السياسةالملف

مبدأ التدبير الحر والمراقبة الإدارية بالجماعات الترابية

من خلال الدستور والقانون التنظيمي رقم 113.14

◆ د. الطاهر موحوش

I ‬ – تذكير‭ ‬بسياق‭ ‬ميلاد‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإدارية‭:‬

قبل‭ ‬التطرق‭ ‬للمقتضيات‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬والقانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬ولو‭ ‬مقتضبة‭ ‬على‭ ‬مسلسل‭ ‬اللامركزية‭ ‬ببلادنا‭ ‬بخصوص‭ ‬علاقة‭ ‬الكائن‭ ‬المنتخب‭ ‬بالكائن‭ ‬الإداري‭ ‬الممثل‭ ‬للسلطة‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬وسمت‭ ‬التدبير‭ ‬الترابي‭ ‬المحلي‭. ‬لقد‭ ‬انطلقت‭ ‬تجربة‭ ‬اللامركزية‭ ‬ببلادنا‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بالمصادقة‭ ‬على‭ ‬ظهير‭ ‬2‭ ‬دجنبر‭ ‬1959‭ ‬بمثابة‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬للمملكة،‭ ‬والذي‭ ‬أسفر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬احداث‭ ‬108‭ ‬جماعة‭ ‬حضرية‭ ‬وقروية‭. ‬ثم‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬اعتماد‭ ‬أول‭ ‬ميثاق‭ ‬جماعي‭ ‬بتاريخ‭ ‬23‭ ‬يونيو‭ ‬1960،‭ ‬لكن‭ ‬باختصاصات‭ ‬محدودة‭ ‬وجهاز‭ ‬تنفيذي‭ ‬مزدوج‭ ‬ووصاية‭ ‬قوية‭.‬

ومع‭ ‬ظهير‭ ‬30‭ ‬شتنبر‭ ‬1976‭ ‬منح‭ ‬التنظيم‭ ‬الجماعي‭ ‬لمجالس‭ ‬الجماعات‭ ‬بعض‭ ‬الاختصاصات‭ ‬مع‭ ‬تمتيعها‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬والإداري‭. ‬غير‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الاختصاصات‭ ‬ظلت‭ ‬خاضعة‭ ‬لوصاية‭ ‬إدارية‭ ‬تمارسها‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬وممثليها‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العمالات‭ ‬والأقاليم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭:‬

•‭ ‬مصادقة‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬او‭ ‬عمال‭ ‬العمالات‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬المجلس‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ؛

•‭ ‬إبطال‭ ‬مقررات‭ ‬هذه‭ ‬المجالس‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬مشروعيتها؛

•‭ ‬تكريس‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬الأعضاء‭ ‬والتي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬عزل‭ ‬أعضاء‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬بمرسوم‭ ‬أو‭ ‬توقيفهم‭ ‬بقرار‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭.‬

وبصدور‭ ‬القانون‭ ‬78‭.‬00‭ ‬المتعلق‭ ‬بالميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬بتاريخ‭ ‬03‭ ‬أكتوبر‭ ‬2002‭ ‬ثم‭ ‬التعديلات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬عليه‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬وسنة‭ ‬2009‭ ‬تم‭ ‬التخفيف‭ ‬نسبيا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوصاية‭ ‬وذلك‭ ‬بتقليص‭ ‬المجالات‭ ‬الخاضعة‭ ‬للمصادقة‭ ‬واعتماد‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بمصادقة‭ ‬القرب‭ ‬وتعزيز‭ ‬المواكبة‭ ‬والشراكة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭.‬

وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬والتراكمات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬استخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬ثم‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬باللامركزية‭ ‬تؤطر‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬وتجيب‭ ‬على‭ ‬شعار‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الترابي‭ ‬المحلي‭. ‬فهل‭ ‬شكلت‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬محطة‭ ‬نوعية‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬وتخول‭ ‬الجماعات‭ ‬صلاحيات‭ ‬محددة‭ ‬وتدبيرا‭ ‬حرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬يؤسس‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التدبير‭ ‬الترابي‭ ‬المحلي‭ ‬اقتداء‭ ‬بتجارب‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬فقط‭ ‬محطة‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تتطلب‭ ‬تطويرا‭ ‬مستمرا؟‭ ‬

إن‭ ‬الإجابة‭ ‬الموضوعية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يتطلب‭ ‬دراسة‭ ‬كل‭ ‬المقتضيات‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬السالف‭ ‬الذكر‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الممارسة‭. ‬ونظرا‭ ‬لعدم‭ ‬توفر‭ ‬دراسات‭ ‬ميدانية‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتطبيق‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الاختصاصات‭ ‬ولا‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المنوطة‭ ‬بالمجلس‭ ‬وبرئيسه‭ ‬ولا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬مساطر‭ ‬التدبير‭ ‬والتجاذبات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المتدخلين‭ ‬الأخرين‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬ترابية‭ ‬أخرى‭ ‬ومؤسسات‭ ‬عمومية‭ ‬ومصالح‭ ‬الدولة،‭ ‬سأكتفي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬بالتطرق‭ ‬لبعض‭ ‬المقتضيات‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬المتعلقة‭ ‬أساسا‭ ‬بمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬وإبراز‭ ‬هل‭ ‬منطق‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬شرط‭ ‬إخضاعه‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإدارية؟‭ ‬

وقبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬مفهوم‭ ‬وممارسة‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التطرق‭ ‬لبعض‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكتسي‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مساهمتها‭ ‬ولو‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬النص‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬يؤطر‭ ‬عمل‭ ‬الجماعات‭. ‬

لقد‭ ‬أفرد‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬قانونا‭ ‬تنظيميا‭ ‬وليس‭ ‬قانونا‭ ‬عاديا‭ ‬لتأطير‭ ‬عمل‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ (‬الفصل‭ ‬146‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭: “‬تحدد‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭: ‬شروط‭ ‬تدبير‭ ‬الجهات‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬الأخرى‭ ‬لشؤونها‭ ‬بكيفية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وعدد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجالسها،‭ ‬والقواعد‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأهلية‭ ‬الترشيح،‭ ‬وحالات‭ ‬التنافي،‭ ‬وحالات‭ ‬منع‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الإنتدابات‭ ‬وكذا‭ ‬النظام‭ ‬الانتخابي،‭ ‬وأحكام‭ ‬تحسين‭ ‬تمثيلية‭ ‬النساء‭ ‬داخل‭ ‬المجالس‭ ‬المذكورة‭..‬‭..”‬؛

وينص‭ ‬الفصل‭ ‬86‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬التنظيمية‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬فيه‭ ‬تعرض‭ ‬وجوبا‭ ‬قصد‭ ‬المصادقة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البرلمان،‭ ‬في‭ ‬أجل‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬مدة‭ ‬الولاية‭ ‬التشريعية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تلي‭ ‬صدور‭ ‬الأمر‭ ‬بتنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الدستور‭”‬،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬يؤسس‭ ‬لعمل‭ ‬الجماعات‭ ‬هو‭ ‬قانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬فهو‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬النطاق؛

كما‭ ‬ينص‭ ‬الدستور‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬الأمة‭ ‬تختار‭ ‬ممثليها‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنتخبة‭ ‬بالاقتراع‭ ‬الحر‭ ‬والنزيه‭ ‬والمنتظم‭”. ‬وانتظام‭ ‬الانتخابات‭ ‬حتم‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬حيث‭ ‬أشرفت‭ ‬الولاية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمجالس‭ ‬الجماعات‭ ‬على‭ ‬نهايتها‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2015‭. ‬إذن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬الصرفة،‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬مضطرة‭ ‬بحكم‭ ‬الدستور‭ ‬لتقديم‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الآجال‭ ‬الدستورية‭ ‬واحترام‭ ‬المقتضيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بانتظام‭ ‬تنظيم‭ ‬الانتخابات‭. ‬لكن‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬الذي‭ ‬يشرع‭ ‬لسياسة‭ ‬ترابية‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬توزيع‭ ‬الاختصاصات‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القوانين‭ ‬التنظيمية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬إعدادها‭ ‬بشكل‭ ‬مبكر‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إشراك‭ ‬فعلي‭ ‬لمختلف‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬وجمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬الإعداد‭ ‬الجاد‭ ‬قصد‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬بجودة‭ ‬مقبولة‭ ‬منهجية‭ ‬وشكلا‭ ‬ومضمونا‭. ‬فالحكومة‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬لم‭ ‬تشرع‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬مشروع‭ ‬النص‭ ‬القانوني‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2014‭ ‬لتخلص‭ ‬إلى‭ ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2014‭ ‬وتعرضها‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬يوليوز‭ ‬2014،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تتزامن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬والجامعية‭ ‬ومع‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭ ‬ثم‭ ‬الدخول‭ ‬المدرسي‭ ‬والجامعي‭ ‬خلال‭ ‬شهري‭ ‬شتنبر‭ ‬وأكتوبر‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬يصعب‭ ‬تنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬فكرية‭ ‬نظرا‭ ‬لغياب‭ ‬الأكاديميين‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬وانشغالهم‭ ‬بقضايا‭ ‬أخرى‭ ‬وكذلك‭ ‬بالعطلة‭ ‬الصيفية‭. ‬

وهكذا‭ ‬تم‭ ‬تجميع‭ ‬مقترحات‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬شتنبر‭ ‬وأكتوبر‭ ‬ونونبر‭ ‬2014‭ ‬وتم‭ ‬عرض‭ ‬الصيغة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نونبر‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬عقد‭ ‬مشاورات‭ ‬تقنية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬دجنبر‭. ‬وللتذكير‭ ‬فقد‭ ‬قدمت‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬عدة‭ ‬مقترحات‭ ‬تروم‭ ‬توسيع‭ ‬اختصاصات‭ ‬الجماعات‭ ‬وضمان‭ ‬حرية‭ ‬تدبيرها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الوصاية‭ ‬الإدارية‭ ‬وضمان‭ ‬نجاعة‭ ‬تسييرها‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬شروط‭ ‬تتعلق‭ ‬بالترشيح‭ ‬لمهام‭ ‬الرئيس‭ ‬وتحديد‭ ‬صلاحيات‭ ‬المكتب‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الاقتراحات‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بمجال‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭… ‬غير‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬كل‭ ‬المقترحات‭ ‬تم‭ ‬رفضها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬ممثلي‭ ‬الحكومة‭ ‬آنذاك‭ (‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬محمد‭ ‬حصاد‭ ‬ووزير‭ ‬العدل‭ ‬مصطفى‭ ‬الرميد‭).‬

وهكذا‭ ‬تم‭ ‬إعداد‭ ‬الصيغة‭ ‬النهائية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2015‭ ‬وتمت‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الحكومي‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬يناير‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬يناير‭ ‬2015‭ ‬وتمت‭ ‬إحالة‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬فبراير‭ ‬2015‭ ‬ليتم‭ ‬اعتماد‭ ‬النص‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬ثانية‭ ‬بتاريخ‭ ‬09‭ ‬يونيو‭ ‬2015‭ ‬وبعد‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مجلسي‭ ‬البرلمان‭ ‬تم‭ ‬عرض‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬على‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري‭ ‬الذي‭ ‬أقرمن‭ ‬خلال‭ ‬قراره‭ ‬رقم‭ ‬968/2015‭ ‬م‭.‬د‭ ‬بتاريخ‭ ‬30‭/‬6‭/‬2015‭ ‬بمطابقة‭ ‬جزئية‭ ‬للدستور‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬كل‭ ‬مواد‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬المعروض‭ ‬عليه‭ ‬مطابقة‭ ‬للدستور‭ ‬باستثناء‭ ‬الفقرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬51‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭:‬

وتم‭ ‬نشر‭ ‬النص‭ ‬بالجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬عدد‭ ‬6380‭ ‬بتاريخ‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬2015‭. ‬

و‭ ‬يتبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬سياق‭ ‬إعداد‭ ‬ومناقشة‭ ‬واعتماد‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬الذي‭ ‬يؤطر‭ ‬عمل‭ ‬الجماعات‭ ‬أن‭  ‬الحكومة‭ ‬أخذت‭ ‬كامل‭ ‬وقتها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الإكراهات‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إعداد‭ ‬مسودة‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬الذي‭ ‬صاحبته‭ ‬حركات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬فأعطت‭ ‬دستورا‭ ‬جاء‭ ‬ببعض‭ ‬المقتضيات‭ ‬الإيجابية‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الدساتير‭ ‬السابقة،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المقتضيات‭ ‬قيدت‭ ‬بقوانين‭ ‬تنظيمية‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬مكملة‭ ‬للدستور‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادي‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬للتحكم‭ ‬لإفراغ‭ ‬مضمون‭  ‬المقتضيات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لبعض‭ ‬الإيجابيات‭. ‬فالمسافة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬بين‭ ‬إصدار‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ (‬1‭ ‬يوليوز‭ ‬2011‭) ‬وإعداد‭ ‬مسودة‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ (‬يناير‭ ‬2014‭) ‬تعدت‭ ‬سنتين‭ ‬ونصف‭ ‬واتسمت‭ ‬بانحدار‭ ‬منسوب‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والضغط‭ ‬السياسي‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬المغرب‭ ‬مطلع‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬بنكيران‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تعرضت‭ ‬لهزة‭ ‬عنيفة‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬منها‭ ‬ودخول‭ ‬حزب‭ ‬التجمع‭ ‬الوطني‭ ‬للأحرار‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2013‭ ‬وبالتالي‭ ‬فكل‭ ‬الظروف‭ ‬كانت‭ ‬مواتية‭ ‬لتمرير‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬المجحفة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭. 

فماذا‭ ‬أفرز‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬بخصوص‭ ‬هندسة‭ ‬اللامركزية‭ ‬ببلادنا‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعات‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الفلسفة‭ ‬المؤسسة‭ ‬لمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬وتعايشه‭ ‬وتناقضه‭ ‬مع‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬أسس‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬الدستور؟‭ 

II‭. ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الجماعات

1‭. ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر

‌أ‭. ‬مفهوم‭ ‬التدبير‭ ‬الحر

للإحاطة‭ ‬بمحاولة‭ ‬فهم‭ ‬مفهوم‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬يحيل‭ ‬الباحثون‭ (‬يوسف‭ ‬التونسي‭) ‬على‭ ‬الدساتير‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬يرجعون‭ ‬إليها‭ ‬أصول‭ ‬ظهور‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬حيث‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬87‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬1946،‭ ‬وتم‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬بموجب‭ ‬الفصلين‭ ‬34‭ ‬و72‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬1958‭.  ‬حيث‭ ‬نص‭ ‬الفصل‭ ‬34‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬المحمية‭ ‬من‭ ‬التشريع‭”‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬الفصل‭ ‬72‭ ‬أن‭ “‬الجماعات‭ ‬تحدث‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬وتدبر‭ ‬شؤونها‭ ‬بشكل‭ ‬حر‭ ‬عبر‭ ‬مجالس‭ ‬منتخبة‭ ‬وبالارتكاز‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬المحددة‭ ‬قانونا‭.”‬

‭ ‬وقد‭ ‬منح‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭ ‬الفرنسيين‭ ‬للجماعات‭ ‬حرية‭ ‬إدارة‭ ‬مجالها‭ ‬وتدبير‭ ‬مواردها‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية‭ ‬وفق‭ ‬الشروط‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لاجتهادات‭ ‬القضاء‭ ‬الدستوري‭ ‬الفرنسي‭ ‬أهمية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الأسس‭ ‬الأولية‭ ‬والنظرية‭ ‬للمبدأ،‭ ‬وكذا‭ ‬تحديد‭ ‬مضمونه‭ ‬وتوضيح‭ ‬مجاله‭ ‬وضمان‭ ‬الالتزام‭ ‬بتطبيقه‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬المشرع‭. ‬

واقر‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري‭ ‬الفرنسي‭ ‬القيمة‭ ‬الدستورية‭ ‬لمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬باعتباره‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬للجماعات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الصادرة‭ ‬عنه‭: ‬

•‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬ماي‭ ‬1979‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬Territoire de Nouvelle-Calédonie‭.‬

•‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ‬1984‭ ‬المتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬تدبير‭ ‬الجماعات‭ ‬لمواردها‭ ‬البشرية‭.‬

•‭ ‬قرار‭ ‬18‭ ‬يناير‭ ‬2001‭ ‬بخصوص‭. ‬Commune de Venelles

•‭ ‬قرار‭ ‬12‭ ‬يونيو‭ ‬2002‭ ‬بخصوص‭ ‬Commune de Fauillet‭.‬

هذا‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ‬1993‭ ‬والذي‭ ‬أكد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬الحرية‭ ‬التعاقدية‭” ‬باعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬مقومات‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭. ‬ومنح‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬حرية‭ ‬تنظيم‭ ‬مرافقها‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬تفويت‭ ‬تدبيرها‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬تراه‭ ‬مناسبا‭ ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭. ‬

لكن‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬التكريس‭ ‬الدستوري‭ ‬لهذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬فان‭ ‬التحديد‭ ‬الفقهي‭ ‬له‭ ‬ظل‭ ‬شبه‭ ‬غائب‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الفقه‭ ‬لم‭ ‬يقتنع‭ ‬حتى‭ ‬بجدوى‭ ‬المفهوم‭ ‬وشكك‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬تحديد‭ ‬مضمونه‭ ‬ومحتواه‭.‬

‭ ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬اصطلاح‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الدستورية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أي‭ ‬مفهوم،‭ ‬ويبقى‭ ‬مصطلحا‭ ‬غامضا‭ ‬وفارغا‭ ‬وبدون‭ ‬مرجعية‭ ‬تتمثل‭ ‬وظيفته‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬السياسية‭ ‬للديمقراطية‭ ‬التمثيلية‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الإداري‭.‬

على‭ ‬خلاف‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬يعتبر‭ ‬بعض‭ ‬الفقه‭ ‬أن‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬له‭ ‬مفهوم‭ ‬سياسي‭ ‬يطابق‭ ‬إيديولوجيا‭ ‬إرادة‭ ‬المنتخبين‭ ‬والمسيرين‭ ‬المحليين‭ ‬وكذا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬شؤونهم‭ ‬المحلية‭ ‬تسير‭ ‬بطريقة‭ ‬حرة،‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬السياسي‭ ‬قابل‭ ‬لان‭ ‬يتم‭ ‬تحميله‭ ‬بمضمون‭ ‬قانوني‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السياق‭ ‬يذهب‭ ‬بعض‭ ‬الفقه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مدلول‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬ضعيفا،‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬سببا‭ ‬لإقصائه‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬باصطلاح‭ ‬دستوري‭ ‬أي‭ ‬تعبير‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬لذلك‭ ‬يتعين‭ ‬إعطاء‭ ‬مضمون‭ ‬له‭. ‬

واعتبر‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬مركب‭ ‬وذو‭ ‬بعدين،‭ ‬بعد‭ ‬ذو‭ ‬طبيعة‭ ‬عضوية‭ ‬وبعد‭ ‬ذو‭ ‬طبيعة‭ ‬وظيفية‭. ‬ويقصد‭ ‬بالبعد‭ ‬العضوي‭ ‬مصدر‭ ‬الأجهزة‭ ‬التنفيذية‭ ‬التي‭ ‬سيوكل‭ ‬إليها‭ ‬تدبير‭ ‬شؤون‭ ‬الساكنة‭ ‬المحلية،‭ ‬وكذا‭ ‬درجة‭ ‬الاستقلالية‭ ‬المؤسساتية‭ ‬لهذه‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬المحلية‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوظيفي‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬توفر‭ ‬مجال‭ ‬أوسع‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الإرادة‭ ‬المحلية،‭ ‬عبر‭ ‬وجود‭ ‬اختصاصات‭ ‬لهذه‭ ‬الوحدات‭ ‬الترابية‭ ‬اللامركزية‭ ‬وكذا‭ ‬طريقة‭ ‬توزيعها‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬وجماعاتها‭ ‬الترابية‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الاختلافات‭ ‬الفقهية،‭ ‬فالمؤكد‭ ‬هو‭ ‬المساهمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬للمبدأ‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المسار‭ ‬اللامركزي‭ ‬بفرنسا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جعل‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬أكثر‭ ‬استقلالية‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬النواحي‭ ‬الإدارية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬مبدأ‭ “‬وحدة‭ ‬الدولة‭” ‬والضوابط‭ ‬الدستورية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬مبادرة‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شؤونها‭ ‬وتبني‭ ‬الاختيارات‭ ‬التنموية‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬مناسبة‭.‬

وفي‭ ‬المغرب‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬تنصيص‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ “‬التدبير‭ ‬الحر‭” ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬136‭ ‬منه‭ ‬بقوله‭ ‬إن‭ ‬التنظيم‭ ‬الجهوي‭ ‬والترابي‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر،‭ ‬أهم‭ ‬مستجد‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تجربة‭ ‬اللامركزية‭ ‬بالمغرب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬تعويم‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬بالاكتفاء‭ ‬بالإشارة‭ ‬إليه‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والتزام‭ ‬الصمت‭ ‬بخصوص‭ ‬تعريفه‭ ‬ورسم‭ ‬حدوده‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬عدم‭ ‬مطالبة‭ ‬المشرع‭ ‬بالقيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭. ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬الفصل‭ ‬146‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬قراءة‭ ‬متأنية‭. ‬فهذا‭ ‬الفصل‭ ‬أناط‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬تحديد‭ ‬10‭ ‬عشرة‭ ‬مهام‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ “‬تحديد‭ ‬قواعد‭ ‬الحكامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحسن‭ ‬تطبيق‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر،‭ ‬وكذا‭ ‬مراقبة‭ ‬تدبير‭ ‬الصناديق‭ ‬والبرامج‭ ‬وتقييم‭ ‬الأعمال‭ ‬وإجراءات‭ ‬المحاسبة‭” ‬ولم‭ ‬يشر‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬ولا‭ ‬غيره‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭. ‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬نص‭ ‬نفس‭ ‬الفصل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المقتضيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬تحدد‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬وليس‭ ‬بقانون‭ ‬عادي‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭. ‬والقانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصدار‭ ‬الأمر‭ ‬بتنفيذه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تصرح‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬بمطابقته‭ ‬للدستور‭ (‬الفصل‭ ‬85‭ ‬من‭ ‬الدستور‭). ‬وعندما‭ ‬تبت‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬دستورية‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الدفع‭ ‬بعدم‭ ‬دستوريته‭ ‬أمامها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬أتاحه‭ ‬الفصل‭ ‬133‭ ‬بخصوص‭ ‬القوانين‭ ‬العادية‭ ‬حيث‭ ‬ينص‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬تختص‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دفع‭ ‬بعدم‭ ‬دستورية‭ ‬قانون،‭ ‬أثير‭ ‬أثناء‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قضية،‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬دفع‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬بأن‭ ‬القانون،‭ ‬الذي‭ ‬سيطبق‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬يمس‭ ‬بالحقوق‭ ‬وبالحريات‭ ‬التي‭ ‬يضمنها‭ ‬الدستور‭”.‬

فبالنسبة‭ ‬للقوانين‭ ‬العادية‭ ‬يمكن‭ ‬للمتقاضين‭ ‬أشخاصا‭ ‬ذاتيين‭ ‬أو‭ ‬اعتباريين‭ ‬ومنهم‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬الدفع‭ ‬بعدم‭ ‬دستوريتها‭ ‬بمناسبة‭ ‬رفع‭ ‬قضية‭ ‬ضدهم‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬تستعمل‭ ‬فيها‭ ‬مقتضيات‭ ‬قانونية‭ ‬تمس‭ ‬بالحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬التي‭ ‬يضمنها‭ ‬الدستور‭. ‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المقارنة،‭ ‬فقد‭ ‬نص‭ ‬الدستور‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬34‭ ‬على‭:‬

‭…….‬

La loi détermine les principes fondamentaux‭ :‬

‭-‬ ‮……‬‭..‬

‭-‬ de la libre administration des collectivités territoriales‭, ‬de leurs compétences et de leurs ressources‭ ;‬

وهي‭ ‬نفس‭ ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬بها‭ ‬الدستور‭ ‬المغربي‭ ‬لسنة‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬الفرنسية

من‭ ‬خلال‭ ‬l’Article 36‭ ‬qui stipule que‭ :‬

‮«‬‭ ‬L’organisation régionale et territoriale repose sur les principes de libre administration‭, ‬de coopération et de solidarité‭. ‬Elle assure la participation des populations concernées à la gestion de leurs affaires et favorise leur contribution au développement‭ ‬humain intégré et durable‭ ‬‮»‬‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬المشرع‭ ‬الدستوري‭ ‬الفرنسي‭ ‬أناط‭ ‬بالقانون‭ ‬العادي‭ ‬وليس‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬تحديد‭ ‬مبادئ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬مما‭ ‬ترك‭ ‬الباب‭ ‬مشرعا‭ ‬أمام‭ ‬اجتهاد‭ ‬القضاء‭ ‬الدستوري‭ ‬بمناسبة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بعدم‭ ‬دستورية‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬الممارسة‭ ‬استطاع‭ ‬الاجتهاد‭ ‬القضائي‭ ‬الفرنسي‭ ‬عبر‭ ‬مجلس‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري‭ ‬أن‭ ‬يطور‭ ‬ويساهم‭ ‬تدريجيا‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬معالم‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬اختار‭ ‬المشرع‭ ‬الدستوري‭ ‬المغربي‭ ‬صيغة‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬عوض‭ ‬صيغة‭ ‬القانون‭ ‬العادي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المقتضيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬ومنها‭ ‬الجماعات‭ ‬مما‭ ‬أغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬اجتهاد‭ ‬قضائي‭ ‬دستوري‭ ‬قد‭ ‬يتطورمن‭ ‬خلال‭ ‬الممارسة‭ ‬اليومية‭ ‬بسلك‭ ‬سبل‭ ‬الدفع‭ ‬بعدم‭ ‬دستورية‭ ‬القوانين‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬ساهم‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬يلف‭ ‬تعريف‭ ‬وتحديد‭ ‬مبادئ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬ترك‭ ‬الباب‭ ‬مشرعا‭ ‬أمام‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬العمال‭ ‬والولاة‭ ‬ووزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬للتدخل‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬وذلك‭ ‬بتأويلها‭ ‬الخاص‭ ‬للمقتضيات‭ ‬القانونية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النصوص‭ ‬التنظيمية‭ ‬المطبقة‭ ‬للقانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬التطبيقية‭ ‬يتعدى‭ ‬ثلاثين‭ ‬نصا‭ (‬33‭ ‬نصا،‭ ‬منها‭ ‬5‭ ‬نصوص‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬قانون‭ ‬و13‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬نص‭ ‬تنظيمي‭ ‬و14‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬مرسوم‭ ‬وعدة‭ ‬نصوص‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬قرار‭ ‬مشترك‭ ‬أو‭ ‬قرار‭) ‬وأن‭ ‬إعداد‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬التطبيقية‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭. 

وبالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬السياق‭ ‬المغربي‭ ‬والسياق‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشريع‭ ‬يجعلنا‭ ‬نطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬بخصوص‭ ‬نية‭ ‬لجنة‭ ‬المانوني،‭ ‬التي‭ ‬عهد‭ ‬إليها‭ ‬بصياغة‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬سنة‭ ‬2011،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التزامها‭ ‬السكوت‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭. ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اعتبار‭ ‬هذا‭ ‬المبدء‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تسمو‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬ملزمة‭ ‬لكل‭ ‬الأطراف؟‭ ‬أم‭ ‬المقصود‭ ‬هو‭ ‬ترك‭ ‬التجاذبات‭ ‬والتدافع‭ ‬المجتمعي‭ ‬والسياسي‭ ‬وميزان‭ ‬القوى‭ ‬يقوم‭ ‬بتعريف‭ ‬ورسم‭ ‬حدود‭ ‬هذا‭ ‬المبدء؟

لكن‭ ‬يتبين‭ ‬سريعا‭ ‬أن‭ ‬النية‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تدافع‭ ‬ولا‭ ‬صراع‭. ‬فقد‭ ‬عمد‭ ‬المشرع‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ “‬الفراغ‭” ‬وإغلاق‭ ‬الباب‭ ‬كليا‭ ‬وبشكل‭ ‬محكم‭ ‬وسلس‭ ‬أمام‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬التنقيب‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬والمطالبة‭ ‬برسم‭ ‬حدوده‭ ‬وربما‭ ‬توسيع‭ ‬مجاله،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬المجهول‭ ‬وامام‭ ‬كل‭ ‬تطورات‭ ‬مستقبلية‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬بعض‭ ‬المنتخبين‭ ‬المحليين‭ ‬إلى‭ ‬الدفع‭ ‬بسمو‭ ‬المبدء‭ ‬الدستوري‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬القرارات‭ ‬الإدارية‭. ‬فتم‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المبدء‭ ‬برسم‭ ‬حدوده‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المادة‭ ‬3‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬في‭ ‬فقرتها‭ ‬الأولى‭ ‬على‭: “‬يرتكز‭ ‬تدبير‭ ‬الجماعة‭ ‬لشؤونها‭ ‬على‭ ‬مبدئ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يخول‭ ‬بمقتضاه‭ ‬لكل‭ ‬جماعة،‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي،‭ ‬سلطة‭ ‬التداول‭ ‬بكيفية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬مداولاتها‭ ‬ومقرراتها،‭ ‬طبقا‭ ‬لأحكام‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬والنصوص‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬المتخذة‭ ‬لتطبيقه‭..”. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الفصل‭ ‬136‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬ولم‭ ‬يقيده‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الوصاية،‭ ‬فإن‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬حدد‭ ‬هذا‭ ‬المبدء‭ ‬في‭ ‬تخويل‭ ‬سلطة‭ ‬التداول‭ ‬بكيفية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬المداولات‭ ‬والمقررات‭ ‬للجماعة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الموكلة‭ ‬إليها‭ ‬وطبقا‭ ‬لأحكام‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬والنصوص‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬المتخذة‭ ‬لتطبيقه‭. ‬فأصبح‭ ‬المبدأ‭ ‬الدستوري‭ ‬رهينة‭ ‬إرادة‭ ‬المشرع‭ ‬الذي‭ ‬تواطأ‭ ‬ضد‭ ‬إرادة‭ ‬الأمة‭. ‬ولعب‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري‭ ‬دور‭ ‬المتفرج‭ ‬فلم‭ ‬يثر‭ ‬حتى‭ ‬التساؤل‭ ‬بشأنه‭ ‬بمناسبة‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬مطابقة‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬للدستور‭.‬

وبالرضوخ‭ ‬للتعريف‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬المادة‭ ‬3‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬113‭.‬14‭ ‬بشأن‭ ‬مبدء‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يخول‭ ‬بمقتضاه‭ ‬لكل‭ ‬جماعة،‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي،‭ ‬سلطة‭ ‬التداول‭ ‬بكيفية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬مداولاتها‭ ‬ومقرراتها،‭ ‬طبقا‭ ‬لأحكام‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬والنصوص‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬المتخذة‭ ‬لتطبيقه،‭ ‬والرجوع‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصات‭ ‬الجماعات‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬113‭.‬14‭ ‬والتي‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصات‭ ‬ذاتية‭ ‬واختصاصات‭ ‬مشتركة‭ ‬واختصاصات‭ ‬منقولة،‭ ‬وبتشتت‭ ‬هذه‭ ‬الاختصاصات‭ ‬بين‭ ‬الذاتي‭ ‬والمشترك‭ ‬والمنقول‭ ‬وبين‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬تضيع‭ ‬سلطة‭ ‬التداول‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬المداولات‭ ‬والمقررات‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬استقلالية‭ ‬إدارية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وحدة‭ ‬الدولة‭ ‬وتتطلب‭ ‬كذلك‭ ‬استقلالية‭ ‬مالية‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الجماعة‭ ‬قادرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مقرراتها‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الذاتية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يصبح‭ ‬شبه‭ ‬مستحيل‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالاختصاصات‭ ‬المشتركة‭ ‬أو‭ ‬المنقولة‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجماعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬أعضاء‭ ‬مكتبها‭ ‬المسير‭ ‬للألوان‭ ‬السياسية‭ ‬المسيرة‭ ‬للحكومة‭. 

ب‭. ‬شروط‭ ‬التدبير‭ ‬الحر

‌أ‭. ‬الاستقلالية‭ ‬المالية‭ ‬‭ ‬

يرى‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬أن‭ ‬قياس‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬للجماعات‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مدى‭ ‬توفرها‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬تغطية‭ ‬نفقات‭ ‬ممارستها‭ ‬لاختصاصاتها،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬استقلاليتها‭ ‬الجبائية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬فرضها‭ ‬رسوما‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬نفقاتها‭ ‬وحاجتها‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬والاستمارات‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬لبنة‭ ‬أساسية‭ ‬للاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬للجماعات‭ ‬لكون‭ ‬اعتماد‭ ‬المبدأ‭ ‬يتيح‭ ‬تقوية‭ ‬سلطتها‭ ‬المالية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬فرض‭ ‬الضرائب‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬وإعداد‭ ‬ميزانياتها‭ ‬وتنفيذها‭.‬

غير‭ ‬ان‭ ‬تحليل‭ ‬بعض‭ ‬المقتضيات‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية‭ ‬سواء‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬وخاصة‭ ‬القسم‭ ‬الخامس‭ ‬منه‭ ‬والقانون‭ ‬رقم‭ ‬45‭.‬08‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬المالي‭ ‬للجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬ومجموعاتها‭ ‬والقانون‭ ‬رقم‭ ‬47‭.‬06‭ ‬المتعلق‭ ‬بجبايات‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬يبين‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

تنصيص‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفصل‭ ‬71‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬يختص‭ ‬بالتشريع‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ “‬النظام‭ ‬الضريبي‭ ‬ووعاء‭ ‬الضرائب‭ ‬ومقدارها‭ ‬وطرق‭ ‬تحصيلها‭”.‬حيث‭ ‬يبقى‭ ‬ذلك‭ ‬اختصاصا‭ “‬حصريا‭ ” ‬للبرلمان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكرس‭ “‬مركزية‭” ‬النظام‭ ‬الجبائي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬محليا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ “‬التوصيف‭”. ‬وهكذا‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬سياق‭ ‬محدودية‭ ‬الاستقلالية‭ ‬المالية،‭ ‬تغيب‭ “‬صناعة‭ ‬قرار‭ ‬جبائي‭ ‬ترابي‭” ‬تمكن‭ ‬الجماعات‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬جبائيه‭ ‬حقيقية‭ ‬لإحداث‭ ‬وتعديل‭ ‬أو‭ ‬حذف‭ ‬الرسوم‭ ‬أو‭ ‬الضرائب‭ ‬وتحديد‭ ‬قيمتها‭ ‬المادية‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬نفقاتها‭ ‬وحاجياتها‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬والتجهيزات‭ ‬الأساسية‭. ‬فنظام‭ ‬الجبايات‭ ‬المحلية‭ ‬وإن‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬اختصاصات‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الجبائي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منحها‭ ‬بعض‭ ‬الصلاحيات‭ ‬كإمكانية‭ ‬تحديد‭ ‬وتعديل‭ ‬نسب‭ ‬وأسعار‭ ‬بعض‭ ‬الرسوم‭ ‬باعتماد‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬وأخر‭ ‬أقصى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يبقى‭ ‬مقيدا‭ ‬بضرورة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬على‭ ‬مقررات‭ ‬المجالس‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬لامركزية‭ ‬النظام‭ ‬الجبائي‭ ‬بمنح‭ ‬الجماعات‭ ‬صلاحيات‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬عملا‭ ‬بمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المعيقات‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية،‭ ‬تبين‭ ‬بعض‭ ‬المعطيات‭ ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬تعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬المحولة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حسب‭ ‬أحد‭ ‬التقارير‭ ‬المالية،‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬مجموع‭ ‬موارد‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬الى‭ ‬37‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬23‭ ‬مليار‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬اعتمادات‭ ‬محولة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬اي‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ %‬63‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬مداخيلها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ % ‬16‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬تتكلف‭ ‬الدولة‭ ‬بتدبيرها‭ ‬وهي‭ ‬الرسم‭ ‬المهني‭ ‬ورسم‭ ‬السكن‭ ‬ورسم‭ ‬الخدمات‭ ‬الجماعية‭ ‬وهي‭ ‬الرسوم‭ ‬ذات‭ ‬المردودية‭ ‬العالية‭ ‬مقارنة‭ ‬ببقية‭ ‬الرسوم‭ ‬التي‭ ‬تدبرها‭ ‬الجماعات‭.‬

وتؤكد‭ ‬مختلف‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬لا‭ ‬تتحكم‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬مواردها‭ ‬المالية‭ ‬خاصة‭ ‬الهامة‭ ‬منها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬غير‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬تحصيلها‭ ‬وطبعا‭ ‬في‭ ‬تدبيرها‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صرف‭ ‬النفقات‭ ‬يخضع‭ ‬لمراقبة‭ ‬ومتابعة‭ ‬مشددة‭.  ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬صرامة‭ ‬المراقبة‭ ‬المالية‭ ‬القبلية‭ ‬على‭ ‬مساطر‭ ‬إعداد‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الميزانيات‭ ‬تحد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هامش‭ ‬المبادرة‭ ‬لدى‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة،‭ ‬لكون‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬تشرف‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬إعداد‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الميزانيات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المخولة‭ ‬لها‭ ‬تمنحها‭ ‬إمكانية‭ ‬إعداد‭ ‬ميزانيات‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تعذر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬المنتخبة‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يصعب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬استقلال‭ ‬مالي‭ ‬فعلي‭. ‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬قراءته‭ ‬بمنظور‭ “‬سلبي‭” ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬تدخلا‭ ‬صارخا‭ ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الجماعات‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬ممارسته‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يمكن‭ ‬قراءته‭ ‬بمنظور‭ “‬إيجابي‭” ‬إذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬يستهدف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تجنب‭ ‬عرقلة‭ ‬التدبير‭ ‬الجماعي‭ ‬وتوقف‭ ‬المرافق‭ ‬والخدمات‭ ‬والإضرار‭ ‬بمصالح‭ ‬المواطنين‭. ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فان‭ ‬آلية‭ ‬الاقتراض‭ ‬المعتمدة‭ ‬عبر‭ ‬صندوق‭ ‬التجهيز‭ ‬الجماعي‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬منها‭ ‬دعم‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬سلبيات‭ ‬نظام‭ ‬إمدادات‭ ‬ومساعدات‭ ‬الدولة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬العكس،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬لسياسة‭ ‬الاقتراض‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تكريس‭ ‬حضور‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬مسطرة‭ ‬طلب‭ ‬القروض‭ ‬أو‭ ‬الإفراج‭ ‬عنها‭ ‬واليات‭ ‬المتابعة،‭ ‬بحيث‭ ‬يتمتع‭ ‬المسؤولون‭ ‬على‭ ‬الصندوق‭ ‬بسلطات‭ ‬تقديرية‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬التجهيزات‭ ‬الأكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لأوضاع‭ ‬الجماعة‭ ‬والتي‭ ‬تستحق‭ ‬التمويل‭ ‬بالقروض‭. ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬الاختيارات‭ ‬التنموية‭ ‬لهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬ويحد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬استفادتها‭ ‬من‭ ‬تمويلات‭ ‬الصندوق‭.‬

‌ب‭. ‬الاستقلاليةالإدارية

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬113‭.‬14‭ ‬يخول‭ ‬لكل‭ ‬جماعة،‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي،‭ ‬سلطة‭ ‬التداول‭ ‬بكيفية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬مداولاتها‭ ‬ومقرراتها،‭ ‬فإن‭ ‬نفس‭ ‬القانون‭ ‬يخضع‭ ‬هذه‭ ‬المداولات‭ ‬وتنفيذها‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مقرراتها‭ ‬لمساطر‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬وبالتالي‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬استقلاليتها‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬المراقبة؟‭ ‬ومن‭ ‬يقوم‭ ‬بها؟‭ ‬وكيف؟‭ ‬وما‭ ‬ذا‭ ‬يترتب‭ ‬عنها؟

2‭. ‬المراقبة‭ ‬الإدارية

‌أ‭. ‬مفهوم‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية

يعرف‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬بكونها‭ ‬الآلية‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬خولها‭ ‬المشرع‭ ‬لسلطة‭ ‬المراقبة‭ (‬السلطة‭ ‬المكلفة‭ ‬بالداخلية‭ ‬وولاة‭ ‬الجهات‭ ‬وعمال‭ ‬العمالات‭ ‬والأقاليم‭) ‬لضمان‭ ‬مشروعية‭ ‬أعمال‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬ومطابقتها‭ ‬للقانون‭ ‬والتزام‭ ‬أعضاء‭ ‬مجالسها‭ ‬بالواجبات‭ ‬المقررة‭ ‬قانونا‭.  ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬قواعد‭ ‬المشروعية‭ ‬الأساس‭ ‬القانوني‭ ‬لتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي‭. ‬

والهدف‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬هو‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬مطابقة‭ ‬أعمال‭ ‬المجالس‭ ‬واعضائها‭ ‬للقوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬وضمان‭ ‬حماية‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬ودعم‭ ‬ومساعدة‭ ‬الإدارة‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬المواكبة‭ ‬والإرشاد‭.‬

ب‭. ‬الأسس‭ ‬القانونية‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإدارية

ضدا‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬المنصوص‭ ‬عليه‭ ‬دستوريا،‭ ‬تستمد‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬شرعيتها‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬الدستور‭ ‬وبعض‭ ‬القوانين‭ ‬التنظيمية‭ ‬والقوانين‭.‬

•‭ ‬دستور‭ ‬2011‭: ‬

‭- ‬الفصل‭ ‬145‭: ‬ينص‭ ‬الفصل‭ ‬145‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬على‭: ‬

أ‭ ‬يمثل‭ ‬ولاة‭ ‬الجهات‭ ‬وعمال‭ ‬الأقاليم‭ ‬والعمالات،‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭. ‬يعمل‭ ‬الولاة‭ ‬والعمال،‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة،‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬النصوص‭ ‬التنظيمية‭ ‬للحكومة‭ ‬ومقرراتها،‭ ‬كما‭ ‬يمارسون‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭.‬

أ‭ ‬يساعد‭ ‬الولاة‭ ‬والعمال‭ ‬رؤساء‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬وخاصة‭ ‬رؤساء‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية،‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬المخططات‭ ‬والبرامج‭ ‬التنموية‭..‬

‭- ‬الفصل‭ ‬146‭: ‬كما‭ ‬ينص‭ ‬الفصل‭ ‬146‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تحدد‭ ‬بقانون‭ ‬تنظيمي‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭:‬

أ‭ ‬شروط‭ ‬تنفيذ‭ ‬رؤساء‭ ‬مجالس‭ ‬الجهات‭ ‬ومجالس‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬الأخرى‭ ‬لمداولة‭ ‬المجالس‭ ‬ومقرراتها‭.‬

أ‭  ‬قواعد‭ ‬الحكامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحسن‭ ‬تدبير‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬وكذا‭ ‬مراقبة‭ ‬تدبير‭ ‬الصناديق‭ ‬والبرامج‭ ‬وتقييم‭ ‬الأعمال‭ ‬وإجراءات‭ ‬المحاسبة‭.‬

•‭ ‬القوانين‭ ‬التنظيمية

‭- ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬رقم‭ ‬113‭.‬14‭ ‬خاصة‭ ‬القسم‭ ‬الثالث‭ ‬–‭ ‬الباب‭ ‬الرابع‭ (‬المواد‭ ‬من‭ ‬115‭ ‬إلى‭ ‬118‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مواد‭ ‬أخرى‭)‬؛

‭-  ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬59‭.‬11‭ ‬المتعلق‭ ‬بانتخابات‭ ‬أعضاء‭ ‬مجالس‭ ‬الجماعات‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تعديله‭ ‬وتتميمه‭: ‬المواد‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأهلية‭ ‬الانتخابية‭ ‬وفقدانها‭: ‬المادتان‭ ‬6‭ ‬و142‭.‬

•‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬57‭.‬11‭ ‬المتعلق‭ ‬باللوائح‭ ‬الانتخابية‭ ‬العامة‭ ‬وعمليات‭ ‬الاستفتاء‭ ‬واستعمال‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬العمومية‭ ‬خلال‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬والاستفتائية‭:‬‭ ‬المادة‭ ‬7‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأهلية‭ ‬الانتخابية‭. ‬

‌ج‭. ‬أشكال‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬وكيفية‭ ‬إجرائها‭ ‬ونتائجها

وتشمل‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬العامل‭ ‬أو‭ ‬ممثله‭ ‬حسب‭ ‬الحالة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬مجلس‭ ‬الجماعة‭ (‬كالتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬دورات‭ ‬المجلس‭ ‬وجدول‭ ‬أعمال‭ ‬المجلس‭) ‬ومشروعية‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬اعضاء‭ ‬المجلس‭ (‬بصفتهم‭ ‬الجماعية‭ ‬وبصفتهم‭ ‬الفردية‭).‬

وهكذا‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬تطال‭ ‬جل‭ ‬مناحي‭ ‬أنشطة‭ ‬المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬المسائل‭ ‬المهمة‭ ‬تتعدى‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬حدود‭ ‬مراقبة‭ ‬المشروعية‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬اختصاصات‭ ‬المجالس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجبارية‭ ‬وضع‭ ‬نقط‭ ‬بجدول‭ ‬أعمال‭ ‬دورات‭ ‬المجلس‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬العامل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬شرط‭ ‬تأشيرة‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬قبل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المقررات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتدبير‭ ‬المفوض‭ ‬للمرافق‭ ‬والمنشآت‭ ‬العمومية‭ ‬الجماعية‭ ‬وبإحداث‭ ‬شركات‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية،‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬شرط‭ ‬تأشيرة‭ ‬العامل‭ ‬قبل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المقررات‭ ‬المتعلقة‭ ‬ب‭: ‬

‭- ‬برنامج‭ ‬الجماعة؛

‭- ‬الميزانية؛

‭- ‬تنظيم‭ ‬إدارة‭ ‬الجماعة‭ ‬وتحديد‭ ‬اختصاصاتها؛

‭- ‬المقررات‭ ‬ذات‭ ‬الوقع‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬النفقات‭ ‬أو‭ ‬المداخيل،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الاقتراضات‭ ‬والضمانات‭ ‬وتحديد‭ ‬سعر‭ ‬الرسوم‭ ‬والأتاوى‭ ‬ومختلف‭ ‬الحقوق‭ ‬وتفويت‭ ‬أملاك‭ ‬الجماعة‭ ‬وتخصيصها؛

‭- ‬تسمية‭ ‬الساحات‭ ‬والطرق‭ ‬العمومية‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬تشريفا‭ ‬عموميا‭ ‬أو‭ ‬تذكيرا‭ ‬بحدث‭ ‬تاريخي؛

‭- ‬اتفاقيات‭ ‬التعاون‭ ‬اللامركزي‭ ‬والتوأمة‭ ‬التي‭ ‬تبرمها‭ ‬الجماعة‭ ‬مع‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬الأجنبية؛

‭- ‬إحداث‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬الجماعية‭ ‬وطرق‭ ‬تدبيرها‭.‬

وتتخذ‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬أشكالا‭ ‬متعددة‭ ‬كمراقبة‭ ‬حضور‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬خلال‭ ‬الدورات،‭ ‬والنصاب‭ ‬المتعلق‭ ‬بهذه‭ ‬الدورات‭ ‬ومشروعية‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬وقرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬وحالات‭ ‬التنافي‭ ‬وحالة‭ ‬الانقطاع‭ ‬عن‭ ‬المهام‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬المهام‭ ‬او‭ ‬فقدان‭ ‬المجلس‭ ‬لنصف‭ ‬أعضاءه‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الانتماء‭ ‬الحزبي‭ ‬أو‭ ‬ربط‭ ‬علاقات‭ ‬نفعية‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭..‬

وتطبق‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬سجل‭ ‬الحضور‭ ‬وجدول‭ ‬أعمال‭ ‬الدورات‭ ‬ومحاضر‭ ‬الدورات‭ ‬ومقررات‭ ‬المجلس‭ ‬وقرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬إلى‭ ‬العامل‭ ‬داخل‭ ‬آجال‭ ‬محددة‭ ‬والقيام‭ ‬بمعاينة‭ ‬الانقطاع‭ ‬عن‭ ‬المهام‭ ‬أو‭ ‬الوفاة‭ ‬أو‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائية‭ ‬المتخذة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المنتخبين‭..‬

وبعد‭ ‬الدراسة‭ ‬وحسب‭ ‬الحالة‭ ‬يقوم‭ ‬العامل‭ ‬إما‭ ‬بإبداء‭ ‬موقف‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬أو‭ ‬يطلب‭ ‬إضافة‭ ‬نقطة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬الدورة؛‭ ‬أو‭ ‬التأشير‭ ‬على‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المادة‭ ‬118‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬التأشيرة‭ ‬داخل‭ ‬أجل‭ ‬محدد؛‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الإدلاء‭ ‬بأي‭ ‬ملاحظة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكم‭ ‬هناك‭ ‬خروقات‭ ‬قانونية‭ ‬بخصوص‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬أو‭ ‬قرارات‭ ‬الرئيس؛

ويمكن‭ ‬للعامل‭ ‬عرض‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬الإداري‭ ‬للبت‭ ‬فيها‭ ‬كحالة‭ ‬امتناع‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬المجلس‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بمهامهم‭ ‬قصد‭ ‬إقالة‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬حل‭ ‬المجلس‭ ‬مثلا‭ ‬أو‭ ‬قصد‭ ‬إعمال‭ ‬مسطرة‭ ‬الحلول‭..‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬تلعب‭ ‬السلطة‭ ‬التقديرية‭ ‬لوزير‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬العامل‭ ‬أو‭ ‬ممثله‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬سلوكيات‭ ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬أو‭ ‬تصفية‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬مما‭ ‬يصيب‭ ‬في‭ ‬الصميم‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬به‭ ‬الدستور‭ ‬أصلا‭ ‬قصد‭ ‬تجاوزها‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمجلس‭ ‬جهة‭ ‬كلميم‭ ‬–‭ ‬واد‭ ‬نون‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

وبالإضافة‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬تقيد‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر،‭ ‬تلعب‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬مؤسساتية‭ ‬وذاتية‭ ‬أدوارا‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬دستور‭ ‬2011‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬المؤسساتية‭ ‬نجد‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الخروقات‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬فاضحة‭ ‬كحالة‭ ‬توقيف‭ ‬مجلس‭ ‬جهة‭ ‬كلميم‭ ‬واد‭ ‬نون‭ ‬بقرار‭ ‬إداري‭ ‬وصمت‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬الممثلة‭ ‬بهذا‭ ‬المجلس‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الخرق‭. ‬أما‭ ‬العامل‭ ‬الذاتي‭ ‬فهو‭ ‬متمثل‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والتي‭ ‬بدورها‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭. ‬القسم‭ ‬الأول‭ ‬متعلق‭ ‬بالأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬والقسم‭ ‬الثاني‭ ‬متعلق‭ ‬بفئة‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬إدارة‭ ‬الجماعة‭ ‬والتي‭ ‬يعهد‭ ‬إليها‭ ‬تحت‭ ‬مسؤولية‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬وقرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬وإنجاز‭ ‬الخدمات‭ ‬لصالح‭ ‬المرتفقين‭. ‬فالأشخاص‭ ‬المنتخبون‭ ‬يعاني‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬الأمية‭ ‬حسب‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الرسمية‭. ‬فكيف‭ ‬لهذه‭ ‬النخب‭ ‬أن‭ ‬تترافع‭ ‬عن‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الإدارية‭ ‬وهي‭ ‬تجهل‭ ‬حتى‭ ‬سبب‭ ‬وجودها‭ ‬بهذه‭ ‬المجالس؟‭ ‬والقلة‭ ‬القليلة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعول‭ ‬عليها‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تفتقد‭ ‬لاستقلالية‭ ‬القرار‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوطات‭ ‬الحزبية‭ ‬المتواطئة‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صفقات‭ ‬سياسية‭ ‬معينة‭ ‬وإلا‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬تفسير‭ ‬صمت‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬وممثليها‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬خروقات‭ ‬ترتكبها‭ ‬سلطة‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية؟‭ ‬أما‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬الإدارية‭ ‬فقد‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬سلطتها‭ ‬غصبا‭ ‬لتستولي‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬المجلس‭ ‬ورئيسه‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تقرصن‭ ‬كلية‭ ‬صلاحيات‭ ‬المجلس‭ ‬والرئيس‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القروي‭ ‬حيث‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬لا‭ ‬يلمون‭ ‬بأبجديات‭ ‬التسيير‭ ‬الإداري‭ ‬للجماعة‭. ‬وفي‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ ‬وعند‭ ‬وجود‭ ‬رؤساء‭ ‬ضعيفي‭ ‬الالمام‭ ‬بمجال‭ ‬تدبير‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬تبقى‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬وقراراته‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التنفيذ‭ ‬وبذلك‭ ‬يضيع‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬وإنما‭ ‬كذلك‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين‭. ‬

III‭. ‬خاتمة

إن‭ ‬تضمين‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬مكسبا‭ ‬هاما‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬بالمغرب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نفس‭ ‬الدستور‭ ‬سكت‭ ‬عن‭ ‬تحديد‭ ‬هذا‭ ‬المبدء‭ ‬ورسم‭ ‬حدوده‭. ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬وأفرغه‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬بإبداع‭ ‬صيغ‭ ‬كثيرة‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإدارية‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬لعب‭ ‬المشرع‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬نظرا‭ ‬لعدم‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬وسماحه‭ ‬بتمرير‭ ‬مقتضيات‭ ‬تجهضه‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬دسترة‭ ‬مبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬تبقى‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تترجم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكييف‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬عمل‭ ‬الجماعات‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المبدء‭ ‬إن‭ ‬نحن‭ ‬أردنا‭ ‬حقا‭ ‬التأسيس‭ ‬لعلاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬وجماعاتها‭ ‬الترابية،‭ ‬علاقات‭ ‬مبنية‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الاختصاصات‭ ‬خاصة‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الذاتية‭ ‬للجماعات،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يعاب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ “‬المولود‭ ‬الجديد‭” ‬ضمن‭ ‬قاموس‭ ‬القانون‭ ‬العام‭ ‬المغربي‭ ‬كونه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ضحية‭ ‬التأويلات‭ ‬والتشريعات‭ ‬المفسرة‭ ‬له‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬اعتماد‭ ‬القوانين‭ ‬التطبيقية‭ ‬والمراسيم‭ ‬والقرارات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتنزيله‭.‬

وهكذا‭ ‬يتبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أنه‭ ‬بإمكاننا‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬منطق‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬شروط‭ ‬إخضاعه‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬حلتها‭ ‬الحالية‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المراقبة‭ ‬تتعدى‭ ‬منطق‭ ‬مراقبة‭ ‬الشرعية‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬اختيارات‭ ‬المجلس‭ ‬واستقلاليته‭ ‬الإدارية‭ ‬والمالية‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التذرع‭ ‬بتدني‭ ‬مستوى‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬صلاحيات‭ ‬المجلس‭ ‬ورهنها‭ ‬بمساطر‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التأشيرة‭ ‬والموافقة‭ ‬الخ‭…‬

وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تشكل‭ ‬الوثيقة‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬المتعلق‭ ‬بالجماعات‭ ‬محطة‭ ‬نوعية‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬وتخول‭ ‬الجماعات‭ ‬صلاحيات‭ ‬محددة‭ ‬وتدبيرا‭ ‬حرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬يؤسس‭ ‬لمبادئ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬الفعلي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الترابي‭ ‬المحلي‭ ‬اقتداء‭ ‬بتجارب‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬بل‭ ‬يشكل‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬محطة‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تتطلب‭ ‬تطويرا‭ ‬مستمرا‭ ‬ومسترسلا‭.‬

ودفاعا‭ ‬عن‭ ‬مبدءا‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬كهدف‭ ‬أسمى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لديمقراطية‭ ‬محلية‭ ‬تجعل‭ ‬المواطن‭ ‬مركز‭ ‬اهتمامها‭ ‬بإشراكه‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬وتتبع‭ ‬وتنفيذ‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬المحلية‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬كرامة‭ ‬الساكنة‭ ‬ويحقق‭ ‬بين‭ ‬أفرادها‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتضامن،‭ ‬واحتراما‭ ‬لمبدأ‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭ ‬بصفته‭ ‬مبدأ‭ ‬دستوريا‭ ‬يسمو‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المقتضيات‭ ‬القانونية‭ ‬والتنظيمية،‭ ‬يجب‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬ملائمة‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬معه‭ ‬بشكل‭ ‬يحترم‭ ‬روح‭ ‬النص‭ ‬الدستوري‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬طلب‭ ‬مأسسة‭ ‬هذه‭ ‬الملائمة‭ ‬لن‭ ‬يستقبل‭ ‬بالورود‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فالملائمة‭ ‬حسب‭ ‬روح‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ ‬لن‭ ‬تتم‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬القائم،‭ ‬بل‭ ‬تتطلب‭ ‬صراعا‭ ‬ومرافعات‭ ‬قوية‭ ‬وذات‭ ‬نفس‭ ‬طويل‭. ‬والصراع‭ ‬يتطلب‭ ‬تواجد‭ ‬نخب‭ ‬سياسية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬ومؤمنة‭ ‬بضرورة‭ ‬التغيير‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المبدء‭ ‬الدستوري‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتدبير‭ ‬الحر‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النخب،‭ ‬عند‭ ‬توفرها،‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭:‬

‭-  ‬طرق‭ ‬باب‭ ‬التشريع‭ ‬قصد‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬113‭.‬14‭ ‬والقوانين‭ ‬الأخرى‭ ‬بهدف‭ ‬ملاءمتها‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المبدء؛

‭-  ‬مراقبة‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭ ‬بخصوص‭ ‬القوانين‭ ‬والمراسيم‭ ‬والقرارات‭ ‬التطبيقية‭ ‬والمنشورات‭ ‬والدوريات‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مواكبة‭ ‬عمل‭ ‬الجماعات؛

‭-  ‬مواكبة‭ ‬عمل‭ ‬المنتخبين‭ ‬المحليين‭ ‬قصد‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬الخروقات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬سلطات‭ ‬المراقبة؛

‭-  ‬طرق‭ ‬أبواب‭ ‬القضاء‭ ‬الإداري‭ ‬كلما‭ ‬برز‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬المس‭ ‬بمبدء‭ ‬التدبير‭ ‬الحر‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى