عندما تصبح الخيانة وجهة نظر

◆ محمد غريب

هناك‭ ‬اغنية‭ ‬شهيرة‭ ‬للمغني‭ ‬الشيخ‭ ‬إمام‭ ‬غناها‭ ‬بمناسبة‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬جيسكار‭ ‬ديستان‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬يناير‭  ‬1975،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬نحو‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬واعتمد‭ “‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭” ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬نتائجها‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬مصر‭.. ‬وكلمات‭ ‬الأغنية‭ ‬الساخرة‭ ‬تبشر‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬بكون‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬سيجلب‭ ‬معه‭ ‬الرخاء‭ ‬والعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬لفقراء‭ ‬مصر‭ ‬وأن‭ ‬أحوال‭ ‬المواطنين‭ ‬ستتحسن‭ ‬كثيرا‭ ‬لدرجة‭  ‬أنهم‭ ‬بدل‭ ‬البنزين‭ ‬سيعتمدون‭ ‬في‭ ‬تموين‭ ‬سياراتهم‭ ‬على‭ ‬العطر‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭.‬

هذه‭ ‬الأغنية‭ ‬ذكرني‭ ‬بها‭ “‬الناشط‭ ‬الأمازيغي‭” ‬أحمد‭ ‬عصيد‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ “‬أوديو‭” ‬توصلت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬عن‭ “‬كرم‭ ” ‬يهود‭ ‬إسرائيل‭ ‬الذين‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬جلبهم‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ويبشر‭ ‬فيه‭ ‬المغاربة‭ ‬بكون‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ “‬يهود‭ ‬إسرائيل‭” ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استعادتهم‭ ‬سيساهمان‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وإرساء‭ ‬أسس‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭..  ‬وبكون‭ ‬فقراء‭ ‬المغرب‭ ‬طبعا‭ ‬سيستفيدون‭ ‬من‭ ‬الرخاء‭ ‬الذي‭ ‬سيجلبه‭ ‬معهم‭ ‬هؤلاء‭ ‬اليهود‭ ‬الأمازيغ‭ ‬الى‭ ‬بلادنا‭.. ‬ومن‭ ‬يدري‭ ‬فربما‭ ‬سيعتمد‭ ‬المغاربة‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬تموين‭ ‬سياراتهم‭ ‬على‭ ‬العطر‭ “‬الإسرائيلي‭” ‬بدل‭ ‬النفط‭ ‬العربي‭.‬

‭”‬الأوديو‭” ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حوار‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬معظمه‭ ‬عن‭ “‬تهمة‭” ‬التطبيع‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬طرفي‭ ‬الحوار‭ ‬نفيها‭ ‬عن‭ ‬نشطاء‭ ‬الأمازيغية‭ ‬الذين‭ ‬أصبحت‭ ‬علاقتهم‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬معروفة‭.. ‬وعلى‭ ‬طول‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يبدل‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬مجهودا‭ ‬كبيرا‭ ‬ليفرض‭ ‬فهمه‭ ‬الخاص‭ ‬للتطبيع‭ ‬والذي‭ ‬يختصره‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬لدولة‭ “‬إسرائيل‭” ‬،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعترف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تطبيعا‭ ‬بالمعنى‭ ‬السياسي‭  ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬تطبيع‭ ‬بالمعنى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والثقافي‭..‬

وإذا‭ ‬اعتمدنا‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬لمضمون‭ ‬التطبيع‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬الشهير‭ “‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭” ‬كان‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬عندما‭ ‬قاطع‭ ‬الأنشطة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يستدعى‭ ‬اليها‭ ‬في‭ “‬إسرائيل‭”.. ‬وكان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬الذي‭ ‬يستقبل‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬المغرب‭ ‬وفودا‭ ‬من‭ ‬صهاينة‭ “‬إسرائيل‭” ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬التبادل‭ ‬الثقافي‭.. ‬ويبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بكونهم‭ ‬أناس‭ ‬طيبين‭ ‬جاؤوا‭ ‬الى‭ ‬المغرب‭ ‬بنية‭ ‬الاستثمار‭. (‬هذه‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أسمع‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬الطلبة‭ ‬والباحثون‭ ‬يسافرون‭ ‬خارج‭ ‬بلدانهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستثمار‭).‬

إن‭ “‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭” ‬وهو‭ ‬أشهر‭ ‬علماء‭ ‬العالم‭ ‬يعترف‭ ‬بعدالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ويرفض‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ “‬إسرائيل‭” ‬اسمه‭ ‬لتلميع‭ ‬صورتها‭ ‬الدموية‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتبجح‭ ‬فيه‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬التقدمية‭ ‬والحداثة‭ ‬بعلاقته‭ ‬مع‭ ‬الصهاينة‭ ‬ويبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بكونهم‭ “‬يهود‭ ‬أمازيغ‭”.. ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬يعلن‭ ‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فإنه‭ ‬يحسب‭ ‬كلماته‭ ‬ببخل‭ ‬شديد‭ ‬ويعلن‭ ‬أنه‭ ‬يتضامن‭ ‬لأسباب‭ ‬إنسانية‭.‬

إن‭ ‬حالة‭ ‬العالم‭ ‬الكبير‭ “‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭” ‬ليست‭ ‬معزولة‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والاسلامي‭ ‬مفكرون‭ ‬وعلماء‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل‭ ‬وكتاب‭ ‬ومثقفون‭ ‬وفنانون‭ ‬يعلنون‭ ‬صراحة‭ ‬أنهم‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬أي‭ ‬انهم‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬كحركة‭ ‬عنصرية‭ ‬واستعمارية‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬وعالم‭ ‬اللسانيات‭ “‬نعوم‭ ‬تشومسكي‭” ‬ذو‭ ‬الأصول‭ ‬اليهودية‭ ‬ولأنه‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬عرقي‭ ‬يعلن‭ : ” ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬حضور‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬لأهداف‭ ‬قومية‭ ‬ودعائية‭ ‬تغطي‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬وعلى‭ ‬هضم‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للفلسطينيين‭.. ‬أنا‭ ‬منخرط‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أنشطة‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭”.‬

غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والرجعية‭ ‬العربية‭ ‬هم‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الصهاينة‭ ‬دون‭ ‬حرج‭.. ‬والسيد‭ ‬عصيد‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬ذكي‭ ‬وبمقدوره‭ ‬استغفال‭ ‬المغاربة‭ ‬عندما‭ ‬يصرح‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬اليهود‭ “‬إذا‭ ‬جلست‭ ‬معهم‭ ‬ما‭ ‬يمكنش‭ ‬تعرف‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭”.. ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬طبعا‭ ‬لأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬أغبياء‭ ‬لكي‭ ‬يكشفوا‭ ‬عن‭ ‬هويتهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬وأهدافهم‭ ‬الجهنمية‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنهم‭ ‬يعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مرحب‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭.‬

الجميع‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ “‬إسرائيل‭” ‬مجتمع‭ ‬عسكرتاري‭ ‬تتم‭ ‬فيه‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والعنصرية‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭.. ‬ويخضع‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬للخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تستمر‭ ‬لأزيد‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬يتعلم‭ ‬فيها‭ ‬المجندون‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬ويتدربون‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬جدا‭ ‬استدعائهم‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬دولتهم‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬واللبنانيين‭ ‬والسوريين‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المجندين‭ ‬للخضوع‭ ‬لتكوين‭ ‬معمق‭ ‬حول‭ ‬أساليب‭ ‬الاستخبارات‭ ‬واستعمال‭ ‬أحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬المعلومات‭.‬

‭ ‬هؤلاء‭ ‬إذن‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬جلبهم‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬المغرب‭.. ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يقنعنا‭ ‬أنهم‭ ‬ذوو‭ ‬نيات‭ ‬حسنة‭ ‬يريدون‭ ‬فقط‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬جذورهم‭ ‬الأمازيغية‭.. ‬وأن‭ ‬نيته‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬حسنة‭ ‬وقلبه‭ ‬على‭ ‬فقراء‭ ‬امازيغن‭ ‬الذين‭ ‬يريدهم‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬استثمارات‭ ‬إخوانهم‭ ‬يهود‭ “‬إسرائيل‭”.‬

إن‭ ‬حقد‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي‭ ‬أكيد‭ ‬سيمنعه‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬المناضل‭ ‬الكبير‭ ‬والمثقف‭ ‬الذي‭ ‬عرى‭ ‬الصهيونية‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬البشع‭ ‬للمجتمع‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬الحكومات‭ ‬والأحزاب‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬دمويتها‭ ‬وتشددها‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬والعنصرية‭ ‬والكراهية‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬لغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اختصار‭ ‬أكثر‭ ‬الأمور‭ ‬تعقيدا‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭. ‬فعندما‭ ‬كتب‭ ‬جملته‭ ‬الشهيرة‭ ” ‬إن‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬قضية‭” ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬أن‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬رابطة‭ ‬الدم‭ ‬او‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬وإنما‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬وعلى‭ ‬قضية‭ ‬كبرى‭ ‬يتبناها‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬وطنه‭.‬

إن‭ ‬اليهود‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬معظمهم‭ ‬ـوهذه‭ ‬إحدى‭ ‬جرائم‭ ‬الصهيونية‭- ‬قد‭ ‬تجردوا‭ ‬من‭ ‬اصولهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬وأصبحت‭ ‬قضيتهم‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬خدمة‭ ‬دولة‭ “‬إسرائيل‭” ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬قتل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضيهم‭.. ‬وكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬اليهود‭ ‬ناطقين‭ ‬بالأمازيغية‭ ‬أو‭ ‬بالعربية‭ ‬فهذا‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬أنهم‭ ‬صهاينة‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬لأن‭ ‬التعصب‭ ‬قد‭ ‬أعمى‭ ‬عيونهم‭ ‬وجعلهم‭ ‬ينكرون‭ ‬الحقائق‭ ‬ويزورون‭ ‬التاريخ‭ ‬ويعتبرون‭ ‬عدوهم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬والعروبة‭ ‬أما‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولأنها‭ ‬عدوة‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬فهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬صداقتها‭.‬

وقد‭ ‬بلغ‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬قمة‭ ‬التزوير‭ ‬عندما‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لهجرة‭ ‬اليهود‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬المغاربة‭ ‬الذي‭ ‬تغيرنحوهم‭  ‬بسبب‭ ‬نشأة‭ ‬دولة‭ “‬إسرائيل‭”.. ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ “‬الميز‭ ‬والحكرة‭” ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬اليهود‭ ‬يقتنعون‭ ‬بنصيحة‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬حذرتهم‭ ‬من‭ ‬انهم‭ ‬سيتعرضون‭ ‬للاضطهاد‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ( ‬لاحظوا‭ ‬هنا‭ ‬ان‭ ‬المضطهد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬العربي‭ ‬والمسلم‭ ‬تحديدا‭).‬

الصهيونية‭ ‬نفسها‭ ‬تقف‭ ‬مندهشة‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬التزوير‭ ‬الفاضح‭ ‬للتاريخ‭.. ‬واليهود‭ ‬أنفسهم‭ ‬يعترفون‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بسلام‭ ‬مع‭ “‬العرب‭ ‬والمسلمين‭”‬‭ ‬وأن‭ ‬الهجرة‭ ‬كانت‭ ‬عملا‭ ‬منظما‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬وأن‭ ‬الدعاية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬أساليبها‭ ‬الجهنمية‭ ‬في‭ ‬تحريض‭ ‬اليهود‭ ‬هي‭ ‬العامل‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬معظم‭ ‬اليهود‭ ‬يغادرون‭ ‬المغرب‭ ‬نحو‭ “‬إسرائيل‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تهجيرهم‭ ‬ضد‭ ‬رغبتهم‭ ‬ولأسباب‭ ‬معروفة‭ ‬وفي‭ ‬شروط‭ ‬معروفة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لها‭.‬

إن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الباطل‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الهرولة‭ ‬والانبطاح‭ ‬امام‭ ‬الصهيوني‭ ‬المنتصر‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬وعن‭ ‬انتصار‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬إلا‭ ‬بانكسار‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭.. ‬بل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬انكسار‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬ولاء‭ ‬أحزاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬لجماعاتها‭ ‬فإن‭ ‬ولاء‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬هو‭ ‬للماضي‭ ‬وللقبيلة‭ ‬وليس‭ ‬للوطن‭ ‬الأم‭. ‬و‭”‬إسرائيل‭” ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬عقيدة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الى‭ ‬الخليج‭ ‬تشجع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬ينخرط‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.. ‬وهي‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬والانتروبولوجيا‭ ‬الذين‭ ‬يستقبلهم‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬بكل‭ ‬حفاوة‭ ‬في‭ ‬وطنه،‭ ‬بل‭ ‬وتبلغ‭ ‬به‭ ‬الحماسة‭  ‬منتهاها‭ ‬عندما‭ ‬يتساءل‭ ‬مستنكرا‭ ‬لماذا‭ ‬يسمح‭ ‬للعربي‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬عرب‭ “‬أسرائيل‭” ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬للأمازيغي‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬أمازيغ‭ “‬إسرائيل‭”‬؟

وهنا‭ ‬أيضا‭ ‬تطغى‭ ‬النظرة‭ ‬العرقية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬ويتساوى‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬صاحب‭ ‬الأرض‭ ‬والذي‭ ‬تشبت‭ ‬بوطنه‭ ‬وعجزت‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬تهجيره،‭ ‬يتساوى‭ ‬باليهودي‭ ‬الذي‭ ‬هاجر‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬الأصلي‭ ‬ليندمج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ “‬الإسرائيلي‭” ‬ويقوم‭ ‬بخدمة‭ ‬مشروعه‭ ‬الاستعماري‭ ‬والعنصري‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للفلسطينيين‭.‬

السيد‭ ‬عصيد‭ ‬لا‭ ‬يميز‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬الجلاد‭ ‬والضحية‭ ‬ولكنه‭ ‬ينحاز‭ ‬إلى‭ ‬الجلاد‭ ‬لأنه‭ ‬يهودي‭ ‬أمازيغي‭ ‬وينسى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬الأمازيغية‭ ‬غير‭ ‬الاسم‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يسعى‭ ‬أصحابه‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬بشكل‭ ‬يقبل‭ ‬بالصهيونية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬واقع‭ ‬طبيعي‭ ‬علينا‭ ‬قبوله‭ ‬والاعتراف‭ ‬به‭.. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬التطبيع،‭ ‬أي‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستسلام‭ ‬والانهزام‭.‬

يقول‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬مزهوا‭: “‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مصداقية‭ ‬الناس‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭”. ‬والمعنى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬واضح‭.. ‬فعندما‭ ‬يحتفل‭ ‬المثقف‭ ‬بالهزيمة‭ ‬فهو‭ ‬يعبر‭ ‬أولا‭ ‬عن‭ ‬سقوطه‭ ‬الشخصي‭ ‬وهو‭ ‬ثانيا‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الانحناء‭ ‬أمام‭ ‬المنتصر‭ ‬لأن‭ ‬الزمن‭ ‬تغير‭.‬

لقد‭ ‬نسي‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬الخير‭ ‬والعدالة‭ ‬والحق‭ ‬وذلك‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الزمن‭ ‬المتغير‭.. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الثقافة‭ ‬دائما‭ ‬هي‭ ‬الخندق‭ ‬الأخير‭ ‬للشعوب‭ ‬المكافحة‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬والاستبداد،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭ ‬وهي‭ ‬الهوية‭ ‬وهي‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭ ‬معناها‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭.. ‬وهي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بالوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الطغيان‭.‬

إن‭ ‬ثقافة‭ ‬المقاومة‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستسلام‭ ‬والانبطاح‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬احتفاظ‭ ‬الإنسان‭ ‬بإنسانيته‭ ‬وكرامته‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭.‬

إن‭ ‬غلاة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬وتحت‭ ‬شعار‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬يهدفون‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬وإلى‭ ‬تفكيك‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتزوير‭ ‬التاريخ،‭ ‬وخلق‭ ‬كائن‭ ‬بدون‭ ‬ذاكرة‭ ‬ولا‭ ‬إرادة‭.. ‬يقبل‭ ‬بثقافة‭ ‬الاستسلام‭ ‬والإذعان‭.‬

لكن‭ ‬وكما‭ ‬انكشف‭ ‬أمر‭ ‬دعاة‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬سينكشف‭ ‬أمر‭ ‬دعاة‭ ‬التعصب‭ ‬العرقي،‭ ‬لأن‭ ‬المغاربة‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬المتعددة‭ ‬بدون‭ ‬تعصب‭ ‬وبدون‭ ‬شوفينية‭.‬

أما‭ ‬حكاية‭ ‬الاستثمارات‭ ‬التي‭ ‬يرغب‭ ‬السيد‭ ‬عصيد‭ ‬في‭ ‬جلبها‭ ‬من‭ “‬إسرائيل‭” ‬ليستفيد‭ ‬منها‭ ‬فقراء‭ ‬المغرب‭ ‬فالأكيد‭ ‬أنهم‭ ‬سيرفضونها‭ ‬لأن‭ ‬الفقر‭ ‬لم‭ ‬يحطم‭ ‬فيهم‭ ‬عزة‭ ‬النفس‭ ‬ليمدوا‭ ‬أيديهم‭ ‬إلى‭ ‬أعداء‭ ‬الإنسانية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى