المجالس الجماعية وتدبير الشأن الثقافي
◆ ذ. عبد الغني عارف
كيف تحضر الثقافة في الممارسة الفعلية لتدبير الشأن المحلي من لدن المجالس الجماعية بالمغرب؟ وهل بنية توزيع المهام والأدوار داخل المجالس الجماعية تؤهل فعلا هذه المجالس للقيام بأدوار ثقافية قوية ورائدة ضمن الفلسفة العامة لتدبير الشأن المحلي ؟
إن طرح السؤال بهذه الصيغة المركبة يجعلنا في مواجهة إشكالية تتجاوز مجال المجالس الجماعية، من حيث اختصاصاتها ومؤهلاتها المادية والبشرية، إلي أبعاد أخرى أشمل وأعمق تتعلق أساسا بالجدلية المفترضة بين التنمية والثقافة في مجال تدبير الشأن المحلي، وبالتالي فالتحدي الذي تواجهه اليوم الجماعات المحلية بالمغرب يرتبط بمدى قدرة هذه الجماعات على الانخراط في تحريك دواليب التنمية، وإشاعة نوع من الحياة الثقافية في تراب نفوذها، وذلك عبر تمفصلات يتقاطع فيها السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي تقاطعا يحقق شروط وقواعد تنمية مستدامة بالمعنى الحقيقي والمنتج لكلمة الاستدامة. إننا إذ نعتبر الأمر تحديا حقيقيا، فذلك لأن استحضار البعد الثقافي في وضع وإنتاج مشاريع التنمية المحلية يستدعي بالضرورة الحد الأدنى من المعرفة الأكاديمية والوعي بأدوار الثقافة وممكناتها في التنمية، وهو الشرط الذي لا يتوفر لدى الأغلبية الساحقة من مسؤولي ومستشاري الجماعات المحلية ببلادنا إلا في حالات معزولة، ويزداد الأمر تعقيدا حين نؤكد على غياب الإرادة السياسية التي تؤمن بالفعل الثقافي في المجتمع ككل. وربما هذا ما يفسر كون الممارسة الانتخابية ذاتها – والتي عادة هي ما يعطي للمجالس الجماعية شرعيتها المؤسساتية- أصبحت، على المستوي المحلي، رديفة للسياسة فقط، بل وللوجه الرديء لهذه السياسة، بالمعنى الحزبي الضيق والانتهازي للكلمة، مما يجعل ” تجارب ” المجالس الجماعية لا تشكل أي لبنة من لبنات التراكم الضروري لربح رهان ” الانتقال الديمقراطي ” ببلادنا (مع كثير من التحفظ المنهجي والسياسي على هذا المفهوم )، وبالتالي فإن الحديث عن ” المعطى الثقافي ” في علاقته بالتنمية المحلية يبدو وكأنه نوع من ” الكلام الفارغ” الذي لا قيمة ولا معني له ضمن اهتمامات وهواجس القائمين على تسيير شؤون المجالس الجماعية ، وحتى في الحملات الانتخابية نادرا ما يشكل الشأن الثقافي جزءا من البرنامج الانتخابي أو نقطة استقطاب وجذب للأصوات، خصوصا وأن المعنيين بهذه الأصوات لديهم اقتناع مسبق بأن فئات واسعة من “ المثقفين “ لا يشاركون أصلا في التصويت.. وقد أدى هذا الواقع إلى ضعف مريع في السياسات الثقافية المحلية مما تولد عنه نوع من الاهتمام المزيف بالشان الثقافي، إذ يكاداهتمام بعض المجالس الجماعية بالثقافة يقف عند حدود منح الدعم التي تقدم لنسيج مختلط من الجمعيات يتقاطع في ممارساتها ما هو ثقافي/ تربوي واجتماعي ورياضي، فضلا عن طغيان الأنشطة ذات الطابع الفولكلوري المسطح والتي ترتبط بمناسبات بعينها أو بأيام وطنية أو دولية يتم استهلاكها دون أي مضمون قيمي قوي وفي غياب أي عمق مجتمعي يعطي لتلك المناسبات دلالاتها الحقيقية.
إن الشأن الثقافي يكاد يحتل المراتب الدنيا في جدول أعمال واهتمام القائمين على تدبير الشأن المحلي، وحسب ما هو متداول فإن أي تجربة من تجارب تدبير الشأن المحلي في السنوات الأخيرة لم تستطع أن تقدم لنا نموذجا ناجحا، أو على الأقل مقنعا، في مجال جعل الثقافة حاضرة بقوة ضمن جداول أعمال المجالس الجماعية، وفي قلب السياسات العمومية التي تشرف عليها، وحتى بعض التجارب على المستوى الوطني والتي – على قلتها – شكلت وقتها نماذج مضيئة في سياق استحضار الهم الثقافي في التدبير الجماعي فسرعان ما تم احتواؤها وتخريبها من الداخل لتصبح مجرد موضوع للإستئناس، بل وللسخرية أحيانا، بحيث يتم اختزالها في كونها مرتبطة ب ” حماس “ أشخاص معينين داخل تركيبة بعض المجالس أكثر من كونها رؤية استراتيجية تؤطر وتوجه عمل مجلس جماعي بعينه، وهو الأمر الذي أسهم في تكريس البعد النخبوي المتعالي للعمل الثقافي، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون موضوعا يهم فئة محدودة من المواطنين والمواطنات داخل تراب الجماعات.
ألا يمكن أن تنطبق على علاقة العمل الثقافي بالمجالس الجماعية ، في نسخها المتداولة حاليا، قولة : ” فاقد الشيء لا يعطيه ” … ربما هو الأمر كذلك ، وبامتياز كبير .. مع الأسف..!!