التدبير المفوض يقتل من طنجة إلى الفنيدف

◆ ساجي عبد الرحمان

شهدت طنجة قبل أيام في مشهد درامي مأساوي كارثة بكل المقاييس حيث توفي أزيد من 25 عاملة وعامل، أغلبهم في مقتبل العمر، مشهد يثير، كما في التراجيديا، الكثير من الانفعالات لدى الجمهور مثل الخوف والشفقة، انفعالات تهدف، في سياق المسرح، إلى تطهير نفوس الجمهور، غير أن مأساة طنجة هي حقيقة واقعة ومختلفة لا تطهر النفوس وإنما تعكر صفوها وتفرض سوداوية معينة على الأمزجة وتفطر الأفئدة.

إنها‭ ‬واقعة‭ ‬مثل‭ ‬سابقاتها‭ ‬وربما‭ ‬لاحقاتها‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬منسوب‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مطلوب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬كسب‭ ‬رهان‭ ‬المصالحة‭ ‬والثقة‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اشتداد‭ ‬الأزمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬هي‭ ‬فاجعة‭ ‬لها‭ ‬عناصرها‭ ‬المادية‭ ‬ومسبباتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والإدارية‭ ‬المنظومة‭ ‬بخيط‭ ‬الفساد‭ ‬المتعدد‭.‬

نعتت‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬بطنجة‭ ‬في‭ ‬بلاغ‭ ‬لها‭ ‬المعمل‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬أطوار‭ ‬الكارثة‭ ‬ب‭ “‬السري‭”‬،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النعت‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬محاولة‭ ‬للتنصل‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية،‭ ‬بحكم‭ ‬التقصير‭ ‬الظاهر‭ ‬والممارسة‭ ‬المختلة‭ ‬لاختصاصات‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬والسلطة‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشرطة‭ ‬الإدارية‭ ‬ومقتضيات‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتدبير‭ ‬المفوض‭ ‬للمرافق‭ ‬العامة‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬فقد‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬المعمل‭ “‬السري‭” ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬سجل‭ ‬تجاري‭ ‬وعقد‭ ‬كراء‭ ‬مبرم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المكتري‭ ‬باعتباره‭ ‬صاحب‭ ‬المعمل‭ ‬والمكري‭ ‬باعتباره‭ ‬مالك‭ ‬المسكن‭ ‬الواقع‭ ‬بتجزئة‭ ‬إناس‭ ‬بطريق‭ ‬الرباط،‭ ‬حرر‭ ‬بتاريخ‭ ‬26‭ ‬يناير‭ ‬2017‭ ‬وسجل‭ ‬لدى‭ ‬مصلحة‭ ‬التصديق‭ ‬على‭ ‬الإمضاءات‭.‬

وينص‭ ‬العقد‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مزاولة‭ ‬خياطة‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة‭ ‬مقابل‭ ‬سومة‭ ‬كرائية‭ ‬شهرية‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬درهم،‭ ‬أما‭ ‬السجل‭ ‬التجاري‭ ‬للشركة،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬شقيق‭ ‬صاحب‭ ‬المعمل،‭ ‬فيحمل‭ ‬اسم‭ ‬A&M Confection‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬نوعية‭ ‬النشاط‭ ‬الصناعي‭ ‬المزاول‭.‬

هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬وثيقة‭ ‬الاشتراك‭ ‬الكهربائي‭ ‬المهني‭ ‬التي‭ ‬بمقتضاها‭ ‬يتم‭ ‬تزويد‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أمانديس‭ ‬بالتيار‭ ‬المرتفع‭ ‬الضروري‭ ‬لتشغيل‭ ‬اليات‭ ‬النشاط‭ ‬الصناعي،‭ ‬بعد‭ ‬تقديم‭ ‬عقد‭ ‬الكراء‭ ‬والسجل‭ ‬التجاري‭.‬

وقد‭ ‬عرف‭ ‬المصنع‭ ‬أيضا‭ ‬معاينة‭ ‬اللجنة‭ ‬المختلطة‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬أقسام‭ ‬الجماعة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحفظ‭ ‬الصحة‭ ‬وبالتعمير‭ ‬وبالشؤون‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ووكالة‭ ‬المداخيل‭ ‬المعنية‭ ‬وممثل‭ ‬الوقاية‭ ‬المدنية‭ ‬وممثل‭ ‬السلطة‭ ‬المحلية‭. ‬فكيف‭ ‬يستقيم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات؟‭ ‬إنها‭ ‬سرية‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬لأنها‭ ‬مدرة‭ ‬للدخل‭ ‬الفاسد‭ ‬وأساس‭ ‬للإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬باستغلال‭ ‬بشع‭ ‬لوضعية‭ ‬العمال‭ ‬المزرية‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬أرواحهم‭ ‬الطاهرة،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬تكذيب‭ ‬فكرتنا‭ ‬فليقدم‭ ‬شرحا‭ ‬واضحا‭ ‬يبين‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬إبداء‭ ‬اللجنة‭ ‬المختلطة‭ ‬لرأيها‭ ‬وملاحظاتها‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬ومختلف‭ ‬النصوص‭ ‬الجاري‭ ‬بها‭ ‬العمل‭ ‬لاسيما‭ ‬المتعلقة‭ ‬بشروط‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭!‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقنعنا‭ ‬أحد‭ ‬بوجود‭ ‬أمر‭ ‬سري‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ “‬التبركيكة‭ ‬السخونة‭” ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬جوهر‭ ‬فلسفة‭ ‬عمل‭ ‬الملحقات‭ ‬الإدارية‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬باختلاف‭ ‬أنواعها،‭ ‬فالذئب‭ ‬المنفرد‭ ‬بمجرد‭ ‬شروعه‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬لعمليته‭ ‬الإرهابية‭ ‬الجبانة‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬مطوقا‭ ‬بعشرات‭ ‬عناصر‭ ‬أمن‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وكم‭ ‬أشاد‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬بجهود‭ ‬المغرب‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الداخلي‭ ‬والدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجية‭ ‬الاستباق‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الذئاب‭ ‬المنفردة‭ ‬وعناصر‭ ‬الخلايا‭ ‬وتفكيكها‭ ‬قبل‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وتقديم‭ ‬المعلومات‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬فمتى‭ ‬ستأخذ‭ ‬الدولة‭ ‬بمقاربة‭ ‬الاستباقية‭ ‬لمنع‭ ‬وفاة‭ ‬عشرات‭ ‬العمال‭ ‬داخل‭ ‬معمل‭ ‬يفترض‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬سريا‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬خاضعا‭ ‬للقوانين‭ ‬المعمول‭ ‬بها؟‭ ‬استباقية‭ ‬لا‭ ‬تغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬فساد‭ ‬وحوش‭ ‬الرأسمال‭ ‬ووكلائهم‭ ‬بالمدن‭ ‬الصناعية،‭ ‬وتقيم‭ ‬الدنيا‭ ‬ولا‭ ‬تقعدها‭ ‬عن‭ ‬تواطؤ‭ ‬عديمي‭ ‬الشرف‭ ‬والمخلين‭ ‬بمبادئ‭ ‬العمل‭ ‬الإداري،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬يفترض‭ ‬فيها‭ ‬تجسيد‭ ‬مضامين‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬2018‭-‬2021‭ ‬المرتكزة‭ ‬على‭ ‬تحولات‭ ‬مهمة‭ ‬أهمها‭ ‬التحول‭ ‬التخليقي‭.‬

وعلى‭ ‬غرار‭ ‬مسؤولية‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬خول‭ ‬لها‭ ‬القانون‭ ‬سلطة‭ ‬الرقابة،‭ ‬فإن‭ ‬وزارة‭ ‬الشغل‭ ‬والإدماج‭ ‬المهني‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تثار‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬الفاجعة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬مفتشي‭ ‬الشغل‭ ‬والمصالح‭ ‬الطبية‭ ‬للشغل‭ ‬لم‭ ‬تخضع‭ ‬لأية‭ ‬تقوية‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬وتحديث،‭ ‬وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬كذلك‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬طب‭ ‬الشغل‭ ‬والصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وإصدار‭ ‬نصوصها‭ ‬التطبيقية،‭ ‬وسن‭ ‬قانون‭ ‬أساسي‭ ‬مستقل‭ ‬متعلق‭ ‬بمفتشي‭ ‬الشغل‭ ‬والارتقاء‭ ‬بوضعيتهم‭ ‬المهنية‭ ‬وظروفهم‭ ‬المادية‭.‬

وارتباطا‭ ‬بنفس‭ ‬النقطة‭ ‬فإن‭ ‬الفرع‭ ‬الجهوي‭ ‬الرباط‭ ‬ـ‭ ‬الشمال‭ ‬للجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحماية‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬شدد‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬09‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬تقصير‭ ‬مصالح‭ ‬مفتشية‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مهامها‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإحاطة‭ ‬السلطة‭ ‬الحكومية‭ ‬المكلفة‭ ‬بالشغل‭ ‬علما‭ ‬بكل‭ ‬خرق‭ ‬للمقتضيات‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ (‬الفقرة‭ ‬3‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬532‭ ‬من‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل‭)‬،‭ ‬زيارة‭ ‬كل‭ ‬مؤسسة‭ ‬تخضع‭ ‬لمراقبة‭ ‬المفتشية‭ ‬بحرية‭ ‬ودون‭ ‬سابق‭ ‬إعلام‭ (‬المادة‭ ‬533‭)‬،‭ ‬معاينة‭ ‬المخالفات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأحكام‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل‭ ‬وتثبيتها‭ ‬في‭ ‬محاضر‭ ‬يوجهها‭  ‬المندوب‭ ‬الإقليمي‭ ‬المكلف‭ ‬بالشغل‭ ‬إلىمديرية‭ ‬الشغل‭ ‬بالمصالح‭ ‬المركزية‭ ‬والمحكمة‭ ‬المختصة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬أمانديس‭ ‬المفوض‭ ‬لها‭ ‬تدبير‭ ‬قطاع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬بالمدينة‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬حافل‭ ‬في‭ ‬افتراس‭ ‬جيوب‭ ‬الشعوب‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬نظم‭ ‬قوية‭ ‬لحماية‭ ‬المستهلك‭ ‬مثل‭ ‬المغرب‭ ‬لها‭ ‬جزء‭ ‬أوفر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬هذه‭ ‬الفاجعة،‭ ‬فانفجار‭ ‬المجاري‭ ‬وعدم‭ ‬تحمل‭ ‬القنوات‭ ‬لصبيب‭ ‬الأمطار‭ ‬يساءل‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬دفاتر‭ ‬التحملات،‭ ‬ويستوجب‭ ‬افتحاص‭ ‬العقود‭ ‬ومدى‭ ‬وملاءمة‭ ‬المنجز‭ ‬للالتزامات‭ ‬المبرمة،‭ ‬وكذا‭ ‬نصيب‭ ‬المسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬السلطات‭ ‬المخول‭ ‬لها‭ ‬مراقبة‭ ‬هذا‭ ‬المرفق،‭ ‬وكذا‭ ‬الإدارات‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص،‭ ‬إن‭ ‬أرواح‭ ‬العاملات‭ ‬والعمال‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬ضحية‭ ‬هذا‭ ‬الجشع‭ ‬المنظم‭ ‬يلزمنا‭ ‬بتقديم‭ ‬الجناة‭ ‬للمحاسبة‭. ‬

إن‭ ‬عدم‭ ‬التزام‭ ‬أمانديس‭ ‬بمضمون‭ ‬دفاتر‭ ‬التحملات‭ ‬وتراجعها‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬لجنة‭ ‬الداخلية‭ ‬الصادر‭ ‬إثر‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬طنجة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يفرض‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬بالشركة‭ ‬لأنها‭ ‬باتت‭ ‬تهدد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بمدن‭ ‬الشمال‭ ‬ولاسيما‭ ‬طنجة‭.‬

من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬دواعي‭ ‬لجوء‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬إلى‭ ‬تفويض‭ ‬تدبير‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬خدماته‭ ‬والاستعانة‭ ‬بخبرات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وإضفاء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النجاعة‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬أثبت‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬وخصوصا‭ ‬الأجنبية‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬مصالح‭ ‬الساكنة‭ ‬ولا‭ ‬يهمها‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬للمواطنين‭ ‬بل‭ ‬تحركها‭ ‬أهداف‭ ‬ربحية‭ ‬محضة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬اخر،‭ ‬فتتماهى‭ ‬مع‭ ‬فساد‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬المحاسبة‭ ‬القانونية،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬كرامة‭ ‬المواطن‭ ‬ومصالحه‭ ‬وحقوقه‭ ‬الأساسية‭.‬

وغير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة‭ ‬شهدت‭ ‬مدينة‭ ‬الفنيدق‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬خروج‭ ‬مواطناتها‭ ‬ومواطنيها‭ ‬رفضا‭ ‬للأزمة‭ ‬المهولة‭ ‬التي‭ ‬أصابتها‭ ‬بسبب‭ ‬التهميش‭ ‬التاريخي‭ ‬للمنطقة‭ ‬وإغلاق‭ ‬معبر‭ ‬سبتة‭ ‬المحتلة‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الوضعية‭ ‬الصحية‭.‬

معظم‭ ‬الساكنة‭ ‬أصبحت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬فواتير‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرماء‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تسديد‭ ‬الواجبات‭ ‬الكرائية‭ ‬والأبشع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬الصوم‭ ‬ملجأ‭ ‬يحتمون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬للقهر‭ ‬الاجتماعي‭.‬

وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬تمظهرات‭ ‬أزمة‭ ‬الفنيدق‭ ‬بالأرقام،‭ ‬فبعد‭ ‬إغلاق‭ ‬معبر‭ ‬سبتة‭ ‬وتوقيف‭ ‬التهريب‭ ‬المعيشي،‭ ‬عاد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬9000‭ ‬مواطن‭ ‬دون‭ ‬مورد‭ ‬رزق‭ ‬و3600‭ ‬عامل‭ ‬وعاملة‭ ‬بعقود‭ ‬قانونية‭ ‬بسبتة‭ ‬المحتلة‭ ‬مهددون‭ ‬بالطرد‭.‬

وأفلست‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬المقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمخابز،‭ ‬وأغلق‭ ‬600‭ ‬محل‭ ‬تجاري‭ (‬300‭ ‬بسوق‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭) ‬وشلت‭ ‬حركية‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬والأنشطة‭ ‬البنكية،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬آخر‭ ‬ارتفعت‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬وفقدان‭ ‬الشغل‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬فقد‭ ‬غادر‭ ‬900‭ ‬تلميذ‭ ‬وتلميذة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخصوصية‭ ‬نحو‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬تقزيم‭ ‬رواتب‭ ‬موظفيها‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭.‬

إن‭ ‬احتجاجات‭ ‬الفنيدق‭ ‬ليست‭ ‬طيشا‭ ‬أو‭ ‬مغامرة‭ ‬يقودها‭ ‬فصيل‭ ‬سياسي‭ ‬معين‭ ‬ولكنها‭ ‬تعبير‭ ‬حقيقي‭ ‬وبديهي‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الساكنة‭ ‬التي‭ ‬سئمت‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬وخرجت‭ ‬للتنديد‭ ‬بالأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المؤسفة‭.‬

تحل‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬الذكرى‭ ‬العاشرة‭ ‬لحراك‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬رجة‭ ‬داخل‭ ‬دوائر‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬وتوج‭ ‬بعد‭ ‬احتجاجات‭ ‬عارمة‭ ‬بدستور‭ ‬جديد‭ ‬أعطى‭ ‬للحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬بابا‭ ‬بأكمله‭ ‬وجعل‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاختيار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬ثابتا‭ ‬من‭ ‬ثوابت‭ ‬المملكة،‭ ‬ولكن‭ ‬يتضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬للبلاد‭ ‬مازال‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬تطلعات‭ ‬المغاربة،‭ ‬ولعل‭ ‬وفاة‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬عاملة‭ ‬وعامل‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬بشعة‭ ‬خير‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬طعن‭ ‬الدستور‭ ‬وتمريغ‭ ‬أنف‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭.‬

في‭ ‬الذكرى‭ ‬العاشرة‭ ‬لحراك‭ ‬شعبي‭ ‬واسع‭ ‬قدر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يخمد‭ ‬لابد‭ ‬لحكماء‭ ‬مربع‭ ‬الحكم‭ ‬أن‭ ‬يبصروا‭ ‬ما‭ ‬تبعث‭ ‬به‭ ‬حركة‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬إشارات‭ ‬واضحة‭ ‬ويفهموا‭ ‬أن‭ ‬خمود‭ ‬البركان‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬ثورانه‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى