والحس‭ ‬التحرري‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬ينمو،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬المتمدرسين‭ ‬ممن‭ ‬بلغ‭ ‬سن‭ ‬التمدرس‭ ‬سنة‭ ‬1950،‭ ‬نسبة‭ ‬7‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬و11‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنة‭ ‬1954‭.‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬كالتالي‭:‬

  ‬تلميذًا‭ ‬حاملًا‭ ‬للشهادة‭ ‬الابتدائية‭.    ‬4‭.‬188‭+ ‬

  + ‬175‭ ‬حاصلًا‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬الثانية‭ ‬94‭ ‬تلميذًا‭.‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭ ‬سمح‭ ‬للطلبة‭ ‬المغاربة‭ ‬بولوج‭ ‬المدارس‭ ‬الأوروبية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬تعليما‭ ‬عصريا‭ ‬حديثا،‭ ‬تتوفر‭ ‬فيه‭ ‬الشروط‭ ‬البيداغوجية‭ ‬والديداكتيكية،‭ ‬لاكتساب‭ ‬القدرات‭ ‬المؤهلة‭ ‬لولوج‭ ‬المدارس‭ ‬العليا‭ ‬والجامعات‭ ‬العلمية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يلجها‭ ‬القلة‭ ‬الأوربيون‭ ‬وأبناء‭ ‬العملاء‭ ‬والأعيان،‭ ‬وقد‭ ‬تسابق‭ ‬أقطاب‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬ليستفيدَ‭ ‬أبناؤهم‭ ‬بدورهم‭ ‬مِن‭ ‬هذا‭ ‬التعليم‭ ‬رغبةً‭ ‬في‭ ‬تأهيلهم‭ ‬لإتمام‭ ‬دراساتهم‭ ‬العليا،‭ ‬وبقيت‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬تابعةً‭ ‬لفرنسا‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وكأنها‭ ‬مدارس‭ ‬فَرنسية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬تربطها‭ ‬صلة‭ ‬به،‭ ‬بل‭ ‬تخضع‭ ‬مباشرة‭ ‬للقنصليات‭ ‬والسفارة‭..!‬

لقد‭ ‬تركت‭ ‬لنا‭ ‬فرنسا‭ ‬نظامًا‭ ‬تربويًّا‭ ‬ضعيف‭ ‬المناهج‭ ‬والمحتوى،‭ ‬و‭ ‬ظلت‭ ‬الطبقيةُ‭ ‬سمتَه‭ ‬البارزة‭ ‬وأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬التعليم‭:‬

‭ + ‬تعليم‭ ‬عمومي‭ ‬يلجه‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقة‭ ‬الدنيا،‭ ‬ضعيف‭ ‬المحتوى‭ ‬والطرائق،‭ ‬يعاني‭ ‬مشاكل‭ ‬هيكلية‭ ‬ويشد‭ ‬بتلابيب‭ ‬الفرنكوفونية‭.‬

‭+ ‬تعليم‭ ‬خاص‭ ‬سقط‭ ‬تحت‭ ‬الضغوط‭ ‬التِّجارية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬مضاهاة‭ ‬التعليم‭ ‬الأوربي‭ ‬بجرعة‭ ‬فرنكوفونية‭ ‬كبيرة‭.‬

‭+ ‬تعليم‭ ‬أوربي‭ ‬حديث،‭ ‬تتوفر‭ ‬فيه‭ ‬الشروط‭ ‬البيداغوجية‭ ‬والديداكتيكية،‭ ‬لاكتساب‭ ‬القدرات‭ ‬المؤهلة‭ ‬لولوج‭ ‬المدارس‭ ‬العليا‭ ‬والجامعات‭ ‬العلمية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬تلجه‭ ‬الأقلية‭ ‬الأوربية‭ ‬وأبناء‭ ‬حاشية‭ ‬الدولة‭ ‬وكبار‭ ‬الموظفين‭ ‬وبعض‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقتين‭ ‬البرجوازية‭ ‬الكبرى‭ ‬والمتوسطة‭.‬

2‭) ‬التعليم‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭:‬

تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مراحل‭ ‬المغرب‭ ‬المستقل‭ ‬شكليا؛‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للأطر‭ ‬والتصورات‭ ‬الوطنية‭ ‬وتكييف‭ ‬التعليم‭ ‬مع‭ ‬المتطلبات‭ ‬الملحة‭ ‬للواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬تعميم‭ ‬التمدرس‭ ‬والتنمية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬لبناء‭ ‬أجهزتها‭ ‬الإدارية‭ ‬والأمنية‭ ‬والعسكرية‭..‬

وهكذا‭ ‬عمل‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬الطابع‭ ‬الاستبدادي‭ ‬للدولة،‭ ‬والذي‭ ‬يتسم‭ ‬بالمركزية‭ ‬والبيرقراطية‭ ‬ومراقبة‭ ‬المجتمع‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬اتجاهاته‭ ‬وضبط‭ ‬تطوره،‭ ‬حيث‭ ‬ظل‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الآليات‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬حركة‭ ‬المجتمع،‭ ‬واعتبر‭ ‬ميدان‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬ونظام‭ ‬الحكم‭.‬

فمنذ‭ ‬فجر‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭ ‬تم‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬حول‭ ‬المبادئ‭ ‬والأهداف‭ ‬الأساسية‭ ‬للسياسة‭ ‬التعليمية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هدا‭ ‬التوافق‭ ‬ظل‭ ‬حبيس‭ ‬الرفوف،‭ ‬كباقي‭ ‬التوافقات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬بينهما،‭ ‬و‭ ‬استمر‭ ‬الصراع‭ ‬بينها‭ ‬لمدة‭ ‬طويلة،‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬السياسية‭ ‬دورا‭ ‬حاسما،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تميل‭ ‬دائما‭ ‬لصالح‭ ‬النظام‭.‬

مسار‭ ‬إصلاحات‭ ‬الدولة‭ ‬لمنظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭:‬‭ ‬

بعد‭ ‬تسلم‭ ‬المغرب‭ ‬مفاتيح‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬وثائق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬السيادة،‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬بقيام‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬والمناظرات،‭ ‬وتكوين‭ ‬لجن‭ ‬عليا‭ ‬عهد‭ ‬إليها‭ ‬النظر‭ ‬لتأسيس‭ ‬منظومة‭ ‬تعليمية،‭ ‬تستجيب‭ ‬لحاجيات‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬وهكذا‭ ‬دخل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬البرامج‭ ‬والمناهج‭ ‬والمقررات‭.‬

‭ ‬‭* ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للتعليم‭ (‬1957‭):‬‭ ‬

من‭ ‬جملة‭ ‬توصياتها،‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬الموروث‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ (‬الهياكل،‭ ‬البرامج،‭ ‬الأطر‭…)‬،‭ ‬مع‭ ‬المناداة‭ ‬باعتماد‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭ (‬المغربة،‭ ‬التعريب،‭ ‬التوحيد،‭ ‬التعميم‭) ‬لإرساء‭ ‬نظام‭ ‬تربوي‭ ‬وطني،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬تأسس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ ‬سنة‭ ‬1956‭ ‬كمنظمة‭ ‬نقابية‭ ‬لطلبة‭ ‬الجامعة‭ ‬والثانويات،‭ ‬وقد‭ ‬تأثر‭ ‬بالغليان‭ ‬السياسي‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭.‬

‭ ‬‭* ‬اللجنة‭ ‬الملكية‭ ‬لإصلاح‭ ‬التعليم‭(‬1958‭):‬

أوصت‭ ‬بإصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إجباريته‭ ‬ومجانيته‭ ‬مع‭ ‬توحيد‭ ‬المناهج‭ ‬و‭ ‬البرامج‭.‬

‭ * ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتعليم‭ (‬1959‭):‬‭ ‬

أهم‭ ‬خلاصات‭ ‬اجتماعاته،‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬مجانية‭ ‬التعليم‭ ‬وتعميمه،

بعد‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬شهد‭ ‬المغرب‭ ‬غليانا‭ ‬سياسيا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬سواء‭ ‬حول‭ ‬الدستور‭ ‬أو‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬والتزامن‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بمؤامرة‭ ‬1963،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬صدر‭ ‬قرار‭ ‬سياسي‭ ‬رسمي‭ ‬بفصل‭ ‬التلاميذ‭ ‬عن‭ ‬الطلبة‭ ‬كمنخرطين‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬شاركت‭ ‬الجماهير‭ ‬التلاميذية‭ ‬في‭ ‬إضراب‭ ‬ماي‭ ‬1963‭ (‬حوالي‭ ‬157‭ ‬ألف‭ ‬تلميذا‭ ‬وطالبا‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬المعركة‭ ‬حول‭ ‬المطالبة‭ ‬بإصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬وفتح‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬المنظمة‭ ‬الطلابية‭.‬

‭ ‬‭* ‬مناظرة‭ ‬المعمورة‭:‬‭ ‬

عقدت‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬أبريل‭ ‬سنة‭ ‬1964،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تمخض‭ ‬عنها‭ ‬تقليص‭ ‬ميزانية‭ ‬التعليم،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬تعميم‭ ‬التعليم،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬ثوابت‭ ‬الإصلاح،‭ ‬وجددت‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭ : ‬المغربة،‭ ‬التعريب،‭ ‬التوحيد،‭ ‬التعميم،‭ ‬وقد‭ ‬خصصت‭ ‬جانبا‭ ‬لموضوع‭ ‬التعريب‭ ‬والازدواجية،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التعريب‭ ‬لجميع‭ ‬الأقسام‭ ‬في‭ ‬الابتدائي‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالفرنسية‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬3‭ ‬ابتدائي،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬أصدر‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬مذكرة‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ “‬إن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬انجازه‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬يتسم‭ ‬بالتسرع‭ ‬والارتجالية،‭ ‬وأن‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬التلاميذ‭ ‬يمثل‭ ‬مشكلا‭ ‬كبيرا‭ ‬للدولة‭”. ‬وحددت‭ ‬نفس‭ ‬المذكرة‭ ‬ألا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬التلاميذ‭ ‬بالابتدائي‭ ‬1‭.‬564‭.‬000‭ ‬تلميذا‭ ‬خلال‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬التاسع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ (‬أكتوبر‭ ‬1964‭) ‬تصاعدا‭ ‬نضاليا،‭ ‬وصلت‭ ‬فيه‭ ‬الإضرابات‭ ‬إلى‭ ‬60‭ ‬يوما‭ ‬بمشاركة‭ ‬حوالي‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬طالبا‭ ‬وتلميذا،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬شكوى‭ ‬قضائية‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لحله،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬كان‭ ‬لصالح‭ ‬المنظمة‭ ‬الطلابية‭ ‬بفعل‭ ‬صمود‭ ‬الجماهير‭ ‬الطلابية‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬مذكرة‭ ‬القصر‭ ‬التي‭ ‬أعقبتها‭ ‬مذكرة‭ ‬تنفيذية‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬التعليم،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تقنين‭ ‬وحصر‭ ‬المرور‭ ‬من‭ ‬سلك‭ ‬إلى‭ ‬سلك‭ ‬دون‭ ‬تجاوز‭ ‬سن‭ ‬معين‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬الطرد،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬جديدة‭ ‬لفصل‭ ‬نضالات‭ ‬التلاميذ‭ ‬عن‭ ‬الطلبة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬تفجير‭ ‬أضخم‭ ‬وأعنف‭ ‬انتفاضة‭ ‬جماهيرية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وذلك‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬1965،‭ ‬والتي‭ ‬ساهم‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التلاميذ‭ ‬والطلبة‭ ‬أولياؤهم‭ ‬وجماهير‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬المذكرة‭ ‬تمس‭ ‬بحق‭ ‬التمدرس‭ ‬ومتابعة‭ ‬الدراسة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أجج‭ ‬الشارع‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬الأليمة‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭ ‬بالأحداث‭ ‬الدامية‭ ‬مارس‭ ‬1965‭.‬

‭ ‬‭* ‬المخطط‭ ‬الثلاثي‭ (‬1965‭ ‬–‭ ‬1967‭):‬‭ ‬

الذي‭ ‬عرف‭ ‬بشعار‭ “‬إلزامية‭ ‬التعريب‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭” ‬وعرفت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬عدة‭ ‬مشاكل‭ ‬هيكلية،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭:‬

‭ + ‬تقليص‭ ‬ميزانية‭ ‬التعليم‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬التمدرس‭.‬

‭ + ‬اقتراح‭ ‬سلكين‭ ‬في‭ ‬الابتدائي،‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬يكون‭ ‬إلزاميا‭ ‬تتكفل‭ ‬به‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية،‭ ‬وهو‭ ‬سلك‭ ‬معرب‭ ‬كليا،‭ ‬حيث‭ ‬ستلقن‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬بدء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1966،‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬تتكفل‭ ‬به‭ ‬الدولة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مغربة‭ ‬الأطر‭.‬

‭ + ‬إلحاح‭ ‬المخطط‭ ‬المذكور‭ ‬على‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬البرامج‭ ‬العصرية‭ ‬والتقليدية‭ ‬وتشجيع‭ ‬التعليم‭ ‬الخاص‭.‬

رفض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬والاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬والاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل‭ ‬والاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬والتوصيات،‭ ‬واعتبروها‭ ‬تراجعا‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مخططا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬تم‭ ‬اقتراح‭ ‬تخفيض‭ ‬تسجيل‭ ‬أعداد‭ ‬التلاميذ‭ ‬الجدد‭ ‬لفترة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ (‬1965-1975‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬26‭.‬000‭ ‬تلميذا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دخول‭ ‬مدرسي‭ ‬عوض‭ ‬100‭.‬000‭ ‬تلميذا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسجل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬1965،‭ ‬وهو‭ ‬مضمون‭ ‬مذكرة‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭.‬

فما‭ ‬بين‭ ‬سنوات‭ ‬1965‭/‬1967،‭ ‬تمت‭ ‬بلورة‭ ‬المخطط‭ ‬الثلاثي‭ ‬هذا،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬ارتكز‭ ‬عليه،‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭: ‬التعميم،‭ ‬التوحيد،‭ ‬المغربة‭ ‬والتعريب‭.‬

‭ * ‬مناظرة‭ ‬إفران‭ ‬الأولى‭ (‬1970‭):‬

صادفت‭ ‬التوترات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وصعودا‭ ‬يساريا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الجامعية‭ ‬التلاميذية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬حركتي‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬وإلى‭ ‬الأمام‭.‬‭. ‬

وكانت‭ ‬أهم‭ ‬توصيات‭ ‬المناظرة،‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالتكوين‭ ‬المهني،‭ ‬ومن‭ ‬نتائجها‭ ‬تعريب‭ ‬الفلسفة‭ ‬وتعريب‭ ‬الاجتماعيات‭ ‬وإحداث‭ ‬الباكالوريا‭ ‬التقنية‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬السنة‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتعليم‭ ‬في‭ ‬حلة‭ ‬جديدة،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يشتغل‭ ‬قط،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬التجاذب‭ ‬القوي‭ ‬حول‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬وتباعا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السنة‭ ‬أصدر‭ ‬500‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ومثقفي‭ ‬المغرب‭ ‬بيانا‭ ‬يحذر‭ ‬من‭ ‬ازدواجية‭ ‬اللغة‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬لغة‭ ‬ومناهج‭ ‬التعليم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬التطورات‭ ‬القادمة‭.‬

‭* ‬المخطط‭ ‬الخماسي‭ ‬الثاني‭ ‬1973‭-‬1977‭:‬

خرج‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬بعد‭ ‬محاولتي‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري،‭ ‬بالصخيرات‭ ‬سنة‭ ‬1971‭ ‬والطائرة‭ ‬الملكية‭ ‬1972،

وأقر‭ ‬بأن‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة،‭ ‬ولذلك‭ ‬نجده‭ ‬يطرح‭ ‬برنامج‭ ‬عمل‭ ‬استعجالي‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬73‭ ‬وينتهي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬77،‭ ‬ويتمحور‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭+ ‬تنمية‭ ‬التمدرس‭.‬

‭ + ‬مغربة‭ ‬الأطر‭.‬

‭ + ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬الحاجيات‭ ‬في‭ ‬التكوين‭.‬

‭ + ‬الحد‭ ‬من‭ ‬ولوج‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭.‬

كما‭ ‬حمل‭ ‬بين‭ ‬طياته‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬التعريب‭. ‬

‭+ ‬انطلاق‭ ‬مغربة‭ ‬السلك‭ ‬الثاني‭. ‬

‭+ ‬إحداث‭ ‬مكتب‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬و‭ ‬إنعاش‭ ‬الشغل‭.‬

‭+ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تعريب‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الابتدائي‭.‬

‭+ ‬إحداث‭ ‬شعبة‭ ‬الدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وإلغاء‭ ‬شعبة‭ ‬الفلسفة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬حظر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1973،‭ ‬صدر‭ ‬ظهير‭ ‬خاص‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الجامعي‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬أتون‭ ‬حرب‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬أعاد‭ ‬الملك‭ ‬سنة‭ ‬1978‭  ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الازدواجية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭.‬

‭* ‬المخطط‭ ‬الثلاثي‭ ‬لسنوات‭ ‬1978‭- ‬1980‭:‬

فقد‭ ‬عرف‭ ‬مباشرة‭ ‬سياسة‭ ‬تقشفية‭ ‬جعلته‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬التعليم‭ ‬بالعالم‭ ‬القروي‭ ‬وحده‭ ‬وتعزيز‭ ‬المواد‭ ‬التطبيقية،‭ ‬ومغربة‭ ‬الأطر،‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬بالتعريب‭ ‬كثيرا‭.‬

‭* ‬مشروع‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬لسنة‭ ‬1980‭:‬

تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الطبيب‭ ‬الاستقلالي‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬العراقي،‭ ‬فركز‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭ + ‬توجيه‭ ‬التلاميذ‭ ‬نحو‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭.‬

‭+ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الجامعي‭ ‬حسب‭ ‬النقط‭ ‬و‭ ‬المقاعد‭ ‬المتوفرة‭.‬

وقد‭ ‬قوبلت‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬برفض‭ ‬واسع،‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬الإعداد‭ ‬لمناظرة‭ ‬إفران‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬نتائجها‭ ‬عن‭ ‬تكوين‭ ‬لجنة‭ ‬تضع‭ ‬تصورا‭ ‬شاملا‭ ‬للتعليم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬نيتها‭ ‬إعداد‭ ‬ميثاق‭ ‬وطني‭ ‬للتعليم،‭ ‬لكنها‭ ‬اكتفت‭ ‬بصياغة‭ ‬وثيقة‭ ‬أولية‭ ‬حول‭ ‬التعليم‭.‬

لم‭ ‬يظل‭ ‬الوزير‭ ‬العراقي‭ ‬منتظرا‭ ‬لنتائج‭ ‬اللجنة‭ ‬المذكورة،‭ ‬بل‭ ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬إصلاحه‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل‭ ‬لمنظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬وتنفيذه‭ ‬بدعم‭ ‬علني‭ ‬من‭ ‬القصر،‭ ‬بعد‭ ‬طرده‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭.‬

‭* ‬مناظرة‭ ‬إفران‭ ‬الثانية‭ (‬1980‭):‬

والتي‭ ‬طالبت‭ ‬في‭ ‬توصياتها‭ ‬بتسريع‭ ‬مسلسل‭ ‬التعريب‭ ‬ومغربة‭ ‬الأطر،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬المادية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجتازها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬للتعليم‭ ‬نتيجة‭ ‬اعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬والتقشف،‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بداية‭ ‬تدخل‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬التعليمية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬بدء‭ ‬باعتبار‭ ‬التعليم‭ ‬قطاعا‭ ‬غير‭ ‬منتج‭ (‬منطق‭ ‬المقاولة‭)‬،‭ ‬وتقنين‭ ‬التكرار‭. ‬وتقنين‭ ‬تسجيل‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬أوامر‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لسياسة‭ ‬الدولة‭ ‬التدخلية،‭ ‬ونهج‭ ‬سياسة‭ ‬التقشف‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وبداية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بدأ‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬أغلب‭ ‬مكتسبات‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬للاستقلال‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وارتباطا‭ ‬بذلك‭ ‬فان‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1983‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬أي‭ ‬مرحلة‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬والخضوع‭ ‬لوصفة‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬بدأت‭ ‬تبرز‭ ‬الانعكاسات‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬وتمثلت‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬ميزانيته‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وتجميد‭ ‬الأجور‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬النفقات،‭..‬

هاته‭ ‬الأوضاع‭ ‬والاختلالات‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬استغلها‭ ‬الفكر‭ ‬الوهابي‭ ‬المتوحش‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والتغلغل‭ ‬في‭ ‬المناهج،‭ ‬وذلك‭ ‬بغسل‭ ‬عقول‭ ‬بعض‭ ‬المدرسين‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬وسيؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بالعنف‭ ‬إلى‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أوطم،‭ ‬ووضعها‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬العنف‭ ‬الأصولي‭ ‬بمساعدة‭ ‬النظام‭ ‬وتتوجيه‭ ‬لضرب‭ ‬الفكر‭ ‬العقلاني‭ ‬والتقدمي‭ ‬بالجامعة،‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬الوهابي‭ ‬بفتات‭ ‬البترودولار‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬الأثر‭ ‬السيئ،‭ ‬بتخريج‭ ‬أفواج‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الظلام‭ ‬وطمس‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭ ‬وتعطيل‭ ‬ملكة‭ ‬المنطق‭ ‬والعقلانية،‭ ‬فهذا‭ ‬التشجيع‭ ‬من‭ ‬الحُكم‭ ‬بتغلغل‭ ‬الوهابية‭ ‬للمناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الدور‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬التطرف‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تكوين‭ ‬قرابة‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬على‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬المتطرفة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬العلمية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬بفكر‭ ‬خرافي‭ ‬وماضوي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬بتجارب‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬المختبر‭.‬

ولا‭ ‬تزال‭ ‬تداعيات‭ ‬هاته‭ ‬الجريمة‭ ‬ضد‭ ‬تعليم‭ ‬بنات‭ ‬وأبناء‭ ‬المغاربة،‭ ‬سارية‭ ‬المفعول‭ ‬للآن،‭ ‬ويتطلب‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬نفقها‭ ‬أمد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وربما‭ ‬جيل‭ ‬آخر‭ ‬ولد‭ ‬وسط‭ ‬الثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والالكترونية‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالخرافة‭ ‬ويحدث‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬رياح‭ ‬الهمجية‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬بدو‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭..‬

فليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬صعود‭ ‬السلفية‭ ‬الوهابية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬ترييف‭ ‬المدينة،‭ ‬فهو‭ ‬منتشر‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬متغلغلا‭ ‬بشكل‭ ‬كلي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأفكار‭ ‬الظلامية‭ ‬الهدامة،‭ ‬فالعوامل‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬التطرف‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الفقر،‭ ‬والتهميش،‭ ‬والتعليم،‭ ‬وكذا‭ ‬الاستغلال‭ ‬البشع‭ ‬لشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أتباعهم‭ ‬داخل‭ ‬التنظيمات‭ ‬والحركات‭ ‬الإسلاموية‭ ‬المحلية‭.‬

‭* ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعليم‭ (‬1994‭): ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬سنوات‭ ‬1994‭ ‬إلى‭ ‬1998‭ ‬حدث‭ ‬هجوم‭ ‬للفكر‭ ‬الليبرالي‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬والاستهلاك،‭ ‬وأن‭ ‬زمن‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬ولأن‭ ‬النظام‭ ‬الحكم‭ ‬تبعي‭ ‬فقد‭ ‬ساير‭ ‬الركب‭ ‬وشرع‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬التزاماته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬اتجاه‭ ‬الفئات‭ ‬المحرومة،‭ ‬بهدف‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬الميزانيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬ميزانية‭ ‬التعليم،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬رسميا‭ ‬بفشل‭ ‬السياسات‭ ‬التعليمية‭ ‬السابقة،‭ ‬وبدأت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬المجانية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬قام‭ ‬الملك‭ ‬بتشكيل‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإصلاح‭  ‬التعليم،‭ ‬لكن‭ ‬أعمالها‭ ‬توقفت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق،‭ ‬لأن‭ ‬الملك‭ ‬رفض‭ ‬نتائجها‭ ‬معتبرا‭ ‬تقريرها‭ ‬ذو‭ ‬حمولة‭ ‬إيديولوجية‭ ‬وليس‭ ‬تقريرا‭ ‬تربويا‭..! ‬ومما‭ ‬تضمنه‭ ‬التقرير‭ ‬محاولة‭ ‬تجاوز‭ ‬آثار‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬وذلك‭ ‬بالرفع‭ ‬من‭ ‬بنياته،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬تقرر‭ ‬إنشاء‭ ‬الهيئة‭ ‬الخاصة‭ ‬لإصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬توصياتها‭:‬

‭+ ‬إلزامية‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬16‭.‬

‭ + ‬مجانية‭ ‬التعليم‭. ‬

‭+ ‬اعتماد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭.‬

لكن‭ ‬بالخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬نونبر‭ ‬1995،‭ ‬أعلن‭ ‬الملك‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬مطلق‭ ‬لنتائج‭ ‬عمل‭ ‬هاته‭ ‬اللجنة‭ ‬الخاصة،‭ ‬ودعوة‭ ‬القصر‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬وطني‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬جديد،‭ ‬وتشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬خاصة‭ ‬جديدة‭ ‬لذلك‭. ‬

هكذا‭ ‬انحلت‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولى‭ ‬لتعوض‭ ‬بلجنة‭ ‬ثانية‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬السيد‭ ‬مزيان‭ ‬بلفقيه،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ “‬جديدة‭” ‬و‭ ‬ملك‭ ‬جديد‭.‬

‭ * ‬اللجنة‭ ‬الملكية‭ ‬للتربية‭ ‬و‭ ‬التكوين‭ (‬1999‭): ‬

كانت‭ ‬من‭ ‬توصياتها‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭: ‬إلزامية‭ ‬التعليم،‭ ‬إدماج‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭..‬

كما‭ ‬بدأت‭ ‬الإعداد‭ ‬للميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬للتربية‭ ‬و‭ ‬التكوين،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬خطوطه‭ ‬العريضة‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬بتغيير‭ ‬المناهج‭ ..‬

‭ * ‬اللجنة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتربية‭ ‬والتكوين‭ “‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭” (‬2000-2009‭):‬

كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بتغيير‭ ‬البرامج‭ ‬والمناهج‭ ‬وتعددية‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬الأمازيغية‭..‬

هذا‭ ‬الميثاق‭ ‬هو‭ ‬وثيقة‭ ‬سياسية‭ ‬رسمية‭ ‬تتبنى‭ ‬المقاربة‭ ‬بالكفايات‭ ‬حول‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬العشرية‭ ‬2000‭-‬2009‭ ‬هدفا‭ ‬زمنيا‭ ‬لتحقيق‭ ‬كل‭ ‬غاياته‭.‬

ويتكون‭ ‬من‭ ‬83‭ ‬صفحة‭ ‬ويتضمن‭ ‬قسمين‭: ‬

‭ ‬قسم‭ ‬1‭:‬‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ : ‬المرتكزات‭ ‬الثابتة‭ ‬لنظام‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ – ‬الغايات‭ ‬الكبرى‭ ‬وحقوق‭ ‬وواجبات‭ ‬الأفراد‭ – ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويهدف‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬التلميذ‭ ‬محور‭ ‬المنظومة‭.‬

‭ ‬قسم‭ ‬2‭:‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬مجالات‭ ‬للتجديد‭ ‬و‭ ‬19‭ ‬دعامة‭ ‬للتغيير‭.‬

اعتبر‭ ‬البعض‭ ‬هذا‭ ‬الميثاق‭ ‬المنقذ‭ ‬الأخير‭ ‬والخلاص‭ ‬النهائي،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬ودعامات‭ ‬وتوصيات،‭ ‬اعتبرت‭ ‬أنها‭ ‬الملاذ‭ ‬الأخير،‭ ‬وخصصت‭ ‬لذلك‭ ‬اعتمادات‭ ‬ضخمة‭ ‬وميزانية‭ ‬مهولة،‭ ‬لكنها‭ ‬أخطأت‭ ‬الطريق،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬واكب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دعاية‭ ‬وتسويق،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬فشله‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتعليم‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬

‭ ‬ويمكن‭ ‬إيجاز‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬فشله‭ ‬في‭: ‬

‭+ ‬بقاء‭ ‬أغلب‭ ‬دعاماته‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭.‬

‭+ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تفعيل‭ ‬مجالس‭ ‬التدبير‭ ‬وظل‭ ‬المدير‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسير،‭ ‬وبتوجيهات‭ ‬فوقية‭ ‬من‭ ‬الدخلاء‭ ‬على‭ ‬الميدان،

كما‭ ‬لم‭ ‬تزود‭ ‬المدارس‭ ‬بالوسائل‭ ‬التعليمية‭ ‬والتجهيزات‭ ‬الضرورية‭. ‬

‭+ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إصلاح‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬وأصبح‭ ‬بعضها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أطلال‭.‬

‭+ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬اعتماد‭ ‬المراجع‭ ‬والمناهج‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المدرس،‭ ‬العنصر‭ ‬الفعال‭ ‬في‭ ‬تطبيقها،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يعلم‭ ‬بنزولها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬تلقى‭ ‬أي‭ ‬تكوين‭ ‬فيها،‭ ‬ولم‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬مناقشتها،‭ ‬فكيف‭ ‬يوصل‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬الإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬التلميذ‭ ‬وهو‭ ‬يجهلها؟‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬التحفيز‭ ‬والدعم‭ ‬وقيام‭ ‬الشراكات‭ ‬وانفتاح‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬محيطها‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬بالمكان‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬الميثاق‭ ‬لو‭ ‬طبق‭ ‬فعلا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وصرف‭ ‬عليه‭ ‬ولو‭ ‬جزء‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬والميزانيات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبدد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬باللقاءات‭ ‬التربوية،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬إلا‭ ‬مناسبات‭ ‬للاجتماع‭ ‬حول‭ ‬المآذب‭ ‬الفاخرة‭.‬

‭* ‬البرنامج‭ ‬الاستعجالي‭ ‬2009‭/‬2012‭:‬

كان‭ ‬عمق‭ ‬طرحه‭ ‬استدراك‭ ‬التأخر‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريع‭ ‬محددة‭ ‬وزرع‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬باعتماد‭ ‬بيداغوجية‭ ‬الكفايات‭ ‬والإدماج،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الهدر‭ ‬المدرسي،‭ ‬وتشجيع‭ ‬جمعيات‭ ‬دعم‭ ‬مدرسة‭ ‬النجاح،‭ ‬وقد‭ ‬رصدت‭ ‬له‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة‭ ‬بلغت‭ ‬45‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬ذهبت‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نهبها‭ ‬وتبديدها‭ ‬على‭ ‬الكماليات،‭ ‬وبعد‭ ‬انفضاح‭ ‬الأمر‭ ‬تم‭ ‬تحريك‭ ‬مساطر‭ ‬المتابعات‭ ‬بطريقة‭ ‬انتقائية،‭ ‬لكن‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬تم‭ ‬إقبار‭ ‬التحقيقات‭ ‬وظل‭ ‬الملف‭ ‬يراوح‭ ‬مكانه‭ ‬بين‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم‭..‬

‭* ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لإصلاح‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭”‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬و‭ ‬التكوين‭” (‬2015–‭ ‬2030‭):‬

والذي‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬فصوله‭ ‬وبنود‭ ‬تكتيكاته‭ ‬بين‭ ‬الفر‭ ‬والكر‭ ‬إلى‭ ‬ألان،‭ ‬وبهذا‭ ‬السياق‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرؤية‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لإصلاح‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬الترقيعية‭ ‬السابقة‭ ‬لإصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تكليف‭ ‬نفس‭ ‬الوجوه‭ ‬عبر‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬بمهمة‭ ‬وضع‭ ‬خارطة‭ ‬طریق‭ ‬لإصلاح‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية،‭ ‬وتتضمنه‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬ومكوناتها‭ ‬وثيقة‭ ‬تتوزع‭ ‬إلى‭: ‬4‭ ‬فصول‭ ‬و‭ ‬23‭ ‬رافعة‭ ‬للتغيير‭ ‬و134‭ ‬فقرة‭ ‬وحوالي‭ ‬1000‭ ‬مستلزم‭.‬‭ ‬

رافعات‭ ‬التغيير‭ ‬كانت‭ ‬تطمح‭ ‬لمعالجة‭ ‬إشكاليات‭: ‬الإنصاف‭ ‬والجودة‭ ‬والاندماج‭ ‬الفردي‭ ‬والارتقاء‭ ‬المجتمعي‭ ‬والريادة‭ ‬الناجعة‭ ‬والتدبير‭ ‬الجديد‭ ‬للتغيير،‭..‬

لكنه‭ ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬أعلنت‭ ‬هيئة‭ ‬تابعة‭ ‬للمجلس‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭: ‬إن‭ ‬الإيقاع‭ ‬الذي‭ ‬تتقدم‭ ‬به‭ ‬التربية‭ ‬لن‭ ‬يحقق‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2030‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬فشله‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬حولتها‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬إطار‭ ‬ودخل‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يسري‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬سلك‭ ‬إلى‭ ‬سلك،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬القاعدة‭ ‬غير‭ ‬الصلبة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬ومقررات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬الذي‭ ‬تفرخ‭ ‬جامعاته‭ ‬أعدادا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العاطل‭ ‬والتائه‭ ‬والفاقد‭ ‬للرؤية‭ ‬والمبادرة‭ ‬كنتيجة‭ ‬لمناهج‭ ‬و‭ ‬مقررات‭ ‬تقتل‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬ملكة‭ ‬التفكير‭ ‬والإبداع‭ ‬والنقد،‭ ‬فقد‭ ‬حصل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مرتبة‭ ‬متدنية‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬بحلوله‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬101‭ ‬عالميًا‭ ‬و12‭ ‬عربيًا‭ ‬بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬إجمالية‭ ‬متوسطة‭ ‬بلغت‭ ‬3‭.‬6‭ ‬في‭ ‬المؤشر‭ ‬العالمي‭ ‬لجودة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬تقرير‭ ‬التنافسية‭ ‬العالمية‭ ‬لعام‭ ‬2017‭ ‬–‭ ‬2018،‭ ‬وهي‭ ‬مرتبة‭ ‬لا‭ ‬يحسد‭ ‬عليها‭.‬

هذا‭ ‬التسلسل‭ ‬التاريخي‭ ‬للإصلاحات‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرحه‭ ‬لفهم‭ ‬المحطات‭ ‬المفصلية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬لأزمة‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭.‬

فهناك‭ ‬توجه‭ ‬رسمي‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬تقرير‭ ‬مغربي‭ ‬رسمي‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬وحمل‭ ‬عنوان‭: “‬50‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭”‬،‭ ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بدأت‭ ‬بالتراجع‭ ‬منذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬طويلة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬التقرير‭ ‬أنه‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬الإصلاح‭ ‬الجذري‭ ‬لقطاع‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬يستهلك‭ ‬سنويا‭ ‬سدس‭ ‬ميزانية‭ ‬المغرب،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إصلاحات‭ ‬جزئية‭ ‬تتغير‭ ‬بتغير‭ ‬المسؤولين‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬بدون‭ ‬منطق‭ ‬للاستمرارية‭ ‬والتكامل‭ ‬بين‭ ‬المراحل،‭ ‬فيرث‭ ‬الفقير‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬السيئ‭ ‬لأسرته،‭ ‬ويخلف‭ ‬الغني‭ ‬أسرته‭ ‬في‭ ‬تبوئ‭ ‬صدارة‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭.‬

فمن‭ ‬يتابع‭ ‬قرارات‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عشرية‭ ‬الإصلاح‭ ‬الأولى،‭ ‬سيتأكد‭ ‬أنها‭ ‬تنفذ‭ ‬كأي‭ ‬تلميذ‭ ‬نجيب‭ ‬تعليمات‭ ‬كبار‭ ‬مصاصي‭ ‬الدماء‭ ‬الدوليين‭ ‬وتمهد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬المفترسين‭ ‬المحليين‭ ‬لخوصصة‭ ‬التعليم،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬خطة‭ ‬الدولة‭ ‬لخوصصة‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬التنامي‭ ‬السرطاني‭ ‬لأفواج‭ ‬التلاميذ‭ ‬الهاربين‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬الخاص‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬أسرهم‭ ‬متواضعة‭ ‬الدخل‭.‬

فمثلا‭ ‬برسم‭ ‬ميزانية‭ ‬2018‭ ‬والتي‭ ‬حددت‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬59‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬مغربي،‭ ‬عمدت‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬الحل‭ ‬السهل‭ ‬بالترخيص‭ ‬للمدارس‭ ‬الخصوصية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تستوعب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬التلاميذ،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬25‭% ‬عام‭ ‬2025‭.‬

فهدا‭ ‬السعي‭ ‬المتواصل‭ ‬نحو‭ ‬الخوصصة،‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬نجاعة‭ ‬مشاريع‭ ‬الإصلاح‭ ‬وبالتالي‭ ‬استمرار‭ ‬نزيف‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ “‬عالةٍ‭” ‬على‭ ‬الميزانية‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الدولة،‭ ‬وعِبئا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬عامة،‭ ‬وأنها‭ ‬بدون‭ ‬نتيجة‭ ‬منتجة‭ ‬لاقتصاد‭ ‬السوق‭.‬

إن‭ ‬التلميذ‭ ‬المغربي‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يفرض‭ ‬عليه‭ ‬دور‭ ‬فأر‭ ‬التجارب‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬أو‭ ‬استيراد‭ ‬مقررات‭ ‬للتدريس‭ ‬وفرضها‭ ‬على‭ ‬التلميذ‭ ‬الطفل،‭ ‬وهي‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬محيطه،‭ ‬وخارجة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الضوابط‭ ‬التربوية‭ ‬والبسيكولوجية،‭ ‬بل‭ ‬زاد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬معضلة‭ ‬الأمية‭ ‬والهدر‭ ‬المدرسي،‭ ‬وخلق‭ ‬جيلا‭ ‬يفتقر‭ ‬للقيم‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬أدوات‭ ‬استيعاب‭ ‬العلوم‭ ‬وإنتاج‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر،‭ ‬جيلا‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬تعلمه‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬أو‭ ‬بوادر‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭.‬

وينضاف‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬السلبية‭ ‬السابقة،‭ ‬بروتوكولية‭ ‬وشكلية‭ ‬تكوين‭ ‬المدرسين،‭ ‬وعدم‭ ‬تمكين‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬من‭ ‬تحضير‭ ‬برامج‭ ‬مسايرة‭ ‬للتطورات‭ ‬والتحولات‭ ‬المتواترة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والعالم،‭ ‬مما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬وجود‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬اشتغال‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬كوحدة‭ ‬تربوية‭.‬

والخلاصة‭ ‬أنه‭ ‬بذلت‭ ‬أموال‭  ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬ومخططات‭ ‬سابقة‭ ‬لا‭ ‬مردودية‭ ‬ولا‭ ‬فعالية‭ ‬لها،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬وربط‭ ‬للمسؤولية‭ ‬بالمحاسبة‭ ‬وتم‭ ‬إنفاق‭ ‬عُشُرُ‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬المدرسية‭ ‬والتجهيزات‭ ‬وبناء‭ ‬المؤسسات‭ ‬والنقل‭ ‬المدرسي‭ ‬ورعاية‭ ‬ودعم‭ ‬المدرسين،‭ ‬ولو‭ ‬رفعت‭ ‬يد‭ ‬السلطات‭ ‬الليبرالية‭ ‬يديها‭ ‬عن‭ ‬التعليم،‭ ‬لتم‭ ‬وضع‭ ‬القطار‭ ‬على‭ ‬السكة‭ ‬وترك‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح،‭ ‬فمن‭ ‬أنيطت‭ ‬بهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬التدبير‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬أعلنوا‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬صراحة‭ ‬وضمنيا‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬التعليم،‭ ‬وأن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬في‭ ‬إلغاء‭ ‬المجانية،‭ ‬ويستشف‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬والنتائج‭ ‬الملموسة‭ ‬أنها‭ ‬نفضت‭ ‬يدها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ “‬غير‭ ‬المنتج‭”‬،‭ ‬فتعاطيها‭ ‬معه‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬تعاطيها‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬مشكل‭ ‬إداري‭ ‬تعترضه‭ ‬العقبات‭ ‬البيروقراطية‭.‬

والإقرار‭ ‬بإهمال‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي‭ ‬لتقدم‭ ‬الشعوب‭ ‬ورقيها،‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الهرم‭ ‬السلطوي،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬آنذاك‭ ‬أداة‭ ‬لتخريج‭ ‬مثقفين‭ ‬معارضين‭ ‬له،‭ ‬وفي‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬الصحافي‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬دانييل،‭ ‬مؤسس‭ ‬وصاحب‭ ‬مجلة‭ ‬نوفيل‭ ‬أوبسرفاتور،‭ ‬يتذكر‭ ‬هذا‭ ‬الصحافي‭ ‬اليساري‭ ‬المخضرم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬صديقا‭ ‬لملك‭ ‬المغرب‭ ‬الراحل،‭ ‬أنه‭ ‬سأله‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭: “‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يُطور‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المغرب؟‭”‬،‭ ‬فجاء‭ ‬جواب‭ ‬الملك‭ ‬حاسما‭: ” ‬أتريد‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أعزّز‭ ‬صفوف‭ ‬معارضتي‭ ‬اليسارية؟‭ “.”‬

إن‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬وخاص‭ ‬وممتاز،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الطبقة‭ ‬الراقية‭ ‬والغنية‭ ‬توجه‭ ‬أطفالها‭ ‬لمدارس‭ ‬البعثات،‭ ‬وهو‭ ‬تكريس‭ ‬للتفاوتات‭ ‬الطبقية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المبادئ‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتوجب‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬نهجها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬شعارات‭ ‬للاستهلاك‭ ‬وامتصاصا‭ ‬للغضب‭ ‬الجماهيري‭.‬

بعد‭ ‬هذا‭ ‬التشريح‭ ‬الطويل‭ ‬لوضع‭ ‬التعليم‭ ‬بالمغرب‭ ‬والوقوف‭ ‬ولو‭ ‬نسبيا‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬الخلل،‭ ‬فالواقع‭ ‬الوبائي‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كورونا،‭ ‬عرى‭ ‬جريمة‭ ‬تخلي‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬أدوارها‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتسببها‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬أبانوا‭ ‬عن‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمصيرهم‭ ‬ومصير‭ ‬أبنائهم‭ ‬ووطنهم‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬التعليم،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المؤلم‭ ‬وآفاقه‭ ‬المظلمة،‭ ‬ويطالبوا‭ ‬بتحديد‭ ‬المسؤوليات‭ ‬عن‭ ‬هدر‭ ‬زمن‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬ونهب‭ ‬وتبديد‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬المرصود‭ ‬لهذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬محطات‭ ‬الإصلاحات‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬المسؤولون‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬لتحليل‭ ‬وتقييم‭ ‬أسباب‭ ‬فشل‭ ‬وتشخيص‭ ‬الداء‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬محطة،‭ ‬حتى‭ ‬يصلحوا‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬دهرهم‭.‬

فطيلة‭ ‬عقود‭ ‬والأُسر‭ ‬الريعية‭ ‬الحاكمة‭ ‬للدولة‭ ‬وأتباعها‭ ‬من‭ ‬لوبيات‭ ‬وأصحاب‭ ‬الصفقات،‭ ‬والمستفيدون‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬التعليم‭ ‬يتكلمون‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬ميدان‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين،‭ ‬ورفعت‭ ‬شعارات‭ ‬للواجهة،‭ ‬أهمها‭ ‬برامج‭ ‬مخططات‭ ‬الهيكلة‭ ‬والميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬و‭ ‬البرنامج‭ ‬الاستعجالي‭ ‬والرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭  (‬2015‭ – ‬2030‭)‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬حملته‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬من‭ ‬حمولات‭ ‬بيداغوجية‭ ‬وديداكتيكية‭ ‬واستراتيجية،‭ ‬كلها‭ ‬كانت‭ ‬تتبجح‭ ‬بخطاب‭ ‬الدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمة‭ ‬والتربوية‭ ‬نحو‭ ‬غذ‭ ‬أفضل‭ ‬ومستقبل‭ ‬زاهر‭ ‬حافل‭ ‬بالنتائج‭ ‬الإيجابية‭ ‬للرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تعليم‭ ‬المغاربة،‭ ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬وغياب‭ ‬المواكبة‭ ‬المستمرة‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اعوجاج‭ ‬قد‭ ‬يحدث،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الدمج‭ ‬وبالسرعة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لكل‭ ‬المستجدات‭ ‬المعرفية‭ ‬والعلمية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬وتشتت‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬التعليم،‭ ‬وترهل‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬إضافة‭ ‬لتفكك‭ ‬القوى‭ ‬الحية،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬تشكل‭ ‬العنوان‭ ‬العريض‭ ‬لفشل‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬التي‭ ‬كرست‭ ‬التعجيل‭ ‬بانهيار‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بغياب‭ ‬المناخ‭ ‬الديمقراطي‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭.‬

لكل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يوفق‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬منظومة‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬كاملة‭ ‬ومؤسسة‭ ‬على‭ ‬مرجعيات‭ ‬محددة‭ ‬هدفها‭ ‬تعليم‭ ‬عمومي‭ ‬مجاني،‭ ‬علمي‭ ‬يساير‭ ‬تطورات‭ ‬العصر‭ ‬ويواكب‭ ‬المستجدات‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬السرعة،‭ ‬فالأمل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬تعليمية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التحكم‭ ‬السياسي‭ ‬للسلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬أي‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬تأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الخصوصية‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مواكبة‭ ‬عصر‭ ‬العلوم‭ ‬والتقنيات‭ ‬والعقلانية،‭ ‬وليس‭ ‬مساحيق‭ ‬تطير‭ ‬كلما‭ ‬هطلت‭ ‬أمطار‭ ‬الخريف‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬إبعاد‭ ‬التجار‭ ‬والسماسرة‭ ‬ولوبيات‭ ‬تسليع‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬مجال‭ ‬حساس‭ ‬كالتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬فقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لوصاية‭ ‬المنطق‭ ‬الليبرالي‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ ‬والتعليمي‭ ‬واقتلاع‭ ‬هيمنة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬عليه،‭ ‬وتجسيد‭ ‬الاستقلالية‭ ‬التامة‭ ‬للقطاع‭ ‬الوصي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للأستاذ‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التنظير‭ ‬الفارغ‭ ‬واستيراد‭ ‬البرامج‭ ‬والمخططات‭ ‬ذات‭ ‬الحمولة‭ ‬التجارية‭ ‬للتباهي‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬الأبناك‭ ‬المانحة‭ ‬للقروض‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.