السياسة

التطبيع أداة امبريالية

◆ رقيي محمد

تمر منطقة شمال إفريقيا بمرحلة دقيقة نتيجة الإختراق الامبريالي الصهيوني الرجعي لهذا المجال الجيوستراتيجي الذي يربط إفريقيا بأوروبا. فَضِدّاً على إرادة الشعب المغربي والدور التاريخي الذي تقوم به شعوب المنطقة في دعم القضية الفلسطينية، وبعد توقيع النظام المغربي والكيان الصهيوني إتفاقية التطبيع في 22 دجنبر 2020 برئاسة حكومة العثماني، يتم استكمال هذا الهجوم الامبريالي الصهيوني، بوتيرةٍ أسرع، وفي أقل من سنة، بتوقيع إتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين الحكومة الثانية برئاسة أخنوش ووزارة الحرب للكيان المحتل، وبذلك تكون الإمبريالية قد حققت اختراقا هو الأقوى والأخطر مقارنة مع ما سبقه من إتفاقيات الخيانة التي لا زالت الشعوب العربية والشعب الفلسطيني تعيش ويلاتِها ولم تتخلص بعدُ من آثارها وعواقبها.

إن‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬الإختراق‭ ‬الذي‭ ‬إمتدّ‭ ‬الى‭ ‬المغرب‭ ‬الأقصى‭ ‬بمنطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬كَونهِ‭  ‬تفصله‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬وحدود‭ ‬تبعدُ‭ ‬بكثير‭ ‬عن‭ ‬دُول‭ ‬الطوق‭ ‬والأراضي‭ ‬المحتلة‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬مبرر‭ ‬لعقد‭ ‬اتفاقية‭ “‬أمنٍ‭” ‬أو‭ “‬تعاون‭” ‬عسكري،‭ ‬مع‭ ‬كيانٍ‭ ‬محتل‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬بالأمسِ‭ ‬وبقيادةِ‭ ‬جيوش‭ ‬مغربية‭ ‬يُحاربهُ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬وباقي‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة‭.‬

ولهذا‭ ‬فانتقال‭ ‬إهتمام‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الاحتكارات‭  ‬النفطية‭ ‬بمنطقة‭ ‬الجزيرة‭ ‬والخليج‭ ‬الى‭ ‬إهتمامها‭  ‬بِشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تُفسرهُ‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬بالأساس‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭  ‬و‭ ‬إحتكار‭ ‬ثروات‭ ‬ومؤهلات‭ ‬إقتصادية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬ثروات‭ ‬الخليج،‭  ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬إستغلال‭ ‬هشاشة‭ ‬النظام‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الامبريالية‭ ‬العالمية،‭ ‬بحجةِ‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬له‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ “‬الأطماع‭ ‬الخارجية‭”. ‬نعم‭ ‬لقد‭ ‬سرّعَت‭ ‬قرارات‭ ‬جنرالات‭ ‬الجزائر‭ ‬ودفعت‭ ‬بالنظام‭ ‬المغربي‭ ‬إلى‭ ‬الارتماءِ‭ ‬في‭ ‬وحلِ‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة،‭  ‬بعد‭ ‬غلق‭ ‬الحدود‭ ‬البرية‭ ‬والمجال‭ ‬الجوي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭  ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التحريض‭ ‬والدعم‭ ‬اللامشروط‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬لدعم‭ ‬جبهة‭ ‬البوليزاريو،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬كانت‭ ‬مفاتيح‭ ‬وذرائع‭ ‬لجعلِ‭ ‬التواجد‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصهيوني‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المغرب‭ ‬الأقصى،‭  ‬أمراً‭ ‬مقبولا‭ ‬ومسلماً‭ ‬به‭.‬

فتلاقي‭ ‬المصالح‭ ‬الامريكية،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬حدّدتهُ‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬وخطة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭  ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬استقرارها‭ ‬واستمرارها،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬منطقي‭ ‬لتأمين‭ ‬وسائل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬غاياتهما؛‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬إستمرار‭ ‬نظام‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مقابل‭ ‬سيطرة‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬خيرات‭ ‬و‭ ‬ثروات‭ ‬المنطقة‭.‬

والذي‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات،‭ ‬هو‭ ‬انها‭ ‬تشكل‭ ‬إتفاقية‭ ‬ثلاثية‭ ‬عسكرية‭ ‬تهمُّ‭ ‬تعاونا‭ ‬أمنياً‭ ‬برعاية‭ ‬أمريكا‭ ‬بين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المحتل‭ ‬والنظام‭ ‬المغربي،‭ ‬أولاً‭ ‬لِتثبيث‭  ‬قواعد‭ ‬عسكرية،‭ ‬ُتهدد‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬منطقة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وكل‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ثانياً‭ ‬فهي‭ ‬تشكل‭ “‬دعماً‭ ‬وإستقواءً‭” ‬لصالح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإضعافاً‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭. ‬

ومن‭ ‬تم‭ ‬فهي‭ ‬ستقوضُ‭ ‬كلّ‭ ‬تقاربٍ‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وستضعُ‭ ‬المنطقة‭ ‬المغاربية‭ ‬فوقَ‭ ‬صفيح‭ ‬حربٍ‭ ‬ساخن‭. ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭  ‬أمريكا‭ ‬فرضَ‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية،‭ ‬لانتزاعِ‭ ‬اعترافٍ‭  ‬بالكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وانتزاع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها‭ ‬من‭ ‬حضنِ‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬الممانعة‭. ‬وإبعادِها‭ ‬عن‭ ‬حركات‭ ‬المقاومة‭ ‬وحركات‭ ‬التحرر‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭. ‬ودفعها‭  ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لإلتزامِ‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬الصراع‭  ‬العربي‭- ‬الإسرائيلي‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬المخزني‭ ‬هي‭ ‬إغراق‭ ‬لمنطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬والإنقسامات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬تفثيت‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وخلق‭ ‬تناقضات‭ ‬سياسية‭ ‬عميقة،‭ ‬ستقتُل‭ ‬الأمل‭ ‬وبشكل‭ ‬نهائي‭ ‬في‭ ‬رغبةِ‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬المغاربية‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬والاندماج،‭  ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تبديد‭ ‬مشروع‭ ‬وحدة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولازالت‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬أملها‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تشكل‭ ‬إتفاقتي‭ ‬التطبيع‭ ‬والتعاون‭ ‬العسكري‭ ‬الخيانيتين‭  ‬إنحرافاً‭ ‬خطيراً‭ ‬ضداً‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬بفرضها‭  ‬لواقع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬يهدد‭ ‬استقرارها‭ ‬الأمني‭  ‬والسياسي‭ ‬وحتى‭ ‬الإقتصادي،‭ ‬فهي‭ ‬أيضا‭ ‬تدفع‭ ‬لفرملة‭ ‬وتحريف‭ ‬الصراع‭ ‬الرئيسي،‭ ‬العربي‭-‬الإسرائيلي‭. ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬الصراع‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬الامبريالي‭ ‬الصهيوني‭ ‬والرجعي،‭  ‬يتم‭ ‬توجيهه‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬عربي‭-‬عربي‭ ‬لتعطيل‭ ‬وتبديد‭ ‬كل‭ ‬التحالفات‭ ‬المستقبلية‭ ‬الممكنة،‭ ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬نتائجه‭: ‬

‭ ‬تطويق‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬والقوى‭ ‬الوطنية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتقدمية‭ ‬وعزلِ‭ ‬تأثيرها‭ ‬لأجل‭ ‬إحتوائها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬مشتركة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والأنظمة‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬نشر‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوجود‭ ‬والتحالف‭ ‬الأمريكي‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬تحالف‭ ‬آخر‭ ‬نقيض‭.‬

‭ ‬التحكم‭ ‬الاستباقي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحراكات‭ ‬الشعبية‭ ‬المرتقبة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

‭ ‬تركيز‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬وإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬يمثل‭ ‬سبقاً‭ ‬عسكريا‭ ‬يعزز‭ ‬نفوذ‭ ‬التحالف‭ ‬الإمبريالي‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والبوابةِ‭ ‬على‭ ‬أوربا‭.‬

‭ ‬إزاحة‭ ‬وتحيِيد‭ ‬دولتين‭ ‬قويتين‭ ‬كالمغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭- ‬الإسرائلي‭  ‬ونقله‭ ‬لصراع‭ ‬مغربي‭- ‬جزائري،‭ ‬هو‭ ‬إضعاف‭ ‬لدورهما‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

‭ ‬إحداث‭ ‬انقسام‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬المغاربي‭ ‬والعربي‭ ‬بربطِ‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرجعية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالإستراتيجية‭ ‬العدوانية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

إن‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬التطبيع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬خصوصا،‭  ‬تعتبر،‭ ‬قاعدة‭ ‬خلفية‭ ‬لدعم‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وتشجيعا‭ ‬لجرائمه،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المعيقة‭ ‬والهدامة‭ ‬لفعل‭ ‬ومستقبل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى