الحقوقية

الردة الحقوقية انتهاكات بطعم الماضي

◆ رشيد الإدريسي

تثار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬مغزى‭ ‬هذه‭ ‬التراجعات‭ ‬الماسة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬تراجعات‭ ‬حقوقية‭ ‬تتخذ‭ ‬طابعا‭ ‬شموليا،‭ ‬فمن‭ ‬منع‭ ‬مختلف‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬والتظاهر‭ ‬من‭ ‬وقفات‭ ‬واحتجاجات،‭ ‬ومواجهتها‭ ‬بالقوة‭ ‬والعنف‭ ‬والمتابعات‭ ‬القضائية،‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬المدونين‭ ‬وتقديمهم‭ ‬للمحاكمة،‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬النشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬والمناضلين‭ ‬والصحفيين‭ ‬ومحاكمتهم‭ ‬والزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬إلى‭ ‬التعاطي‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬الحركات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الواسعة،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬حراك‭ ‬الريف‭ ‬وجرادة‭ ‬وزاكورة‭.. ‬ومتابعة‭ ‬نشطاء‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬وإصدار‭ ‬أحكام‭ ‬ثقيلة‭ ‬في‭ ‬حقهم،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمعتقلي‭ ‬الحسيمة‭.‬

انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬مكاسب‭ ‬هشة‭ ‬وتوصيات‭ ‬معلقة

هذه‭ ‬الردة‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لتقويض‭ ‬كل‭ ‬مكتسبات‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬نتاج‭ ‬كفاحه‭ ‬المرير‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وأدى‭ ‬المناضلون‭  ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬الثمن‭ ‬غاليا،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬ظلت‭ ‬تاريخيا‭ ‬خاضعة‭ ‬للمد‭ ‬والجز‭ ‬ولموازين‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬التقدمية‭ ‬والنظام،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنها‭ ‬اتخذت‭ ‬طابعا‭ ‬دستورياً‭ ‬قويا،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬دستور‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالأساس،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬الدولة‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتأسيس‭ ‬هيئة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬لمعالجة‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬وجبر‭ ‬ضرر‭ ‬الضحايا،‭ ‬وقد‭ ‬أصدرت‭ ‬الهيئة‭ ‬تقريرها‭ ‬النهائي،‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬توصيات‭ ‬مهمة‭ ‬حول‭ ‬تدابير‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬والقضائي،‭ ‬هذه‭ ‬التوصيات‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬موضوع‭ ‬انشغال‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القوى‭ ‬الحقوقية‭ ‬واليسارية‭  ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬التقييمات‭ ‬المختلفة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬ومآلاته،‭ ‬وما‭ ‬لَحِقَه‭ ‬والقضايا‭ ‬التي‭ ‬لازالت‭ ‬عالقة‭ ‬وخصوصا‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكاملة‭ ‬حول‭ ‬ملف‭ ‬المختطفين،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬قضية‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭.‬

لقد‭ ‬شكل‭ ‬ملف‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬مهمة،‭ ‬أعادت‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمناضلين‭ ‬وضحايا‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬حيث‭ ‬وقف‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬على‭ ‬حقائق‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬الاستبداد‭ ‬والقمع‭ ‬والتسلط‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬وويلات‭ ‬ومعاناة‭ ‬وما‭ ‬سببه‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬في‭ ‬إعاقة‭ ‬طموحات‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬التبعية‭ ‬والتخلف‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭.  

وخلق‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬دينامية‭ ‬حقوقية‭ ‬وسياسية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬وإرساء‭ ‬الضمانات‭ ‬الدستورية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬والحقوقية‭ ‬لعدم‭ ‬تكرار‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬وإرساء‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حقيقة‭ ‬وتأسيس‭ ‬دولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬

الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬وسياسة‭ ‬الاحتواء

‭ ‬لقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬والتوصيات‭ ‬يعكس‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬الفعلية‭ ‬للحكم‭ ‬في‭ ‬استمرارية‭ ‬سياسة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والتحكم‭ ‬وتكريس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الواجهة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬المحمومة‭ ‬لأساليب‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬ومصادرة‭ ‬الحريات‭ ‬وخنق‭ ‬مختلف‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير،‭ ‬كمسعى‭ ‬لإرجاع‭ ‬عقارب‭ ‬الزمن‭ ‬للوراء،‭ ‬فالنظام‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حرج،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬أعطت‭ ‬زخما‭ ‬وقوة‭ ‬للمطالب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوقية‭ ‬للشعب‭ ‬المغربي،‭ ‬وأفشلت‭ ‬سعي‭ ‬النظام‭ ‬لتنزيل‭ ‬النموذج‭ ‬التونسي‭ ‬لبنعلي‭ ‬وسياسة‭ ‬الحزب‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬التهييء‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬2011،‭ ‬بعد‭ ‬إضعاف‭ ‬الأحزاب‭ ‬الوطنية‭ ‬والتي‭ ‬فقدت‭ ‬هويتها‭ ‬وقام‭ ‬النظام‭ ‬بإدماجها‭ ‬في‭ ‬منظومته‭ ‬وتوظيف‭ ‬نخبها‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬سياسته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬شكل‭ ‬الحراك‭ ‬منعطفا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬بما‭ ‬حمله‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬دينامية‭ ‬وحيوية‭ ‬في‭ ‬التأطير‭ ‬والتعبئة‭ ‬والمشاركة‭ ‬الواسعة‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي،‭ ‬والذي‭ ‬رفع‭ ‬شعارات‭ ‬ضد‭ ‬الفساد‭ ‬والاستبداد‭ ‬واحتكار‭ ‬السلطة‭ ‬والثروة‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬عاشته‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬ردة‭ ‬وسعي‭ ‬لخنق‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرجعية‭ ‬والقوى‭ ‬الامبريالية‭ ‬دور‭ ‬المنفذ،‭ ‬وقد‭ ‬وُظفت‭ ‬الحركات‭ ‬الأصولية‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬المنطقة‭ ‬وثرواتها‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬طبيعيا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬المضطربة‭ ‬بمحاولة‭ ‬تسويق‭ ‬أن‭ ‬الثورات‭ ‬والحركات‭ ‬الشعبية‭ ‬تساوي‭ ‬الفوضى‭ ‬والعنف‭ ‬واللااستقرار‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن،‭ ‬وأن‭ ‬الحرية‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬سوى‭ ‬الخراب‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬النظام‭  ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرجعية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭  ‬على‭ ‬التعبيرات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوقية،‭ ‬ولكل‭ ‬مكامن‭ ‬توهج‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬وقوى‭ ‬سياسية‭ ‬ومدنية،‭ ‬منطلقا‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬تاريخي‭ ‬وأن‭ ‬ديناميته‭ ‬لن‭ ‬تتوقف‭ ‬إلا‭ ‬بتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الحراك‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬مصالح‭ ‬قوى‭ ‬الفساد‭ ‬والاستبداد‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭. ‬لذلك‭ ‬استخدمت‭ ‬الدولة‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬والطرق‭ ‬لتطويق‭ ‬تلك‭ ‬الدينامية‭ ‬الشعبية‭ ‬وتلك‭ ‬التعبيرات‭ ‬الواسعة‭ ‬للمواطنين‭ ‬بمختلف‭ ‬الأشكال،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬كسر‭ ‬جدار‭ ‬الخوف‭ ‬واسترجع‭ ‬الشارع‭ ‬قوته‭ ‬وزخمه‭ ‬وبعده‭ ‬السلمي‭ ‬والحضاري،‭ ‬وحضور‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المطالب‭ ‬والتطلعات‭ ‬لتحقيق‭ ‬مجتمع‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والديمقراطية‭.‬

ملاحقة‭ ‬نشطاء‭ ‬20‭ ‬فبراير

لقد‭ ‬عملت‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬نشطاء‭ ‬ومناضلي‭ ‬حركة‭  ‬20‭ ‬فبراير،‭ ‬والذين‭ ‬لعبوا‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تأطير‭ ‬الحراك‭ ‬والتعبير‭ ‬عنه‭ ‬والتعريف‭ ‬به‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬واستعملت‭ ‬الأجهزة‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ملاحقة‭ ‬وحصار‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬البارزة،‭ ‬ونظمت‭ ‬حملات‭ ‬إعلامية‭ ‬ممنهجة‭  ‬لتشويه‭ ‬تلك‭ ‬الطاقات‭ ‬وتسفيهها‭ ‬واتخذت‭ ‬المتابعات‭ ‬والاعتقالات‭ ‬طابعا‭ ‬انتقاميا‭ ‬في‭ ‬سعي‭ ‬لتشويه‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬وتحطيمها‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬رصيدها،‭ ‬كما‭ ‬استخدم‭ ‬النظام‭ ‬أساليبه‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬الاستقطاب‭ ‬والإغراء‭ ‬ووظف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوسطاء‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬يافطات‭ ‬حقوقية‭ ‬ومدنية،‭ ‬والتي‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬السياسي‭ ‬والحقوقي‭ ‬والمدني‭ ‬بإمكانيات‭ ‬ووسائل‭ ‬مسخرة،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬كانت‭ ‬ممنهجة‭ ‬ومتناسقة‭ ‬فإن‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واليسارية،‭ ‬لم‭ ‬تهتم‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي‭ ‬بحماية‭ ‬هذه‭ ‬الطاقات‭ ‬الشابة،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬حملات‭ ‬القمع‭ ‬استهدفت‭ ‬كذلك‭ ‬مناضلي‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬وتعرضت‭ ‬أنشطته‭ ‬للحصار‭ ‬والمنع‭ ‬وشنت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬حملات‭ ‬ضد‭ ‬اليسار‭ ‬ورموزه‭ ‬وقياداته،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬ظل‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وفاضحا‭ ‬للنهج‭ ‬التسلطي‭ ‬والاستبدادي،‭ ‬ومنخرطا‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بمختلف‭ ‬المناطق‭ ‬ومدافعا‭ ‬عن‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع‭ ‬والاعتقال‭ ‬السياسي‭.‬

محاصرة‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية

لعبت‭ ‬تنظيمات‭ ‬اليسار‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والجمعوية‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬قد‭ ‬استعاد‭ ‬حيويته‭ ‬وديناميته‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬مطالب‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬ومناهضة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والفساد‭ ‬اتخذت‭ ‬طابعا‭ ‬شعبيا،‭ ‬فإن‭ ‬التنظيمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والمدنية‭ ‬لعبت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬حراكا‭ ‬شعبيا‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬قوى‭ ‬الاستبداد‭ ‬تتجه،‭ ‬والى‭ ‬محاصرتها‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة،‭ ‬هكذا‭ ‬ستتعرض‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لحملة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬القمع‭ ‬والمنع‭ ‬وحظر‭ ‬أنشطتها،‭ ‬وإثارة‭ ‬موضوع‭ ‬التمويل‭ ‬بغاية‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والإمكانيات‭ ‬المادية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسخرها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحماية‭ ‬والنهوض‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬لازالت‭ ‬متواصلة‭ ‬رغم‭ ‬حملات‭ ‬التضامن‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا،‭ ‬وهي‭ ‬حملة‭ ‬ترافقت‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الحقوقي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وإضعافه‭ ‬واختراقه‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬بلقنته‭ ‬وتمييعه،‭ ‬لقد‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬أحد‭ ‬مظاهر‭ ‬الردة‭ ‬الحقوقية،‭ ‬لأن‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تميزت‭ ‬بنشاطها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

المقاربة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية

أعطت‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬زخما‭ ‬للاحتجاج‭ ‬الشعبي‭ ‬ولكل‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬والتسلط‭  ‬والحكرة،‭ ‬وأطلقت‭ ‬دينامية‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالمجال‭ ‬الحضري‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬القروي‭ ‬أيضا‭ ‬ولدى‭ ‬كل‭ ‬الفئات،‭ ‬وتوجهت‭ ‬الأنظار‭ ‬للمعيش‭ ‬اليومي‭ ‬والحاجيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الشغل‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والسكن‭..‬،‭ ‬وتدبير‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬وطرحت‭ ‬قضايا‭ ‬العدالة‭ ‬ببعدها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمجالي،‭ ‬حيث‭ ‬وجهت‭ ‬سهام‭ ‬النقد‭ ‬لمظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬ونهب‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬والخصاص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المرافق‭ ‬والخدمات‭ ‬والبنيات‭ ‬التحتية‭ ‬والتدبير‭ ‬السلطوي‭ ‬للشأن‭ ‬المحلي،‭ ‬ولذلك‭ ‬توسعت‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬المناطق‭ ‬واتخذت‭ ‬طابعا‭ ‬قويا‭ ‬وزخما‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬وجرادة‭ ‬وزاكورة‭.. ‬وبدل‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬للدولة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬ا‭ ‬لحركات،‭ ‬التجأت‭ ‬للقمع‭ ‬والمقاربة‭ ‬الأمنية،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬متابعات‭ ‬ومحاكمات‭ ‬انتهت‭ ‬بإصدار‭ ‬أحكام‭ ‬قاسية‭ ‬أبرزها‭ ‬محاكمة‭ ‬نشطاء‭ ‬الريف‭ ‬الذين‭ ‬صدرت‭ ‬أحكام‭ ‬ضدهم‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬وأعادت‭ ‬الدولة‭ ‬سيناريهات‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬بالمغرب‭ ‬81‭ ‬و84‭ ‬و90‭ ‬كعنوان‭ ‬عريض‭ ‬على‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والتدبير‭ ‬السلطوي‭ ‬للقضايا‭ ‬المجتمعية‭.‬

السلطوية‭ ‬وجائحة‭ ‬كورونا

لقد‭ ‬استغلت‭ ‬السلطوية‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والصحية،‭ ‬وحملت‭ ‬معها‭ ‬أوضاعا‭ ‬قاسية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬والمواطنين‭ ‬في‭ ‬معيشتهم‭ ‬وظروفهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬خطيرة،‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬استغلال‭ ‬هاته‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬وجد‭ ‬المواطنون‭ ‬أنفسهم‭ ‬داخلها‭  ‬وفي‭ ‬وضع‭ ‬صعب،‭ ‬لتكريس‭ ‬السلطوية‭ ‬والقمع‭ ‬والتضييق‭ ‬واستخدام‭ ‬قانون‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬وعودة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬التدبير‭ ‬السلطوي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تهميش‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التدابير،‭ ‬ولقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالردة‭ ‬الحقوقية‭ ‬لإعادة‭ ‬ترسيخ‭ ‬مظاهر‭ ‬الخوف‭ ‬والترهيب‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المواطنين‭. 

استهداف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬والصحافة

لقد‭ ‬وضعت‭ ‬قوى‭ ‬الاستبداد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كهدف‭ ‬نظرا‭ ‬لأدوارها‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬أو‭ ‬التعبئة‭ ‬أو‭ ‬فضح‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬والظلم،‭ ‬وأصبح‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬الحاكمين‭ ‬وعلى‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والجماعات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والتواصل‭ ‬لأدوات‭ ‬رقابة‭ ‬وتأثير،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬إزعاج‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬يتعرضون‭ ‬للمحاسبة‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬وأصبح‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬وتأثير،‭ ‬ولذلك‭ ‬تحركت‭ ‬السلطوية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإصدار‭ ‬قوانين‭ ‬قمعية‭ ‬مستغلة‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة‭ ‬وخاصة‭ ‬قانون‭ ‬20‭/‬22‭ ‬حول‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬قدمته‭ ‬حكومة‭ ‬العثماني‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬الاتحادي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬والذي‭ ‬جوبه‭ ‬برفض‭ ‬شعبي‭ ‬قوي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سحبه‭ ‬مؤقتا‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وبالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬تواصل‭ ‬مسلسل‭ ‬قمع‭ ‬ومتابعة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدونين‭ ‬والمناضلين‭ ‬اليساريين‭ ‬والحقوقيين‭ ‬بسبب‭ ‬تدوينات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬سعي‭ ‬إلى‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬التعبير،‭ ‬والترهيب‭ ‬والتخويف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

ولم‭ ‬تفلت‭ ‬الصحافة‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬القمع‭ ‬حيث‭ ‬تعرض‭ ‬الصحفيون‭ ‬للتضييق‭ ‬والمتابعات‭ ‬القضائية‭ ‬بتهم‭ ‬مثيرة‭ ‬ومتشابهة،‭ ‬هدفها‭ ‬توجيه‭ ‬رسائل‭ ‬ترهيب‭ ‬واضحة‭ ‬للجسم‭ ‬الصحافي‭ ‬ككل،‭ ‬والذي‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أمام‭ ‬سيف‭ ‬المنع‭ ‬والحصار‭ ‬والخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬والرقابة‭ ‬وتحجيم‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬مؤسساته‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬صريح‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬الحرية‭ ‬والتعددية،‭ ‬حيث‭ ‬لاحظنا‭ ‬الحصار‭ ‬المضروب‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬وخصوصا‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واليسارية‭ ‬الحقة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬منظمة‭ ‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬للتعليق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬ب‭ “‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬وفي‭ ‬لرتبته‭ ‬المتأخرة‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬المرتبة‭ ‬133‭ ‬عالميا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭”. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تكتفي‭ ‬السلطة‭ ‬بذلك‭ ‬بل‭ ‬أطلقت‭ ‬العنان‭ ‬لبعض‭ ‬المواقع‭ ‬الإعلامية‭ ‬للتشهير‭ ‬وتسفيه‭ ‬المعارضين‭ ‬والحقوقيين‭ ‬واستهدافهم‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬سافر‭ ‬للقوانين‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬قوانين‭ ‬الصحافة‭.‬

‭ ‬

الوضع‭ ‬الحقوقي‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان

لقد‭ ‬عكست‭ ‬التقارير‭ ‬والبيانات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الوضع‭ ‬المقلق‭ ‬لأوضاع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ببلادنا،‭ ‬وعادت‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبقوة‭ ‬لأساليب‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬إنكار‭ ‬الحقائق‭ ‬وتسخير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لتسفيه‭ ‬تلك‭ ‬التقارير‭ ‬واعتبارها‭ ‬متحاملة،‭ ‬ونفي‭ ‬وجود‭ ‬معتقلين‭ ‬سياسيين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالعهد‭ ‬السابق،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬منهجية‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬تعتمد‭ ‬الحوار‭ ‬والتواصل‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومواكبة‭ ‬الدول‭ ‬وتتبع‭ ‬مدى‭ ‬احترامها‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬وتعهداتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصادقتها‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والصكوك‭ ‬الدولية‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬تتغنى‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬ببعض‭ ‬المكتسبات‭ ‬والإنجازات‭ ‬الحقوقية‭ ‬كتجربة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة،‭ ‬عادت‭ ‬نفس‭ ‬الأصوات‭ ‬لسياسة‭ ‬التجاهل‭ ‬والنفي‭ ‬وإخفاء‭ ‬الشمس‭ ‬بالغربال‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل،‭ ‬ولقد‭ ‬برز‭ ‬واضحا‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الذي‭ ‬تكرس‭ ‬أكثر‭ ‬بعد‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬وطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومندوبية‭ ‬ووزارة،‭ ‬وأصبح‭ ‬شغلها‭ ‬الشاغل‭ ‬هو‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التقارير‭ ‬والاصطدام‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬أمنيستي،‭ ‬بتجاهل‭ ‬ملاحظاتها‭ ‬وتوصياتها،‭ ‬في‭ ‬انتصار‭ ‬للمقاربة‭ ‬التي‭ ‬تحكمت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الردة‭ ‬الحقوقية،‭ ‬والتي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الدولية‭ ‬مواتية‭ ‬لتكريس‭ ‬استبداد‭ ‬الدولة‭.‬

الرهان‭ ‬الخاسر

إن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬القمع‭ ‬والتخويف‭ ‬والترهيب‭ ‬للسيطرة‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬المجتمعات‭ ‬وخدمة‭ ‬الفساد‭ ‬والاستبداد،‭ ‬هو‭ ‬رهان‭ ‬خاسر‭ ‬ويعاكس‭ ‬منطق‭ ‬التاريخ،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬المغربية‭ ‬تؤكد‭ ‬فشل‭ ‬سياسة‭ ‬القمع‭ ‬والتسلط‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬وقواه‭ ‬الحية‭ ‬حيث‭ ‬دفع‭ ‬مناضلوه‭ ‬الثمن‭ ‬غاليا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكرامة‭ ‬والحرية‭.‬

إن‭ ‬الاحتقان‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬بلادنا‭ ‬والأزمة‭ ‬العميقة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معالجتها‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬والتسلط،‭ ‬وإن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفنيدق‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬احتجاج‭ ‬شعبي‭ ‬واسع،‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬للحاكمين،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تجاهل‭ ‬قضايا‭ ‬الشعب‭ ‬وممارسة‭ ‬القمع‭ ‬والظلم‭ ‬والتهميش‭ ‬لن‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬سوى‭ ‬الرفض‭ ‬والتعبير‭ ‬عنه‭ ‬بمختلف‭ ‬الأشكال،‭ ‬وغير‭ ‬المتوقعة‭ ‬أحيانا‭.‬

إنه‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬مطالب‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬وقواه‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وإن‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المعتقلين‭ ‬السياسيين‭ ‬واحترام‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬المدخل‭ ‬الوحيد‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للاحتقان‭ ‬والأزمة‭ ‬المتفاقمة‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى