حوار مع رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لاركو بوبكر
المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، جزء من الطيف الحقوقي، الذي امتلك مقاربة أكاديمية وترافعية خاصة، اعتمدت بعدا تشاركيا مع المؤسسات الرسمية للمنتدبة في مجال حقوق الإنسان، حاورنا رئيسها لفهم مقاربة المنظمة حول الانتهاكات الصارخة التي تعرفها الساحة الحقوقية وموقف المنظمة من تطوراتها الأخيرة.
تعيش بلادنا منذ مدة سلسلة من التراجعات تمس حقوق الإنسان والحريات، وتجري عدد من المحاكمات ضد المناضلين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين، كيف تفسرون ما يقع ؟ وما علاقته بما يجري من ثورات مضادة.. في عدد من الدول في المنطقة العربية التي عرفت حراكات شعبية ؟
لابد في البداية من الإشارة إلى السياق العام الذي عاشه العالم خلال الأربع سنوات الأخيرة، بخصوص وضعية حقوق الإنسان عامة قبل الرجوع إلى المغرب، إذ أن العالم بأسره عرف تراجعا للمد الحقوقي الذي عرفه من قبل، وذلك بانسحاب الولايات المتحدة من عدة آليات دولية كمجلس حقوق الإنسان واليونيسكو وغيرها، إلى جانب حجب التمويل عن منظمة الصحة العالمية.. كما أن دولا كثيرة عرفت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والسلطات الأمنية بل إن دولا بدأت تراجع قوانينها بخصوص حرية التظاهر وحرية الصحافة وكذا بالنسبة لحقوق اللاجئين والمهاجرين..
هذا من جهة ومن جهة ثانية نجد دولا عرفت مواجهات دامية ساهمت فيها بعض الدول مثل العراق، سوريا، ليبيا..
هذا الوضع أثر بشكل من الأشكال على وضعية حقوق الإنسان في المغرب، رغم أنه لا يوجد مقياس لتحديد التراجع من عدمه وكذا ماهي الفترة التي تعتبر منطلقا لهذه المقارنة، إذ هناك من يذهب إلى القول أن الأوضاع الآن أسوأ من سنوات الرصاص، وهنا أقول أنني لا أتفق مع ذلك لأنه لا مقارنة مع وجود فارق، ربما يمكن المقارنة مع فترة العهد الجديد، ولكن في مجال الصحافة استهدفت في بدايته، وكذا المحاكمات التي طالت مئات المعتقلين بعد العمليات الإرهابية بالبيضاء، بالنسبة للحركة الاحتجاجية نجد ما عرفه إقليم الحسيمة بعد وفاة محسن فكري فقد عرفت المنطقة سلسلة من الاحتجاجات غير المنقطعة لمدة 6 أشهر أو يزيد دون تسجيل تدخلات للقوات العمومية باستثناء ما حدث في أمزرون، إلى أن قام ناصر الزفزافي بالدخول إلى المسجد لتوقيف خطبة الجمعة الشيء الذي استدعى توقيفه، هذا التوقيف الذي واجهه شباب الحسيمة بالحجارة، إن المجتمع المغربي مجتمع حي فعدد الاحتجاجات من الوقفات والمسيرات المسجلة سنويا تصل إلى أكثر من 10 آلاف، قلة قليلة منها هي التي تمنع أو تفرق بالقوة، فنحن الآن ورغم القوانين التي تنص على تدابير الطوارئ الصحية نجد بأن حركية الاحتجاجات موجودة.
وانطلاقا من ذلك يمكن أن نسجل أن هناك استهداف بعض الوقفات أو التجمعات والاجتماعات، فهل هناك أمام كل هذا تراجع ماهي الأسباب والدواعي التي أدت إلى هذا التمييز؟ يجب حلحلة الموضوع لإيجاد أجوبة من أجل المرافعة لحل مثل هذه الإشكاليات، وهذا يسرى على تأسيس الجمعيات ووصولات الإيداع، إذ أن هناك إقرارا رسميا بوجود هذه الاختلالات، ولابد من المرافعة والضغط من أجل تحيين القوانين التي تهم تأسيس الجمعيات والتظاهر والتجمع السلميين، تماشيا مع ما راكمته بلادنا من جهة، وإعمالا للاتفاقيات الدولية والمقتضيات الدستورية بالإضافة إلى التدابير والإجراءات التي جاءت في خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أما عن الثورة المضادة فهل الربيع العربي عرف ثورات فعلا؟ هي احتجاجات مدعمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وعدد من الأنظمة العربية، ثم دعم عسكري وبالمرتزقة لإسقاط بعض الأنظمة أو محاولة إسقاطها في كل من سوريا وليبيا، هل تونس عرفت ثورة بقيادة لها تصور للدولة التي تريد إقامتها؟
الجواب هو أنه رغم مرور عشر سنوات فإنها لازالت تعيش مخاضا يصعب التكهن بمستقبله، والمجال لا يسمح لتتبع جميع الحركات الاحتجاجية التي تدخل في إطار السياسية الأمريكية التي أسمتها حينئذ بالفوضى الخلاقة، وفي هذا الإطار أعبر عن أسفي من آلاف القتلى والجرحى والمعطوبين والمعطوبات والمهجرات والمهجرين واللاجئات واللاجئين ضحايا هذه الاحتجاجات دون تحقيق أهدافها لكن التاريخ لن يتوقف.
تنوعت أساليب القمع واتخذت المتابعات القضائية ضد النشطاء والحقوقيين والصحفيين صيغا غير مسبوقة، وذلك بالتزامن مع حملات من التعتيم والتضليل التي تنتهجها بعض الأوساط الإعلامية، كيف تقيمون كمنظمة حقوقية هذه الظاهرة ؟ وما العمل من أجل تقوية وتعزيز محيط سياسي وإعلامي وثقافي مناصر لقيم الحرية وحقوق الإنسان ؟
السؤال الثاني مرتبط بالأول خاصة باستعمالك كلمة غير مسبوقة، في تاريخ المغرب بالمقارنة، مع سنوات الرصاص وبين 2011 و2020 أو 2021 يصعب إعطاء هذا التوصيف الذي يعتبر حكم قيمة.
أما بالسنية للتعتيم والتضليل والتشهير فإن وسائل الاتصال الاجتماعي وظفت من كلا الطرفين، وقد نبهنا إلى ذلك لأنه كما يقال كما تدين تدان، ولا يمكن أن نبرأ أحدا في هذا المجال لقد أدانت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مثل ذلك سواء كانت ضد الضحايا أو معهم.
إن حقوق الإنسان فكرة ليبرالية إصلاحية وليس ثورية، والأمم المتحدة وآلياتها جعلت من المجتمع المدني أداة لمساعدة الحكومات لحل المشاكل التي يعاني منها الإنسان وإعطاء البدائل والتوصيات من خلال تقييم السياسات العمومية في جميع المناحي سياسة، مدنية، اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية..
إلى جانب نشر ثقافة حقوق الإنسان ورصد الاختلالات والانتهاكات والمرافعة من أجل جبر الأضرار وإحقاق الحقوق، إن النهوض بحقوق الإنسان هو الذي سيخلق جمهورا متشبعا بها يمكن بواسطته مواجهة أي تراجع في هذا المضمار، وهنا لابد من الإشارة إلى أن المنظمات الحقوقية لا تستطيع بمفردها القيام بذلك، فعلى القوى الحداثية والديمقراطية والمؤمنة بكونية حقوق الإنسان أن تساهم في ذلك داخل الأحزاب والنقابات وأيضا لا بد من إدماج حقوق الإنسان ضمن المناهج التربوية من السنوات الأولى للتعلم إلى سلك الدكتوراه، وهذا يجيب على جزء مهم من السؤال الثالث أيضا، خاصة وأن تمييع حقوق الإنسان يمكن أن يكون أيضا من الحركة الحقوقية ومن دعاتها بطرق مباشرة أو غير مباشرة بتسفيه المكتسبات التي ضحت من أجلها عدة أجيال، حيث لم تمنح قط، بل ناضلت من أجلها.
تتيح الآليات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية لحماية حقوق الإنسان عددا من الإمكانيات للدفاع عن حقوق الإنسان، هل تشتغل المنظمة على هذا الورش؟
لقد كانت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سباقة لتقديم التقارير الموازية للآليات الدولية منذ سنة 1991، حيث قدمت للجنة مناهضة التعذيب تقريرا موازيا للتقرير الحكومي، تلته تقارير موازية مرتبطة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1994 -2004 و2016 والمتربطة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكذا الاستعراض الدوري الشامل.
ما هو تقييم المنظمة لأدوار بعض الفاعلين الرسميين في مجال حقوق الإنسان في ما نعيشه من انتكاسة حقوقية؟
إذا كنتم تقصدون هيئات الحماية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط وغيرهما من الهيئات فالتقييم يجب أن ينطلق من إنتاجاتها وآرائها وتوصياتها ولا أدل على ذلك ما جاء به تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص سنة 2019، وكذا تقرير الوسيط لسنة 2020 إلى جانب اقتراحات وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
هناك نقط قوة ونقط ضعف، لكن على العموم هناك اجتهادات وتفاعل مع جميع القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان وهي في آخر المطاف مؤسسات استشارية وعلى الفاعل السياسي والحكومي إعمال التوصيات الموصى بها من طرف مثل هذه الهيئات.
أما المؤسسة الرسمية الأساسية والمتمثلة في المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان فهي تقوم بمهامها رغم وجود بعض التأخير بالنسبة لبعض التقارير المرتبطة بالاتفاقيات التعاقدية، وهي تعبر عن رأي الحكومة في هذا الشأن إلى جانب قيامها بالنهوض بكل ماله علاقة بالاتفاقيات التعاقدية وصياغة التقارير والتقارير الموازية.
كما أنها تقوم بتقديم المقترحات والتوصيات التي تستقيهما من المنظمات الحقوقية ومن إنتاج الندوات والمناظرات التي تقوم بها بشراكة مع هذه المنظمات.
ولا يمكن أن نطلب منها أكثر مما لها من اختصاصات.
تواجه الحركة الحقوقية تحديات حقيقية على مستوى توحيد جهودها وتفعيل أدوارها داخل المجتمع ومن أجل إقرار حقوق الإنسان، ماهي في نظركم السبل والوسائل لربح رهان وحدة الحركة الحقوقية وتقوية حضورها وفعاليتها؟
كما يقال في الاختلاف رحمة، فالمقارنة تختلف من منظمة إلى أخرى، وعملنا لسنوات معا في إطارات مختلفة، وحاولنا أن نفرز التقارب في مقارباتنا إلا أنه لم ننجح في ذلك، ولكن المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان خلص إلى ضرورة العمل حول قضية معينة أو موضوع محدد والترافع من أجله والانتقال إلى الآخر، ويمكن أن نعمل على موضوعين أو ثلاث في آن واحد على أساس أن يشرف كل تنظيم على أحد هذه المواضيع.
اشتغلت المنظمة ومعها الطيف الحقوقي على تدابير عدم تكرار وانتهاكات الماضي والضمانات الدستورية والسياسية والقانونية، ماهي حصيلة هذا الورش وما هي الاكراهات التي تواجهه؟
اشتغلنا كثيرا على موضوع تدابير عدم تكرار انتهاكات الماضي والضمانات الدستورية والقانونية، وكانت مذكرة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان المقدمة للجنة التي راجعت الدستور أهم وثيقة قدمت كمذكرة، حيث أن المنظمة رافعت منذ تقديم التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة على توصيات هذا التقرير والمتمثلة كمثال في عدم الإفلات من العقاب.
هناك صمت وغموض يحيطان بالآلية الخاصة بالوقاية من التعذيب التي أصبحت من خلال القانون الجديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كآلية داخلية، وأصبحنا لا نسمع عنها أي شيء، بماذا تفسرون ذلك ؟
بخصوص الآلية الوطنية الخاصة بالوقاية من التعذيب، يجب أن نعرف بأن عملها جسيم وكبير إذ عليها أولا مراجعة الترسانة القانونية لتفادي كل الثغرات الممكن أن توجد فيها بخصوص الموضوع، كما أنه عليها القيام بزيارات ميدانية لمراكز الاحتجاز من سجون ومراكز الدرك ومخافر الشرطة والمحاكم ومستشفيات المرضى النفسيين وغيرها، لتعطي أولى توصياتها من أجل تحسين ظروف الاحتجاز والاعتقال، وبعدها ستبدأ بزياراتها الفجائية لهذه المراكز لكي تصوغ تقارير حولها لتمد بها السلطات المعنية واللجنة الدولية الخاصة بهذه الآلية، من جهة أخرى عليها القيام بمعية المجتمع المدني بالنهوض بثقافة مناهضة التعذيب، أما تقاريرها السنوية ستأتي فيما بعد إذا اقتضى الأمر ذلك. وهنا لابد من التمييز بين الحماية من التعذيب الذي يبقى اختصاصا أولا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وبين طابع الآلية الوقائي.