الحقوقية

رسالة إلى عمر الراضي عبر بريد الوالد

◆ رشيد الإدريسي

◆ رشيد الإدريسي
◆ رشيد الإدريسي

رفيقي‭ ‬إدريس‭ ‬الراضي‭..‬

صباح‭ ‬الخير،‭ ‬صباح‭ ‬الأمل،‭ ‬رغم‭ ‬الأحزان‭ ‬التي‭ ‬تعتصر‭ ‬القلوب،‭ ‬أعرف‭ ‬وأحس‭ ‬بما‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حسرة‭ ‬وألم‭ ‬وغضب،‭ ‬كأب‭ ‬أولا‭ ‬وكمناضل‭ ‬يكافح‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شعبه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحريات‭ ‬والكرامة‭ ‬وضد‭ ‬المظالم‭ ‬والاستبداد‭..‬

رفيقي‭.. ‬شخصيا‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬ابنك،‭ ‬قدمته‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬الحزين‭ ‬أمام‭ ‬منزل‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬حجار‭ ‬بالبيضاء‭ ‬ونحن‭ ‬نستعد‭ ‬لتشييع‭ ‬جنازة‭ ‬فقيدنا‭ ‬الكبير‭ ‬حجار،‭ ‬لكن‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬وتأملت‭ ‬كلماته‭.. ‬ملامحه‭.. ‬تلقائيته‭.. ‬نباهته‭.. ‬صدقه‭ ‬ووضوحه،‭ ‬والأساسي‭ ‬شجاعته‭ ‬وتصميمه‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬البراءة‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الحريات‭ ‬والديمقراطية‭.‬

كنت‭ ‬أقول‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬انه‭ ‬سليل‭ ‬أسرة‭ ‬ترعرعت‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬حركة‭ ‬أصيلة‭ ‬مناضلة‭..‬

رفيقي‭ ‬إدريس،‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تفتخر‭ ‬بابنك‭ ‬عمر،‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬الخوف‭ ‬والتردد‭ ‬بين‭ ‬ثنايا‭ ‬الريح،‭ ‬وحمل‭ ‬أحلامه‭ ‬وطموحاته،‭ ‬وهي‭ ‬طموحات‭ ‬جيل‭ ‬متعطش‭ ‬للحرية‭ ‬والكرامة،‭ ‬جيل‭ ‬سئم‭ ‬أنصاف‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬انتقدها‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة،‭ ‬جيل‭ ‬يعشق‭ ‬الوضوح‭  ‬ويرفض‭ ‬التعتيم‭ ‬والتضليل‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭.. ‬جيل‭ ‬يمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬والشجاعة‭.. ‬جيل‭ ‬شعر‭ ‬بمسؤوليته‭ ‬وحسم‭ ‬أمره‭.. ‬جيل‭ ‬أطلق‭ ‬شرارة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يغفروا‭ ‬له‭ ‬جرأته،‭ ‬إنه‭ ‬خرج‭ ‬ليقول‭ ‬للظالم‭ ‬أنت‭ ‬ظالم،‭ ‬وللمستبد‭ ‬أنت‭ ‬مستبد‭ ‬وللفاسد‭ ‬أنت‭ ‬فاسد‭.. ‬جيل‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬حمايته‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي‭ ‬من‭ ‬الأفخاخ‭ ‬والمصائد‭ ‬والمؤامرات،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬منسوب‭ ‬الثقة‭ ‬غير‭ ‬كاف،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬الدهاء‭ ‬جعلهم‭ ‬يستعملون‭ ‬مصائد‭ ‬تعيش‭ ‬بيننا‭ ‬قد‭ ‬تتكلم‭ ‬لغتنا،‭ ‬وتغني‭ ‬أناشيدنا،‭ ‬وترفع‭ ‬رايتنا،‭ ‬إنهم‭ ‬أبناء‭ ‬جلدتنا‭ ‬الذين‭ ‬طوعهم‭ ‬الاستبداد‭ ‬واستغل‭ ‬كونهم‭ ‬متعبين‭ ‬ومحبطين‭ ‬ويائسين،‭ ‬بسبب‭ ‬الخيبات‭ ‬والضجر‭ ‬والسعي‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬الاشتباك‭..‬

جيل‭ ‬ملأ‭ ‬صدره‭ ‬بالحرية‭.. ‬ونهض‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬معانيها‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الحياة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حالما‭ ‬أو‭ ‬متسرعا‭ ‬أو‭ ‬متلهفا‭.. ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستكن‭.. ‬يتعلم‭ ‬ويدرك‭ ‬في‭ ‬لجة‭ ‬البحر‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬عمقـا‭ ‬وامتدادا‭ ‬وهوية‭.. ‬أكيد‭ ‬أنهم‭ ‬استخدموا‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬أساليبهم‭ ‬المعهودة‭ ‬بلعبة‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة‭.. ‬لكن‭ ‬النهج‭ ‬القمعي‭ ‬والاستبدادي‭ ‬قد‭ ‬اعتراه‭ ‬الارتباك‭ ‬والتخبط‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬وخوفا‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬التغيير‭ ‬ويسابق‭ ‬الزمن‭ ‬لتأبيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬والعاقة‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬للتحرر،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬تباشير‭ ‬الحرية‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬رغم‭ ‬العتمة‭ ‬والضبابية‭.‬

رفيقي‭ ‬إدريس‭..‬

كل‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬محنة‭ ‬الحريات‭ ‬ومحنة‭ ‬الاعتقال‭ ‬من‭ ‬مناضلين‭ ‬وضحايا‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬وانتهاكات‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬ذاقوا‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬التعسف‭ ‬والظلم‭ ‬وفبركة‭ ‬التهم‭ ‬واختلاقها،‭ ‬وتاريخ‭ ‬المحاكمات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬خلاصات‭ ‬هيئة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬وقفت‭ ‬عند‭ ‬الأدوار‭ ‬السلبية‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬ومؤسسة‭ ‬القضاء‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬توصيات‭ ‬الهيئة‭ ‬الحكامة‭ ‬الأمنية‭ ‬وخضوع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬للرقابة‭ ‬التشريعية‭ ‬والقضائية،‭ ‬واعتبر‭ ‬ورش‭ ‬إصلاح‭ ‬القضاء‭ ‬ورشا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬التأسيس‭ ‬لدولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬إدارة‭ ‬الظهر‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الواقع‭ ‬بكل‭ ‬مآسيه‭.‬

إنه‭ ‬جيل‭ ‬يملك‭ ‬مواهب‭ ‬خلاقة‭ ‬وطاقات‭ ‬هائلة‭ ‬وأفكارا‭ ‬جديدة،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يخاف‭ ‬على‭ ‬ضياعه‭ ‬وتلك‭ ‬مكامن‭ ‬قوته،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬احد‭ ‬الإخوة‭ ‬وهو‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬ندوة‭ ‬نظمها‭  ‬ائتلاف‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬فبراير2011‭ ‬متوجها‭ ‬لأحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يترصد‭ ‬المقر‭ ‬الذي‭ ‬احتضن‭ ‬الندوة‭ : “‬راه‭ ‬جايكم‭ ‬شباب‭ ‬ما‭ ‬عندو‭ ‬علاش‭ ‬يخاف‭.. ‬لا‭ ‬كريدي‭.. ‬لادار‭.. ‬لا‭ ‬خدما‭.. ‬عندو‭ ‬قيثارة‭ ‬وبغا‭ ‬الحرية‭..”.‬

رفيقي‭ ‬إدريس

بعد‭ ‬أن‭ ‬عجزوا‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬دليل‭ ‬قوي‭ ‬لاتهامهم‭ ‬الأول‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬تقرير‭ ‬أمنيستي،‭ ‬سعوا‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬آخرها‭ ‬تهمة‭ ‬هتك‭ ‬العرض‭ ‬والاغتصاب،‭ ‬وهي‭ ‬التهمة‭/‬الموضة‭ ‬المستعملة‭ ‬مؤخرا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحطيم‭ ‬المعارضين‭ ‬وإدانتهم‭ ‬قضائيا‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترويع‭ ‬والترهيب،‭ ‬والخطير‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يجري‭ ‬استغلال‭ ‬النساء‭ ‬بشكل‭ ‬سافر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أنصار‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬استنكاره‭.‬

رفيقي‭ ‬إدريس

لي‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬عمر‭ ‬الراضي‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬محنة‭ ‬الحريات‭ ‬ببلادنا،‭ ‬وهي‭ ‬ردة‭ ‬حقوقية‭ ‬نعيشها‭ ‬منذ‭ ‬مدة،‭ ‬وضحاياها‭ ‬كثر،‭ ‬خرج‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬السجون‭ ‬ولازال‭ ‬البعض،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬يقظة‭ ‬واستنهاضا‭ ‬قويا‭ ‬لكل‭ ‬الطاقات‭ ‬الحية‭ ‬لمواصلة‭ ‬معركة‭ ‬الكرامة‭ ‬والحريات،‭ ‬والحركة‭ ‬اليسارية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والمدنية،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التحديات‭ ‬وأن‭ ‬توحد‭ ‬الصف،‭ ‬وتواجه‭ ‬الواقع‭ ‬برؤية‭ ‬جديدة‭ ‬مبدعة‭ ‬وخلاقة‭ ‬وباعثة‭ ‬للأمل‭.. ‬ذلك‭ ‬الأمل‭   ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬بعد‭ ‬اعتقاله،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ “‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬رؤوسنا‭ ‬مرفوعة‭”‬،‭ ‬ودائما‭ ‬أتذكر‭ ‬الرفيق‭ ‬أحمد‭ ‬بنجلون‭ ‬حين‭  ‬سأله‭ ‬صحفي‭ : ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬حضوركم‭ ‬أمام‭ ‬مقر‭ ‬الاتحاد‭ ‬سنة‭ ‬1983‭ ‬خطأ؟‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬ترتب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اعتقالات‭ ‬ومعاناة؟‭ ‬أجابه‭ ‬بنجلون‭ ‬بحزم‭ : “‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننهزم‭ ‬قبل‭ ‬خوض‭ ‬المعركة،‭ ‬وأضاف‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬مصيرنا‭.. ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬الشرعية‭ ‬والهوية‭ ‬والاختيار‭”‬،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الفقيد‭ “‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬ولن‭ ‬يغفر‭”.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى