حوار مع رئيس الجمعية المغربية لحقوق التلميذ محمد الحمري
الطريق : عرف تدبير ملف التعليم خلال السنة المنصرمة وخلال هذه السنة أيضا اختلالات انتقدها المكتب الوطني لجمعيتكم عبر عدة بيانات وندوات عقدت خلال السنتين الأخيرتين. ما هو تقييمكم للتدابير الحكومية المتخذة لمواجهة انتشار جائحة كورونا ؟
محمد الحمري : في البداية أتوجه بالشكر الجزيل لمجلة الطريق على فتحها هذا الملف حول التعليم في زمن كورونا لمناقشة الإشكالات المرتبطة بالتعليم في ظل هذه الظروف الاستثنائية. كما نعلم جميعا أنه في بداية الجائحة في السنة الماضية لجأت الحكومة إلى الحل السهل على مستوى التنفيذ والصعب على مستوى التبعات ألا وهو الحجر الصحي. فكان هذا مقبولا ومستساغا لأن العالم كله كان يعيش حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية. كما أن وزارة الصحة لم تكن تتوفر على بنية استقبال لجميع الحالات التي قد تصاب بالوباء، علما أن بنية الاستقبال غير متوفرة للأمراض التقليدية فما بالك بحالة الوباء وهذا نتيجة سياسة الدولة المتسمة بتهميش القطاعات الاجتماعية والاتجاه إلى خوصصتها خصوصا التعليم والصحة ولعل تصريح الحكومة السابق واضح.(الآن الأوان للدولة أن ترفع يدها عن الصحة والتعليم) فيمكن القول أن التدبير المغربي للأزمة المستجدة عرف نجاحا نسبيا في السنة الماضية مقارنة مع عدد الإصابات والوفيات. لكن مباشرة بعد عيد الأضحى الذي كان نقطة تحول في سوء تدبير الملف سنشهد تغييرا كبير في أعداد الإصابات والوفيات واكتظاظا في المستشفيات والمصحات وندرة الأدوية والأكسجين بلغت ذروة هذا الوضع في الثلاثة الأشهر الأخيرة من سنة 2020.
الطريق : ماهي النتائج التي كشفت عنها تجربة التوقيف الكلي للدروس في السنة الماضية؟ وما دلالات إلغاء الامتحانات الإشهادية لنهاية السنة باستثناء الباكالوريا؟ وهل يمكن لهذه الإجراءات التأثير في قيمة الشواهد الدراسية الوطنية ؟
محمد الحمري : في ظل الحجر الصحي لجأت وزارة التربية الوطنية إلى ما أسمته الاستمرارية البيداغوجية
باعتماد التعليم عن بعد بدون توفير الشروط لإنجاح هذا النوع من التعليم، رغم الكم الهائل من الدروس عبر القنوات التلفزية والمنصات الرقمية. وكما يعلم الجميع أنه ليس كل الأسر المغربية تتوفر على حواسيب
وهواتف ذكية ومكاتب للدراسة في المنازل، وأمهات وآباء متعلمون يواكبون الأبناء، وهذا ما دفع جمعيتنا في بيانها بتاريخ 05 أبريل 2020. إلى اعتبار أن ما يسمى بالاستمرارية البيداغوجية مجرد إجراء داعم للحجر الصحي، ولعل إلغاء الامتحانات في السنة الماضية باستثناء امتحانات الباكالوريا التي شهدت ارتباكا كبيرا كان ضحيته تلاميذ الأولى باكالوريا الذين انتظروا إجراء الامتحان الجهوي مباشرة بعد الاختبارات الوطنية لاسيما وأن إدارة مراكز الامتحانات اكتسبت خبرة في التنظيم. لكن للأسف تم تأجيلها بمبررات واهية إلى شهر شتنبر من الموسم الحالي، هذا الإلغاء يؤكد اقتناع الوزارة بمحدودية التعليم عن بعد. ورغم غياب تقويم موضوعي لمخرجات هذا النوع من التعليم. فإنه يمكن القول أن المكتسبات المحصل عليها خلال الموسم الدراسي الماضي هزيلة جدا بشهادة الأساتذة الذين أكدوا ما تشير إليه الدراسات بأن المتعلم(ة) يفقد حوالي 30 في المئة من مكتسباته خلال العطلة الصيفية (شهران فقط). إذن، فكم فقد التلاميذ من مكتسباتهم المرتبطة بتعلمات الأسدوس الأول للسنة الماضية ؟ فالاتجاه العام هو أن أغلب المتعلمين والمتعلمات كانوا في عطلة لمدة ستة أشهر. ولعل اعتماد مدة شهر بكامله للدعم التربوي، وهو إجراء جيد، تأكيد على هزالة التحصيل أثناء التعليم عن بعد. أما قيمة الشواهد الوطنية (الباكالوريا فقيمتها لم ينتقص منها أمام المعاهد العليا في المغرب). لكن قيمة الشهادات الجامعية المغربية في باقي الدول فجلها محط شك بحيث يطلب من حاملها المعادلة وبشروط معينة في الظروف العادية فما بالك في ظروف الجائحة.
الطريق : علاقة بموضوع التقويم، كيف تنظرون في الجمعية المغربية لحقوق التلميذ إلى الإجراءات المعلنة أخيرا من طرف الوزارة بشأن برمجة الامتحانات الإشهادية في ضوء شبه الشلل الكلي الذي تعانيه العديد من المؤسسات التعليمية بسبب الإضرابات المتوالية لعدد من الفئات والهيئات من أساتذة وإداريين ؟
محمد الحمري : فعلا اطلعنا على الجدولة الزمنية للامتحانات في بلاغ وزاري، والتي احترمت مواعيد الامتحانات كما جرت العادة مع الإشارة إلى إمكانية مراجعتها حسب الحالة الوبائية. جميل جدا أن تقوم الوزارة بإصدار هكذا بلاغ لإخبار المعنيين بالأمر بتواريخ الامتحانات. لكن أن يتم الإخبار وكأننا في ظروف عادية بدون مراعاة وضعية الجائحة وتبعاتها (التعليم الحضوري هو نصف زمن التعليم في الظروف العادية بمقرر دراسي كامل. علما أن التعلم الذاتي غير ناجع لدى جميع التلاميذ). فكيف يعقل أن يمتحن المتعلم في المقرر ونحن نعلم أن جل التلاميذ في المدرسة العمومية لم ينجزوا المقرر السنوي بكامله بسبب نظام التعليم التناوبي من جهة والإضرابات من جهة أخرى، ناهيك عن هدر الزمن المدرسي من طرف الوزارة بتنظيمها التكوينات والامتحانات والمباريات في أيام العمل وإلحاق الناجحين في هاته المباريات بمراكز التكوين في عز الموسم الدراسي (مركز المفتشين، مركز التوجيه) وترك الفصول لحلول ترقيعية. ولكن للأسف فقد عودتنا الوزارة اللعب بالأرقام الكمية، وأنه في سنوات الأزمة ترتفع نسب النجاح؛ فمثلا في الموسم الدراسي 2018- 2019 حيث بلغت إضرابات أطر الأكاديمية حوالي شهرين فكانت نسب النجاح جد مرتفعة. الأمر نفسه في السنة الماضية مع التعليم عن بعد حيث ارتفعت نسبة النجاح في الباكالوريا إلى أعلى مستوياتها.
الطريق : في ضوء مواقفكم المعلنة بشأن غياب تكافؤ الفرص بين تلاميذ الخصوصي والعمومي من جهة وبين تلاميذ الحواضر والقرى من جهة أخرى، وفي ضوء استمرار الوزارة في إغلاق باب الحوار مع ممثلي الشغيلة التعليمية.. كيف ترون الحق في التعليم في ظل الظروف الراهنة ؟
محمد الحمري : صحيح منذ تأسيس الجمعية ومطلب تكافؤ الفرص بين التلاميذ أولوية الجمعية، وكنا لا نكل من طرحه في كل بيان أو ندوة أو حوار. لأنه المعضلة الحقيقة، فالتعليم الأساسي غير مُوحَّدٍ ولا مُوَحِّدٍ. فهناك
تعدد أنواع التعليم بمناهج مختلفة وأهداف مختلفة (تعليم عتيق، تعليم أصيل، تعليم عمومي، تعليم خصوصي، تعليم البعثات). وحتى في نفس النوع نجد عدم تكافؤ الفرص (فالتعليم العمومي في الوسط القروي متخلف عن التعليم العمومي في الوسط الحضري). وعموما عدم تكافئ الفرص مطروح في الظروف العادية فتلاميذ الوسط القروي لا يستفيدون من حقهم في التعليم كزملائهم في الوسط الحضري. فتلاميذ الوسط القروي يدرسون في توقيت مستمر مرهق، وفي أقسام مشتركة، وفي فضاء تربوي غير مؤهل، ويدرسونهم أساتذة أغلبهم أطر الأكاديمية ينخرطون في إضرابات طويلة بلغت شهرين في سنة 2019، يذهب ضحيتها التلاميذ بالدرجة الأولى وأيضا هناك عدم تكافؤ الفرص بين تلاميذ التعليم العمومي بشكل عام ونظرائهم في التعليم الخصوصي. ففي التعليم الخصوصي تدرس جميع المواد العلمية باللغة الفرنسية منذ التعليم الابتدائي، وهناك تأمين واضح لزمن التعلم، واعتماد مناهج مختلفة عن التعليم العمومي (تقليص ساعات المواد الأدبية، تحويل المقررات الموازية في الرياضيات واللغة الفرنسية إلى مقررات رئيسية…) هذه فقط أمثلة لعدم تكافؤ الفرص في الوضع العادي، أما في الحالة الوبائية فقد ازداد الطين بلة: فالتلاميذ الداخليون في الوسط القروي لم يلتحقوا بمدارسهم في الوقت المحدد بسبب تأخر فتح الداخليات (بلغت مدة التأخير شهرين في بعض الحالات). وبعد فتح الداخليات أصبحوا يدرسون حضوريا أسبوعا ويلزمون منازلهم أسبوعا آخر في إطار ما يسمى بالتعلم الذاتي، ونعلم أن ظروف التعلم الذاتي غير متوفرة بتاتا في الوسط. ومع انطلاق مسلسل الإضرابات من جديد تضرر تلاميذ الوسط القروي أكثر بسبب تواجد الانتشار الواسع لفئة الأساتذة أطر الأكاديمية بهذا الوسط الذي تعرف فيه المدارس شللا تاما عكس المدارس في الوسط الحضري التي تعيش وضعا أفضل على مستوى توقف الدراسة. وبالنسبة للتعليم الخصوصي فقد طور وسائله التكنولوجية ليضمن التعليم بنوعيه (التناوبي، وعن بعد) حسب رغبة الزبناء. كما أن جل المدارس الخصوصية وفرت مواكبة جيدة لتلاميذ التعلم الذاتي. ومع التراخي في احترام الشروط الاحترازية أعادت بعض المدارس الخصوصية السير العادي للدراسة بتنبي التعليم الحضوري كليا. وتجدر الإشارة إلى أن مراكز الدعم التربوي الليلية تنشط بشكل عادي دون مراعاة للتدابير الاحترازية وبدون مراقبة من أي جهة. فحتى بعض أساتذة التعليم الجامعي خصوصا أساتذة المواد العلمية يقدمون دروسا عن بعد في إطار التعليم النظامي، ويدفعون طلابهم بطرق مختلفة لحضور الدروس الخصوصية في مراكز الدعم الخصوصية (تتوفر الجمعية على شكاية ضد أستاذ جامعي بكلية العلوم بمكناس لا يفهم الطلبة دروسه عن بعد فيلجئون إلى تعليم حضوري مواز في أحد مراكز الدعم بمكناس وهناك من يشتغل معهم ما يساعدهم في النجاح في مادته العلمية)؟؟
الطريق : كلمة أخيرة للقراء.
محمد الحمري : تدمير المدرسة العمومية انتقل من الهدف الضمني إلى الممارسة الصريحة لتحقيق هذا الهدف. ولكن وإن كانت مسؤولية المؤسسات واضحة لا غبار عليها فإن مسؤولية الأفراد من أستاذة وإداريين ومفتشين كل من موقعه ثابتة أيضا بالصمت والتواطؤ أو بالممارسة التي تلتقي موضوعيا مع هدف الدولة في سحب الثقة كليا من المدرسة العمومية لفتح الباب للقطاع الخصوصي الذي بات ينتشر كالفطر، وقد صل إلى بعض المراكز الشبه حضرية. فلا أحد بريء مما يحاك ضد المدرسة العمومية.