مشروع تقنين نبتة الكيف أم تقنين الوهم
صعوبات تنزيل قانون تقنين نبتة الكيف
إن تنزيل قانون نبتة الكيف تنتظره صعوبات جمة، إن لم يتم إقابره كما أقبرت المشاريع السابقة (وكالة تنمية أقاليم الشمال، سياسات قطاعية)، أو جعله بدون جدوى مادام لم يحقق الهدف الأساس منه والمتمثل في مكافحة المخدرات وخلق تنمية شاملة بالمنطقة، ومنها:
1 – تحديد المنطقة المعنية بالتقنين: يعتبر تحديد المنطقة المعنية بالتقنين أول الإشكالات التي تعترض هذا القانون، بين من يطالب بحصرها في المنطقة التاريخية (كتامة ـ بني خالد ـ بني سدات)، ومن يضف إليها مناطق مجاورة مشابهة للمنطقة التاريخية من حيث التضاريس والمناخ، ومن يطالب بتقنين النبتة في كل المناطق التي يزرع فيها اليوم (الحسيمة ـ العرائش ـ تاونات ـ وزان ـ الشاون ـ تطوان).
2 – ثمن المنتوج: عند استخراج المخدر من نبتة الكيف يكون الثمن مرتفعا، وهو الذي جعل المزارعين يفضلونه عن الزراعات الأخرى، لأن دخله السنوي هو الذي يضمن لهم لقمة العيش. لذلك لن يقبلوا ببيعه بثمن البطاطس أو البصل، وهو ما سيدفعهم إلى الامتناع عن زراعته أو زراعته واستخراج المخدر منه.
3 – ملكية الأرض: من بين الشروط التي نص عليها مشروع التقنين لتسليم رخص الزراعة، هناك شرط في خدمة المزارعين الكبار، لا يتوفر في العديد من المزارعين الفقراء ومن الذين لا يتوفرون على أرض. شرط ملكية الأرض أو ما يثبت ذلك، خصوصا في ظل انتشار ظاهرة الترامي على الملك الغابوي.
4 – هيكلة التعاونيات: لن يختلف قانون تقنين نبتة الكيف عن مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمغرب الأخضر وغيرها من السياسات التي استحوذ عليها الكبار وهمش خلالها الدراويش وهم الغالبية العظمى من ساكنة منطقة زراعة الكيف.
5 – ارتفاع نسبة الأمية والجهل: وهي متفشية وسط الساكنة المعنية بالقانون، وهو ما سيعيق التواصل بينها وبين المشرفين على تنزيل القانون لانخراطها في تفعيله، مما يجعلها أداة طيعة في يد المزارعين الأباطرة.
6 – معتقلي نبتة الكيف: رغم أن المدافعين عن تقنين نبتة الكيف، قدموا قضية المطاردين والمعتقلين بسبب زراعة الكيف أو الاعتداء على الملك الغابوي كحجة حقوقية لإضفاء الشرعية على مطلبهم، إلا أن مشروع القانون لم يشر بالمطلق لهذه النقطة، هكذا ستستمر المطاردات والملاحقات والحرمان من الوثائق الإدارية، وتزداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية استفحالا، رغم تقنين نبتة الكيف.
من أجل حل بعيد عن المخدرات
زيادة على كون المخدرات أحد تجليات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأخطرها على أي مجتمع، لكونها تغتال عقول وصحة وضمائر الطفولة والشباب، ومن ثم إبعادهم عن الانخراط في النضال الشعبي، فهي آفة وجريمة لا تعوض أضرارها لا أموال التقنين ولا أموال التهريب. لذلك تحتاج مكافحتها إلى تضافر جهود الدولة والمجتمع سواء على مستوى الترويج أو التحسيس بمخاطرها على الفرد والمجتمع، لا البحث لها عن مسوغات حقوقية أو تنموية وخزعبلات الموروث الثقافي، مادام ضررها على الإنسان بصحته الجسدية والنفسية والعقلية باديا، وقد جرمتها كل الشعوب والحضارات التي سبقتنا إلى زراعة هذه النبتة العجيبة. ومادامت ضمانات تحويلها إلى استخراج المخدرات بدل الاستعمالات الموعودة غير مضمونة، وكل المؤشرات المتوفرة توحي بفشل تنزيل القانون.
فإذا كان هناك انتشار واسع لاستهلاك المخدرات والاتجار فيها على الصعيد الوطني، فإن حل هذه المعضلة يحتاج إلى القضاء على نبتتها وليس تقنينها، خصوصا في ظل سيادة الفساد الذي يعتبر التربة الخصبة لكل التجاوزات. ونظرا كذلك للمبلغ الكبير الذي تدره المخدرات، والذي قد يهدد السلامة الداخلية للدولة إن سيطرت عليها العصابات المغربية ذات الصيت الدولي والمتخصصة في التهريب الدولي. وقد رأينا كيف تم الربط بين حراك الريف وأحد كبار أباطرة المخدرات، الذي خرج في خطاب مطول يذكرنا بخطب العقيد القذافي، لضرب مصداقية الحراك ونسف شرعيته الشعبية. كما أن هذا القانون لن يتجاوز حدود رفع الحرج عن الدولة المغربية بشرعنة زراعة نبتة الكيف، وتكييفها مع التحولات الدولية بالنسبة لهذه القضية، دون تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في خلق تنمية شاملة بالمنطقة.
فإذا كان بإمكان القانون أن يحرر المزارعين من لا شرعية زراعتهم، فإنه لا يمكنه تنمية مجال جغرافي واسع بكثافة سكانية عالية تعاني من الأمية والجهل والبطالة والفقر والهشاشة وغياب التغطية الصحية والاجتماعية وضعف المداخيل وانتشار الرشوة والصراع اليومي مع السلطات المحلية. فقضية أراضي الكيف هي قضية أغلب أراضي القرى الجبلية في الريف والأطلس والجنوب الشرقي، والتي تحتاج إلى تنمية شاملة بمقاربة حقوقية.
فهذه المناطق كانت أولى بأموال برنامج المغرب الأخضر(الفلاحة) وحتى الأزرق(السياحة)، وبأموال المشاريع الكبرى التي استنزفت ميزانية الدولة دون أن تقدم نتائج كبرى (السياحة ـ القطار السريع). فإيجاد حل لهذه المناطق يتطلب بحثا عن عناصر الانسجام والتكامل بين ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي من أجل خلق تنمية شاملة بها، بناء على قواعد الإنصاف والعدالة الاجتماعية والتضامن بين الجهات.
طريق الوحدة مشروع لم يكتمل
لم يكن مقترح الشهيد المهدي بن بركة بإنشاء طريق الوحدة الرابط بين بلدة كتامة ومدينة تاونات يستهدف فقط ربط المنطقة الاستعمارية الإسبانية بالمنطقة الاستعمارية الفرنسية فحسب، بل كان مقترحا لتوفير البنى الضرورية لخلق تنمية شاملة بكامل التراب الوطني، مع القطع مع سياسة المغرب غير النافع. لذلك سيبقى الحلم مشروعا بخلق تنمية شاملة للمنطقة، من خلال البحث عن بدائل تقوم على عقلنة عمليات التخطيط والتدبير والإنتاج والتسويق لضمان مردودية أكبر، تضمن للساكنة الحق في العمل والسكن والتعليم والشغل والصحة والعيش الكريم بحرية وكرامة، خصوصا وأن المنطقة كانت معروفة بزراعة العنب واللوز والجوز وغيرها، قبل أن تغزوها نبتة الكيف وتزدهر زراعتها. أو تحويل منطقة جبل تدغين إلى إفرن ثانية، لما توفره من إمكانيات السياحة الجبلية، واستغلال المؤهلات الطبيعية الحقيقية وليس الخرافية.
وهذا لا يمكن أن يتحقق دون أن تلعب الدولة أدوارها الرئيسية، من خلال تنويع الاقتصاد بالمنطقة عبر تنويع الخدمات والمهن والمقاولات الزراعية وغير الزراعية، وتأطير الفلاحين والمهنيين وتنظيمهم في تعاونيات، وتوفير الدعم وتمويل المقاولين والفلاحين عبر قروض تشجيعية، وتقديم إعفاءات ضريبية وغيرها من الإجراءات التحفيزية. وهي أدوار لا ننتظر من الدولة القيام بها في ظل سيادة سياسة الريع والسلطة والتوزيع غير العادل للثروة والفساد بحماية من الاستبداد السياسي، لذلك فهي تقدم قوانين تكرس الواقع المتعفن بدل تغييره.
إن استغلال نبتة الكيف نشاط اقتصادي كسائر الأنشطة الفلاحية الأخرى، لكنه مدمر للإنسان والاقتصاد والمجتمع، يعرف هو الآخر تفاوتا طبقيا (عمال زراعيين ـ فلاحين فقراء وصغار ومتوسطين وكبار) لذلك سيكون هذا القانون في خدمة الكبار فقط دون أن يقدم للمهمشين شيئا يذكر. كما أنه لن يضع حدا لاستخراج المخدرات وترويجها، ولن يمكن من تنمية المنطقة وإخراجها من التهميش، ليستمر انتظار مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي بديل يحرر الإنسان والاقتصاد من التهميش والإقصاء والتخلف..
الأخطر في هذا أن الدولة المغربية مستمرة في قطع الأرزاق دون توفير بدائل لذلك، فبعد إغلاق منافذ التهريب عبر الحدود الجزائرية ومعبري سبتة و مليلية، وبعد تراجع عائدات المهاجرين من العملة الصعبة، يأتي الدور على نبتة الكيف، لتكون الدولة بذلك قد أغلقت كل المنافذ التي كانت توفر لملايين مغاربة الشمال من وجدة إلى طنجة لقمة العيش، دون أن توفر بدائل اقتصادية تعوض أنشطة التهريب والمخدرات، وهو ما يحمل بين ثناياه بارودا قابلا للانفجار في أية لحظة، ولنا في حراك الريف خير مثال على ما نقول.