حوار مع رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لاركو بوبكر

المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الطيف‭ ‬الحقوقي،‭ ‬الذي‭ ‬امتلك‭ ‬مقاربة‭ ‬أكاديمية‭ ‬وترافعية‭ ‬خاصة،‭ ‬اعتمدت‭ ‬بعدا‭ ‬تشاركيا‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬للمنتدبة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬حاورنا‭ ‬رئيسها‭ ‬لفهم‭ ‬مقاربة‭ ‬المنظمة‭ ‬حول‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الصارخة‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬الساحة‭ ‬الحقوقية‭ ‬وموقف‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬تطوراتها‭ ‬الأخيرة‭.‬

‭  ‬تعيش‭ ‬بلادنا‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التراجعات‭  ‬تمس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات،‭ ‬وتجري‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحاكمات‭ ‬ضد‭ ‬المناضلين‭ ‬والنشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬والصحفيين،‭ ‬كيف‭ ‬تفسرون‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬؟‭ ‬وما‭ ‬علاقته‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬ثورات‭ ‬مضادة‭.. ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬حراكات‭ ‬شعبية‭ ‬؟

لابد‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬السياق‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬عاشه‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بخصوص‭ ‬وضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عامة‭ ‬قبل‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬عرف‭ ‬تراجعا‭ ‬للمد‭ ‬الحقوقي‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وذلك‭ ‬بانسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬آليات‭ ‬دولية‭ ‬كمجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬واليونيسكو‭ ‬وغيرها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حجب‭ ‬التمويل‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬كثيرة‭ ‬عرفت‭ ‬مواجهات‭ ‬عنيفة‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والسلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬دولا‭ ‬بدأت‭ ‬تراجع‭ ‬قوانينها‭ ‬بخصوص‭ ‬حرية‭ ‬التظاهر‭ ‬وحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وكذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لحقوق‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرين‭..‬

هذا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬نجد‭ ‬دولا‭ ‬عرفت‭ ‬مواجهات‭ ‬دامية‭ ‬ساهمت‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬مثل‭ ‬العراق،‭ ‬سوريا،‭ ‬ليبيا‭..‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬على‭ ‬وضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مقياس‭ ‬لتحديد‭ ‬التراجع‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬وكذا‭ ‬ماهي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬منطلقا‭ ‬لهذه‭ ‬المقارنة،‭ ‬إذ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الآن‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص،‭ ‬وهنا‭ ‬أقول‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬فارق،‭ ‬ربما‭ ‬يمكن‭ ‬المقارنة‭ ‬مع‭ ‬فترة‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭ ‬استهدفت‭ ‬في‭ ‬بدايته،‭ ‬وكذا‭ ‬المحاكمات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬مئات‭ ‬المعتقلين‭ ‬بعد‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بالبيضاء،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬نجد‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬إقليم‭ ‬الحسيمة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬محسن‭ ‬فكري‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬المنطقة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬غير‭ ‬المنقطعة‭ ‬لمدة‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭ ‬دون‭ ‬تسجيل‭ ‬تدخلات‭ ‬للقوات‭ ‬العمومية‭ ‬باستثناء‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أمزرون،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬ناصر‭ ‬الزفزافي‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬لتوقيف‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬توقيفه،‭ ‬هذا‭ ‬التوقيف‭ ‬الذي‭ ‬واجهه‭ ‬شباب‭ ‬الحسيمة‭ ‬بالحجارة،‭ ‬إن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬مجتمع‭ ‬حي‭ ‬فعدد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬من‭ ‬الوقفات‭ ‬والمسيرات‭ ‬المسجلة‭ ‬سنويا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬آلاف،‭  ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬أو‭ ‬تفرق‭ ‬بالقوة،‭ ‬فنحن‭ ‬الآن‭ ‬ورغم‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬تدابير‭ ‬الطوارئ‭ ‬الصحية‭ ‬نجد‭ ‬بأن‭ ‬حركية‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬موجودة‭.‬

وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسجل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬استهداف‭ ‬بعض‭ ‬الوقفات‭ ‬أو‭ ‬التجمعات‭ ‬والاجتماعات،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تراجع‭ ‬ماهي‭ ‬الأسباب‭ ‬والدواعي‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التمييز؟‭ ‬يجب‭ ‬حلحلة‭ ‬الموضوع‭ ‬لإيجاد‭ ‬أجوبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المرافعة‭ ‬لحل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإشكاليات،‭ ‬وهذا‭ ‬يسرى‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات‭ ‬ووصولات‭ ‬الإيداع،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إقرارا‭ ‬رسميا‭ ‬بوجود‭ ‬هذه‭ ‬الاختلالات،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬المرافعة‭ ‬والضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحيين‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات‭ ‬والتظاهر‭ ‬والتجمع‭ ‬السلميين،‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬راكمته‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإعمالا‭ ‬للاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬والمقتضيات‭ ‬الدستورية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التدابير‭ ‬والإجراءات‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬العمل‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬المضادة‭ ‬فهل‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬عرف‭ ‬ثورات‭ ‬فعلا؟‭ ‬هي‭ ‬احتجاجات‭ ‬مدعمة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغرب‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية،‭ ‬ثم‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬وبالمرتزقة‭ ‬لإسقاط‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬إسقاطها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬هل‭ ‬تونس‭ ‬عرفت‭ ‬ثورة‭ ‬بقيادة‭ ‬لها‭ ‬تصور‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬إقامتها؟

الجواب‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬فإنها‭ ‬لازالت‭ ‬تعيش‭ ‬مخاضا‭ ‬يصعب‭ ‬التكهن‭ ‬بمستقبله،‭ ‬والمجال‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لتتبع‭ ‬جميع‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬أسمتها‭ ‬حينئذ‭ ‬بالفوضى‭ ‬الخلاقة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬أعبر‭ ‬عن‭ ‬أسفي‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬والمعطوبين‭ ‬والمعطوبات‭ ‬والمهجرات‭ ‬والمهجرين‭ ‬واللاجئات‭ ‬واللاجئين‭ ‬ضحايا‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬لكن‭ ‬التاريخ‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭.‬

‭  ‬تنوعت‭ ‬أساليب‭ ‬القمع‭ ‬واتخذت‭ ‬المتابعات‭ ‬القضائية‭ ‬ضد‭ ‬النشطاء‭ ‬والحقوقيين‭ ‬والصحفيين‭ ‬صيغا‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬حملات‭ ‬من‭ ‬التعتيم‭ ‬والتضليل‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬بعض‭ ‬الأوساط‭ ‬الإعلامية،‭ ‬كيف‭ ‬تقيمون‭ ‬كمنظمة‭ ‬حقوقية‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬؟‭ ‬وما‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭  ‬تقوية‭ ‬وتعزيز‭ ‬محيط‭ ‬سياسي‭ ‬وإعلامي‭ ‬وثقافي‭ ‬مناصر‭ ‬لقيم‭ ‬الحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬؟

السؤال‭ ‬الثاني‭ ‬مرتبط‭ ‬بالأول‭ ‬خاصة‭ ‬باستعمالك‭ ‬كلمة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬بالمقارنة،‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص‭ ‬وبين‭ ‬2011‭ ‬و2020‭ ‬أو‭ ‬2021‭ ‬يصعب‭ ‬إعطاء‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬حكم‭ ‬قيمة‭.‬

أما‭ ‬بالسنية‭ ‬للتعتيم‭ ‬والتضليل‭ ‬والتشهير‭ ‬فإن‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وظفت‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين،‭ ‬وقد‭ ‬نبهنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬كما‭ ‬تدين‭ ‬تدان،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبرأ‭ ‬أحدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لقد‭ ‬أدانت‭ ‬المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬ضد‭ ‬الضحايا‭ ‬أو‭ ‬معهم‭.‬

إن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فكرة‭ ‬ليبرالية‭ ‬إصلاحية‭ ‬وليس‭ ‬ثورية،‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وآلياتها‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬أداة‭ ‬لمساعدة‭ ‬الحكومات‭ ‬لحل‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الإنسان‭ ‬وإعطاء‭ ‬البدائل‭ ‬والتوصيات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقييم‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المناحي‭ ‬سياسة،‭ ‬مدنية،‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬وبيئية‭..‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ورصد‭ ‬الاختلالات‭ ‬والانتهاكات‭ ‬والمرافعة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جبر‭ ‬الأضرار‭ ‬وإحقاق‭ ‬الحقوق،‭ ‬إن‭ ‬النهوض‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيخلق‭ ‬جمهورا‭ ‬متشبعا‭ ‬بها‭ ‬يمكن‭ ‬بواسطته‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬بمفردها‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬فعلى‭ ‬القوى‭ ‬الحداثية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والمؤمنة‭ ‬بكونية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬وأيضا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إدماج‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ضمن‭ ‬المناهج‭ ‬التربوية‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬للتعلم‭ ‬إلى‭ ‬سلك‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وهذا‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬السؤال‭ ‬الثالث‭ ‬أيضا،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬تمييع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬ومن‭ ‬دعاتها‭ ‬بطرق‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬بتسفيه‭ ‬المكتسبات‭ ‬التي‭ ‬ضحت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬عدة‭ ‬أجيال،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تمنح‭ ‬قط،‭ ‬بل‭ ‬ناضلت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

‭ ‬تتيح‭ ‬الآليات‭ ‬الدولية‭ ‬التعاقدية‭ ‬وغير‭ ‬التعاقدية‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬هل‭ ‬تشتغل‭ ‬المنظمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الورش؟

لقد‭ ‬كانت‭ ‬المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬سباقة‭ ‬لتقديم‭ ‬التقارير‭ ‬الموازية‭ ‬للآليات‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1991،‭ ‬حيث‭ ‬قدمت‭ ‬للجنة‭ ‬مناهضة‭ ‬التعذيب‭ ‬تقريرا‭ ‬موازيا‭ ‬للتقرير‭ ‬الحكومي،‭ ‬تلته‭ ‬تقارير‭ ‬موازية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬سنة‭ ‬1994‭ -‬2004‭ ‬و2016‭ ‬والمتربطة‭ ‬بالعهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وكذا‭ ‬الاستعراض‭ ‬الدوري‭ ‬الشامل‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تقييم‭ ‬المنظمة‭ ‬لأدوار‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬الرسميين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬انتكاسة‭ ‬حقوقية؟

  ‬إذا‭ ‬كنتم‭ ‬تقصدون‭ ‬هيئات‭ ‬الحماية‭ ‬كالمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والوسيط‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬فالتقييم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬إنتاجاتها‭ ‬وآرائها‭ ‬وتوصياتها‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بخصوص‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬وكذا‭ ‬تقرير‭ ‬الوسيط‭ ‬لسنة‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اقتراحات‭ ‬وتوصيات‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭.‬

هناك‭ ‬نقط‭ ‬قوة‭ ‬ونقط‭ ‬ضعف،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬هناك‭ ‬اجتهادات‭ ‬وتفاعل‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬مؤسسات‭ ‬استشارية‭ ‬وعلى‭ ‬الفاعل‭ ‬السياسي‭ ‬والحكومي‭ ‬إعمال‭ ‬التوصيات‭ ‬الموصى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭.‬

أما‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية‭ ‬الأساسية‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬المندوبية‭ ‬الوزارية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬بمهامها‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬التأخير‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬التقارير‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬التعاقدية،‭ ‬وهي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قيامها‭ ‬بالنهوض‭ ‬بكل‭ ‬ماله‭ ‬علاقة‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬التعاقدية‭ ‬وصياغة‭ ‬التقارير‭ ‬والتقارير‭ ‬الموازية‭.‬

كما‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬بتقديم‭ ‬المقترحات‭ ‬والتوصيات‭ ‬التي‭ ‬تستقيهما‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬ومن‭ ‬إنتاج‭ ‬الندوات‭ ‬والمناظرات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬اختصاصات‭.‬

‭ ‬تواجه‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬تحديات‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬توحيد‭ ‬جهودها‭ ‬وتفعيل‭ ‬أدوارها‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إقرار‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ماهي‭ ‬في‭ ‬نظركم‭ ‬السبل‭ ‬والوسائل‭ ‬لربح‭ ‬رهان‭ ‬وحدة‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬وتقوية‭ ‬حضورها‭ ‬وفعاليتها؟

‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬الاختلاف‭ ‬رحمة،‭ ‬فالمقارنة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وعملنا‭ ‬لسنوات‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬إطارات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وحاولنا‭ ‬أن‭ ‬نفرز‭ ‬التقارب‭ ‬في‭ ‬مقارباتنا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للمنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬محدد‭ ‬والترافع‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬موضوعين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬يشرف‭ ‬كل‭ ‬تنظيم‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المواضيع‭.‬

‭ ‬اشتغلت‭ ‬المنظمة‭ ‬ومعها‭ ‬الطيف‭ ‬الحقوقي‭ ‬على‭ ‬تدابير‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬وانتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬والضمانات‭ ‬الدستورية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية،‭ ‬ماهي‭ ‬حصيلة‭ ‬هذا‭ ‬الورش‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الاكراهات‭ ‬التي‭ ‬تواجهه؟

اشتغلنا‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬تدابير‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬والضمانات‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية،‭ ‬وكانت‭ ‬مذكرة‭ ‬المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المقدمة‭ ‬للجنة‭ ‬التي‭ ‬راجعت‭ ‬الدستور‭ ‬أهم‭ ‬وثيقة‭ ‬قدمت‭ ‬كمذكرة،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬رافعت‭ ‬منذ‭ ‬تقديم‭ ‬التقرير‭ ‬الختامي‭ ‬لهيئة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬على‭ ‬توصيات‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬والمتمثلة‭ ‬كمثال‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬صمت‭ ‬وغموض‭ ‬يحيطان‭ ‬بالآلية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالوقاية‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القانون‭ ‬الجديد‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كآلية‭ ‬داخلية،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬بماذا‭ ‬تفسرون‭ ‬ذلك‭ ‬؟

بخصوص‭ ‬الآلية‭ ‬الوطنية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالوقاية‭ ‬من‭ ‬التعذيب،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬بأن‭ ‬عملها‭ ‬جسيم‭ ‬وكبير‭ ‬إذ‭ ‬عليها‭ ‬أولا‭ ‬مراجعة‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬لتفادي‭ ‬كل‭ ‬الثغرات‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬بخصوص‭ ‬الموضوع،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬عليها‭ ‬القيام‭ ‬بزيارات‭ ‬ميدانية‭ ‬لمراكز‭ ‬الاحتجاز‭ ‬من‭ ‬سجون‭ ‬ومراكز‭ ‬الدرك‭ ‬ومخافر‭ ‬الشرطة‭ ‬والمحاكم‭ ‬ومستشفيات‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين‭ ‬وغيرها،‭ ‬لتعطي‭ ‬أولى‭ ‬توصياتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬الاحتجاز‭ ‬والاعتقال،‭ ‬وبعدها‭ ‬ستبدأ‭ ‬بزياراتها‭ ‬الفجائية‭ ‬لهذه‭ ‬المراكز‭ ‬لكي‭ ‬تصوغ‭ ‬تقارير‭ ‬حولها‭ ‬لتمد‭ ‬بها‭ ‬السلطات‭ ‬المعنية‭ ‬واللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذه‭ ‬الآلية،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬عليها‭ ‬القيام‭ ‬بمعية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بالنهوض‭ ‬بثقافة‭ ‬مناهضة‭ ‬التعذيب،‭ ‬أما‭ ‬تقاريرها‭ ‬السنوية‭ ‬ستأتي‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬ذلك‭. ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬اختصاصا‭ ‬أولا‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وبين‭ ‬طابع‭ ‬الآلية‭ ‬الوقائي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى