الثقافة

لا قدرة لأحد بمفرده أن يزيل السموم من ذاته، لا يمكننا أن نتخلص منها إلا مجتمعين ومتضافرين.

◆ ترجمة: محمد بوتنبات

يعد‭ ‬الروائي‭ ‬ألان‭ ‬دامازيو‭ ‬Alain Damasio،‭ ‬أقوى‭ ‬صوت‭ ‬فرنسي‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭. ‬تزخر‭ ‬مؤلفاته‭ ‬بأفكار‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬التكنولوجيا‭. ‬وعندما‭ ‬اقترحنا‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬يتحاور‭ ‬مع‭ ‬أنطوانيت‭ ‬روفروا‭ ‬Antoinette Rouvroy،‭ ‬قبِل‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬بأفكاره،‭ ‬الباحثة‭ ‬البلجيكية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬القانونية،‭ ‬حيث‭ ‬ألهمه‭ ‬اشتغالها‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ “‬الحكمانية‭” ‬gouvernementalité‭ ‬موضوع‭ ‬كتابه‭ “‬الأشباح‭”. ‬لقد‭ ‬تضافرت‭ ‬قوى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬صاحب‭ ‬الرؤى‭ ‬والفيلسوفة،‭ ‬لتخيل‭ ‬طرق‭ ‬للانفلات‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭.‬

•‭ ‬أ‭.‬روفروا‭:‬‭ ‬لستُ‭ ‬مصابة‭ ‬برهاب‭ ‬التكنولوجيا‭. ‬أملك‭ ‬هاتفا‭ ‬محمولا،‭ ‬وأستعمل‭ ‬الويب،‭ ‬ولدي‭ ‬ملف‭ ‬تعريف‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭. ‬وأحرس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬أنشره‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬وليس‭ ‬انكشافا‭ ‬لحياتي‭. ‬ويتعلق‭ ‬بإنجازاتي‭ ‬الشخصية،‭ ‬كما‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬زملائي‭ ‬الباحثين‭ ‬مرتبطون‭ ‬بالأنترنيت؛‭ ‬وتعتبر‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أيضا‭ ‬أدوات‭ ‬لتقاسم‭ ‬أعمالنا‭ ‬والنقاش‭ ‬حولها‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬من‭ ‬جهتي،‭ ‬فإني‭ ‬أظل‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬التخفي‭. ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬هاتفا‭ ‬محمولا‭ ‬لأني‭ ‬أرفض‭ ‬تحديد‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭. ‬لا‭ ‬أتحمل‭ ‬فكرة‭ ‬التنزه‭ ‬وأنا‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬قمرا‭ ‬اصطناعيا‭ ‬يتابع‭ ‬تنقلاتي‭. ‬ليست‭ ‬لي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬اللوغاريتمات‭ ‬بمعطياتي‭ ‬الشخصية‭. ‬أفضل‭ ‬أن‭ ‬أبقى‭ ‬ذاك‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بنزهة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬القديم،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬وراءه‭ ‬أثرا‭.‬لم‭ ‬أنخرط‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬شبكة‭ ‬اجتماعية‭. ‬أمسح‭ ‬الكوكيز‭ ‬من‭ ‬حاسوبي‭ ‬كل‭ ‬ساعتين‭. ‬لا‭ ‬أحتفظ‭ ‬قط‭ ‬برواياتي‭ ‬على‭ ‬الكلاود‭ ‬cloud‭ (‬سحابة‭ ‬التخزين‭) ‬إذ‭ ‬أخشى‭ ‬ألا‭ ‬أستعيدها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإني‭ ‬أستخدم‭ ‬الرسائل؛‭ ‬ومن‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬أقول‭ ‬مع‭ ‬نفسي،‭ ‬إنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬بروتنميلProtonMail‭ [‬مراسلة‭ ‬بتشفير‭ ‬أوتوماتيكي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬المستعمل‭ ‬مهارة‭ ‬في‭ ‬المعلوميات‭].‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فأنا‭ ‬لست‭ ‬محترزة،‭ ‬لأني‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأني‭ ‬لا‭ ‬أهم‭ ‬أحدا،‭ ‬وبالأخص‭ ‬غافامGafam‭ [‬غوغل،‭ ‬آبل،‭ ‬فيسبوك،‭ ‬أمازون،‭ ‬وميكروسوفت‭]. ‬ليس‭ ‬لمفهوم‭ “‬المعطيات‭ ‬الشخصية‭” ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ “‬ضخامة‭ ‬البيانات‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬يضللنا‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬المعطيات‭ ‬فائدة‭ ‬وقيمة،‭ ‬هي‭ ‬الترابطات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عناصر‭ ‬غير‭ ‬شخصية،‭ ‬إذن‭ ‬فهي‭ ‬شظايا‭ ‬لا‭ ‬أهمية‭ ‬لها،‭ ‬مجرد‭ ‬إشارات‭.‬يكون‭ ‬البحث،لغايات‭ ‬تستهدف‭ ‬التسويق،‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬المشتريات‭ ‬الشهرية‭ ‬في‭ ‬أمازون‭ ‬يرتبط‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الرحلات‭ ‬السنوية‭ ‬عبر‭ ‬الطائرة‭. ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬الأسماء‭ ‬الشخصية،‭ ‬ولا‭ ‬تحال‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭. ‬وبما‭ ‬أنها‭ ‬متقطعة،‭ ‬فإنها‭ ‬تغذي‭ ‬بناء‭ ‬النماذج‭ ‬بواسطة‭ ‬العقول‭ ‬الاصطناعية‭. ‬لهذا‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬نقد‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬نقد‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله‭. ‬يبقى‭ ‬حبيس‭ ‬نظرة‭ ‬للعالم‭ ‬متجاوزة،‭ ‬والتي‭ ‬بمقتضاها‭ ‬سنخضع‭ ‬للتجسس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أكثر‭ ‬مدعاة‭ ‬للقلق‭ ‬تقريبا؛‭ ‬ففي‭ ‬عالمنا‭ ‬اختفى‭ ‬الإنسان‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬أحد‭!‬وكما‭ ‬يبدو‭ ‬لي،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬بدقة،‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ “‬الرأسمالية‭ ‬الرقمية‭” ‬بدلا‭ ‬من‭ “‬رأسمالية‭ ‬المراقبة‭”. ‬ليس‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ “‬الأخ‭ ‬الأكبر‭” ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬اعتبرنا‭ ‬ونظرنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬إلا‭ ‬بالقدر‭ ‬الضئيل‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬أفهم‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬عن‭ ‬أوهام‭ ‬المراقبة،‭ ‬وقد‭ ‬طعّمتها‭ ‬رواية‭ ‬1984‭ ‬لأورويل‭. ‬شيء‭ ‬رائع،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬واقعي‭ ‬بتاتا‭. ‬البطل‭ ‬وينسطون‭ ‬منشق‭ “‬نموذجي‭”‬،‭ ‬ولا‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬ينشغل‭ ‬الجلاد‭ ‬به‭ ‬طول‭ ‬الوقت‭ ‬24‭/ ‬24‭ ‬ساعة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬سوف‭ ‬أضع‭ ‬كلماتك،‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الصحيح‭. ‬بداية،‭ ‬لأن‭ ‬الشبكة‭ ‬فضاء‭ ‬للرقابة،‭ ‬حيث‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬فعل‭ ‬معلومة،‭ ‬إذن‭ ‬فهو‭ ‬أثر‭ ‬قابل‭ ‬للاستغلال‭. ‬وهذه‭ ‬الشبكة‭ ‬تشتغل‭ ‬كفضاء‭ ‬كروي‭: ‬إذا‭ “‬ذهبت‭ ‬بعيدا‭ ‬جدا‭”‬،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تصطدم‭ ‬بالحواجز‭. ‬نعتقد‭ ‬بأننا‭ “‬أحرار‭”‬،‭ ‬لكننا‭ ‬نتحول‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬المراقبة‭ ‬المستهدفة‭! ‬أتيحت‭ ‬لي‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬التحادث‭ ‬مع‭ ‬اللجنة‭ ‬المتوارية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بقضية‭ ‬تارناك‭ ‬Tarnac‭ [‬قضية‭ ‬تخريب‭ ‬الخطوط‭ ‬الحديدية‭ ‬للقطار‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬سنة‭ ‬2008‭]‬،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬نطلق‭ ‬عليهم‭ ‬خطأ‭ ‬اليسار‭ ‬المتطرف‭. ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬تبادلت‭ ‬معهم‭ ‬الحوار،‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬تحدث‭ ‬أشياء‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬مراسلاتي،‭ ‬بحيث‭ ‬صارت‭ ‬رسائلنا‭ ‬يلقى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬البريد‭ ‬المزعج‭ (‬Spam‭)‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬الانقطاعات‭ ‬تحدث‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬في‭ ‬خطي‭ ‬الثابت‭. ‬إنها‭ ‬مؤشرات‭ ‬بسيطة،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬فعلا‭ ‬تحت‭ ‬التنصت‭. ‬أما‭ ‬المناضلون‭ ‬فهم‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يواجهون‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭.‬ففي‭ (‬ZAD de Notre-Dame-des-Landes‭)[ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬منطقة‭(‬طبيعية‭)‬في‭ ‬نوتردام‭ ‬دي‭ ‬لاند‭] ‬توجد‭ “‬غرفة‭ ‬مظلمة‭” ‬Dark room‭ ‬يمكن‭ ‬التواصل‭ ‬فيها‭ ‬بحواسب‭ ‬مجهولة‭. ‬ينبغي‭ ‬استعمال‭ ‬شفرات‭ ‬الدخول،‭ ‬وكل‭ ‬الرسائل‭ ‬مشفرة‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬التقيت‭ ‬بجوليان‭ ‬كوبا‭ ‬Julien Coupat‭[‬ناشط‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬Tarnac‭] ‬منذ‭ ‬بضعة‭ ‬سنين‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬الصيفية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينظمها،‭ ‬وحيث‭ ‬كان‭ ‬يدير‭ ‬ورشا‭ ‬عن‭ ‬السيبرنيطيقا‭. ‬وكانت‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للأمن‭ ‬الخارجي‭ (‬DGSE‭) ‬تقوم‭ ‬بدوريات‭ ‬أكثر‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬تكتما‭ ‬حول‭ ‬مقر‭ ‬الملتقيات‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬بالطبع،‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمس‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬السكان؛‭ ‬لكن‭ ‬لدينا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬الشرطة‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬المنصات‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬مزودي‭ ‬النيت،‭ ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬ترى‭ ‬الوضع‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬فورا‭. ‬لقد‭ ‬كشفت‭ ‬قضية‭ ‬اسنودين‭ ‬Snowden‭ [‬العميل‭ ‬في‭ ‬CIA‭ ‬الذي‭ ‬صرح‭ ‬بوجود‭ ‬عدة‭ ‬برمجيات‭ ‬لمراقبة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭] ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬الفيدرالي‭ ‬FBIله‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬وغوغل‭ ‬وياهو‭… ‬أما‭ ‬المتحدثون‭ ‬عبر‭ ‬الاتصال،‭ ‬فإنهم‭ ‬يخضعون‭ ‬للتنصت‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أُجَراء‭ ‬لتحسين‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مخترقين‭ ‬بنشوة‭ ‬حميميتهم‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬فإن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التسجيلات‭ ‬تتم‭ ‬بطريقة‭ ‬آلية‭. ‬لدينا‭ ‬إذن‭ ‬نظام‭ ‬بشفرتين‭: ‬إحداهما‭ ‬طيف‭ ‬الرقابة‭ ‬المنتشر؛‭ ‬والثاني‭ ‬الشفرة‭ ‬التأديبية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬كلما‭ ‬حصل‭ ‬تجاوز‭ ‬لبعض‭ ‬الحدود‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬نعم،‭ ‬هناك‭ ‬قلب‭ ‬للمعيارية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬منطق‭ ‬الاضطهاد‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬وما‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬الرهان‭ ‬كذلك،‭ ‬وبشكل‭ ‬خطير‭ ‬هو‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬هذا‭ ‬صحيح‭! ‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬عندما‭ ‬تعلم‭ ‬أنك‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عالم،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬أو‭ ‬تقوله‭ ‬يُسجل‭ ‬ويُخزن،‭ ‬فإنك‭ ‬تراقب‭ ‬نفسك‭ ‬بنفسك‭. ‬إنك‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬شيئا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬ضدك‭. ‬إذن،‭ ‬فإنك‭ ‬تمنع‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬القيام‭ ‬ببعض‭ ‬السلوكيات‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يوعز‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬بتنمية‭ ‬رأسماله‭ ‬البشري‭ ‬الرقمي‭ ‬–‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬والمشاهدات،‭ ‬واللايكات،‭ ‬وأن‭ ‬تُنقّط‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬Airbnb‭ [‬موقع‭ ‬يرشدك‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أنتقضي‭ ‬فيها‭ ‬عطلك‭…] ‬و‭ ‬Uber‭ [‬شركة‭ ‬أمريكية‭ ‬للتوصيل‭ ‬والتنقل‭…]. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬التقويم‭ ‬و‭ “‬الديْن‭ ‬الائتماني‭”. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حسابك‭ ‬البنكي‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬قط،‭ ‬وأن‭ ‬أصدقاءك‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬وأنستاغرام‭ ‬معسرون،‭ ‬فإنك‭ ‬ستجد‭ ‬صعوبة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬بنكي‭. ‬فلأجل‭ ‬تنمية‭ ‬رأسمالك‭ ‬البشري‭ ‬الرقمي،‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حاضرا‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،وتزودها‭ ‬بالمعطيات،‭ ‬وتحصل‭ ‬على‭ ‬اللايكات‭ ‬وخمس‭ ‬نجمات‭. ‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬كونت‭ ‬نفسي‭ ‬بقراءة‭ ‬فوكو‭ ‬ودولوز‭. ‬وأثرتْ‭ ‬فيَ‭ “‬الكتابات‭ ‬البعدية‭ ‬عن‭ ‬مجتمعات‭ ‬الرقابة‭”‬،والتي‭ ‬استلهمت‭ ‬منها‭ ‬أول‭ ‬رواياتي‭ ” ‬المنطقة‭ ‬البرانية‭” (‬La Zone du Dehors‭). ‬يوفر‭ ‬دولوز‭ ‬الأسلحة‭ ‬لإعادة‭ ‬كتابة1984‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬2084،‭ ‬ليس‭ ‬فحسب‭ ‬لوصف‭ ‬الترويض‭ ‬الشرس‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وإنما‭ ‬لوصف‭ ‬مجتمع‭ ‬الرقابة‭. ‬تتخذ‭ ‬الرقابة‭ ‬فيه‭ ‬أشكالا‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬خِفية،‭ ‬ولكنها‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭.‬وأنا‭ ‬أكتب‭ “‬المنطقة‭ ‬البرانية‭”‬،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬عالم‭ ‬فقدت‭ ‬فيه‭ ‬السلطة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أساسي‭ ‬لتمركزها،‭ ‬وعمودية‭ ‬تراتبها؛‭ ‬وحيث‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تمارَس‭ ‬عبر‭ ‬الشبكة‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الشبكي‭ ‬الأفقي‭ ‬الذي‭ ‬ينشطه‭ ‬المواطنون‭- ‬المستهلكون‭ ‬بأنفسهم‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬موجود‭.. ‬يمكن‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬Weight Watchers‭ (‬مراقبو‭ ‬الوزن‭) ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تتابع‭ ‬حِمية‭. ‬وعندما‭ ‬يستشعر‭ ‬النظام،‭ ‬بواسطة‭ ‬تحديد‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لهاتفك‭ ‬المحمول،‭ ‬أنك‭ ‬دخلت‭ ‬إلى‭ ‬متجر‭ ‬للحلويات،‭ ‬يُرسَل‭ ‬منبه‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لأعضائها‭ ‬أن‭ ‬يبعثوا‭ ‬لك‭ ‬رسائل‭ ‬لتشجيعك‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الإغراء‭. ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المحاكاة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬مختبر‭ ‬كابتلوجيا‭ ‬captologie‭ [‬دراسة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والتكنولوجيات‭ ‬الرقمية‭ ‬كأدوات‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬وإقناعهم‭] ‬لجامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬Stanford‭ ‬حملَ‭ ‬الأشخاص‭ ‬بكثافة‭ ‬على‭ ‬الاقتناع‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭(‬MIP‭). ‬إن‭ ‬المجموعات‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬على‭ ‬النيت،‭ ‬والتي‭ ‬ننتمي‭ ‬إليها‭ ‬تمارس‭ ‬علينا‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الأفقي‭.‬

•‭ ‬أ‭.‬دامازيو‭:‬‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ “‬الحكمانية‭ ‬بدون‭ ‬ذات‭” ‬أو‭ “‬المعيارية‭ ‬المحايثة‭”‬،‭ ‬قلت‭ ‬مع‭ ‬نفسي،ها‭ ‬نحن‭ ‬صرنا‭ ‬نمتلك‭ ‬مفاهيم‭ ‬قيّمة‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلط‭ ‬الجديدة‭ ‬المحايثة‭. ‬أحَلتِ‭ ‬على‭ (‬غافام‭(‬GAFAM‭. ‬لكن،‭ ‬ما‭ ‬يزعج‭ ‬أكثر،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لا‭ ‬تفرض‭ ‬شيئا،‭ ‬بل‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬إرادة‭ ‬لتحكم‭. ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬مسدسا‭ ‬على‭ ‬رأسك‭ ‬لإرغامك‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬بياناتك‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭. ‬إن‭ ‬غافام‭ ‬تبحث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬تحسين‭ ‬أرباحها‭. ‬ولكي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مبتغاها،‭ ‬وضعت‭ ‬تحت‭ ‬تصرفنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬والتطبيقات،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلقفناها‭ ‬لتيسير‭ ‬حياتنا،‭ ‬ونحن‭ ‬نحقق‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الاستلاب‭ ‬الذاتي‭. ‬أطلقتُ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬كتابي‭ “‬الأشباح‭” ‬كلمة‭ ‬Self-serfvice‭: ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬العبودية‭ ‬الإرادية‭. ‬عندما‭ ‬عالج‭ ‬دولوز‭ ‬الرقابة،‭ ‬استلهم‭ ‬فكرة‭ ‬ويليام‭ ‬بوروغ‭ ‬William Burroughs‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬أنا‭ ‬لمخدرات‭ ‬هي‭ ‬السلعة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للإدمان‭.‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬نقيمها‭ ‬مع‭ ‬الرقمية‭ ‬تعود‭ ‬بالكامل‭ ‬إلى‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬نؤديه‭.‬تُنشِئُ‭ ‬المنصاتُ‭ ‬تبعيتنا‭ ‬وتحسّنها،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬الفاعلون‭ ‬الوحيدون‭ ‬لنجاعتها‭. ‬وللخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشراك،‭ ‬يلزمنا‭ ‬أن‭ ‬نحبط‭ ‬نزوعنا‭ ‬إلى‭ ‬التغذية‭ ‬الذاتية‭ ‬لهذه‭ ‬الحلقات‭. ‬لنحتفظْ‭”‬بروح‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬ثمن‭ ‬التكلفة‭” ‬بكل‭ ‬حيوية‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الدوافع‭ ‬النفسية‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة،‭ ‬نجد‭ ‬الانطباع‭ ‬الذي‭ ‬يتولد‭ ‬عندي‭ ‬أمام‭ ‬الحاسوب‭ ‬وهو‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭. ‬أرقن‭ ‬طلبا‭ ‬على‭ ‬غوغل،‭ ‬أشتري‭ ‬كتابا‭ ‬بواسطة‭ ‬نقرة‭ ‬من‭ ‬أمازون‭. ‬يمنحني‭ ‬الحاسوب‭ ‬انطباعا‭ ‬بأن‭ ‬رغباتي‭ ‬هي‭ ‬أوامر‭.‬في‭ ‬كتاب‭ “‬ما‭ ‬هي‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة؟‭” ‬يلاحظ‭ ‬جيورجيو‭ ‬أغامبين‭ ‬Giorgio Agamben‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نطيع‭ ‬طاعة‭ ‬تامة‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬نرقن‭ ‬على‭ ‬الحاسوب،‭ ‬فنحس‭ ‬بانطباع‭ ‬أننا‭ “‬نتحكم‭”.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬تذكرني‭ ‬هذه‭ ‬الإشراقة‭ ‬بجان‭ ‬بودريار،لما‭ ‬ظهرت‭ ‬السيارات‭ ‬ذات‭ ‬الإغلاق‭ ‬المركزي‭ ‬لأبوابها‭. ‬عندما‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬زر‭ ‬المفتاح،‭ ‬وأنت‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬مترا‭ ‬لفتح‭ ‬باب‭ ‬السيارة‭ ‬أو‭ ‬لإغلاقه،‭ ‬ينتابك‭ ‬شعور‭ ‬بمتعة‭ ‬لا‭ ‬تصدق‭. ‬إنها‭ ‬صورة‭ ‬سخيفة‭ ‬ومثالية‭ ‬عن‭ ‬التحكم‭. ‬فكلنا‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬والتحكم‭. ‬إنها‭ ‬حاجة‭ ‬إنسانية‭ ‬تقريبا‭. ‬لقد‭ ‬بنى‭ “‬الإنسان‭ ‬العاقل‭” ‬Homo Sapiens‭ ‬نفسه‭ ‬بواسطة‭ ‬السيطرة‭: ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬والحيوانات‭ ‬والمناخ‭ ‬والفضاء‭ ‬وعلى‭ ‬الآخرين‭. ‬وما‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬التي‭ ‬نستعملها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬إلا‭ ‬لتوسيع‭ ‬ميدان‭ ‬السيطرة‭.‬يمكن‭ ‬لي‭ ‬بهاتف‭ ‬ذكي‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والإغواء،‭ ‬والاستعلام‭ ‬وتنظيم‭ ‬حياتي‭ ‬وتوجيهها،‭ ‬ومن‭ ‬اللعب‭… ‬أوجد‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬إمبراطورية‭ ‬شخصية؛‭ ‬وأشعر‭ ‬فيها‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬والتحكم،‭ ‬يطرد‭ ‬عني‭ ‬قلقي،‭ ‬ووحدتي‭ ‬وشكوكي‭ ‬المتعددة‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬تماما‭! ‬التكنولوجيا‭ ‬تتحكم‭ ‬بواسطة‭ ‬تقديم‭ ‬الأجوبة‭ ‬السريعة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬دوافعنا‭. ‬إنها‭ ‬تسير‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تدع‭ ‬لنا‭ ‬وقتا‭ ‬لتحويل‭ ‬دوافعنا‭ ‬إلى‭ ‬رغبات‭ ‬بناءة‭. ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭: ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬إنشاء‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ “‬الحكمانية‭ ‬اللوغاريتمية‭” ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وإلى‭ ‬المفاهيم‭ ‬المتعالية‭ ‬للحق‭ ‬والعدالة‭ ‬والإنصاف،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬المساواة‭… ‬إذا‭ ‬دُبر‭ ‬العالم‭ ‬تدبيرا‭ ‬حسنا،‭ ‬وتم‭ ‬تحسين‭ ‬تدفق‭ ‬البضائع‭ ‬والأموال،‭ ‬وإشباع‭ ‬كل‭ ‬الحاجيات،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نمارس‭ ‬السياسة؟‭ ‬إن‭ ‬الحكمانية‭ ‬اللوغاريتمية‭ ‬ستقودها‭ ‬عما‭ ‬قريب‭ ‬عقول‭ ‬اصطناعية‭ ‬تتعلم‭ ‬ذاتيا‭. ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬حتى‭ ‬بتنفيذ‭ ‬برنامج‭ ‬تم‭ ‬تصوره‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬كائن‭ ‬بشري؛‭ ‬بيد‭ ‬انها‭ ‬ستحسن‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ “‬استخراج‭ ‬البيانات‭” (‬Data mining‭). ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬ننحرف‭ ‬عن‭ ‬المجهود‭ ‬الذي‭ ‬يبدل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬عمومي،‭ ‬فضاء‭ ‬تتواجه‭ ‬فيه‭ ‬الرغبات‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬البشر‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مهدد‭ ‬اليوم،‭ ‬ليس‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وإنما‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭. ‬إذا‭ ‬تصورت‭ ‬المجتمع‭ ‬كمجرد‭ ‬مصالح‭ ‬فردية‭ ‬متجاورة،‭ ‬فإن‭ ‬السياسة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬معنى‭. ‬أصبح‭ ‬الإغراء‭ ‬قويا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬المداولات‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وتعويضه‭ ‬بآلية‭ ‬ضخمة‭ ‬للشحن‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬أحب‭ ‬كثيرا‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بضرورة‭ ‬وجود‭ ‬مسافات‭ ‬بين‭ ‬الكائنات،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭. ‬في‭ ‬كتاب‭ ” ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬وحيدا‭ ‬أبدا‭”‬‭ ‬يشرح‭ ‬ميغل‭ ‬بنْأصياغ‭ ‬M.Benasayag‭ ‬وأنجليك‭ ‬ديل‭ ‬رييْA.del Rey‭ ‬أن‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬يمنحنا‭ ‬تواصلا‭ ‬اندماجيا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬نكوصي‭ ‬مع‭ ‬أقاربنا‭. ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬المبادلات‭ ‬يمنع‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬كحضور‭ ‬يبني‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬تتدهور‭ ‬الرغبة‭ ‬إلى‭ ‬اندماج‭ ‬رخو‭. ‬لكن،‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سياسيا‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أقدر‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يسري‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬العاطفية،‭ ‬ينطبق‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬السياسة‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬استعادة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الانخراط،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬اللوغاريتمية‭ ‬تأتي‭ ‬لتميّع‭ ‬العلاقة‭ ‬الاجتماعية؟

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬لأجل‭ ‬هذا‭ ‬فالحكمانية‭ ‬اللوغاريتمية‭ ‬ليست‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬بالفعل،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬بالأحرى‭ ‬نظام‭ ‬للمناعة،‭ ‬طورته‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لتصارع‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬أزمة‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للناس‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التمرد‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬صاروا‭ ‬ذواتا‭ ‬كاملة‭ ‬الأهلية‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تأتي‭ ‬لوضعهم‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬الذاتية،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الدوافع،‭ ‬وتمنحهم‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬في‭ ‬الحين‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬كيف‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬اللوغاريتمات؟‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬مسئولون‭ ‬بهوية‭ ‬محددة،‭ ‬فإن‭ ‬التمرد‭ ‬يفقد‭ ‬كل‭ ‬نقط‭ ‬الدعم؛‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المجازفة‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬ضدنا‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬توجد‭ ‬وسط‭ ‬المبرمجين‭ ‬حركة‭ ‬مؤثرة‭ ‬تريد‭ ‬حاليا‭ ‬جعل‭ ‬الحكمانية‭ ‬اللوغاريتمية‭ ‬أكثر‭ ‬دمقراطية‭. ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬يناضلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لوغاريتمات‭ “‬فاط‭” ‬‭(‬Fair‭, ‬Accountable,and Transparents‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬عادلة،‭ ‬مسئولة‭ ‬وشفافة‭. ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬اصطدموا‭ ‬بصعوبات‭ ‬جمة،‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬أبدا‭ ‬بواسطة‭ ‬نظام‭ ‬متري‭ (‬حسابي‭). ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬توجد‭ ‬معطيات‭ ‬متوافرة‭ ‬عن‭ ‬الرجال‭ ‬البيض‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬توجد‭ ‬عن‭ ‬النساء‭ ‬السود‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استدراك‭ ‬هذا‭ ‬التفاوت،‭ ‬ينبغي‭ “‬تعقب‭” ‬التجمعات‭ ‬الأفرُأمريكية‭. ‬كذلك‭ ‬يوجد‭ ‬أناس‭ ‬جادون،‭ ‬اقترحوا‭ ‬تعويض‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬باللوغاريتمات،‭ ‬حيث‭ ‬فساد‭ ‬القضاء‭ ‬متفش‭. ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ندرب‭ ‬هذه‭ ‬اللوغاريتمات‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،إلا‭ ‬بتغذيتها‭ ‬باجتهادات‭ ‬فقهية‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬نفس‭ ‬القضاة‭ ‬الفاسدين،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬سخيف‭ ‬تماما‭.‬

•‭ ‬أ‭.‬دامازيو‭:‬‭ ‬لا‭ ‬أثق‭ ‬في‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬تحسين‭ ‬المنظومة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭. ‬ففي‭ ‬الغالب‭ ‬ما‭ ‬يجعلونها‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭. ‬لما‭ ‬بدأت‭ ‬أشتغل‭ ‬على‭ ‬رواية‭ “‬الأشباح‭”‬،‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬هي‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬هل‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬آخر‭ ‬ممكن‭ ‬لمجتمع‭ ‬التحكم؟كان‭ ‬جوابي‭ ‬الأدبي‭ ‬هو‭ ‬التخفي‭.‬الأشباح‭ ‬هي‭ ‬كائنات‭ ‬حية،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭ ‬حيوانات‭ ‬ونباتات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬الميتة‭ ‬من‭ ‬النظرة‭ ‬الإنسانية‭. ‬الشبح‭ ‬يستبق‭ ‬وجهة‭ ‬نظراتك،‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬فيه‭. ‬كان‭ ‬الشبح‭ ‬في‭ ‬أصل‭ ‬الرواية‭ ‬إذن‭ ‬شخصية‭ ‬مفهومية،‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعقبه‭ ‬إن‭ ‬أردنا‭. ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬ثانية،‭ ‬استكشفت‭ ‬بعدا‭ ‬آخر‭ ‬للتخفي‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭. ‬وباعتمادي‭ ‬على‭ ‬دولوز‭ ‬وسيمونيد‭ ‬وبرغسون،‭ ‬تخيلت‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أعلى‭ ‬صورة‭ ‬للكائن‭ ‬الحي‭. ‬فللكائن‭ ‬الحي‭ ‬خاصية‭ ‬إعادة‭ ‬اختراع‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبدون‭ ‬انقطاع؛‭ ‬وصنعت‭ ‬أشباحي‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬وأصوات،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تمثيل‭ ‬بيئتها،‭ ‬وتتحول‭ ‬في‭ ‬شكلها،‭ ‬تهرب‭ ‬وتخلق‭. ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬فاسد؛‭ ‬لقد‭ ‬صاروا‭ ‬أجمل‭ ‬وأنبل‭ ‬تجسيدا‭ ‬للكائن‭ ‬الحي‭. ‬إنها‭ ‬يوتوبيا‭ ‬ملهِمة،‭ ‬أتمنى‭ ‬ذلك‭! ‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬إن‭ ‬التخفي‭ ‬الذي‭ ‬وصفته،‭ ‬هو‭ ‬قوة‭ ‬موجودة‭ ‬فينا،‭ ‬وقابل‭ ‬للتفعيل‭. ‬إنه‭ ‬أفق‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬ويختلف‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ (‬غافام‭) ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬بخلق‭ ‬بشر‭ ‬متحوّر‭ ‬خالد‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬دامازيو‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬ألفت‭ ‬روايتي،‭ ‬بغاية‭ ‬جعل‭ ‬القراء‭ ‬يعون‭ ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬ضياعها‭. ‬وبسبب‭ “‬شرنقة‭ ‬التكنو‭”‬،‭ ‬وميلنا‭ ‬إلى‭ ‬الانغلاق‭ ‬في‭ “‬قلاع‭ ‬الرفاهية‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يُراد‭ ‬بيسر،‭ ‬وفي‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭. ‬إن‭ ‬عاداتنا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخارج‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬تناقص‭ ‬مستمر،‭ ‬مادام‭ ‬أن‭ ‬محيطنا‭ ‬الرقمي‭ ‬يجاري‭ ‬اختياراتنا‭ ‬ومعتقداتنا‭.‬

•‭ ‬أ‭. ‬روفروا‭:‬‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬نستعمل‭ ‬كلمة‭ “‬المقاومة‭” ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التكنولوجيا‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أصير‭ ‬مقاوما‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬طاغية،‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد،‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬شمولي‭. ‬بينما‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الحكمانية‭ ‬الرقمية‭ ‬ليس‭ ‬للكلمة‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬معنى؛‭ ‬لذلك‭ ‬أفضل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ “‬العصيان‭”. ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬لنا؟‭ ‬لقد‭ ‬بدأنا‭ ‬نتنازل‭ ‬عن‭ ‬تدبير‭ ‬شؤون‭ ‬العالم،‭ ‬ونميل‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬للآلات‭. ‬أن‭ ‬نعصي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬الحكم،‭ ‬حكم‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وتدبير‭ ‬العالم‭.‬

•‭ ‬أ‭.‬دامازيو‭:‬‭ ‬أضيف‭ ‬أنه‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لفعل‭ ‬ما‭ ‬تأثير‭ ‬سياسي،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُنسج‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجماعة‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أسميه‭ ” ‬التصورات‭ ‬الخيالية‭ ‬لليمين‭” ‬والموجودة‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية‭: ‬العالم‭ ‬يسير‭ ‬إلى‭ ‬أسوء،‭ ‬لكن‭ ‬سيدة‭ ‬أو‭ ‬رجلا‭ ‬خارقا‭ ‬سوف‭ ‬يجد‭ ‬الحل‭ ‬بمفرده‭. ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬آتي‭ ‬بمخيال‭ ‬مغاير،‭ ‬ليس‭ ‬بنزعة‭ ‬فردانية،‭ ‬ولكن‭ ‬بإعادة‭ ‬الارتباط‭ ‬والتحالف‭.‬تضرب‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الروابط‭ ‬بقوة،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بدائل‭ ‬عن‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬بمفرده‭ ‬يزيل‭ ‬السموم‭ ‬من‭ ‬ذاته،‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتخلص‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬مجتمعين‭ ‬ومتضافرين‭.‬


◆‭ ‬ترجمة‭: ‬محمد‭ ‬بوتنبات

المرجع‭: ‬Philosophie Magazine

N°‭ ‬133‭, ‬Octobre 2019‭, ‬Pp‭ : ‬59,60,61,62

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى